الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يُقَالَ هَذِهِ عِنَايَةٌ فِي الْحَدِّ وَإِبْهَامٌ فِيهِ لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ إنْ أَوْجَبَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُمَاثَلَةِ (قُلْتُ) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ فَلَا إبْهَامَ بَلْ إفْهَامٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَقَوْلُنَا مَا عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ لَفْظِ الدَّيْنِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى سُؤَالٍ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ تَقُلْ لَفْظَ الدَّيْنِ وَهُوَ أَخْصَرُ مِمَّا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَعَمُّ وَالدَّيْنُ أَخَصُّ فَلَوْ عَبَّرَ بِالدَّيْنِ لَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْكِتَابَةُ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِمَا بِالْمُقَاصَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي يَتِمُّ الْجَمْعُ فِيهَا وَالْمَنْعُ وَإِنْ فَادَ ذَلِكَ غَيْرَهَا (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ الْمُقَاصَّةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ وَقَدْ حَدَّ الشَّيْخُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِمَا يُنَاسِبُ جِنْسَهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَيْعُ شَيْءٍ إلَخْ فَمَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ مُتَارَكَةٌ فِي جِنْسِ الْمُقَاصَّةِ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ لَنَا لَعَلَّ الْمُقَاصَّةَ صَارَتْ لَقَبًا عَلَى الْمُتَارَكَةِ شَرْعًا وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ بَيْعَ الدَّيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ أَنَّ الشَّيْخَ أَشَارَ إلَى فَائِدَةٍ رحمه الله وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ جَائِزَةٌ قَالَ فَيَجِبُ تَفْسِيرُ الْمُدَوَّنَةِ بِالْجَوَازِ الْأَعَمِّ مِنْ الْوُجُوبِ لَا بِالْجَوَازِ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُهُ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْجَوَازِ الْأَخَصِّ لَكَانَ فِيهَا أَنَّ الْمُقَاصَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهَا فَيَجِبُ تَأْوِيلُهَا بِمَا ذَكَرَهُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) كَثِيرًا مَا يَقُولُ الشَّيْخُ رحمه الله الْمَشْهُورُ قَدْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا وَيَكُونُ الْمَشْهُورُ فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِلْمَغَارِبَةِ (قُلْتُ) ذَلِكَ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ النَّصُّ وَيَتَعَذَّرُ التَّأْوِيلُ وَإِنْ أَمْكَنَ فَيَجِبُ لِوُجُوبِ الْأَصْلِ الْمَشْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ نَحْوِ هَذَا يَقَعُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا هُوَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي عُلُومِهَا أَوْ لِفِطْرَةٍ سُنِّيَّةٍ وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الْعُلُومِ لِمَنْ يُرِيدُ الْفَهْمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَاجِبٌ سِيَّمَا مَعَ تَعَرُّضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ يُجْرِيهَا عَلَى قَوَاعِدَ أُصُولِيَّةٍ وَمَسَائِلَ مَنْطِقِيَّةٍ وَكَلِمَاتٍ عُرْفِيَّةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَرِّفُنَا قَدْرَنَا وَيُعَلِّمُنَا مَا جَهِلْنَا وَيَنْفَعُنَا بِمَا عَلَّمَنَا.
