الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجِوَارُ كَالِاعْتِكَافِ إلَّا جِوَارَ مَكَّةَ وَالْمُشَبَّهُ غَيْرُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَهُوَ غَيْرُهُ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ مَكَّةَ بِرَسْمِ الِاعْتِكَافِ وَفِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِقَوْلِنَا لُزُومُ مَسْجِدِ مَكَّةَ نَهَارًا لِقُرْبَةٍ قَاصِرَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْحَجِّ]
(ح ج ج) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
كِتَابُ الْحَجِّ
ذَكَرَ الشَّيْخُ رضي الله عنه الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ تَعْرِيفِهِ فَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ وَرَدَّهُ الشَّيْخُ رحمه الله وَنَفَعَ بِهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَقِيهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ إدْرَاكَ فَصْلِهِ أَوْ خَاصَّتِهِ فَلَا عُسْرَ قَالَ الشَّيْخُ تِلْمِيذُهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْآبِيُّ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك ضَعْفُهُ قَالَ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ قَدْ يَكُونُ لِوُجُودِ شَرْطٍ أَوْ عَدَمِهِ وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِأَحَدِهِمَا إدْرَاكُ الْفَصْلِ أَوْ الْخَاصَّةِ. قَالَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إدْرَاكُ ذَلِكَ فَقَدْ يُدْرَكُ أَحَدُهُمَا وَيُجْهَلُ الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ وَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ بِالْجِنْسِ الْأَقْرَبِ وَالْفَصْلِ وَهَذَا كَمَا قِيلَ الْعِلْمُ لَا يُحَدُّ لِعُسْرِهِ فَأَحَدُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْعُسْرِ عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِالْجِنْسِ الْأَقْرَبِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ السَّوَادَ لَوْنٌ وَمَعْنًى وَالْمَعْنَوِيَّةُ جِنْسُهُ الْأَبْعَدُ وَاللَّوْنِيَّةُ جِنْسُهُ الْأَقْرَبُ وَلَا نَعْلَمُ فِي الْعِلْمِ إلَّا أَنَّهُ مَعْنًى وَالْجِنْسُ الَّذِي نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ اللَّوْنِيَّةِ إلَى السَّوَادِيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
(قُلْتُ) رَدُّ الشَّيْخِ رضي الله عنه لَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ وَإِذَا بَسَطْنَاهُ وَعَلِمْنَا قَصْدَهُ ظَهَرَ لَك ضَعْفُ مَا رَدَّ بِهِ تِلْمِيذُهُ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقَالُ لِشَيْخِهِ لَا عُسْرَ فِي تَعْرِيفِ حَقِيقَةِ الْحَجِّ بَلْ فِيهِ يُسْرٌ لِأَنَّ الْفَقِيهَ الْعَارِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَبِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَاللَّوَازِمِ لَهَا فَإِذَا حَقَّقَ الْفَقِيهُ مَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِلْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهَا وَمِنْ وُجُودِهَا وُجُودُهُ مَعَ فَقْدِ الْمَانِعِ فَإِنْ وُجِدَ مَا ذُكِرَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ عُدِمَ حُكِمَ بِفَسَادِهَا وَذَلِكَ يَتَقَرَّرُ بِمَا ثَبَتَتْ فَصْلِيَّتُهُ أَوْ خَاصِّيَّتُهُ الْمُمَيِّزَةُ لَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مِنْ الْفَقِيهِ سَهُلَ عَلَيْهِ إدْرَاكُ مَا يُصَيِّرُهُ فَصْلًا لِلْمَاهِيَّةِ إنْ عَلِمَهُ أَوْ خَاصَّةً لَهَا إنْ
ثَبَتَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَقُولُ أَنَّهُ يَعْسُرُ ذَلِكَ عَلَى الْفَقِيهِ فَقَوْلُ تِلْمِيذِهِ الرَّادِّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِوُجُودِ شَرْطٍ أَوْ عَدَمِهِ نَقُولُ ذَلِكَ الشَّرْطُ الَّذِي حُكِمَ بِصِحَّةِ الْمَاهِيَّةِ بِوُجُودِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي تَقَرُّرِ الصِّحَّةِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ كَالْخَاصَّةِ لِلْمَاهِيَّةِ فَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ إدْرَاكٌ إلَخْ بَلْ يُقَالُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْفَصْلُ ثَبَتَتْ الْخَاصَّةُ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَالشَّرْطُ إذَا تَقَرَّرَ فِيهِ مُلَازَمَتُهُ لِلْمَشْرُوطِ طَرْدًا وَعَكْسًا كَانَ كَالْخَاصَّةِ أَوْ خَاصَّةً قَوْلُهُ سَلَّمْنَا إلَخْ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْحَدُّ التَّامُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ التَّامَّ وَالنَّاقِصَ بَلْ وَالرَّسْمُ وَإِطْلَاقُ الْحَدِّ عَلَيْهِ سَائِغٌ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِمَا اُسْتُبْعِدَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
