الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ السِّحْرِ قَالَ رحمه الله أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ قَوْلُهُ " أَمْرٌ خَارِقٌ " أَمْرٌ أَعَمُّ وَالْخَارِقُ أَخَصُّ فَيَكُونُ كَالْفَصْلِ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَيْسَ بِخَارِقٍ وَالْخَارِقُ لِلْعَادَةِ أَعَمُّ مِنْ الْكَرَامَةِ وَالْمُعْجِزَةُ وَالسِّحْرُ وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّهُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ قَوْلُهُ " مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ عَنْهُ " مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ فَأَخْرَجَ بِهِ الْكَرَامَةَ وَالْمُعْجِزَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ السِّحْرَ هُنَا لِأَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ فِي قَتْلِهِ اُنْظُرْ كَلَامَ الشَّيْخِ فِي أَصْلَيْهِ وَكَلَامَ الْقَرَافِيُّ.
[بَابُ الزِّنَا]
(ز ن ي) : بَابُ الزِّنَا قَالَ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ " الزِّنَا الشَّامِلُ لِلِّوَاطِ مَغِيبُ حَشَفَةِ آدَمِيٍّ فِي فَرْجِ آخَرَ دُونَ شُبْهَةِ حِلِّهِ عَمْدًا "(فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ رحمه الله لَمْ يَقُلْ الزِّنَا الْأَعَمُّ وَيَحُدُّهُ بِحَدٍّ يَخُصُّهُ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي الْقَذْفِ وَتَقَدَّمَتْ أَمْثَالُهُ وَهُنَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَمَا سِنُّ كَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَدِّ الْأَعَمِّ (قُلْت) الْأَعَمِّيَّةُ فِي الزِّنَا هُنَا تَتَقَرَّرُ بِوَجْهَيْنِ أَعَمِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِ دُخُولِ اللِّوَاطِ وَعَدَمِهِ وَأَعَمِّيَّةٌ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ حَدٌّ وَمَا يَكُونُ فِيهِ وَالثَّانِيَةُ الَّذِي ذَكَرُوا فِي الْقَذْفِ وَخَصَّهَا بِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ سِرُّ الِاخْتِصَاصِ قَوْلُهُ " مَغِيبٌ " اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى غَيْبَةِ الْحَشَفَةِ وَقَوْلُهُ " حَشَفَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ غَيْرَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ شَرْعًا ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ إذَا كَانَ رَجُلٌ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ وَقَدْ غَابَ مِنْ ذَكَرِهِ مِقْدَارُ الْحَشَفَةِ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَ فِي الْغُسْلِ فِي الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ " آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ حَشَفَةَ غَيْرِهِ إذَا عَبِثَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ قَوْلُهُ " فِي فَرْجٍ " أَخْرَجَ بِهِ مَغِيبَهَا فِي غَيْرِ فَرْجٍ وَأُدْخِلَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا لِأَنَّهُ يَعُمُّ اللِّوَاطَ كَمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ " آخَرَ " عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ أَيْ فِي فَرْجِ آدَمِيٍّ آخَرَ أَخْرَجَ بِهِ مَغِيبَهَا فِي غَيْرِ فَرْجِ الْآدَمِيِّ قَوْلُهُ دُونَ شُبْهَةٍ أَخْرَجَ بِهِ إذَا كَانَ لِشُبْهَةٍ فِي الْحِلِّيَّةِ إمَّا بِاعْتِقَادِ حِلِّيَّةٍ أَوْ بِجَهْلٍ وَتَخْرُجُ الْأَمَةُ الْمُحَلَّلَةُ
وَوَطْءُ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ لَا زَوْجَةَ ابْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ زِنًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي مَالِهِ لِلْحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَلَا شُبْهَةَ فِي زَوْجَتِهِ قَوْلُهُ " عَمْدًا " أَخْرَجَ بِهِ الْغَلَطَ أَوْ النِّسْيَانَ أَوْ الْجَهْلَ.
(فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَمَا حَرُمَ بِالسَّنَةِ وَوَطْءُ الْوَطْءِ الْمَذْكُورُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا عَلَى قَوْلِهَا لِأَنَّ لَازِمَ الزِّنَا نَفْيٌ عَنْهُ لِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ النِّكَاحِ مَا يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالزِّنَا وَحَدُّهُ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ فِيهِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ (قُلْتُ) نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ شُبْهَةُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ زَانٍ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ الْخِلَافَ (فَإِنْ قُلْتَ) تَقَدَّمَ فِي حَدِّ النِّكَاحِ أَنَّ مِنْ صِفَتِهِ فِي رَسْمِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَاقِدُ عَالِمًا حُرْمَتَهَا إنْ حُرِّمَتْ بِالْكِتَابِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ حُرِّمَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ بِزِنًا عَلَى قَاعِدَةِ الْمَشْهُورِ وَزِنًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَهَلْ مَا نُسِبَ إلَيْهَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ فِي النِّكَاحِ أَوْ مُخَالِفٌ (قُلْتُ) بَلْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِّ النِّكَاحِ وَتَقَدَّمَ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَدَّةِ بِالْخَامِسَةِ عَلَى قَوْلِهَا.
(فَإِنْ قُلْت) الشَّيْخُ فِي الطَّهَارَةِ فِي حَدِّ مُوجِبِ الْغُسْلِ قَيَّدَ الْمَغِيبَ مِنْ الْحَشَفَةِ بِغَيْرِ خُنْثَى فَهَلْ يَلْزَمُ هُنَا ذَلِكَ أَوْ لَا يَلْزَمُ (قُلْتُ) لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ قُوَّةُ جَوَابٍ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ أَنْ يَطَأَ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ مُتَعَمِّدًا فَيَتَنَاوَلُ اللِّوَاطَ قَالَ رحمه الله أَوْرَدْت عَلَيْهِ أَسْئِلَةً وَاهِيَةً لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا وَأَشَارَ إلَى مَا أَطَالَ فِيهِ شَيْخُهُ هَذَا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ وَذَكَرَ الْأَشْبَهَ فِي الِاعْتِرَاضِ وَهُوَ خُرُوجُ زِنَا الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ لَا وَاطِئَةٌ وَأَجَابَ شَيْخُهُ بِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ غَايَةَ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّلَازُمِ التَّلَازُمُ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّلَازُمَ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ فِي التَّعْرِيفِ وَهَذَا حَقٌّ وَكَلَامُ صِدْقٍ ثُمَّ إنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ زَادَ بَعْدَ حَدِّهِ فَيَدْخُلُ اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا وَفِي كَوْنِهِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا قَوْلَانِ فَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ عَانَدَ بَيْنَ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا وَتَقَدَّمَ لَهُ دُخُولُ اللِّوَاطِ تَحْتَ الزِّنَا فَيَكُونُ اللِّوَاطُ قِسْمًا مِنْ الزِّنَا وَقَسِيمًا لَهُ هَذَا خُلْفٌ وَبَيَانُ إيرَادِ مَا ذَكَرَ وَاضِحٌ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ إنَّمَا يُرَدُّ فِي مَانِعِيَّةِ الْجَمْعِ وَالْخُلُوِّ.
قَالَ الشَّيْخُ هَذَا الْكَلَامُ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ لِوُضُوحِ امْتِنَاعِهِ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْئِهَا
أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي إلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ لَفْظِهِ وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَوْضِعُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَا شَكَّ أَنَّ الْعِنَادَ الْعَقْلِيَّ انْحَصَرَ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ فِي الْعِنَادِ الْحَقِيقِيِّ كَقَوْلِهِ: الْجِسْمُ إمَّا مُتَحَرِّكٌ أَوْ سَاكِنٌ وَعِنَادُ مَانِعَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ وَعِنَادُ مَانِعَةِ الْخُلُوِّ كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ حَيَوَانًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا إنْسَانًا فَالْأُولَى تَرَكَّبَتْ مِنْ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ مِثْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْجِسْمُ مُتَحَرِّكًا أَوْ غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مُسَاوٍ لِنَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ فَمِنْ لَازِمِهَا أَنْ لَا يَقَعَ جَمْعٌ وَلَا رَفْعٌ بَيْنَ أَجْزَائِهَا وَالثَّانِيَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ فَمِنْ نَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الثَّانِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِ الْآخَرِ وَالثَّالِثَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَعَمِّ مِنْ نَقِيضِهِ كَالْمِثَالِ الثَّالِثِ وَمِنْ لَازِمِ الثَّانِيَةِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ وَجَوَازُ الِارْتِفَاعِ وَمِنْ لَازِمِ الثَّالِثَةِ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ وَجَوَازُ الِاجْتِمَاعِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ مَعَ الْإِنْسَانِ كُلُّ وَاحِدٍ أَعَمُّ مِنْ نَقِيضِ الْآخَرِ فَلَا حَيَوَانَ أَعَمُّ مِنْ لَا إنْسَانٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْأَعَمِّ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ وَحَيَوَانٌ أَعَمُّ مِنْ إنْسَانٍ وَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَرْتَفِعَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْفَرَسِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ جُمْلَةً فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْوَاطِئِ زِنًا أَوْ لِوَاطًا يَقُولُ شَارِحُهُ لَهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْته لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ وَهُوَ مُحَالٌ عَقْلًا لِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُنَافِيَهُ هَذَا خُلْفٌ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ قِسْمَهُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فَيَجْتَمِعُ مَعَهُ ضَرُورَةُ اجْتِمَاعِ الْأَخَصِّ مَعَ أَعَمِّهِ وَمِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ قَسِيمَهُ أَنْ يُنَافِيَهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ فِي الْأَوْلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ صَيَّرَ الزِّنَا أَعَمَّ مِنْ اللِّوَاطِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّهِ فَيَدْخُلُ اللِّوَاطُ وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُ قِسْمَهُ وَالزِّنَا أَعَمُّ مِنْهُ وَهُوَ أَخَصُّهُ وَكَوْنُهُ رحمه الله قَالَ هَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَعْنَاهَا زِنًا أَوْ لِوَاطًا يُوجِبُ الْعِنَادَ وَالتَّنَافِي وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَ اللِّوَاطِ قِسْمًا مِنْ الزِّنَا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْقَوْمِ وَظَهَرَ السُّؤَالُ عَلَى لَفْظِهِ كَمَا يَجِبُ فَاعْتَذَرَ عَنْهُ الشَّيْخُ شَارِحُهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا يَرِدُ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالْخُلُوِّ فَلَمَّا تَأَمَّلْت هَذَا الْكَلَامَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلِاعْتِذَارِ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَلَعَلَّهُ فِيهِ بَتْرٌ وَيَكُونُ أَصْلُهُ وَهَذَا السُّؤَالُ إنَّمَا يَرِدُ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالْحَقِيقَةُ لَا فِي مَانِعَةِ الْخُلُوِّ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِهِ فَيُقَالُ الْعِنَادُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَقَعُ كَوْنُ أَحَدِ الْأَجْزَاءِ فِي الْقَضِيَّةِ قِسْمًا إذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ ضَرُورَةُ إحَالَةِ النَّقِيضِ أَوْ
مُسَاوِيهِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ نَقِيضِهِ.
وَكَذَلِكَ مَانِعَةُ الْجَمْعِ لِلْإِحَالَةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَأَمَّا مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ فِي كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهَا الِاجْتِمَاعُ فَلَا إحَالَةَ فِي الْقِسْمِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ هَذَا إنْ صَحَّ كَذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ فِي مَعْنَى جَوَابِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُ الشَّيْخِ صَحَّحَ لَفْظَهُ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نُسْخَتَهُ كَذَلِكَ صَحَّتْ لَكِنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا كَلَامٌ لَا يَلْتَئِمُ بِهِ جَوَابٌ بِوَجْهٍ وَلَا يَجْرِي عَلَى مَعْقُولٍ فِي فَهْمِهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ رحمه الله لِوُضُوحِ امْتِنَاعِهِ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي إلَى جَوَازِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ الْعِلْمِيِّ أَنْ نَقُولَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ شَيْخُهُ رحمه الله مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ أَنَّ قِسْمَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ قَسِيمًا لَهُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ فَقَطْ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِمَا نُقَرِّرُهُ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ مَا عَدَا الْحَقِيقِيَّةَ مَنْعُ خُلُوٍّ وَمَنْعُ جَمْعٍ فَلَا يَصِحُّ فِي مَانِعَةِ الْجَمْعِ وَإِلَّا اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى أَنَّ مَانِعَةَ الْجَمْعِ تَرَكَّبَتْ أَجْزَاؤُهَا مِنْ الشَّيْءِ وَالْأَخَصِّ مِنْ نَقِيضِهِ قَطْعًا وَلَازِمُ ذَلِكَ عَقْلًا عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا قَطْعًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ قَسِيمًا لِلْآخَرِ فَلَوْ فَرَضْنَاهُ قِسْمًا مِنْ الْآخَرِ مَعَ مَا قُرِّرَ كَانَ أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ وَالْأَخَصُّ يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمَّ فَإِذَا قُلْنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَحَرِّكًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا وَقُلْنَا بِجَوَازِ مَا أَلْزَمْنَاهُ لَهُ لَزِمَ فِي الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ اجْتَمَعَ فِيهِ مُتَحَرِّكٌ لَا مُتَحَرِّكٌ وَهَذَا مُحَالٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَقَامُوا الْبُرْهَانَ عَلَى أَنَّ مَانِعَةَ الْجَمْعِ يَصِحُّ تَرْكِيبُهَا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْنِ بِخِلَافِ مَانِعَةِ الْخُلُوِّ وَيَمْتَنِعُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ أَنْ تَتَرَكَّبَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْنِ كَمَا قُرِّرَ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ مُفَرَّعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ خَاصِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ.
وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ فَرْدًا أَوْ زَوْجَ الزَّوْجِ أَوْ زَوْجَ الْفَرْدِ أَوْ زَوْجَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَهَذَا التَّرْكِيبُ صَحِيحٌ عَقْلًا وَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ فَقَدْ تَرَكَّبَتْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْئَيْنِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْمُسَاوِيَ لِلنَّقِيضِ قَضِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَالْحَقِيقَةُ تَرَكَّبَتْ مِنْ حَمْلِيَّةٍ وَقَضِيَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ فَتُسَمَّى الْقَضِيَّةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ فَيَظُنُّونَ أَنَّ الْحَقِيقِيَّةَ تَرَكَّبَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْبَحْثُ مِنْ بَعْضِ الطَّلَبَةِ فِي ذَلِكَ وَغَلِطَ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَثِيرُ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ وُجِدَتْ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّيْخِ رحمه الله أَنَّهُ قَرَّرَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا حَسَنًا قَالَ مَعْنَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