الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابٌ فِي الْخَطَأِ الْمُوجِبِ لِرَدِّ حُكْمِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ]
قَالَ قَالَ اللَّخْمِيُّ مَا خَالَفَ نَصَّ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالَ الشَّيْخُ أَوْ مَا ثَبَتَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَادَ الْمَازِرِيُّ أَوْ قِيَاسًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي صِحَّتِهِ زَادَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ رَأْيًا فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ سَهْوًا وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ " نَصَّ آيَةٍ " هَذَا قَطْعِيٌّ قَوْلُهُ " أَوْ سُنَّةٍ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ ظَنِّيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِذَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ مَا خَالَفَ الْقَطْعَ اُنْظُرْهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْحُكْمِ بِالسِّعَايَةِ فِي الْعَبْدِ وَبِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ قَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ رَأْيًا قَالَ صُورَةُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ حُكْمَهُ بِكَذَا وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِالْفَهْمِ وَاضِحٌ وَعَلَى نَفْيِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَتَصَوُّرُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ يُوجِبُ إشْكَالًا لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِنَقْضِهِ بَدَلَ إقْرَارِهِ وَتَرْكِهِ نَقْضَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ كَرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ فَيَبْطُلُ وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يُقْبَلْ كَشَهَادَتِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
[بَابُ مَا يُقْضَى فِيهِ بِالصِّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ]
(ش هـ د) : بَابُ مَا يُقْضَى فِيهِ بِالصِّفَةِ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الرُّبْعُ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَا عَدَاهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَعَرُوضٍ بَابٌ فِي شَاهِدِ الزُّورِ
ذَكَرَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ هُنَا رَسْمَ شَاهِدِ الزُّورِ وَيَظْهَرُ أَنَّ ذِكْرَهُ فِي الشَّهَادَةِ أَنْسَبُ قَالَ رحمه الله شَاهِدُ الزُّورِ الشَّاهِدُ بِمَا لَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَلَوْ طَابَقَ الْوَاقِعَ كَمَنْ شَهِدَ بِأَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَتْلَهُ إيَّاهُ وَقَدْ كَانَ قَتَلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله عَمْدًا وَهُوَ صَوَابٌ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَا زُورَ عِنْدَهُ وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَى الْبَاجِيِّ اُنْظُرْهُ.
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
(ش هـ د) :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله عَنْ شَيْخِهِ رحمه الله الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ رضي الله عنه بِأَنَّ الْمَعْلُومَ وُجُودُ مِثْلِ ذَلِكَ لَا تَصَوُّرُهُ وَهُنَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ عَنْ الْقَرَافِيُّ مِنْ كَوْنِهِ سَأَلَ الْفُضَلَاءَ سِنِينَ عَنْ مَعْرِفَةِ الشَّهَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا فِيهِ مُنَافَاةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَتَى الشَّيْخُ رحمه الله بِكَلَامِ الْقَرَافِيُّ وَحَاصِلُهُ مَعْنًى أَنَّهُ قَالَ أَقَمْت ثَمَانِي سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْهُ فَيَقُولُونَ الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرَّعَ تَصَوُّرَهَا فَلَوْ عُرِّفَتْ بِأَحْكَامِهَا لَزِمَ الدَّوْرُ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَزَلْ فِي شِدَّةِ قَلَقٍ حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْته قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ وَمَيَّزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ «عليه السلام الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْخَلْقِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ فَإِنَّهُ إلْزَامٌ مُعَيَّنٌ لَا يَتَعَدَّاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ وَالثَّانِي هُوَ الشَّهَادَةُ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ سُؤَالًا قَالَ مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ مَنْقُوضٌ فَقَدْ تَتَعَلَّقُ الشَّهَادَةُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ.
