الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِلْحَاقًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّهُمْ أَوْ مَلَكَهَا (قُلْت) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِلْحَاقٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا.
(فَإِنْ قُلْت) الِاسْتِلْحَاقُ اسْتِفْعَالُ وَاصِلِهِ طَلَبَ لُحُوقِ شَيْءٍ وَالِادِّعَاءُ إخْبَارٌ بِقَوْلٍ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَالْأَخْبَارُ غَيْرُ الطَّلَبِ (قُلْت) الِاسْتِلْحَاقُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ غَلَبَ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَذَكَرَ فِيهِ الْجِنْسَ الْمُنَاسِبَ لِمَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّقُنَا لِلْفَهْمِ عَنْهُ بِمَنِّهِ.
[بَابُ مُبْطِلِ الِاسْتِلْحَاقِ]
: بَابُ مُبْطِلِ الِاسْتِلْحَاقِ قَالَ رحمه الله مَانِعُ الْعَقْلِ أَوْ الْعَادَةِ أَوْ الشَّرْعِ، أَمَّا مَانِعُ الْعَقْلِ فَكَمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ صَغِيرًا وَاسْتَلْحَقَ أَكْبَرَ مِنْهُ وَمَانِعُ الْعَادَةِ كَمَا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَ الْوَلَدِ لِبُعْدِهَا وَالشَّرْعُ كَمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ اشْتَهَرَ بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ وَتَأَمَّلْ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّيْخُ الْأَوَّلَ وَمِثْلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(فَإِنْ قُلْت) بَقِيَ عَلَى الشَّيْخِ رحمه الله مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ تَكْذِيبُ الْمُسْتَلْحَقِ لِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ (قُلْت) ذَكَرَ فِي ذَلِكَ طُرُقًا فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.
[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]
(ود ع) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
الْوَدِيعَةُ لُغَةً بِمَعْنَى الْأَمَانَةِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَذَا قِيلَ وَتُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَعُمُّ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72]{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ} [النساء: 58] وَوَقَعَ لِلْمُقْرِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ كَلَامٌ لَا يَحِلُّ كُتُبُهُ وَلَا نَقَلَهُ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَيُقَالُ أَوْدَعَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ صَيَّرَهُ نَائِبًا عَنْهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَعَلَى مَعْنَى ذَلِكَ يُفْهَمُ مَعْنَى مَا وَرَدَ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك مَعْنَاهُ أَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ
الْحِفْظَ لَك، وَأَمَّا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى الِاسْمِ كَمَا قَدَّمَ الشَّيْخُ ذَلِكَ مِرَارًا.
(فَإِنْ قُلْت) إذَا تَقَرَّرَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَهَلَّا قَالَ حَدُّهَا مَصْدَرًا وَحَدُّهَا اسْمًا (قُلْت) قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى مَعْنَى ذَلِكَ لَا إلَى لَفْظِهِ كَمَا يُرَدُّ عَلَيْك مِنْ كَلَامِهِ.
(فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَهَا مَعْنًى عَامٌّ وَلَهَا مَعْنًى خَاصٌّ وَإِنَّ مَعْنَاهَا الْخَاصُّ مَا يَخُصُّ مَحَلُّهَا هُنَا وَمَعْنَاهَا الْعَامُ يَصْدُقُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ النِّيَابَةِ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْأَمَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فَهَلَّا قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا، أَمَّا حَدُّهَا الْعَامُّ، وَأَمَّا حَدُّهَا الْخَاصُّ كَمَا فَعَلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحَقَائِقِ (قُلْت) الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ لَا الْعُرْفِيِّ الشَّرْعِيِّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ الْعَامَّ بِرَسْمٍ (قُلْت) وَهَذَا وَاضِحٌ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ فَلَا يَصِحُّ فِي حِفْظِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الرَّسْمِ وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ أَدْخَلَهَا وَذَكَرَ كَلَامًا فِيهِ بَحْثٌ إذَا تَأَمَّلْته لِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْعُرْفِيَّ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُ الشَّيْخِ رحمه الله بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ يَعْنِي الْوَدِيعَةَ فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ قَالَ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ قَوْلُهُ " نَقْلُ " مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ وَهُوَ جِنْسٌ لَهُ قَوْلُهُ مُجَرَّدُ حِفْظٍ وَلَمْ يَقُلْ حِفْظُ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ نَقْلُ الْحِفْظِ مَعَ التَّصَرُّفِ كَالْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ فَقَطْ وَيَخْرُجُ الْإِيصَاءُ.
(فَإِنْ قُلْت) عَادَتُهُ إذَا قَصَدَ الْخُصُوصِيَّةَ فِي مَعْنَى أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَةَ فَقَطْ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ مُجَرَّدُ فَلَوْ قَالَ نَقْلُ حِفْظِ مِلْكٍ فَقَطْ يُنْقَلُ لَصَحَّ وَكَانَ أَخَصْرَ مِنْ مُجَرَّدٍ (قُلْت) لَوْ قَالَ نَقْلُ حِفْظِ مِلْكٍ فَقَطْ رُبَّمَا أَوْهَمَ رُجُوعَهُ إلَى الْمِلْكِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْحِفْظِ فَلِذَا ذَكَرَ لَفْظَةَ مُجَرَّدُ لِتَعْيِينِهَا وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكِ إذَا أَوْدَعَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِحِفْظِهِ فَأَنَّهُ لَيْسَ وَدِيعَةً وَقَوْلُهُ " يُنْقَلُ " صِفَةٌ لِلْمِلْكِ وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ مِنْ الْأُصُولِ كَالرُّبْعِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِّ إيدَاعُ الْوَثَائِقِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، قَالَ وَيَخْرُجُ حِفْظُ الْإِيصَاءِ
وَالْوَكَالَةُ لِأَنَّهُمَا لَا زَيْدَ مِنْهُ، يَعْنِي لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الْمُخْرِجَةَ فِيهَا أَزْيَدُ مِنْ الْحِفْظِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ إنَّ خَاصَّتَهَا مُجَرَّدُ الْحِفْظِ قَالَ وَحِفْظُ الرُّبْعِ يَعْنِي أَنَّهُ خَارِجٌ كَمَا خَرَجَ مَا قَبْلَهُ لَكِنَّ مَخْرَجَهُ قَوْلُهُ يُنْقَلُ وَالرُّبْعُ لَا يُنْقَلُ فِيهِ وَيُخْرِجُ الْأَوَّلَ مَا ذَكَرْنَا وَلِذَا كَرَّرَ الشَّيْخُ الْحِفْظَ مَعَ الرُّبْعِ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ وَبِمَعْنَى لَفْظِهَا، أَيْ الْوَدِيعَةُ حَدُّهَا بِمَعْنَى لَفْظِهَا الِاسْمِيِّ لَا مَعْنَى لَفْظِ الْإِيدَاعِ أَشَارَ إلَى مَعْنَاهَا الِاسْمِيِّ وَهُوَ الْمَعْلُومُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ
الْمُسْتَعْمَلُ مُتَمَلِّكٌ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ يُنْتَقَلُ قَوْلُهُ " مُتَمَلِّكٌ " اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلْمَحْدُودِ عُرْفًا وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُودَعُ.
(فَإِنْ قُلْت) هَلَّا قَالَ مِلْكٌ وَهُوَ أَخَصْرُ (قُلْت) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَنَّ الْمَعْنَى النِّسْبِيَّ وَالِاسْمِيَّ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بَيَانُ مَعْنَى مَا عُيِّنَ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ (فَإِنْ قُلْت) إنْ صَحَّ مَا قَرَّرْته فَهَلَّا قَالَ مَمْلُوكٌ وَهُوَ أَخَصْرُ مِنْ مُتَمَلِّكٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْته (قُلْت) هَذَا رُبَّمَا يُقَالُ وَارِدٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَمْلُوكَ أَخَصُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْمُتَمَلِّكِ وَالْقَصْدُ مَا يَعُمُّ مَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ تَمَلُّكُهُ بِوَضْعِ الْيَدِ الْجَائِزَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ التَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ رحمه الله وَنَفَعَ بِهِ قَوْلُهُ " نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِهِ يُنْتَقَلُ " تَقَدَّمَ مَا يَخْرُجُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ فِي الْحَدِّ الْمَصْدَرِيِّ.
(فَإِنْ قُلْت) أَعْرَابُ يَنْتَقِلُ يَظْهَرُ أَنَّهُ جُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَةُ كَوْنِهِ مُتَنَقِّلًا أَوْ صَفُّهُ لِيَخْرُجَ بِهِ الرُّبْعُ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا قَالَ مَنْقُولٌ وَهُوَ أَخَصْرُ وَالْأَصْلُ الْإِفْرَادُ (قُلْت) لَعَلَّ جَوَابَهُ أَنَّ هَذَا أَصْرَحُ فِي الْبَيَانِ.
(فَإِنْ قُلْت) وَهَلَّا اخْتَصَرَ وَقَالَ أَمَّا حَدُّهُ اسْمًا وَمَصْدَرًا كَعَادَتِهِ وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى لَفْظِهَا فِيهِ طُولٌ فِي الْجَوَابِ (قُلْت) يَأْتِي مَا يُنَاسِبُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفَهِّمُنَا عَنْهُ.
(فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ رضي الله عنه كَيْفَ صَحَّ أَنْ يَقُولَ فِي رَسْمِ الْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ فَخَرَجَ حِفْظُ الْإِيصَاءِ وَالْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمَا لَا زَيْدَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ صِحَّةِ إدْخَالِ الْمَخْرَجِ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّ حَدَّ الْوَكَالَةِ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ إلَخْ فَقَدْ ذَكَرَ فِي جِنْسِهَا النِّيَابَةَ فَيُقَالُ دَائِمًا، أَمَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّقْلِ أَوْ يُقَالُ بِصِحَّةِ الدُّخُولِ وَإِنَّ النِّيَابَةَ أَخَصْرُ فَتَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْحِفْظِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا دُخُولَ لَهَا فِي النَّقْلِ لِعَدَمِ صَادِقِيَّتِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَيُقَالُ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّيْخِ فِي مُرَاعَاةِ شِدَّةِ اخْتِصَارِهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْوَكَالَةِ نَقْلُ ذِي حَقٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَخَصْرُ وَيُؤَدِّي مَعْنَى النِّيَابَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ النَّقْلَ أَعَمُّ وَإِنَّ النِّيَابَةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ حَدَّ الْوَكَالَةِ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ وَعِنْدِي لَوْ قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه الْإِيدَاعُ هُوَ تَنْوِيبٌ فِي مُجَرَّدِ حِفْظِ مِلْكٍ يُنْقَلُ لَكَانَ أَقْرَبُ إلَى مَعْنَى الْإِيدَاعِ وَيَصِحُّ الْإِخْرَاجُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ أَقَلَّ أَحْرُفًا لَكِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الْحَدِّ أَوْ الرَّسْمِ أَوْجَبُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ رضي الله عنه.
(فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ
شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه مِلْكٌ يُنْقَلُ فِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَقَالَ فِي الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ يُنْتَقَلُ عَلَى مَا رَأَيْته فِي النُّسْخَةِ وَالْجَارِي عَلَى عَادَتِهِ يُنْقَلُ فِيهِمَا (قُلْت) هَذَا عَرَضٌ لَنَا فِي أَقْرَاءِ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذِكْرِ رَسْمِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ قُوَّةُ جَوَابٍ.
(فَإِنْ قُلْت) يَظْهَرُ سُؤَالٌ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَهُ قَالَ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَنَقُولُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِرَسْمِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَمْ يُطْلِقْهُ عَلَيْهِ عُرْفًا كَمَا قَالَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي خُطْبَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُخْتَصَرِهِ (قُلْت) وَقَعَ الْجَوَابُ عَنْهُ رحمه الله أَنَّ الْوَدِيعَةَ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا قَصْدًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالْعَرَضِ لِيَتِمَّ لَهُ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي كَوْنِهِ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ اسْتِنَابَةٌ إلَخْ كَمَا نَذْكُرُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا ذَكَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اسْتَعْمَلُوا الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بَعْدَ حَدِّهِمْ الْوَدِيعَةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُحَرَّمَةً وَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ قَطْعًا لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فَهُوَ لِقَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ.
(فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخُ رحمه الله كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ حَدَّهَا اسْمًا كَذَا وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ اُنْظُرْهَا وَمَصْدَرًا كَذَا وَهُوَ أَخَصْرُ.
(قُلْت) تَقَدَّمَ لِي هَذَا السُّؤَالُ فِي الْقَدِيمِ وَوَقَعَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَصْلُهَا فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ وَلَكِنْ إذَا أُرِيدَ بِهَا قَصْدُ الْمَصْدَرِ كَانَ رَسْمُهَا كَذَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَانَ رَسْمُهَا كَذَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مَصْدَرًا أَوْ اسْمَ مَصْدَرٍ وَوَقَعَ الْإِقْنَاعُ بِهَذَا الْجَوَابِ، ثُمَّ وَجَدْنَا مَا يَرُدُّهُ مِنْ عَادَةِ الشَّيْخِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِّ الْعَارِيَّةِ اسْمًا وَمَصْدَرًا وَلَفْظُهَا لَيْسَ مَصْدَرًا وَلَا اسْمَ مَصْدَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
(فَإِنْ قُلْت) إذَا أَوْدَعَ مُسْلِمٌ خِنْزِيرًا أَوْ خَمْرًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ بِوَجْهٍ (قُلْت) نَعَمْ نَقُولُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَدِيعَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ الرَّسْمَ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْوَدِيعَةِ وُقُوعُ الْحِفْظِ فِي الْمُودِعِ وَهَذَا لَا حُرْمَةَ لَهُ فَلَا حِفْظَ لَهُ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَصَبَ شَيْئًا، ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ هُنَا حَرَامٌ فَقَدْ أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخَمْرُ
لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ بِوَجْهٍ وَالْمَغْصُوبُ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ بَلْ مَمْلُوكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
(فَإِنْ قِيلَ) الْوَصِيُّ يُودِعُ وَالْوَكِيلُ كَذَلِكَ وَالْمُودِعُ يُودِعُ وَلَا مِلْكَ (قُلْنَا) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِّ أَنَّ الْمِلْكَ لِلنَّاقِلِ بَلْ النَّاقِلُ نَقْلُ مُجَرَّدِ حِفْظِ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِيهِ الْمِلْكُ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا بَعْضُ مَا يَلِيقُ مِنْ كَلَامِهِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ رضي الله عنه وَمَا ذَكَرَ هُنَا بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّقْلَ أَصْلُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَإِطْلَاقُهُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَجَازٌ وَهُوَ مُجْتَنَبٌ فِي الرُّسُومِ وَالْحُدُودِ ضَعِيفٌ وَجَوَابُهُ لَا يَخْفَى، وَقَدْ وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَأَجَابَ بِمَا تَقِفُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اُنْظُرْ حَدَّ الْوَكَالَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مَعَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رحمه الله أَتَى بِحَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَالْغَزَالِيِّ رحمهم الله فِي قَوْلِهِمْ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَاعْتَرَضَهُ وَرَجَّحَ حَدَّهُ الْأَوَّلَ عَلَى حَدِّهِمْ مَعَ اخْتِصَارِهِ وَمُسَاوَاةِ حُرُوفِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ بَاطِلٌ فِي عَكْسِهِ بِمَا أَدْخَلَهُ فِي حَدِّهِ مِمَّا عَدَّهُ وَأَبْطَلَ طَرْدَهُ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّهِ قَالَ رحمه الله وَالْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الِاسْمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُسَاوَاةَ الْحُرُوفِ لِلْحُرُوفِ تَمْتِينًا فِي الرَّدِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ جَامِعًا مَانِعًا صَادِقًا عَلَى مَقُولَةِ الْمَحْدُودِ، وَقَدْ سَاوَاهُ لَفْظٌ آخَرُ فِي عِدَّتِهِ مَعَ كَوْنِهِ لَا مُطَّرِدًا وَلَا مُنْعَكِسًا وَلَا حَافِظًا لِمَقُولَةٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ النَّقْدِ فِيهِ وَقَوْلُهُ مَا دَخَلَ فِي إبْطَالِ الْعَكْسِ هُوَ الْوَثَائِقُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَمَا خَرَجَ هُوَ الْإِيصَاءُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي هِبَةِ الْمُدَوَّنَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَوْزِ فِي الْأَرْضِ الْغَائِبَةِ قَالَ فَبِهَا إذَا قُلْت فِي الْأَرْضِ قَبَضْت وَقَبِلْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَوْزًا كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحَوْزِ.
قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِك أَرْضٌ أَوْ دَارٌ أَوْ رَقِيقٌ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَذَلِكَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّ قَوْلَك قَبَضْت حَوْزٌ فَإِنْ لَمْ تَقُلْ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ كَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِك أَرْضٌ يَنْقُضُ حَدُّ ابْنِ عَرَفَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْوَدِيعَةَ رَادًّا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأَشَارَ لِمَا قُلْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ فِي ذَلِكَ بَعِيدَةٌ، ثُمَّ أَتَى بِنَصِّ حَدِّ الشَّيْخِ وَرَدَّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِهِ بَعْضُ نَقْضٍ فِي الْأَفْهَامِ كَمَّلَهُ صَاحِبُ التَّكْمِلَةِ فَقَالَ وَجْهُ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ عَلَى الشَّيْخِ