[كِتَابُ الرُّهُونِ]
(ر هـ ن) :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كِتَابُ الرُّهُونِ قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه " الرَّهْنُ مَالٌ قَبْضُهُ تَوَثُّقٌ بِهِ فِي دَيْنٍ " قَوْلُهُ " الرَّهْنُ " الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَالثُّبُوتُ فَمَا ثَبَتَ وَلَزِمَ فَهُوَ رَهْنٌ وَفِي الشَّرْعِ أَخَصُّ وَقَوْلُهُ رحمه الله " مَالٌ " جِنْسٌ مُنَاسِبٌ لِلرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَرَّفَ الشَّيْخُ الِاسْمَ وَتَرَكَ الْمَصْدَرَ وَقَدْ عَرَّفَ الْأَمْرَيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَحَقُّهُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصْدُقُ عَلَى إعْطَائِهِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ (قُلْتُ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ رُبَّمَا وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ جَوَابٌ فِيهِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ مَعْنَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ عَرَّفَهُمَا وَهُنَا قَدْ ذُكِرَ بَعْدُ أَنَّ إطْلَاقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْمَرْهُونِ أَنَّهُ رَهْنٌ وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَى ابْنِ شَاسٍ بَعْدُ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ الْمَرْهُونَ رُكْنًا فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) وَكَيْفَ اعْتَرَضَ هُنَا عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ رَسْمَهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَصْدَرَ وَهُوَ غَيْرُهُ (قُلْتُ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّهْنِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ إذًا تَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَصِحُّ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ " قَبْضُهُ " هَذَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوَثُّقِ بِهِ قَوْلُهُ " فِي دَيْنٍ " أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنٍ وَالدَّيْنُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا صَحَّ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَإِطْلَاقَاتِهِمْ تَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَأَوَّلُوا مَا وَقَعَ لَهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ ذَكَرَ بَعْدَمَا يُوجِبُ إشْكَالًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ فِي حَدِّهِ هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ الْمَرْهُونُ فِيهِ مَالٌ كُلِّيٌّ لَا يُوجِبُ الرَّهْنَ فِيهِ إلَى آخِرِ حَدِّهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَقَالَ قَوْلُنَا مَالٌ دُونَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِيَشْمَلَ الْكِتَابَةَ وَيَخْرُجُ بِالْكُلِّيِّ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ فَظَهَرَ لِي حِينَ الْإِقْرَاءِ فِي حَدِّ الشَّيْخِ رحمه الله إنْ قُلْتَ إنْ صَحَّ حَدُّ الْمَرْهُونِ فِيهِ فَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ عَكْسِ
حَدِّ الرَّهْنِ وَإِنْ صَحَّ مَا هُنَا مِنْ ذِكْرِ الدَّيْنِ أَبْطَلَ مَا يَأْتِي لَهُ فِيمَا قَرَّرَهُ (قُلْتُ) ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ بِقَوْلِهِ تَوَثَّقَ بِهِ (قُلْتُ) يُمْكِنُ جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ أَعَمُّ يُقَابِلُ مَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَوْنُهُ فِي الذِّمَّةِ أَخَصَّ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكِتَابَةِ أَنَّهَا فِي ذِمَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ وَشَرَحَ بِهِ كَلَامَهُ وَأَنَّ الْكِتَابَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَصَحَّ عَلَى هَذَا صِدْقُ حَدِّهِ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْكِتَابَةِ لِقَوْلِهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَقُلْ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمَّا صَحَّحَ الشَّيْخُ رحمه الله أَنَّ الْكِتَابَةَ يَصِحُّ الرَّهْنُ فِيهَا عَدَلَ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هُنَا وَذِكْرُ مَالٍ كُلِّيٍّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إذَا صَحَّ إدْخَالُ الْكِتَابَةِ تَحْتَ الدَّيْنِ فِي حَدِّ الرَّهْنِ فَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الدَّيْنِ هُنَا وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ مَالٍ كُلِّيٍّ وَالدَّيْنُ أَخْصَرُ مِنْ هَذَا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ بِهِ خَفِيفٌ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَوَثَّقَ بِهِ قَوْلُهُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يُقْبَضْ لِلتَّوَثُّقِ قَوْلُهُ وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ يَعْنِي يَخْرُجُ أَيْضًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ لِلتَّوَثُّقِ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ زَادَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فَيُقَالُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَالْمَصْنُوعُ شَارَكَا الرَّهْنَ فِي الِاخْتِصَاصِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَا رَهْنًا وَهَذَا سُؤَالٌ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي السَّلَمِ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الصُّغْرَى مِنْ الْأَوَّلِ وَحَذَفَ الْكُبْرَى لِلْعِلْمِ بِهَا فَالصُّغْرَى الْعَبْدُ الْجَانِي وَالْمَصْنُوعُ شَارَكَا الرَّهْنَ فِي الِاخْتِصَاصِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَهْنًا فَالنَّتِيجَةُ اللَّازِمَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَهْنٌ فَأَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِفَيْنِ قَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي حُكْمٍ أَعَمَّ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ التَّمَاثُلَ وَهَذَا قَدْحٌ فِي الْكُبْرَى فَيَمْتَنِعُ صِدْقُهَا كُلِّيَّةً فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي خَاصِّيَّةِ الرَّهْنِ (فَإِنْ قُلْتَ) النُّسْخَةُ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَجَرَتْ فِي مَجَالِسِ أَشْيَاخِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَرَأَيْته مَنْسُوبًا عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ قَبْضُ مَالٍ تَوَثَّقَ بِهِ فِي دَيْنٍ أَوْ لِلتَّوَثُّقِ فِي دَيْنٍ (قُلْتُ) هَذِهِ النُّسْخَةُ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ وَلَعَلَّهَا مِنْ ابْتِكَارِ مَجَالِسِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْوَانُّوغِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ رحمه الله لَا خَفَاءَ فِي إشْكَالِ تَعَرُّفِ شَيْخُنَا لِلرَّهْنِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَمَّا مَا حَاصِلُهُ قَبْضُ مَالٍ لِلتَّوَثُّقِ إلَخْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَشْمَلُ مَا هُوَ مَقْبُوضٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَنَا لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ وَأَمَّا مَا حَاصِلُهُ مَالٌ مَقْبُوضٌ إلَخْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الرَّسْمَ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَرْهُونِ وَحَقِيقَةُ الرَّهْنِ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَهُ وَهُوَ قَوْلُنَا عَقْدٌ لَازِمٌ
لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ قُصِدَ بِهِ التَّوَثُّقُ فِي الْحُقُوقِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ (قُلْتُ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ أَمَّا مَحْصُولُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِي مُخْتَصَرِهِ بَلْ فِي كِتَابِهِ مَا يَنْفِيهِ رَأْسًا وَأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَهُ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ الْمَرْهُونُ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ مَحْصُولَ حَدِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ مَا قَرَّرَنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَحَقِيقَةُ الرَّهْنِ وَرَاءَ هَذَا فِيهِ سَهْوٌ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ شَاسٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ قَوْلُهُ وَلَا تَدْخُلُ الْوَثِيقَةُ إلَخْ يَعْنِي لِأَجْلِ قَوْلِهِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ الرَّهْنُ إذَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ لِأَنَّ شَرْطَهَا لَا يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا فَعَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ كَأَنَّهُ غَلَّبَ بَابَ الْإِجَارَةِ فَصَيَّرَ اشْتِرَاطَ الْمَنْفَعَةِ يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ (قُلْتُ) وَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ خِلَافٌ وَأَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى ذَلِكَ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ وَتَقَوَّى عِنْدَهُ الْقَوْلُ الْآخَرُ أَوْ يَقُولُ عَدَمُ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي الْقَبْضَ لِلتَّوَثُّقِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً وَحَبَسَهَا فِي الثَّمَنِ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ إذَا أَمْسَكُوا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ لِلثَّمَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى رَهْنًا فَيَكُونُ الرَّسْمُ غَيْرَ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ الرَّسْمَ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ (قُلْتُ) لَهُ أَنْ يَقُولَ رحمه الله مَعْنَى قَوْلِنَا مَالٌ قَبْضُهُ تَوَثَّقَ بِهِ فِي دَيْنٍ أَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ لِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ الْقَبْضُ الْحِسِّيُّ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَا إذَا كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ فَرَهَنَهَا