أَمَّا الشَّهَادَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعِ شِبْهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَعُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ كَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَوْنِ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَالرِّوَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْمَاءِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْعَرْضِ وَالْمَقْصُودِ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ الْجُزْئِيُّ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ بِالْوَقْفِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْقِفُ لِيُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ الْمَالُ وَكَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يُقْدَحُ وَأَمَّا الْأَرْضُ الْعَنْوَةُ فَلَمْ أَرَ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَأَمْكَنَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ مِنْ
حَيْثُ إنَّهُ صِفَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَلِذَا كَانَ كُلُّ مَاءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ فِي الصِّفَةِ الَّتِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ مُمَاثِلًا لَهُ فِي الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ هَذَا مَعْنَاهُ بِاخْتِصَارٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِنَا يَتَعَقَّبُ قَوْلَ الْقَرَافِيُّ أَقَمْت مُدَّةً إلَخْ قَالَ وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي أَيْسَرِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ مُبْتَدِئِي الطَّلَبَةِ وَهُوَ التَّنْبِيهُ لِابْنِ بَشِيرٍ ثُمَّ أَتَى بِكَلَامِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ كَانَ يَتَعَقَّبُ عَلَيْهِ حِكَايَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ بِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْجُزُولِيَّةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رحمه الله هُنَا وَذَكَرَ فِي أَصْلِهِ زِيَادَاتٍ (قُلْتُ) وَلِلشَّيْخِ الْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْن مَرْزُوقٍ رحمه الله تَعَقُّبٌ عَلَى الْمُتَعَقِّبِ عَلَى الْقَرَافِيُّ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَلْحَقْته بِآخِرِ الشَّهَادَاتِ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ بَعْدُ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ فَأَمَّا الْأَحْكَامُ اللَّفْظِيَّةُ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي جَمِيعِ لَوَازِمِ الْعِلْمِيَّةِ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسَامَةَ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَأَمَّا عَلَمُ الْجِنْسِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ كَالنَّكِرَةِ وَلَا فَرْقَ وَلَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ الْحُذَّاقُ لِأَنَّ التَّفَارِيقَ اللَّفْظِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْمَعْنَى وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْقَائِلُ اخْتَلَفَ فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقِيلَ إنَّ الْوَضْعَ فِي النَّكِرَةِ إنَّمَا هُوَ لِفَرْدٍ لَهُ أَمْثَالٌ وَالْوَضْعُ فِي أُسَامَةَ لِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدَادُهَا فَالْأَوَّلُ وُضِعَ فِيهِ لِلْأَسَدِ وَلِمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ أَفْرَادِهِ وَالثَّانِي مَوْضُوعٌ لِمَعْنَى الْأَسَدِيَّةِ.
وَقِيلَ إنَّ الْوَضْعَ فِي الْجَمِيعِ لِلْمَاهِيَّةِ إنْ أُخِذَتْ مُطْلَقَةً فَذَلِكَ مَعْنَى النَّكِرَةِ وَإِنْ أُخِذَتْ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ اسْتِحْضَارِهَا فِي الذِّهْنِ فَذَلِكَ مَعْنَى عَلَمِ الْجِنْسِ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَحْثَ وَالْجَمْعُ فِي تَقْيِيدٍ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ وَمَا ارْتَضَاهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرٍ جُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرٍ كُلِّيٍّ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُزْئِيِّ كَثِيرًا فَرَسْمُهُ غَيْرُ جَامِعٍ كَحَدِيثِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الَّذِي فِيهِ حَدِيثُ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأُمُورٍ جُزْئِيَّةٍ قَالَ وَلِذَا تَجِدُهُمْ يَقُولُونَ اُخْتُلِفَ فِي الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةِ هَلْ تَعُمُّ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ آيَةُ أَبِي لَهَبٍ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ صَحَّ لِلشَّيْخِ رحمه الله أَنْ يُورِدَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ نَقْضًا عَلَى الْعَكْسِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ الْجَوَابَ عَنْ سُؤَالٍ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا مِنْ هَذَا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابُهُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ فِي الْإِخْبَارِ هُنَا الذَّاتُ الْمَخْصُوصَةُ
فَإِنْ قُلْتَ) مَا مَوْقِعُ كَلَامِ الشَّيْخِ رحمه الله فِي قَوْلِهِ وَلِذَا تَجِدُهُمْ إلَخْ (قُلْتُ) ذَكَرَهُ دَلِيلًا لِقُوَّةِ النَّقْضِ عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةُ فِي الْإِخْبَارِ فَجَعَلُوا مُتَعَلِّقَ الْخَبَرِ قَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا وَسَلَّمُوا ذَلِكَ وَكَانَ يَمْشِي لَنَا فِي الْمَجَالِسِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ الْقَضَايَا الْعَيْنِيَّةُ هَلْ تَعُمُّ وَكَيْفَ يَقْبَلُ التَّعَيُّنُ الْعُمُومَ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ بَلْ التَّعْيِينُ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ لَا الْعُمُومَ وَوَقَعَ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ وَمَعْنَاهُ مَثَلًا فِي مِثْلِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِي الْحَجِّ وَقَصَّ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَأَنَّهُ يَبْعَثُ مُلَبِّيًا فَهَلْ يُقَالُ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ أَوْ إنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ يُشَارِكُهُ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رحمه الله حَقَّقَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ.
قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ " قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلِفِ طَالِبِهِ " قَوْلُ الشَّيْخِ رحمه الله " قَوْلٌ " الْقَوْلُ فِي اللُّغَةِ مَعْلُومٌ مَا فِيهِ وَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ وَالْكَلِمَةِ وَالْكَلِمِ وَالْخَبَرُ أَخَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْخَبَرِ وَأَخَصُّ مِنْ الْقَوْلِ (فَإِنْ قُلْتَ) لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ الْأَقْرَبَ وَهُوَ الْخَبَرُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الشَّهَادَةِ مِنْ الْقَوْلِ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» أَدَّى إلَى أَنَّ الْقَوْلَ شَرْعًا غَلَبَ فِي الْخَبَرِ فِي الشَّهَادَةِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهُوَ قَوْلٌ لَا خَبَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّفْسِ وَلَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ الْخَبَرُ جِنْسًا لِلشَّهَادَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ جِنْسًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْخَبَرُ مُشْتَرَكٌ فَالْجِنْسُ هُوَ الْخَبَرُ الْمُقَابِلُ لِلْإِنْشَاءِ وَهُوَ يَعُمُّ الشَّهَادَةَ وَمَا يُقَابِلُهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخَبَرِ فَالْخَبَرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَعَمُّ وَأَخَصُّ وَهُوَ جَلِيٌّ قَوْلُهُ " هُوَ بِحَيْثُ " جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ صِفَةٌ لِلْقَوْلِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ وَأَتَى بِالْحَيْثِيَّةِ لِيُدْخِلَ فِيهِ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالشَّهَادَةَ غَيْرَ التَّامَّةِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَدْلُولِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِمْ لَفْظٌ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ وَلَمْ يَقُولُوا لَفْظٌ دَالٌّ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَنْطِقِيِّ وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الدَّلَالَةِ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ
وَتَأَمَّلْ بَحْثَهُ مَعَ الْكَاتِبِيِّ وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ كَالْمَادِّيَّةِ وَالْفَهْمَ كَالْغَايَةِ فَالشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَهَا حَيْثِيَّةٌ يَكُونُ مَعَهَا مَا ذَكَرَ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَدَاءُ فِعْلًا قَوْلُهُ وَغَيْرُ التَّامَّةِ لِيَدْخُلَ بِهِ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَدَّ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَمْنَعُهَا وَيَأْتِي حَدُّ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَالْأَوَّلُ يَرْجِعُ إلَى إعْلَامِ الشَّاهِدِ الْقَاضِي بِمَا عَلِمَهُ وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِمَا يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِهِ قَوْلُهُ " يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ " يُخْرِجُ بِهِ الرَّاوِيَةَ وَالْخَبَرَ الْقَسِيمَ لِلشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِوُجُودِهِ فِي التَّحْكِيمِ وَالْأَمِيرِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ " إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ " شَرْطٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَخْرَجَ بِهَا مَجْهُولَ الْحَالِ قَوْلُهُ " مَعَ تَعَدُّدِهِ " أَخْرَجَ بِهِ إخْبَارَ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعَدُّدٌ أَوْ حَلِفٌ (فَإِنْ قُلْتَ) إخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَاهُ هَلْ هُوَ كَنَقْلِ شَهَادَةٍ عَنْ شَهَادَةٍ أَوْ كَالْقَضِيَّةِ الْمُنَفَّذَةِ وَيَكُونُ الثُّبُوتُ حُكْمًا يَمْنَعُ الْقَاضِي الْآخَرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي ثُبُوتِ الْبَيِّنَةِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّيْخِ رحمه الله فَيَخْرُجُ إخْبَارُ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَاضِيًا آخَرَ بِمَا كَتَبَ إلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ فَالتَّعْدَادُ أَوْ الْحَلِفُ كَيْفَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى النَّقْلِ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يُخْرِجُهُ بَلْ يَجِبُ دُخُولُهُ كَأَنْوَاعِ النَّقْلِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَالْقَضِيَّةِ الْمُنَفَّذَةِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْجِنْسِ ثُمَّ يَخْرُجُ (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ وَإِنْ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشَبَّهُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ لَا يُسَمَّى إخْبَارُ الْقَاضِي نَقْلًا وَإِنَّمَا يُقَالُ إخْبَارُ الْقَاضِي بِالثُّبُوتِ حُكْمُهُ حُكْمٌ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَاضِي الْمَنْقُولَ إلَيْهِ ذَلِكَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي صِحَّةِ الثُّبُوتِ الْمُعَلَّمِ بِهِ.
(فَإِنْ قُلْتَ) إذَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّقْلِ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَازِمُ النَّقْلِ التَّعْدَادُ فِي النَّقْلِ (قُلْتُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَصْلُ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَنْصِبُ الْقَضَاءِ لَهُ حُرْمَةٌ فَاكْتَفَى بِوَاحِدٍ وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ كَالْقَضِيَّةِ مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَ ذَلِكَ تَحْتَ جِنْسِ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحُكْمَ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ قَوْلٌ مِنْ قَاضٍ يَصْحَبُهُ خَبَرٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ثَبَتَ كَذَا مُخَاطِبًا بِهِ لِقَاضٍ آخَرَ هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَمْ لَا قَالَ الْحَقُّ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ
بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْهُ وَانْظُرْ بَحْثَهُ مَعَ شَيْخِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ كَوْنِهِ قَالَ قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الْقَاضِي (قُلْتُ) الْحَاكِمُ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُحَكِّمَ لَا يُقَالُ فِيهِ قَاضٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبُهَا ثَابِتٌ عِنْدَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ هَلْ مَعْنَاهُ إنْ نُسِبَ التَّعْدِيلُ إلَيْهِ أَوْ عَلِمَ حَاكِمُهُ بِعَدَالَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَكَيْفَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَنْ عُلِمَ عَدَالَتُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ فِيهِ عَدْلٌ عِنْدَهُ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عُدِّلَ قَائِلُهُ نُسِبَ إلَى الْعَدَالَةِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ التَّعْدِيلَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُوجِبَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الشَّهَادَةَ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى مَالٍ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْعُيُوبِ فِي النِّسَاءِ وَالْوِلَادَةِ وَقَالُوا إنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَافِيَتَانِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ (قُلْتُ) ذَلِكَ شَهَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ مَعَ تَعَدُّدِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقَاضِي إذَا ابْتَدَأَ بِالسُّؤَالِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَامَّةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْدَادٌ حَتَّى مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخَبَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْك.
