الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ كَلَامٍ فِي مُنَاقَضَةِ لَفْظِهِ وَبَيَانِ حُسْنِ إلْزَامِهِ وَذَلِكَ أَنَّ شَيْخَهُ رحمه الله قَالَ ظَاهِرُ لَفْظِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ الرُّسُومِ كَعَادَتِهِ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذَا وَإِنَّ مَعْنَى الْوَكَالَةِ جَلِيٌّ وَهُوَ النِّيَابَةُ لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظِ فَقَطْ لَا إلَى حَدٍّ وَلَا إلَى رَسْمٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى مَحَلِّ الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ قَصْدُهُ بَيَانَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ، وَلِذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَكِيلُ مَعْرُوفٌ قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه عَنْهُ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ، قَوْلُهُ أَوَّلًا ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ رَسْمٌ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ ثَانِيًا الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَقْرَبُ لِلْفَهْمِ مِنْ غَيْرِهِ فَجَعَلَ نَقِيضَهُ أَقْرَبَ يُنَاقِضُهُ وَقَوْلُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَّا إلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظِ بِاللَّفْظِ نَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُنْجِيهِ مِنْ التَّعَقُّبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعْرِيفِ اللَّفْظِيِّ اتِّحَادُ مَدْلُولِ اللَّفْظَيْنِ وَهُمَا هُنَا مُتَغَايِرَانِ لِأَنَّ مَدْلُولَ النِّيَابَةِ أَعَمُّ مِنْ مَدْلُولِ الْوَكَالَةِ لِصِدْقِ النِّيَابَةِ عَلَى مَا لَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ النِّيَابَةَ تَصْدُقُ عَلَى إمَامِ الطَّاعَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصْدُقُ الْوَكَالَةُ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَنْ عَرَّفَ الْقَمْحَ بِقَوْلِهِ هُوَ الْحَبُّ الْمَأْكُولُ وَهَذَا بَحْثٌ حَسَنٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى.
(فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الشَّيْخِ الْوَكَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُقَيَّدَةُ أَوْ لَا تَدْخُلُ إلَّا الْمُقَيَّدَةُ (قُلْت) الظَّاهِرُ دُخُولُ الْوَكَالَتَيْنِ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَالَ ذِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَالْحَقُّ لَا إنْ كَانَ مُطْلَقًا وَلَا إنْ كَانَ عَامًّا إلَّا مَا خَصَّصَتْهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ لِعُرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(فَإِنْ قُلْت) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَقِرَّ عَنِّي أَوْ اعْتَرِفْ عَنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَكَالَةٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ الْآمِرِ فَإِنْ كَانَتْ وَكَالَةً فَكَيْفَ يَصِحُّ دُخُولُهَا فِي الْحَدَّيْنِ (قُلْت) هَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا الْمَازِرِيُّ رحمه الله وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاَلَّذِي حَقَّقَ الشَّيْخُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أَوْ جَعْلِهِ ذَلِكَ بِيَدِ غَيْرِهِ فَانْظُرْهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي لِرَجُلٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ وَرِضَاهُ قَالَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ لِلشَّيْءِ إرَادَةٌ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[بَابٌ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ]
قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله قَالَ اللَّخْمِيُّ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ
وَالْجُعْلُ وَالْإِجَارَةُ وَاقْتِضَاءُ الدَّيْنِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ وَبَعْضُ الْقُرَبِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ لِلنِّيَابَةِ لَا لِلْوَكَالَةِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ بَعْدُ وَالِاسْتِقْرَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْمُوَكَّلِ أَوْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ جَازَ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَالَ وَقَوْلُنَا غَيْرُ خَاصٍّ بِهِ احْتَرَزْنَا بِهِ بِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِغَيْرِهِ فَوَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى أَدَائِهَا فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حَلِفَ غَيْرِهِ غَيْرُ حَلِفِهِ فَهُوَ غَيْرُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْت) الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ رحمه الله أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ عَرَّفَهَا بِمَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَكَالَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ أَخَصُّ مِنْ النِّيَابَةِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ التَّسَاوِي بِمَا ذَكَرَ أَنَّ النِّيَابَةَ خَاصَّةٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ.
(فَإِنْ قُلْت) مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مَجْهُولٌ لِلسَّامِعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ (قُلْت) لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ إلَخْ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ شَرْعًا فَتَصِحُّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَكَالَةُ.
(فَإِنْ قُلْت) مَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ رحمه الله وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ إلَخْ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ لِلنِّيَابَةِ لَا لِلْوَكَالَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْمِثْلِ وَإِنَّ اللَّخْمِيَّ أَضَافَهَا لِلْوَكَالَةِ وَالْمَازِرِيُّ أَضَافَهَا إلَى النِّيَابَةِ وَفِي ذَلِكَ إشْكَالٌ وَهُوَ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمْنَاهُ الْآنَ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنَّ اللَّخْمِيَّ لَمْ يَقْصِدْ تَفْسِيرَ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِمَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ كَمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إلَّا أَنَّهُ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَيَنْقُضُ قَوْلُهُ فِي أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ الْمَحْضَةِ بِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الرَّمْيِ لِمَرَضٍ فِي الْحَجِّ يَرْمِي عَنْهُ.
(فَإِنْ قُلْت) هَلْ تَدْخُلُ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ الْوَكَالَةُ فِي الْكَفَالَةِ (قُلْت) يَظْهَرُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَشَرَحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَكَفَّلْ عَنْهُ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ رحمه الله بِإِنَّ الْوَكَالَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَا يَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَتُهُ وَكَفَالَةُ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ مُمْتَنِعَةً وَشَرَحَهُ ابْنُ هَارُونَ بِوَجْهٍ آخَرَ يُمْكِنُ دُخُولُ الْكَفَالَةِ فِيهِ اُنْظُرْهُ (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