الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مُقَدِّمَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْمُدَرِّسُ الْمُصَنِّفُ الْعَلَّامَةُ خَطِيبُ الْخِلَافَةِ الْعَلِيَّةِ وَالْمُفْتِي بِالْحَاضِرَةِ التُّونِسِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْأَنْصَارِيُّ شُهِرَ الرَّصَّاعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِدَقَائِقِ حَقَائِقِ الْمَعْقُولَاتِ، الْحَكِيمِ الَّذِي أَحْكَمَ بِحِكْمَتِهِ رَقَائِقَ دَقَائِقِ الْمَصْنُوعَاتِ، الْكَرِيمِ الَّذِي عَلَّمَنَا تَعْرِيفَ الْفُصُولِ وَخَاصَّةَ الْمَحْدُودَاتِ، وَأَلْهَمَنَا بِفَضْلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِخَوَاصِّ الْكَائِنَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْهَادِي لِشَرْحِ بَيَانِ الْمُشْكِلَاتِ، وَخَالِقِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْقُلُوبِ الزَّاهِرَاتِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ مِنَنِهِ الْغَادِيَاتِ السَّابِحَاتِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا سَنَّهُ مِنْ نِعَمِهِ وَعَرَّفَنَا بِهِ حَقَائِقَ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَصِلُ بِهَا إلَى مَعَارِفِ الْجَنَّاتِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَتَانَا بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَأَرْشَدَنَا إلَى الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، وَحَقَّقَ لَنَا حَقَائِقَ الْعَقَائِدِ وَدَقَائِقَ الْفَرْعِيَّاتِ، وَأَصَّلَ لَنَا أُصُولَ الدِّيَانَاتِ وَالْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ اقْتَبَسُوا مِنْ أَنْوَارِهِ وَالْتَقَطُوا مِنْ أَزْهَارِهِ، وَبَلَّغُوا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مَا تَبَرَّكُوا بِهِ مِنْ نَوَامِي الْبَرَكَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا سَلَامًا نَنْجُو بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَنَصِلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ نُفُوسِنَا الْأَمَّارَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ مِنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ وَأَظْهَرَ فَضْلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَيَّ بِمَحَبَّةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ الَّذِي افْتَخَرَتْ بِهِ أُمَّةُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام الشَّيْخِ الْوَلِيِّ الْعَالِمِ الْأَعْلَمِ الصَّالِحِ الزَّكِيِّ الْقُدْوَةِ الْأُسْوَةِ السُّنِّيِّ السَّنِيِّ الْعَارِفِ عَلَى التَّحْقِيقِ، الْهَادِي إلَى الطَّرِيقِ الدَّالِّ عَلَى التَّدْقِيقِ، صَاحِبِ السَّعْدِ وَالسُّعُودِ وَالْيُمْنِ وَالتَّوْفِيقِ، شَيْخِ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِنَا نِهَايَةِ الْعُقُولِ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ فِي وَقْتِنَا وَقَبْلَ وَقْتِنَا بَقِيَّةِ الرَّاسِخِينَ مِنْ سَادَاتِنَا آخِرِ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ سَلَفِنَا سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا وَبَرَكَتِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ وَرَحِمَ سَلَفَهُ وَأَعَادَ عَلَيْنَا فَضْلَهُ، وَصَيَّرَنَا
مِمَّنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَعَرَفَهُ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَأَسْبَغَ بِهَا عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ لَمَّا تَوَاتَرَ لَدَيْنَا مِنْ حُسْنِ طَرِيقِهِ وَهَدْيِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَبَلَاغَةِ فَهْمِهِ، وَقُوَّةِ عِزِّهِ لِطَاعَةِ رَبِّهِ، فَزَرَعَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَحَبَّتَهُ، وَأَلْقَى فِي أَفْئِدَتِهَا مَوَدَّتَهُ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِخَاصَّةِ الصَّالِحِينَ، فِي إلْقَاءِ مَوَدَّتِهِمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا شُيُوخَنَا الْآخِذِينَ عَنْهُ يَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّهِ مُعَظِّمِينَ لِقَدْرِهِ، مُسَلِّمِينَ لِفَهْمِهِ، لَا يُعَارِضُونَهُ وَلَا يُرَاجِعُونَهُ إلَّا بِأَدَبٍ وَوَقَارٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْبَارٍ، وَقَدْ قَيَّدْنَا عَنْهُمْ مَا سَمِعْنَا مِنْ كَرَامَاتِهِ وَمَا بَلَغَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَسِيَادَاتِهِ وَمَا قُيِّدَ عَنْهُ مِنْ ابْتِكَارَاتِهِ.
وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَآخِرِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَعِلْمِهِ، مَا يَحْمِلُ طَالِبَ الْعِلْمِ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَبِرِّهِ، وَشَاهِدُنَا كُتُبُهُ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ شَافِيَةٌ وَافِيَةٌ الْمُبْرِزُ مِنْ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يَفُكُّ رُمُوزَهَا وَيَفْهَمُ إشَارَاتِهَا وَيَتَفَاخَرُونَ بِذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَكُلُّ ضَعِيفِ الْعَقْلِ خَبِيثُ سَرِيرَةٍ وَكَبِيرُ جَهْلٍ إذَا رَبَتْ بِهِ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ عَلَا وَغَلَا، فَيَتَعَرَّضُ بِالِاعْتِرَاضِ لِلْعَطَبِ وَالْبِلَا حَفِظَ اللَّهُ قُلُوبَنَا وَمَلَأَهَا بِمَحَبَّتِنَا فِي سَادَاتِنَا الَّذِينَ فَتَحُوا لَنَا الْأَبْوَابَ وَهَدَانَا اللَّهُ بِهِمْ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَلَمَّا كُنْت كَثِيرَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ لِهَذَا السَّيِّدِ الْكَرِيمِ أَكْثَرْت مِنْ النَّظَرِ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ وَوَلِعْت فِي طَلَبِ تَفْهِيمِ فَوَائِدِهِ اللُّغَوِيَّةِ فَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُحِبِّينَ مِنْ الطَّلَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْصَنِهِمْ عَلَى النَّظَرِ فِي دَقَائِقِهِ وَالتَّفَقُّهِ فِي حَقَائِقِهِ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفَرْعِيَّاتِ، مُحَصِّلَةٌ لِحَقَائِق الْفِقْهِيَّاتِ، لِأَنَّ رُسُومَهُ قَوَاعِدُ مَذْهَبِيَّةٌ كُلِّيَّاتٌ، فَحِفْظُ الطَّالِبِ لِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ إعَانَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفُرُوعِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ، وَلَمَّا سَمِعَ مِنِّي مِرَارًا بَعْضُ نُبَلَاءِ الطَّلَبَةِ وَنُجْلِ فُضَلَاءِ الْأَحِبَّةِ شَرْحَ كَبِيرٍ مِنْ حَقَائِقِهِ رضي الله عنه، وَبَسْطَ مَوَاضِعَ مِنْ دَقَائِقِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، طَلَبَ مِنِّي شَرْحًا لِحُدُودِهِ، مُبَيِّنًا لِفَرَائِدِهِ، وَفَاتِحًا لِأَبْوَابِ عُقُودِهِ، فَرَأَيْت أَنَّ هَذِهِ مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَهِدَايَةٍ مِنْ الْكَرِيمِ سَاقَهَا الْحَلِيمُ إلَيَّ، بِخِدْمَتِي لِشَيْخِ سُنَّةِ، النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام الَّذِي كَانَتْ حَيَاتُهُ بِلُطْفِهِ الْجَمِيلِ وَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ فَأَجَبْت السَّائِلَ لِمَا سَأَلَ.
وَاعْتَمَدْت عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَرَغِبْت
مِنْ مَوْلَايَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ وَأَنْ يُتَمِّمَ لِي قَصْدَهُ وَعَمَلَهُ وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي حِمَى الْمُؤَلِّفِ رضي الله عنه بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحِمِ سَلَفِهِ وَأَنْ يُحَصِّنَنَا بِحِصْنِ نَبِيِّهِ الْحَصِينِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَسَمَّيْته " كِتَابَ الْهِدَايَةِ الْكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ لِبَيَانِ حَقَائِقِ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْوَافِيَةِ " فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا، وَيَجِبُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، لِيُسْتَعَانَ بِهَا فِي فَهْمِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا وَفِيهَا مَسَائِلُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْوَلِيِّ وَسَائِلُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ نَسَبِهِ وَفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَتَآلِيفِهِ وَسِنِّهِ وَمَوْتِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَطَرِيقِهِ فِي هَدْيِهِ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً صَالِحَةً يَقِفُ عَلَيْهَا مَنْ لَهُ مَحَبَّةٌ وَشَوْقٌ فِي مَقَامِ هَذَا الْوَلِيِّ السُّنِّيِّ لِيَزِيدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ وَزِيَادَةً فِي بِرِّهِ وَتَخَلُّقًا بِطَرِيقِهِ وَتَحَقُّقًا فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَاحْتِقَارًا لِنَفْسِهِ وَيُعْلَمَ أَنَّ عِلْمَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِهِ وَإِخْلَاصٌ لِنِيَّتِهِ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ لِرَبِّهِ فِي خِدْمَتِهِ.
أَمَّا نَسَبُهُ رضي الله عنه فَهُوَ الشَّيْخُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَعْلَمُ الْإِمَامُ الصَّالِحُ الْعَالِمُ الْقُدْوَةُ الْعَلَّامَةُ الْبَرَكَةُ الْفَهَّامَةُ ذُو الْقَدْرِ الْكَبِيرِ وَالْفَخْرِ الشَّهِيرِ الْحَاجُّ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الْمُعَظِّمُ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْوَرِعُ الْأَنْزَهُ الْأَكْمَلُ سَيِّدُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا الْوَرْغَمِّيُّ نَسَبًا التُّونِسِيُّ مَوْلِدًا وَمَنْشَأً تَزَايَدَ رحمه الله عَامَ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ عَامَ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكَانَ وَالِدُهُ رَجُلًا خَيِّرَا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا جَاوَرَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَلَازَمَهَا وَتُوُفِّيَ بِهَا وَكَانَ يَدْعُو فِي آخِرِ لَيْلِهِ لِوَلَدِهِ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنَ عَرَفَةَ فِي حِمَاك يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى صَحِبَهُ اللُّطْفُ الْجَمِيلُ فِي حَيَاتِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ الْبَرَكَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَانَ صَاحِبَ جَدٍّ وَوِلَايَةٍ وَبَخْتٍ وَيُنَاوِلُ عَصَا الْخَطِيبِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِلشَّيْخِ وَلِيِّ اللَّهِ سَيِّدِي خَلِيلٍ فَإِذَا نَاوَلَهُ ذَلِكَ يُفَكِّرُهُ وَيَقُولُ لَهُ يَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ وَلَدِي اُدْعُ لَهُ وَهَذِهِ سَعَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَعِنَايَةٌ سَمَاوِيَّةٌ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ فَكَانَ بِذَلِكَ لَهُ الْكَرَامَاتُ مِنْ اللَّهِ وَكَانَ رضي الله عنه فِي صِغَرِهِ مَشْهُورًا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالْمُطَالَعَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ
وَالْمُلَازَمَةِ لِلشُّيُوخِ الْجِلَّةِ وَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مُقَدِّمَاتُ الْفَلَاحِ الْمُنْتِجَةُ لِمَا نَتَجَتْ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالصَّلَاحِ وَأَخَذَ عَنْ شُيُوخٍ جَلِيلَةٍ عَظِيمَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَمُ الْأَعْلَامِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْعَشْرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَدِيثَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَازَمَهُ كَثِيرًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمًا غَزِيرًا وَأَخَذَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ سَلَامَةَ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ وَأَخَذَ الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ عَنْ الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَابْنِ الدَّرَّاسِ وَابْنِ الْحُبَابِ قَالَ رحمه الله فِيمَا نَقَلْنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا قَرَأْت الْقُرْآنَ بِالسَّبْعِ عَلَى الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ مِنْ طَرِيق الدَّانِي وَابْنِ شُرَيْحٍ وَعَلَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ بْنُ برال بِالسَّبْعِ مِنْ طَرِيقِ الدَّانِي وَقَرَأَ أُصُولَ الْفِقْهِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَلْوَانَ وَأُصُولَ الدِّينِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ سَلَامَةَ وَعَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ قُبَيْسٍ وَالْجَدَلَ وَالْمَنْطِقَ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ الْحُبَابِ وَالْفَرَائِضَ عَلَى الشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَالْحِسَابَ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَالْفِقْهَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخِ ابْنِ الْقَدَّاحِ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالسَّطِّيِّ وَسَائِرَ الْمَعْقُولِ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَكَانَ الْأُبُلِّيُّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا جِدُّهُ وَاجْتِهَادُهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَالسَّعْيِ فِي ثَوَابِهِ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَصَدَقَتِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَنَالَ دَرَجَةَ الصَّالِحِينَ وَذِكْرُ الْحِكَايَاتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ وَتَدْوِينِ تَصْنِيفٍ وَأَلَّفَ رضي الله عنه تَآلِيفَ عَجِيبَةً وَمُصَنَّفَاتٍ غَرِيبَةً مِنْهَا تَأْلِيفُهُ الْفِقْهِيُّ لَمْ يُسْبَقْ بِهِ فِي تَحْقِيقِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَجَمْعِهِ وَأَبْحَاثِهِ الرَّشِيقَةِ وَحُدُودِهِ الدَّقِيقَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ أَبْحَاثِهِ الْمُبْتَكَرَةِ وَفَوَائِدِهِ الَّتِي هِيَ فِي كُلِّ أَوْرَاقِهِ مُنْتَشِرَةٌ وَتَأْلِيفُهُ الْمَنْطِقِيُّ فِيهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْفَوَائِدِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ كِبَارُ الْفُحُولِ عَلَى صِغَرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَتَأْلِيفُهُ الْفَرْضِيُّ وَتَأْلِيفُهُ الْأُصُولِيُّ الدِّينِيُّ وَالْفِقْهِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ إمْلَاءَاتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَانَ رضي الله عنه مَسْعُودًا فِي دُنْيَاهُ مَرَضِيًّا عَنْهُ فِي أُخْرَاهُ أَعَزَّهُ بِطَاعَتِهِ وَأَطَالَ عُمْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَعَظَّمَتْهُ الْمُلُوكُ لِهَيْبَةِ دِيَانَتِهِ وَقَامَتْ بِحَقِّهِ لِقُوَّةِ خِدْمَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَظُهُورِ كَرَامَتِهِ وَكَانَ مِنْ سَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ بِفِتْنَةِ الْقَضَاءِ مَعَ
قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ حِفْظًا لَهُ مِنْ رَبِّهِ لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ فِي عِلْمِهِ.
وَقُدِّمَ لِلْإِمَامَةِ بِالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ عَامَ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَقُدِّمَ لِخَطَابَتِهِ عَامَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقُدِّمَ لِلْفَتْوَى عَام ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ.
وَمِنْ غَرِيبِ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ إلَى مَوْتِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ تَعَذُّرٌ عَنْ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي أَيَّامِ مَرَضِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَفِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَفِي زَمَنِ غَيْبَتِهِ فِي زَمَنِ حَجِّهِ.
وَفِي بَعْضِ صَلَوَاتٍ غَابَ فِي وَقْتِهَا فِي خُرُوجِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعَثَهُ الْمَلِكِ الْهُمَامِ الْمُرْتَضَى لِآيَاتِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ مَوْلَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُمْ وَبَرَّدَ ضَرِيحَهُمْ وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ فِي عَقِبِهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَنَصَرَ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْأَعْدَلِيَّ الْعُمَرِيَّ الْعُثْمَانِيَّ وَأَدَامَ أَيَّامَهُ الزَّاهِرَةَ وَكَانَ لَهُ وَمَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " وَهَذَا التَّأْلِيفُ مِنْ ثَمَرَاتِ حَسَنَاتِهِ وَنَتِيجَةِ بَرَكَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَنَّ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوُجُودِهِ وَأَعَانَنَا عَلَى حُصُولِ الْخَيْرِ بِسَبَبِ عُلُوِّهِ وَعِزِّهِ وَصُعُودِهِ زَادَهُ اللَّهُ خَشْيَةً وَرَحْمَةً وَعَمَلًا بِالْحَقِّ وَنَصْرًا لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَعَمَّرَ الْأَرْضَ بِبَقَائِهِ وَنَوَّرَ عَدْلَهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ " وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّيْخُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُ السَّعَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالنُّصْرَةِ وَالْأَيَادِي الْفَاخِرَةِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَحَشَرَنَا مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فِي آخِرِ التَّأْلِيفِ نُذَيِّلُ بِهَا مِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ وَدَلِيلِ عِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِبَعْضِ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ رضي الله عنه فِي أَوِّلْ مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تَأْلِيفُ مُخْتَصَرِهِ الَّذِي أَعْجَزَ الْفُحُولَ عَنْ مِثْلِهِ بِجَمْعِهِ وَمَنْعِهِ تَعْرِيفَ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لِمَا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عَرَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَفَائِهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ وَقَدْ وَفَّى بِهِ رحمه الله وَجَرَى فِيهِ عَلَى نَهْجِ طَرِيقِ تَحْقِيقِ الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى تَصَوُّرِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَقَوْلُهُ رضي الله عنه تَعْرِيفُ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ وَلَمْ يَقُلْ حَدُّ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ لِيَشْمَلَ التَّعْرِيفَ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ
وَالرَّسْمِيِّ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَدِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَرُبَّمَا يُطْلَقُ الْحَدُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ رحمه الله وَالْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ لَكِنْ قَالَ شُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْحَقِيقَةِ بِأَجْزَائِهَا وَذَاتِيَّاتِهَا وَالْمُرَادُ بِمَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ هُنَا أَيْ مَدْلُولِ الْحَقَائِقِ الْفَرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ مَدْلُولِ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَا شَابَهَهَا وَقَوْلُهُ الْحَقَائِقُ جَمْعُ حَقِيقَةٍ وَهِيَ الْمَاهِيَّةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحِ التَّخَاطُبِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَقَائِقَ اللُّغَوِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالْبَحْثِ
وَالْمُرَادُ هُنَا الشَّرْعِيَّةُ وَلَمَّا كَانَتْ الشَّرْعِيَّةُ رُبَّمَا شَمِلَتْ الدِّينِيَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ زَادَ الشَّيْخُ رحمه الله قَيْدَ الْفِقْهِيَّةِ لِتَخْرُجَ الدِّينِيَّةُ ثُمَّ زَادَ فِي الْقَيْدِ الْكُلِّيَّةَ احْتِرَازًا مِنْ الشَّخْصِيَّةِ وَقَوْلُهُ لَمَّا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عِلَّةً فِي كَوْنِهَا صَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً فَرْعِيَّةً لِأَنَّهَا عَرَضَ لَهَا نَقْلٌ مِنْ أَصْلِ اللُّغَةِ كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى عِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَمِثْلُ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ ثُمَّ خُصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِإِمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فَقَوْلُهُ مِنْ نَقْلِ وَتَخْصِيصِ مَعْنَاهُ مِنْ نَقْلٍ فِي بَعْضِ الْحَقَائِقِ وَتَخْصِيصٍ فِي الْبَعْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إلَى الْخِلَافِ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ فِيهَا نَقْلٌ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ وَانْظُرْ الْعَضُدَ وَالتَّفْتَازَانِي وَغَيْرَهُمَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ انْحَصَرَتْ فِي النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا إمَّا نَقْلٌ مَعَ مُنَاسَبَةٍ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَتَّى تَبَادَرَ فِي الذِّهْنِ مَعْنَاهُ أَوْ مَعَ نَقْلٍ لَا بِشَرْطِ مُنَاسَبَةٍ أَوْ مَعَ وَضْعٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَهَذَا الثَّالِثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ رحمه الله وَلَعَلَّهُ يَمْنَعُ الثَّالِثَ وَفَرَّعَ الشَّيْخُ رحمه الله عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ وَاقِعَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي
فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ وَتَعْمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ إمَّا النَّقْلُ أَوْ تَخْصِيصُ مَعْنَى اللُّغَةِ قَالُوا وَقَدْ وَرَدَ تَعْمِيمُ الشَّرْعِ لِمَا خَصَّصَتْهُ اللُّغَةُ كَالْيَمِينِ فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ قَسَمٌ بِالتَّاءِ أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا وَفِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ مَدْلُولِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ
بِأَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ النَّقْلِ لِنَقْلِ الشَّرْعِ الْمَعْنَى الْأَخَصِّ إلَى مَعْنًى أَعَمَّ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ بِمِثْلِهِ فِي التَّخْصِيصِ وَيُسْتَغْنَى بِالنَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ رضي الله عنه وَنَفَعَ بِهِ وَبِعِلْمِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَ وَالْمُعَرَّفَ مَعْلُومٌ حَدُّهُ وَيَصْدُقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقِيقِيٍّ وَرَسْمِيٍّ وَلَفْظِيٍّ فَإِنْ قُلْت هَلْ مُرَادُهُ رضي الله عنه بَيَانُ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ إمَّا بِالذَّاتِيَّاتِ أَوْ بِلَوَازِم الْمَاهِيَّاتِ أَوْ بِتَبْدِيلِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ أَشْهَرَ وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَاهِيَةَ إنْ عُلِمَتْ أَجْزَاؤُهَا وَذَاتِيَّتُهَا صَحَّ حَدُّهَا بِهَا إمَّا تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عُرِّفَتْ بِالْحَدِّ اللَّفْظِيِّ أَوْ مُرَادُهُ إنَّمَا هُوَ التَّعْرِيفُ بِالْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمَيِّزُ اللَّازِمَ الدَّاخِلَ مِنْ اللَّازِمِ الْخَارِجِ قُلْت وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ رضي الله عنه الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُهُ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ بِالِاسْتِقْرَاءِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ فَمَا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ كَانَ ذَاتِيًّا وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ خَارِجٌ كَالشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ كَانَ خَاصَّةً فَصَحَّ أَنَّ الْمَاهِيَةَ يَصِحُّ حَدُّهَا بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ وَالرَّسْمِيِّ وَاللَّفْظِيِّ إنْ وُجِدَ تَرَادُفٌ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَالْحَدِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَةُ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ وَأَجْزَاءُ الْمَحْدُودِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَحْمُولَةً عَلَى مَا حَقَّقَهُ جَمَاعَةٌ فِي الذَّاتِيّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَقْلًا وَمَا لَيْسَ بِمَحْمُولٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاتِيٌّ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رَدَّ الشَّيْخُ رحمه الله عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحُدُودِ حَيْثُ يَقُولُ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْحَدِّ بِذِكْرِ الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَمَاكِنِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ
فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ رضي الله عنه لَا يَذْكُرُ فِي الْحَدِّ الْأَجْزَاءَ الْحِسِّيَّةَ الَّتِي لَا تُحْمَلُ بَلْ مَا يَصِحُّ حَمْلُهُ فَيَقُولُ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَلَا يَقُولُ الصَّلَاةُ إحْرَامٌ وَسَلَامٌ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَأَنَّ النُّطْقَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ الْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُقَدَّمُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ إلَّا بِالِاشْتِقَاقِ مِنْهُ كَالنَّاطِقِ أَوْ ذُو نُطْقٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامٍ لِكَاتِبِي أَنَّ الْحَدَّ يَصِحُّ بِالْأَجْزَاءِ الْحَيَّةِ وَالْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ بِالذَّاتِيِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الشَّيْخُ رضي الله عنه فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ يَقُولُ إمَّا حَدُّهُ وَإِمَّا رَسْمُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ
وَالرَّسْمِيِّ فِي حُدُودِهِ لَا أَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ رُسُومٌ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبَّهْنَا بِذَلِكَ هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ثَمَّةَ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يُنَاسِبُ مَقْصِدَنَا
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّيْخُ رحمه الله لَمَّا كَانَ إمَامًا فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مُحَقِّقًا بِحَقَائِق الدَّقَائِقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ مَعَ حَدِّهِ وَكَانَتْ الْمَقُولَاتُ عَشْرَةً جَوْهَرٌ وَعَرَضٌ وَالْعَرَضُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَيْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَقَدْ جُمِعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ
زَيْدٌ طَوِيلٌ أَزْرَقُ ابْنُ مَالِكٍ
…
فِي بَيْتِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ مُتَّكَى
بِيَدِهِ سَيْفٌ لَوَاهُ فَالْتَوَى
…
فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ حَوَى
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ
قَمَرٌ عَزِيزُ الْحُسْنِ الطَّفُّ مِصْرُهُ
…
لَوْ قَامَ يَكْشِفُ غُمَّتِي لَمَا انْثَنَى
فَكُلُّ حَدٍّ ذَكَرَهُ يَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقُولَاتِ وَلَوْلَا الطُّولُ لَذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا تَجِدُ الشَّيْخَ رضي الله عنه يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ فَيَذْكُرُ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْكَيْفِ أَوْ النِّسْبَةِ وَيَقُولُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ فِيمَا يُنَاسِبُ الْفِعْلَ مِنْ الْمَحْدُودَاتِ وَيَقُولُ أَمَّا حَدُّهُ اسْمًا إنْ كَانَ مِمَّا يُنَاسِبُ الْجَوْهَرَ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيْدِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ كُلِّ حَدٍّ فِي كِتَابِهِ فَإِنْ قُلْت إذَا صَحَّ لَك مَا أَشَرْت إلَيْهِ فَمَا بَالَهُ رضي الله عنه يَذْكُرُ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ اللَّقَبَ كَمَا قَالَ فِي الذَّبَائِحِ لَقَبٌ إلَخْ وَكَمَا ذَكَرَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَحَدُّ ذَلِكَ مُضَافًا وَلَقَبًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّقَبُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَلَيْسَتْ بِجِنْسٍ لِلْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَلَا مِنْ الْمَقُولَاتِ
فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: مَا أَشَرْت إلَيْهِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ فِي بَيَانِ لَفْظٍ رُكِّبَ وَجُعِلَ عَلَى مَجْمُوعِ أُمُورٍ لَقَبًا عَلَيْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَعَانٍ مَجْمُوعَةٍ فَهُوَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ كَذَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَوْنِ ابْنِ الْحَاجِبِ يُعَبِّرُ بِاللَّقَبِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ كَانَ رحمه الله اعْتَرَضَهُ فَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَإِلَّا فَسَلِمَ لَهُ أَنَّهُ حَدٌّ لَفْظِيٌّ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ فِيهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ التَّفَطُّنُ لَهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ فِي حُدُودِهِ وَاخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) : الشَّيْخُ رحمه الله الْغَالِبُ فِي حُدُودِهِ أَنَّهَا تَعُمُّ الْمَاهِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَكَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ حُدُودِهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ مَا تَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ يُرَاعَى حَدُّهَا الصَّحِيحُ فَقَطْ أَوْ يُرَاعَى الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فِي الْبُيُوعِ وَانْظُرْ الشَّهَادَةَ هُنَا فَإِنَّا نَقَلْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الرَّسْمِ يَعُمُّ الْفَاسِدَ وَغَيْرَهُ
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) رُبَّمَا وَقَعَ الْحَدُّ مِنْ الشَّيْخِ رحمه الله بِمَا يَعُمُّ الْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ الْحَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْمَشْهُورَ وَرُبَّمَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قُصُورِهِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْإِيلَاءِ وَانْظُرْ مَا وَقَعَ فِي الظِّهَارِ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) رُبَّمَا حَدَّ الشَّيْخُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ بِاعْتِبَارِ أَعَمِّ مَعْنَاهَا وَبِاعْتِبَارِ أَخَصِّهِ عُرْفًا كَمَا قَالَ فِي الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْبَيْعِ الْأَخَصِّ الْعُرْفِيِّ وَالْمَقْصِدُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْفَرْعِيَّةُ وَمَا وَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي غَلَّبَ عُرْفًا شَرْعِيًّا عَلَى مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْأَعَمُّ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَا قَالَ: وَالْيَمِينُ عُرْفًا إلَى آخِرِهِ وَأَدْخَلَ فِي ذَلِكَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لِإِطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ كِتَابَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرِكَةِ فَحَدُّهَا أَعَمِّيَّةٌ وَأَخَصِّيَّةٌ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) كَثِيرًا مِنْ الْحَقَائِقِ مَا يُذْكَرُ فِيهَا حَدُّ الِاسْمِ وَحَدُّ الْمَصْدَرِ وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ ذَلِكَ فِيمَا غَلَبَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا مَا خَصَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَدِّ غَيْرِهِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلَ فِي حُدُودِهِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَأَمَّلْ الْعَارِيَّةَ وَمَا ذَكَرْنَا فِيهَا
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ قَصَدَ بِالْحَقَائِقِ الْأَلْقَابَ الَّتِي صَيَّرَهَا الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الشَّرْعِ حَقَائِقَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَلْحَقْنَا مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّا جُمِعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفُقَهَاءُ صَيَّرُوا ذَلِكَ كَالرُّسُومِ فَلِذَا اسْتَخْرَجْتُ مِنْ كَلَامِهِ مَا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ مِنْهُ وَسَتَرَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي الْحَمَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