(فَإِنْ قُلْتَ) : قَوْلُهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ الْقَوْلِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ فِي الْجِرَاحِ (قُلْتُ) ذَلِكَ رُخْصَةٌ وَالتَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا عُرِّضَ فِيهَا لِمَانِعٍ أَوْ رُخْصَةٍ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرْت مَا فِي رَسْمِ الشَّيْخِ رضي الله عنه فِي الشَّهَادَةِ وَجَدْت كَلَامًا لِلشَّيْخِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ رحمه الله فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ حَدَّهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ رضي الله عنه قَالَ وَحَدُّ الشَّيْخِ الَّذِي صَوَّبَهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِدُخُولِ الْخَبَرِ الْمُوجِبِ سَمَاعُهُ حُكْمًا عَلَى الْحَاكِمِ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ كَالْجُبَّائِيِّ قَالَ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ (قُلْتُ) هَذَا بَعِيدٌ إيرَادُهُ إذَا تُؤُمِّلَ رَسْمُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ رحمه الله وَجَدَهُ أَيْضًا غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِخُرُوجِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ بِهِ وَضْعُ الْقِيمَةِ وَالذَّهَابِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَدُّدٌ وَلَا يَمِينٌ (قُلْتُ) مَضَى لَنَا أَنَّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا شَهِدَ بِهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ لَطْخًا وَكَذَلِكَ الْبَحْثُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ مِنْ الشَّاهِدِ
فِي الطَّلَاقِ وَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ يَمِينَ الزَّوْجِ بِلَا تَعَدُّدٍ وَلَا يَمِينُ طَالِبٍ وَكَذَلِكَ فِي الرَّضَاعِ قَالَ وَيَخْرُجُ عِنْدَنَا مَا لَا يُقْبَلُ مِنْ الشَّهَادَاتِ لِفِسْقٍ لِقَوْلِهِ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَاتٌ شَرْعًا إذْ لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُوجِبُ سَمَاعُهَا حُكْمًا عَلَى الْحَاكِمِ قَالَ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ التَّامَّةِ (قُلْتُ) : قَوْلُهُ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ التَّامَّةِ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْ لَفْظِهِ فَتَأَمَّلْ لَفْظَ الشَّيْخِ مَعَ هَذَا يَظْهَرُ لَك مَا ذَكَرْنَاهُ وَدَعْوَى الشَّيْخِ أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَصِحُّ أَمَّا بِاعْتِبَارِ الْحَاكِمِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ وَقَبْلَ اطِّلَاعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهَا غَيْرَ تَامَّةٍ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي غَيْرِ التَّامَّةِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا الشَّرْعِيِّ فِي نَفْسِهِ فَأَظْهَرُ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ حُكْمًا مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا هِيَ لِلظَّاهِرِ لَا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
(قُلْت) وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ رضي الله عنه كَلَامُهُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ اعْتِبَارُهَا مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْدِيلِ يُوجِبُ إذَا قَالَ الْعِدَّةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ فِي الدَّلَالَةِ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ دَلَّ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الدَّلَالَةِ مَانِعٌ عَارِضٌ لَا يُرَدُّ النَّقْضُ بِهِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا اسْتَحْضَرَهُ الشَّيْخُ رحمه الله فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ رحمه الله وَالشَّهَادَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْحُقُوقِ الَّتِي لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ حُكْمًا بِمُقْتَضَاهَا فَتَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ (قُلْتُ) وَفِي هَذَا أَيْضًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ إيجَابَ الْعَمَلِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى شَرْطٍ وَانْتِفَاءِ مَانِعٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ إذَا أَسْقَطَ طَلَبَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا ذَكَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ بِمَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا فَوُرُودُ هَذِهِ الصُّورَةِ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْهُ قَالَ وَتَخْرُجُ الشَّهَادَةُ بِالْخَطِّ وَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْإِيمَاءِ كَالْأَخْرَسِ قَالَ رحمه الله وَفِيهِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا يَطُولُ تَتَبُّعُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَطَّ وَالْإِيمَاءَ لَا يَدْخُلَانِ فَلَوْ زَادَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لَصَحَّ.
(فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوق لَمْ يَعْتَرِضْ قَوْلَهُ قَوْلٌ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَ الْجِنْسَ لِلشِّهَادِ قَوْلًا وَلَمْ يَقُلْ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ أَقْرَبُ جِنْسًا مِنْ الْقَوْلِ كَمَا قَدَّمْنَا مَعَ أَنَّ عِيَاضًا قَالَ الشَّهَادَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يُبَيِّنُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ وَقِيلَ تَرْجِعُ إلَى الْعَلَمِ الْحُكْمِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ قَاطِعٌ (قُلْتُ) تَقَدَّمَ
الْجَوَابُ عَنْ الشَّيْخِ رحمه الله فِي سِرِّ كَوْنِهِ عَبَّرَ بِالْقَوْلِ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ بَعْدَهُ رَأَى ذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ عَرَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ التِّلْمِسَانِيُّ ابْنُ مَرْزُوقٍ الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِ الشَّهَادَةُ بَيَانُ مُسْتَنَدِ عِلْمٍ أَوْ غَالِبِ ظَنٍّ بِلَفْظٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ سُقُوطِهِ أَوْ آيِلٍ إلَيْهِمَا قَالَ فَقَوْلُنَا بَيَانُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْبَيَانَ بِالْخَبَرِ وَغَيْرِ الْخَبَرِ وَالْبَيَانَ الْفِعْلِيَّ وَالْقَوْلِيَّ وَقَوْلُنَا مُسْتَنَدِ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ أَخْرَجَ بِهِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَقَوْلُنَا أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ أَدْخَلَ بِهِ خَطَّ الشَّاهِدِ وَشَهَادَةَ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمَا شَهَادَةً قَالَ وَقَوْلِي عَنْ ثُبُوتِ مُتَعَلِّقِ بَيَانٍ أَخْرَجْت بِهِ الْأَخْبَارَ الْمُسْتَكْمَلَةَ بِالْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْإِنْشَاءُ لِأَنَّ قَوْلَنَا ثُبُوتُ حَقٍّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ نِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ وَالْإِنْشَاءُ لَا خَارِجَ لَهُ وَقَوْلُنَا عَلَى مُعَيَّنٍ أَخْرَجْت بِهِ بَعْضَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِثُبُوتِ حَقٍّ أَوْ بِسُقُوطِهِ وَلَيْسَتْ حِكَايَةً بِشَهَادَةٍ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْهُ عليه السلام مِنْ الْأَحْكَامِ يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُعَيِّنًا لِقَوْلِهِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْجَمَاعَةِ إلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ وَالْآيِلُ إلَيْهِ كَتَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِهِ وَسُقُوطُهُ كَالشَّهَادَةِ بِأَدَائِهِ وَالْآيِلُ إلَيْهِ كَتَجْرِيحِ الشَّهَادَةِ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا الرَّسْمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ خَاصٌّ فَكُلُّ شَهَادَةٍ خَبَرٌ وَلَا عَكْسَ فَأَنْتَ تَرَى مَا ذَكَرَهُ رحمه الله وَهِيَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَيَانٌ وَالْقَوْلَ الْخَبَرُ غَيْرُ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِالْخَبَرِ وَمَا وَقَعَ بِالشَّيْءِ غَيْرُ الشَّيْءِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَيْضًا رحمه الله الْخَبَرُ هُوَ الْجِنْسُ فِي حَدٍّ آخَرَ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ يُقَالُ فِي رَسْمِهَا خَبَرٌ إلَخْ وَعِنْدِي أَنَّ الشَّيْخَ سَيِّدِي الْفَقِيهَ ابْنَ عَرَفَةَ إنَّمَا خَصَّ الْجِنْسَ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ إطْلَاقًا وَفَسَّرَ شَهَادَةَ الزُّورِ بِقَوْلِ الزُّورِ فَعُوِّلَ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا شَرْعًا الْقَوْلُ الْخَبَرِيُّ لَا الْبَيَانُ كَمَا ذَكَرَا أَيْضًا لِيَدْخُلَ التَّحَمُّلُ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَاصَّةً اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.
(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ هُنَا لِلشَّيْخِ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ رحمه الله بَحْثٌ مَعَ شَيْخِهِ الْإِمَامِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنِ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ وَأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْجَزُولِيَّةِ