الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرٍ شَرْعًا وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ أَجْنَبِيٍّ (قُلْتُ) لَعَلَّ الْجَوَابَ يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ الشَّيْخِ فِي صُورَةِ الْكَافِرِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ بَعْدَ رَسْمِهِ وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يُورَدُ عَلَى رَسْمِهِ كَمَا نَذْكُرُهُ وَتَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ صَاعًا ثَانِيًا بَعْدَ إخْرَاجِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ يُنْتَقَضُ بِهِ عَلَى الرَّسْمِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ هِيَ الْأُولَى فَأَجَابَ الشَّيْخُ رحمه الله بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَلْ هِيَ زَكَاةٌ وَقَدْ عَدَّدَهَا كَمَا يُعَدِّدُ الضَّحِيَّةَ وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ عِبَادَةٌ مُقَرَّرَةٌ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا لِمَعْنًى فِي زَمَنٍ خَاصٍّ فَيَصِحُّ تَعْدَادُهَا أَصْلُهُ الْأُضْحِيَّةُ قَوْلُهُ وَإِلَّا زِيدَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً أَعْنِي تَعْدَادَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ وَكَانَ يَمْضِي لَنَا أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ وَعَدَّدَ ثَانِيًا كَذَلِكَ وَأَمَّا إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ ضَحَّى عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً شَرْعِيَّةً بِوَجْهٍ كَمَا إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
(ص وم) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
كِتَابُ الصِّيَامِ
قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه " رَسْمُهُ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَقْتُهَا وَقْتُ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ " ثُمَّ قَالَ " وَقَدْ يُحَدُّ بِأَنَّهُ كَفٌّ بِنِيَّةٍ عَنْ إنْزَالٍ يَقَظَةً وَوَطْءٍ وَإِنْعَاظٍ وَمَذْيٍ وَوُصُولِ غِذَاءٍ غَيْرِ غَالِبِ غُبَارٍ أَوْ ذُبَابٍ أَوْ فِلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ بِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ زَمَنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ دُونَ إغْمَاءٍ أَكْثَرَ نَهَارِهِ " هَذَا كَلَامُ هَذَا الشَّيْخِ الْإِمَامِ السُّنِّيِّ السُّنِّيِّ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا بَرَكَتَهُ وَأَدَامَ عَلَيْنَا مِنَّتَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِ الشَّيْخِ رضي الله عنه عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِالرَّسْمِ وَفِي الثَّانِي بِالْحَدِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ التَّعْرِيفُ عِنْدَهُ بِالذَّاتِيَّاتِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْعَرَضِيَّاتِ وَقَدْ قَدَّمْتُمْ فِي
الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِيِّ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ الشَّرْعِيَّةَ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ وَأَيْضًا كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَضِيِّ وَالذَّاتِيِّ هُنَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَخْبَارٍ عَنْ الشَّرْعِ (قُلْتُ) أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الشَّرْعِيَّةَ يُمْكِنُ حَمْلُهَا بِوَاسِطَةِ ذُو كَمَا فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الثَّانِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ رحمه الله رَاعَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ إذَا كَانَ فِيهِ جِنْسٌ وَخَاصَّةٌ لَازِمَةٌ لِلْمَحْدُودِ مِمَّا عُلِمَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَقْوِيمِ الْمَاهِيَّةِ كَالْوَقْتِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ شَرْعًا لَازِمٌ لَهَا مِنْ خَاصَّتِهَا عُرْفًا يُطْلِقُ عَلَيْهِ رَسْمًا لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ دَاخِلٍ وَهُوَ الْعِبَادَةُ وَخَارِجٍ وَهِيَ الْخَاصَّةُ وَأَمَّا إذَا عُلِمَ مِنْ الشَّرْعِ مَجْمُوعُ أُمُورٍ فِي مَاهِيَّةٍ فَيَكُونُ حَدًّا فَلَمَّا ذَكَرَ الْكَفَّ وَقَيَّدَهُ بِالنِّيَّةِ وَذَكَرَ الْمَكْفُوفَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ رَكَّبَ مَاهِيَّةَ الصَّوْمِ بِمَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِهِ فِي مَاهِيَّتِه الْمَطْلُوبَةِ وَصَيَّرَ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوَّلَ اعْتَبَرَ فِيهِ لُزُومَ الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ لِعَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ وَالثَّانِي لَاحَظَ فِيهِ ذِكْرَ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ الْمُجْتَمِعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ " عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ " احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ الْفِعْلِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عِبَادَةٍ عَدَمِيَّةٍ كَعِبَادَةِ تَرْكِ الزِّنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ " وَقْتُهَا " إلَخْ أَخْرَجَ بِهِ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ الْعَدَمِيَّةِ كَتَرْكِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَدَّمْتُمْ مِرَارًا أَنَّ الشَّيْخَ رضي الله عنه يُلَاحِظُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ فِي جِنْسِ الْحَدِّ مَا أَمْكَنَ وَالصَّوْمُ هُنَا صَيَّرَهُ عَدَمِيًّا وَالصَّلَاةُ صَيَّرَهَا فِعْلِيَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَبَّدَنَا بِالصَّوْمِ وَتَعَبَّدَنَا بِالصَّلَاةِ وَأَمَرَنَا بِهِمَا لِقَوْلِهِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72]«وَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَالصِّيَامُ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَتَرْتِيبُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَامَ مُتَعَبَّدٌ بِهِ أَيْ مَطْلُوبٌ مِنْ مُكَلَّفٍ وَكُلُّ مُتَعَبَّدٍ بِهِ فِعْلِيٌّ فَالصِّيَامُ فِعْلِيٌّ أَمَّا الصُّغْرَى فَبِظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَبِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فَعَلَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَمَّا الْأَمْرُ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا النَّهْيُ فَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَإِذَا صَحَّتْ النَّتِيجَةُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَطَلَ قَوْلُنَا إنَّ الصِّيَامَ عِبَادَةٌ عَدَمِيَّةٌ لِإِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ أَوْ الْمُتَضَادَّيْنِ فَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ عِبَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ لَا عَدَمِيَّةٌ (قُلْتُ) كَانَ يَمْضِي لَنَا فِي الْجَوَابِ أَنَّ التَّسَامُحَ وَاقِعٌ فِي قَوْلِهِ عَدَمِيَّةٌ أَيْ أَنَّ وُجُودَهَا فِي الْخَارِجِ لَا صُورَةَ حِسِّيَّةَ لَهُ كَصُورَةِ عِبَادَةِ الصَّلَاةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ وَهَذَا أَقْرَبُ
مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَ بِهِ (فَإِنْ قِيلَ) أَيْضًا مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ فِي الصَّلَاةِ قُرْبَةٌ وَهُنَا عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّ قُرْبَةً أَخْصَرُ لَفْظًا وَالْقُرْبَةُ وَالْعِبَادَةُ مُتَقَارِبَانِ مَعْنًى. فَظَهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقُرْبَةَ وَرَدَتْ فِي الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وَقَالَ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ شَرْعًا وَفِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى (فَإِنْ قُلْتَ) أَوْرَدَ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ عَلَى شَيْخِهِ رحمه الله صُورَةً مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَوْمٍ فَرَأَيْت فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِنِيَّةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَا إيرَادُ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُصَدَّرٌ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْعَدَمِيَّةُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ بِوَجْهٍ وَأَيْضًا مَا قَدَّمْنَا مِنْ مَعْنَى الْحَدِّ يَرُدُّ هَذَا ثُمَّ قَوْلُهُ " بِنِيَّةٍ " إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَوَّلِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ " وَقْتُهَا " إلَخْ مَعْنَاهُ خَاصِّيَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ وَالْوَقْتُ فِي صُورَةِ الْيَمِينِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَجَابَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَنْ أَتَى بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ عِبَادَةٌ يَسْتَدْعِي نِيَّةً وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى فَلَا نِيَّةَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّسْمَ الْأَوَّلَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّ الصَّوْمَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَاسِدٌ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّحَرُّزَ مِنْ مَوَانِعِهِ وَالثَّانِي قَصَدَ بِهِ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ بَعْدَ شَرْحِهِ. هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْحَدُّ الثَّانِي فَقَوْلُهُ " فَقَدْ يُحَدُّ " إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْحَدَّ عَلَى الرَّسْمِ فِي الثَّانِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ " كَفٌّ " الْكَفُّ هُوَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ هُنَا وَمَدْلُولُ النَّهْيِ مُطْلَقًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ صُومُوا أَيْ كُفُّوا وَالْكَفُّ لُغَةً الْإِمْسَاكُ الْمُطْلَقُ وَقُصِرَ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ هُوَ الْكَفَّ الْمَذْكُورَ وَذَلِكَ مَعْنَى النَّهْيِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ الصَّوْمُ مَدْلُولُهُ مَدْلُولَ النَّهْيِ فَيَرْجِعُ الصِّيَامُ فِي الْمَعْنَى إلَى مَعْنَى
النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا تَأْكُلْ وَلَا تَشْرَبْ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ وَمَدْلُولُ النَّهْيِ كَفٌّ فَالصِّيَامُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَبِلَفْظِ النَّهْيِ وَقَدْ قَرَّرْتُمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ (قُلْنَا) الشَّيْخُ رحمه الله مَضَى فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَنَقْلٌ عَنْ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُقَالَ صُمْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا تَأْكُلْ إلَخْ فَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَمِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَوْلُهُ " كَفٌّ " هَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ " عَدَمِيَّةٌ " وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَدَمِيَّةَ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا مُطْلَقًا بَلْ الَّتِي لَا صُورَةَ لَهَا خَارِجًا وَالْكَفُّ عَنْ الْمَذْكُورِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " بِنِيَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكَفَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَ " عَنْ إنْزَالٍ " يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَ " يَقَظَةً " يَخْرُجُ بِهِ إنْزَالُ النَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ شَرْعًا فِي الصَّوْمِ " وَوَطْءٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى إنْزَالٍ " وَإِنْعَاظٍ " كَذَلِكَ " وَمَذْيٍ " كَذَلِكَ هَذَا مَا يَمْنَعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّائِمِ أَوْ يَمْنَعَ سَبَبَهُ قَوْلُهُ " وَوُصُولِ غِذَاءٍ " هَذَا مَا يَمْنَعُ إدْخَالَهُ عَلَى الصَّائِمِ وَاحْتَرَزَ مِنْ الَّذِي لَيْسَ بِغِذَاءٍ وَلَيْسَ فِيهِ شُغْلُ الْمَعِدَةِ وَيُغَذِّيهَا قَوْلُهُ " غَيْرِ " صِفَةٌ لِلْغِذَاءِ وَ " غَالِبِ غُبَارٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ تُرَخِّصُهُ لِضَرُورَتِهِ وَكَذَلِكَ " الذُّبَابِ " إذَا غَلَبَ فَرُخِّصَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى غُبَارٍ قَوْلُهُ " أَوْ فِلْقَةٍ بَيْنَ الْأَسْنَانِ " الظَّاهِرُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ غَالِبِ قَوْلُهُ " لِحَلْقٍ " يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وُصُولِ كَأَنَّهُ قَالَ وُصُولٌ إلَى حَلْقٍ. قَوْلُهُ " أَوْ جَوْفٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَلْقِ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْفِ الْمَعِدَةُ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ وَلِذَا زَادَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَانَ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَلْقِ ظَاهِرًا وَكَذَلِكَ مَائِعُ الْحُقْنَةِ يَلْزَمُ بِهِ الْقَضَاءُ عَلَى قَوْلِهَا. قَوْلُهُ " زَمَنَ الْفَجْرِ " مَعْمُولٌ لِلْكَفِّ بِنِيَّةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ كَفٌّ بِنِيَّةٍ مِنْ زَمَنِ الْفَجْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ. قَوْلُهُ " دُونَ إغْمَاءِ أَكْثَرِ نَهَارِهِ " زَادَهُ رحمه الله لِيَكُونَ حَدُّهُ جَامِعًا لِصُوَرِ الْإِغْمَاءِ غَيْرَ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الصُّورَةِ وَتَأَمَّلْ لَفْظَ دُونَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ رحمه الله وَمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَصْلِهَا وَكَيْفَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِّ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رضي الله عنه اسْتَحْضَرَ صُورَةً يَتَوَهَّمُ إيرَادَهَا عَلَى حَدِّهِ وَهِيَ مَنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَبَاتَ وَأَكَلَ نَاسِيًا فَيُقَالُ صَوْمُهُ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ فَيَكُونُ الْحَدُّ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَفٌّ عَنْ وُصُولِ الْغِذَاءِ فَقَالَ الشَّيْخُ هَذَا
