الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحيحا ورحم الله الحافظ ابن حجر حيث قال (1) : ((لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ولو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله)) فقد أشار رحمه الله الى العمل ولم يتكلم عن الصحة الاصطلاحية، ومن دقق النظر في كلام الشافعي السابق ذكره يجده ينحو نحو هذا الاتجاه.
المبحث السادس: أهمية علل الحديث
اذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه فان علم علل الحديث لذلك يعد من أشرف العلوم؛ لأنه من أكثرها نفعا فهو نوع من أجل أنواع علم الحديث وفن من أهم فنونه، ورحم الله الامام النووي حيث قال:(ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات، أعني: معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ومقلوبها، ومشهورها وغريبها وعزيزها ومتواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها)) (2) .
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموما لأنه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النبي صلى الله عليه وسلم من غيره وصحيح الحديث من ضعيفه وصوابه من خطئه؛ قيل لعبد الله بن المبارك (3) : هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال:
(1) النكت 1/372.
(2)
مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/2.
(3)
هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير. تقريب التهذيب 1/445.
((تعيش لها الجهابذة)) (1) .
وقد ذكر الحاكم: أن معرفة علل الحديث علم برأسه غير معرفة السقيم والجرح والتعديل (2) . وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان (3) في قبول الأخبار ويطلبان الشهادة على الحديث أحيانا من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي، ثٍم اهتم العلماء به من بعد لئلا ينسب خطأ الى السنة المطهرة شيء ليس منها. فعلم العلل له مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ والصواب والصحيح من المعوج، وقد اعتنى به أهل العلم قديما وحديثا؛ ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون لنا الثروة العظيمة التي دونها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي بن المديني، وأحمد والبخاري، والترمذي، وابن أبي حاتم والدارقطني وغيرهم (4) . وما ذلك الا لأهمية هذا الفن. ولأهمية هذا العلم نجد أن بعض جهابذة العلماء يصرح بأن معرفة العلل عنده مقدم على مجرد الرواية يقول عبد الرحمن بن مهدي: ((لان
(1) رواه عنه بسنده ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات 1/46، ونقله المعلمي اليماني في التنكيل 1/49.
(2)
معرفة علوم الحديث ص112.
(3)
في احتياط الصحابة ، أنظر السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص75 ، وكان علي بن أبي طالب يستحلف الراوي أحيانا ، فقد روى الامام أحمد في مسنده حديث ،رقم (2) عن علي قال:(كنت اذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه واذا حدثني عنه غيري استحلفته)) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/267- 268: ((هذا حديث جيد الاسناد)) .
(4)
أنظر ماكتبه شيخنا الأستاذ صبحي السامرائي في مقدمته لشرح علل الترمذي لابن رجب ص18-20 في الكتب المؤلفة في العلل وما طبع منها.
أعرف علة حديث واحد أحب الي من أن أستفيد عشرة أحاديث)) (1) .
ويزيد هذا العلم أهمية أنه من أشد العلوم غموضا، فلا يدركه الا من رزق سعة الرواية، وكان مع ذلك حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر، واسع المران.
قال أحمد بن صالح المصري (2) : ((معرفة الحديث بمنزلة الذهب والشبه فان الجوهر انما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة اذا قيل له: كيف قلت: ان هذا الجيد والرديء)) (3) لذلك فان وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز؛ قال ابن رجب: ((وقد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل وعزته، وأن أهله المحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث، وقد قال أبو عبد الله بن مندة (4) الحافظ: انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث)) (5)
وقال الحافظ ابن حجر: ((المعلل من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم بها الا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا وحفظا واسعا ومعرفة تامة بمراتب الرواة وملكة قوية بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه الا القليل من أهل هذا الشأن: كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن أبي شيبة، وأبي حاتم،
(1) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/9 ، وقد نقله الحاكم في معرفة علوم الحديث ص112 ، وابن رجب في شرح العلل 1/470.
(2)
أحمد بن صالح المصري أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ، تهذيب التهذيب 1/49، تقريب التهذيب: 1/16.
(3)
الجرح والتعديل 2/96.
(4)
أبو عبد الله بن مندة الحافظ هو محمد بن يحيى بن ابراهيم بن الوليد ابن مندة المتوفي 301 ، تذكرة الحفاظ ص741 ، وطبقات الحفاظ ص313.
(5)
شرح علل الترمذي 1/339-340.
وأبي زرعة، والدارقطني)) (1)
ثم ان معرفة علل الحديث من الأمور التي لا تنال الا بممارسة كبيرة في الاعلال والتضعيف ومعرفة السند الصحيح من الضعيف، فمن أكثر الاشتغال بعلم الحديث وحفظ جملة مستكثرة من المتون حتى اختلطت بلحمه ودمه وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها استطاع أن يميز الحديث الصحيح من الحديث المعل، ولذا يقول الربيع بن خيثم:((ان للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره)) (2) .
ثم على الباحث قبل أن يحكم على حديث بعلة أن يجمع طرق الحديث ويستقصيها من الجوامع والمسانيد والأجزاء، ويسبر أحوال الرواة فينظر في اختلافهم وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والاتقان، وعند ذلك وبعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد أن الحديث معل بارسال في الموصول أو وصل في المرسل أو المنقطع، أو سقوط رجل بسبب التدليس، أو وقف في المرفوع، أو معارضة بما هو أقوى لا تحتمل التوفيق، أو دخول حديث في حديث أو وهم أو ما أشبه ذلك من العلل القادحة، ثم يغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيه فيتوقف عن الحكم، وقد يغلب ظن الناقد علة في الحديث ثم تقصر عبارته عن اقامة الحجة في دعواه فيعله بغير قادح، أو يعله من غير أن يفصح عن القادح، لكنه يحس في نفسه احساسا لا دافع له بان في هذا الحديث علة كاحساس الجوهري الحاذق بزيف الزائف، مما يجعله يرى في نفسه أن ذلك كاف للاعلال كالاعلال بالتفرد؛ لذا قال
(1) نزهة النظر ص47-48.
(2)
الموضوعات 1/103.
عبد الرحمن بن مهدي: (1)((معرفة علل الحديث الهام فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة)) .
(1) معرفة علوم الحديث للحاكم ص112.