ثُمَّ نَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِلْحُكْمِ بِوُجُودِهِ ضَرُورَةً وَتَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً ضَرُورِيٌّ وَأَجَابَ الشَّيْخُ رضي الله عنه بِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَطْلُوبُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ وَتَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ قِيلَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُحَدُّ وَلَا يُرْسَمُ فَنَقُولُ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ هُنَا كَذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَعْرِفَتَهُ بِوَجْهٍ مَا فَلِذَا أَجَابَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ مَا وَالْمَطْلُوبُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ هَذَا الرَّدَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا شُرِطَ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالدَّلِيلِ وَأَمَّا مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ ضَرُورَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ ضَرُورِيًّا أَنْ يَكُونَ التَّصَوُّرُ ضَرُورِيًّا وَتَأَمَّلْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْفَخْرَ فِي قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ لَا يُحَدُّ إمَّا لِعُسْرِهِ وَإِمَّا لِضَرُورَتِهِ وَهُمَا قَوْلَانِ وَعَلَيْهِمَا جَرَى الشَّيْخَانِ فِي بَحْثِهِمَا ابْنُ هَارُونَ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رحمه الله قَالَ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ " بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ " فَقَوْلُهُ عِبَادَةٌ جِنْسٌ تَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا قَوْلُهُ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ خَاصَّةً لَهَا لِأَنَّهَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَلَا يُفَارِقُهَا فَتَمْتَازُ عَنْ كُلِّ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ بِذَلِكَ وَيَشْمَلُ الرَّسْمَ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدَ مِنْهُ (فَإِنْ قُلْتُ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَبَّرَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ وَلَمْ يَقُلْ قُرْبَةٌ كَمَا
قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقُرْبَةِ أَخْصَرُ وَيَحْصُلُ قَصْدُهُ مِنْهَا (قُلْتُ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي حَدٍّ قَبْلَ هَذَا وَلَمْ تَظْهَرْ قُوَّةُ جَوَابٍ وَالْعِبَادَةُ تَشْمَلُ الْقُرُبَاتِ كُلَّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ تَعَالَى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فِي الصَّلَاةِ أَشَارَ فِيهَا إلَى حِكْمَتِهَا وَهِيَ التَّقَرُّبُ فَلَاحَظَ ذَلِكَ الشَّيْخُ رضي الله عنه لِأَنَّ اللَّهَ خَصَّ بِهِ الصَّلَاةَ لِشَرَفِهَا وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَصَارَتْ الْعِبَادَةُ كَأَنَّهَا أَعَمُّ وَالْقُرْبَةُ كَأَنَّهَا أَخَصُّ عِبَادَةً فَأَتَى فِيهَا بِأَخَصَّ جِنْسٍ وَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّلَاةَ بِالْقُرْبَةِ لَا يُقَالُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 77] بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ تَقَرَّبُوا لِرَبِّكُمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه فِي رَسْمِ الصَّلَاةِ أَوْ حَدِّهَا قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهُنَا لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ (قُلْتُ) ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ أَرْكَانَهُ كُلَّهَا لَيْسَتْ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ الْخَارِجِيَّةَ الْحِسِّيَّةَ كُلَّهَا أَفْعَالٌ مَحْسُوسَةٌ وَالْحَجُّ أَعَمُّ لِأَنَّ فِيهِ أَرْكَانًا فِعْلِيَّةً كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ رُكْنٌ لَيْسَ فِعْلِيًّا بَلْ صِفَةً تَقْدِيرِيَّةً تُوجِبُ عَدَمًا لِمَا مُنِعَ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْعِبَادَةَ هُنَا وَقَيَّدَ الْقُرْبَةَ هُنَاكَ.
(فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ أَتَى رحمه الله فِي الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ (قُلْتُ) لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ وَلَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَتَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْحَلُّ بِالثَّانِي لِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي الصَّلَاةِ خَاصِّيَّتَهَا وَمَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَتَقَرَّرُ الصَّلَاةُ بِوُجُودِهِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي التَّعْرِيفِ وَذُكِرَ فِي الْحَجِّ لَازِمُهُ الْخَاصُّ بِهِ الَّذِي يَمْتَازُ بِسَبَبِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ مُعْظَمُ الْحَجِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَكَانَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لَهُ مِنْهُ بِالْخَاصِّيَّةِ (فَإِنْ قُلْتَ) فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهَلَّا اخْتَصَرَ رضي الله عنه وَقَالَ عِبَادَةٌ ذَاتُ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ إلَخْ وَيَحْصُلُ الْقَصْدُ مِنْهُ كَمَا حَصَلَ الْقَصْدُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ ذَاتُ إلَخْ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا أَصْرَحُ فِي الرُّكْنِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ ذَاتُ وُقُوفٍ وَإِنْ صَحَّ أَنَّ ذَاتَ بِمَعْنَى صَاحِبُ وَالصُّحْبَةُ تَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ لَكِنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ وَخُصَّ ذَلِكَ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِذَاتِ وُقُوفٍ فَقَدْ يُرَدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُمَا يَصْحَبُهُمَا وُقُوفٌ فَيُرَدُّ عَدَمُ الطَّرْدِ عَلَى رَسْمِهِ فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَلْزَمُهَا يَقْتَضِي لُزُومًا لِلْعِبَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلُزُومُ الْوُقُوفِ لَيْسَ لِذَاتِ
الْخُطْبَةِ وَلَا الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ عَرَّفَ الصَّلَاةَ تَعْرِيفًا وَاحِدًا وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْحَجِّ قَدْ قَرَّرَ فِيهِ تَعْرِيفَيْنِ وَذَكَرَ فِي الثَّانِي جَمِيعَ لَوَازِمِهِ شَرْعًا.
(قُلْتُ) يُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا ذُكِرَ مَا ذُكِرَ مِنْ عُسْرِهِ أَرَادَ رحمه الله أَنْ يُبَيِّنَ يُسْرَهُ بِحَدَّيْنِ بِرَسْمٍ تَامٍّ أَوْ بِحَدٍّ عَلَى مَا فِيهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ الْعَارِفَ بِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ رَسْمُهُ عِنْدَهُ أَوْ حَدُّهُ فَفِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّنْكِيتِ عَلَى مَنْ عَسُرَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا قَالَ عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» .
(قُلْتُ) لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ فِيهِ نَوْعَ إجْمَالٍ فِي زَمَنِ الْوُقُوفِ تَعَرَّضَ لِمَا يُفَسِّرُهُ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَلِكَ مُفِيدٌ لِلتَّفْسِيرِ وَأَخْصَرُ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ كَمَا قَالَ بَعْدُ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ رَآهُ أَبْيَنَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اللَّيْلَةُ الْآتِيَةُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يُقَالُ أَنَّ هَذَا يُرَدُّ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الطَّوَافِ لِظُهُورِ عَدَمِ وُرُودِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ وَحَدُّهُ بِزِيَادَةٍ وَطَوَافٍ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ بِالْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ سَبْعًا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمِنْهَا إلَيْهَا سَبْعًا بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ لَا بِقَيْدِ وَقْتِهِ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ قَوْلُهُ رضي الله عنه وَيُمْكِنُ حَدُّهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَسْمِيٌّ وَالثَّانِي حَدِّيٌّ وَلَا فَرْقَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْخَاصَّةِ وَالثَّانِي بِالذَّاتِيِّ وَكَيْفَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَجْزَاءِ الذَّاتِيَّةِ هُنَا وَيَقَعُ التَّعْرِيفُ بِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا إشْكَالَهُ وَمَا فِيهِ وَرَأَيْتُ عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فِيهِ تَسَامُحٌ فِي إطْلَاقِ الْحَدِّ هُنَا وَهَذَا صَحِيحٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ رحمه الله وَيُمْكِنُ حَدُّهُ بِزِيَادَةٍ إلَخْ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ رَسْمِيٌّ وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا يُصَيِّرُهُ رَسْمًا شَبِيهًا بِالْحَدِّ بِزِيَادَةِ خَوَاصِّ الْمَاهِيَّةِ كُلِّهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ رحمه الله يُمْكِنُ رَسْمُهُ رَسْمًا تَامًّا بِالْأَوَّلِ وَرَسْمًا بِالثَّانِي بِزِيَادَةِ هَذِهِ الْخَوَاصِّ فِيهِ اللَّازِمَةِ لَهُ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا وَهَذَا يَرِدُ فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَجْزَاءَ الْحَدِّ وَذَاتِيَّتَه فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذُكِرَ وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الرَّسْمَ أَطْلَقَهُ عَلَى الْحَدِّ النَّاقِصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ حَدُّهُ حَدًّا نَاقِصًا بِالْأَوَّلِ وَحَدًّا تَامًّا بِالثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذُكِرَ فِيهِ بَعْضُ ذَاتِيَّاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَالثَّانِي اُسْتُوْفِيَ فِيهِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنَّ لُزُومَ الْأَجْزَاءِ لِلْمَاهِيَّةِ خَاصَّةٌ لَهَا فَلَيْسَ ثَمَّ ذَاتِيٌّ وَوَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمَشَذَّالِيِّ كَلَامٌ قَالَ لَا خَفَاءَ أَنَّ لُزُومَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ذَاتِيٌّ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ
رُكْنٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسْمًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى فِي الرَّسْمِ بِالذَّاتِيَّاتِ كُلِّهَا وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ اللُّزُومَ الْمَذْكُورَ خَارِجِيٌّ فَيَلْزَمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الذَّاتِيِّ ضَرُورَةً قَوْلُهُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِزِيَادَةِ مَا ذُكِرَ فَيُضَافُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَأَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّا نَلْتَزِمُ صِحَّةَ الرَّسْمِ وَأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهِ الْجِنْسُ الْبَعِيدُ وَالْخَاصَّةُ وَقَوْلُكُمْ ذِي الْوُقُوفِ ذَاتِيٌّ مَمْنُوعٌ إنَّمَا الذَّاتِيُّ فِعْلُ الْوُقُوفِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ هَذَا وَاقِعٌ لِلْوَانُّوغِيِّ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ رحمه الله وَطَوَافُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ لِلْحَجِّ الشَّرْعِيِّ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا قَالَ بِإِحْرَامٍ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي رُبَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَاهِيَّةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَجْزَاءِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الطَّائِفَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَالْمُصَلِّي فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ وَالطُّهْرُ الْأَخَصُّ هُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وُجُودُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْكُبْرَى ثُبُوتُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَلِذَا قِيلَ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذِي طُهْرٍ فَقَطْ لَصَدَقَ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ الطَّوَافُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَرْعًا وَأَيْضًا لَوْ أَطْلَقَ الطُّهْرَ دَخَلَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ بَلْ فِي كَمَالِهِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ هَذَا أَقْرَبُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ تِلْمِيذُهُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ وَيَعْنِي بِطُهْرٍ أَخَصَّ أَنَّ الِاغْتِسَالَاتِ فِي الْحَجِّ لَا تَكْفِي إلَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ ذَلِكَ الَّذِي اغْتَسَلَ لَهُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الِاغْتِسَالَاتِ إنَّمَا هِيَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهَا فِي خَاصِّيَّتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ لِأَنَّ اغْتِسَالَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَلَمْ يُقْصَدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذُكِرَ شَرْطُ الطَّوَافِ.
(فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّ الشَّيْخَ رحمه الله حَدَّ الْمَاهِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَعَمَّ مِنْ صَحِيحِهَا أَوْ فَاسِدِهَا فَمَا بَالُهُ اشْتَرَطَ فِي الطَّوَافِ شَرْطَ صِحَّتِهِ وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَلَمْ يَقُلْ لِذِي طُهْرٍ أَخَصَّ (قُلْتُ) لَمَّا احْتَاجَ رحمه الله إلَى جَمْعِ أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ وَكَانَ فِيهَا مَا هُوَ جَلِيٌّ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِهِ وَذَكَرَ الطَّوَافَ احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِمَا صَيَّرَهُ الشَّارِعُ رُكْنًا فِي الْحَجِّ وَأَمَرَ بِهِ فَذَكَرَ صِفَةَ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ التَّعْرِيفُ بِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ وَقَوْلُهُ بِالْبَيْتِ أَخْرَجَ بِهِ الطَّوَافَ بِغَيْرِ الْبَيْتِ وَالْبَيْتُ الْكَعْبَةُ عَلَمٌ عَلَى ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَقَوْلُهُ عَنْ
يَسَارِهِ بَيَانٌ لِصِفَةِ صِحَّةِ الطَّوَافِ الشَّرْعِيِّ وَنَصَبَ سَبْعًا عَلَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِك ضَرَبْتُهُ عِشْرِينَ ضَرْبَةً وَبَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَخْرَجَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَبَيَّنَ بِهِ إنَّ ذَاتِيَّ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَفِيضُوا (فَإِنْ قُلْتَ) مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ صَحِيحٌ وَأَمَّا تَرْتِيبُ كَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ الْيَسَارِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ.
(قُلْتُ) نَعَمْ ذَلِكَ شَرَطَ فِي صِحَّتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلِ وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ يَتَخَرَّجُ إذَا طَافَ مَنْكُوسًا عَلَى تَارِكِ السُّنَنِ مُتَعَمِّدًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ بَعْدَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ قِيلَ وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ التَّنْكِيسُ فِي الْعِبَادَةِ أَمَّا فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَفِي ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَأَمَّا فِي تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِ تَقْدِيمِ سُجُودِهَا عَلَى رُكُوعِهَا فَذَلِكَ يُبْطِلُهَا بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ فِي تَنْكِيسِ صِفَةِ الْأَقْوَالِ مِثْلُ قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدِ فَقَطْ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ مُتَعَمِّدًا فَقِيلَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ وَقِيلَ بِبُطْلَانِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا تُجْمَعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ تُجْزِئُ عَنْ الظُّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَمَسْأَلَةُ الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا أَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ هَذَا الَّذِي رَأَيْته عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ وَيُرَدُّ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ رحمه الله كَيْفَ يَصِحُّ لَهُ الدَّلِيلُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي بِالْقَرْيَةِ فَإِنَّ فِيهَا تَرْكَ السُّنَّةِ مُتَعَمِّدًا وَالتَّنْكِيسُ لَمْ يُوجَدْ وَقَصْدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ تَرْكُ السُّنَّةِ مُتَعَمِّدًا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُفْهَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ رضي الله عنه وَنَفَعَ بِهِ وَسَعْيٌ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافٍ وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الذَّاتِيُّ الثَّالِثُ. ثُمَّ إنَّهُ رَسَمَهُ أَيْضًا كَمَا رَسَمَ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلسَّامِعِ فَبَيَّنَهُ بِخَوَاصِّهِ فَقَالَ مِنْ الصَّفَا لِلْمَرْوَةِ وَهَذَا الرَّتِيبُ وَاجِبٌ وَغَيْرُهُ لَغْوٌ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا سَبْعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا. ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطِ السَّعْيِ الذَّاتِيِّ وَهُوَ شَرْطُ صِحَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ الطَّوَافِ الْمَذْكُورِ بِصِفَتِهِ وَهُوَ طَوَافُ ذِي طُهْرٍ أَخَصُّ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ لَا يُقَيَّدُ وَقْتُهُ أَخْرَجَ بِهِ خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّ السَّعْيَ أَنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُصُولُ طَوَافٍ قَبْلَهُ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ لَا خُصُوصَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