لَا يُرَدُّ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ وَجَّهَهُ بِأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ لَغْوَ الْأَكْلِ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. قَالَ وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ فَيُزَادُ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَنْسِيِّهِ فِي تَطَوُّعٍ وَيُزَادُ ذَلِكَ أَثَرَ جَوْفٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ رضي الله عنه هَلْ يَظْهَرُ مِنْ قَصْدِ حَدِّهِ الثَّانِي إنَّهُ إنَّمَا حَدُّ الْمَاهِيَّةِ الصَّحِيحَةِ (قُلْتَ) بَلْ إنَّمَا حَدٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مُحَافَظَتَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْقُيُودِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ عَلَى أَصْلِ الْمَشْهُورِ وَمَنْ يَقُولُ الْمُعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَلَا تُزَادُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَإِنْعَاظٍ إنَّمَا يَلْزَمُ ذِكْرُهُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِفَسَادِ الصَّوْمِ إذَا أَنْعَظَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ الْمَذْيُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى النَّقْضِ بِهِ إذَا كَانَ عَنْ سَبَبٍ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ الْمَذْيُ أَوْ الْإِنْعَاظُ عَنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الصَّائِمِ هَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ (قُلْنَا) لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ كَفٌّ عَنْ كَذَا فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِمْسَاكِ عَنْهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ وَوُصُولِ غِذَاءٍ إنْ قَصَدَ مَا يُغَذِّي الْمَعِدَةَ وَيُقَوِّيهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْغُبَارِ لِأَنَّ الْغُبَارَ غَيْرَ الْغَالِبِ لَا تَغْذِيَةَ فِيهِ لَهَا وَإِنْ عَنَى مَا يَشْغَلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُغَذِّيهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِهَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ إنَّ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَكُونُ مَا ذَكَرَ هُوَ الْمَشْهُورَ (فَإِنْ قُلْتُ) ظَاهِرُهُ إنَّ غَالِبَ غَيْرِ الْغُبَارِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي غُبَارِ الدَّقَّاقِينَ وَلَمْ يُعَيِّنُوا فِيهِ الْمَشْهُورَ.
(قُلْتُ) هَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُهُ لِحَلْقٍ أَوْ جَوْفٍ قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوْفَ عَلَى الْمَعِدَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْدُ فِي مُبْطِلِ الصَّوْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَطْلَقَ فِي الْوُصُولِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ أَمْ لَا وَقَدْ قَيَّدُوهُ بِالْمَنْفَذِ الْوَاسِعِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إنْ فَسَّرْنَا الْجَوْفَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعِدَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْحُقْنَةَ تُبْطِلُ إنْ كَانَتْ بِمَائِعٍ وَتَأَمَّلْ مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ حَتَّى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى الْغُرُوبِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ وَقَعَ فِيهَا إلَى اللَّيْلِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا سِرَّ كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ حَتَّى اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ أَخْصَرُ وَمُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْبَيَانَ فِي مَبْدَأِ اللَّيْلِ بِذِكْرِ الْغُرُوبِ وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُقَابِلُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ قَالَ فِي وَقْتِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ اُنْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ رحمه الله -