صَاحِبُهَا عِنْدَهُ فِي دَيْنٍ فَإِنَّ هَاهُنَا لَيْسَ قَبْضًا حِسِّيًّا لِذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ارْتَهَنَ مُسْلِمٌ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ هَلْ يَصْدُقُ الرَّسْمُ فِيهِ (قُلْتُ) يَصْدُقُ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَعَمُّ مِنْ الْفَاسِدِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ رَهْنًا فِيهَا وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَاهَنَ الْخَمْرُ مُسْلِمًا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ رَهْنًا لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ شَرْعِيٍّ لِلْمُسْلِمِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا أَعْطَى مَدِينٌ سِلْعَةً لِرَجُلٍ يَبِيعُهَا وَيَقْتَضِي مِنْ ثَمَنِهَا مِمَّا عَلَى الْمَدِينِ فَفَلَّسَ الْمَدِينُ قَبْلَ الْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ أَنْفِقْ عَلَى الرَّهْنِ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَك مِنْهُ وَالرَّسْمُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمَقْبُوضَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَالٌ إلَخْ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُطَّرِدٍ (قُلْتُ) هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلَالَةٍ
الرَّهْنِ مُطَابِقَةً أَوْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْتِزَامًا اُنْظُرْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَلَامُ الشَّيْخِ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَقَطْ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا رَهْنٌ وَمَعْنَى كَلَامِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ رَهْنًا أَيْ لَيْسَ رَهْنًا يَخْتَصُّ بِهِ فَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الِاخْتِصَاصُ لَا أَصْلُ الرَّهْنِيَّةِ فَيَكُونُ غَايَتُهُ رَهْنًا فَاسِدًا وَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ لَفْظَ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّهِ فِي قَوْلِهِ إعْطَاءُ أَمْرِ وَثِيقَةٍ بِحَقٍّ فَقَالَ فَنَقَضَهُ ابْنُ هَارُونَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِالْحَلِفِ لِذِي حَقٍّ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَالْحَمِيلِ بِهِ وَالْإِشْهَادِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَنْعِ دُخُولِ مَا ذُكِرَ تَحْتَ الْحَدِّ قَالَ لِأَنَّ لَفْظَ إعْطَاءِ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ دَفْعِ شَيْءٍ مَا قَالَ وَلَفْظُ وَثِيقَةٍ يَقْتَضِي صِحَّةَ رُجُوعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِيَدِ الدَّافِعِ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْحَمِيلِ وَلَا فِي الْيَمِينِ وَالْوَثِيقَةِ وَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُ رَدُّهَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَرَدَ الشَّيْخُ رحمه الله ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَفْظُ إعْطَاءٍ يَقْتَضِي حَقِيقَةَ دَفْعِ شَيْءٍ إنْ أَرَادَ دَفْعًا حِسِّيًّا بَطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِنَا إعْطَاء عَهْدِ اللَّهِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْأَعَمَّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْنَى فَقَدْ دَخَلَ مَا وَقَعَ النَّقْضُ بِهِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْحِسِّيُّ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَكْسُهُ بِرَهْنِ الدَّيْنِ قَالَ وَقَوْلُهُ لَفْظُ الْوَثِيقَةِ إلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ لُزُومِ رَدِّ الْوَثِيقَةِ نَفْيُ صِحَّةِ الرَّدِّ لِأَنَّ نَفْيَ اللُّزُومِ أَخَصُّ وَاللَّازِمُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الصِّحَّةُ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَيَتَعَقَّبُ رَسْمُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّهْنَ بِحَالٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَالْإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا (قُلْتُ) هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَمَّا الرَّدُّ الْأَوَّلُ فَفِيهِ بَحْثٌ فِي قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَدْ سَلَّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحِسِّيِّ وَزَادَ إطْلَاقُهُ فِي الْمَعْنَوِيِّ فَتَنْتِفِي حَقِيقَتُهُ فِيهِ إلَّا بِنَصٍّ لُغَوِيٍّ وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ خُرُوجِ رَهْنِ الدَّيْنِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الرَّدُّ الثَّالِثُ فَصَحِيحٌ وَبَحْثُ لَازِمٌ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ سَلَّمَ أَنَّ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَجِبُ رَدُّهَا بَلْ يَجِبُ إبْطَالُهَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَمَا رَدَّ بِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ أَخِيرًا تَقَدَّمَ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.