الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - باب السِّواكِ لِمنْ قامَ مِنَ اللَّيْلِ
55 -
حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن كَثِيرٍ، حَدَّثَنا سُفْيان، عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشوصُ فاهُ بِالسِّواكِ (1).
56 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِواكُهُ، فَإِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثمَّ اسْتاكَ (2).
57 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أمِّ محَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ لا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلا نَهارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ (3).
58 -
حَدَّثنا محَمَّد بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنا حُصَينٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثابِتٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ قالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ أَتَى طَهُورَهُ فَأَخَذَ سِواكَهُ فاسْتاكَ، ثمَّ تَلا هذِه الآياتِ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] حَتَّى قارَبَ أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ أَوْ خَتَمَها، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَتَى مُصَلاهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ
(1) رواه البخاري (245)، ومسلم (255).
(2)
رواه ابن ماجه (1191)، وأحمد 6/ 53 - 54 ضمن حديث مطول، والنسائي في "السنن الكبرى"(1238).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(50).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 1/ 483، وابن أبي شيبة 2/ 215 (1802)، وأحمد 6/ 121، 160، والطبراني في "المعجم الأوسط"(3557)، والبيهقي 1/ 39. =
رَجَعَ إِلَى فِراشِهِ فَنامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْتاك وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَ أَوْتَرَ.
قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ قالَ: فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، وَهُوَ يَقُولُ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ (1).
* * *
باب السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ باللَّيْلِ
[55]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العَبْدي البْصري شَيخ البُخَاري.
(ثَنَا سُفْيَانُ) بن (2) سَعيد بن مسروق الثوري، (عَنْ مَنْصُورٍ) بن المعتمر بن عبد الله السّلمي الكوفي، أحَد الأعلام (3)(وَحُصَيْنٍ) -بضم الحَاء وفتح الصَاد المُهملتين- بن عبد الرحمن السلمي.
(عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمة الأسدي، (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليَمان رضي الله عنه[وإسَناده غير ابن كثير كوفيُّون] (4) (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ يَشُوصُ) بضَم الشين المُعجمة وسُكون الواو أي: يغسل وينظف، كذا عن الجَوهري (5)، والشوص (6) التنقية عن أبي عبيدة، والدَّلك عن ابن
= قال الألباني في "صحيح أبي داود"(51): حديث حسن دون قوله: (ولا نهار)، فإنه ضعيف.
(1)
رواه بنحوه مختصرا مسلم (256).
(2)
في (ص، س، ل) عن. تحريف، والمثبت من (د، ظ، م).
(3)
زاد هنا في (ص): وإسناده غير ابن كثير كوفيُّون. وستأتي هذه العبارة بعد قليل في موضعها.
(4)
ذكرت هذه العبارة في (ص) في غير موضعها.
(5)
"الصحاح"(شوص).
(6)
في "م، ل": والشوس. تحريف.
الأنبَاري، وقيل: هو الإمرار على الأسنَان من أسْفَل إلى فَوق، واستدل قائلهُ بأنه مأخُوذ منَ الشوصَة، وهي ريح ترفع القلب عن موضعه (1).
قال ابن دقيق العيد: فيه استحباب السواك عند القيام من النَّوم؛ لأنَّ النوم يفضي لتَغَير الفم لما يتصَاعد إليه من أبخرة المعدة، والسّواك آلة تنظيفه. قال: وظاهر قوله: من الليل أنه عَام في كل حَالة، ويحتمل أن يخص بما إذا قامَ إلى الصَلاة (2). ويدل عليه رواية البخاري في الصَّلاة بلفظ: إذا قامَ إلى التهجد، ولمُسلم نَحوه (3)، ويدل عليه رواية ابن عَباس الآتية آخر البَاب.
[56]
(ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، (قال:(4) ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة، (قال: ) (5) ثنا (بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ) بن مُعاوية، وثقه جماعة (6).
(عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ (7) بْنِ هِشَامٍ) بن عَامر الأنصَاري، قال البخاري: قتل بأرض مكران على أحسن أحواله (8).
(عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ) بفتح الواو اسم للمَاء الذي يتوضأ به، (وَسِوَاكُهُ) فيه استحباب ذلك، والتأهُّب للعَبادة (9)
(1) انظر: "لسان العرب"، و"تاج العروس"(شوص).
(2)
"إحكام الأحكام" 1/ 49.
(3)
"صحيح البخاري"(1136)، و"صحيح مسلم"(255)(46).
(4)
من (د، ظ، م).
(5)
من (د، ظ، م).
(6)
انظر: "الكاشف" للذهبي (586).
(7)
في (س، ظ، م): سعيد. والمثبت من "سنن أبي داود".
(8)
"التاريخ الكبير" 4/ 66.
(9)
سقط من (س).
[قبل وقتها](1) والاعتناء بها (فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى) وزنه (2) تَفَعَّلَ من الخلاء، وهو قضاء الحاجة، ومنهُ حَديث ابن عباس: كان أناسٌ يستحيونَ أن يتخلَّوا فيفضُوا إلى السماءِ (3). يعني: يسْتَحيون أن يتكشفوا (4) عند قضاء الحَاجة تحت السَّماء (ثُمَّ اسْتَاكَ) صَححه ابن منده (5)، ورواهُ ابن مَاجَه والطبراني من وجه آخر (6)، وروى ابن مَاجه من حَديث عائشة رضي الله عنها كنتُ أضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية مخمرة: إناء لطهوره، وإناء لِسَواكه، وإناء لِشربه (7).
وذكر الغزالي أن آدَاب النوم عَشَرة منها: أن يعدُّ عند رَأسه إذَا نام سوَاكه وطهوره، وينوي القيام للعبادَة إذا استيقظ (8). وظاهر الحَديث أن هذِه الأشياء من المسنُونات. واللهُ أعلم.
[57]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، قال: ثَنَا هَمَّامٌ)(9) بن يحيى العوذي (10) الحَافظ.
(1) في (د): وقتها. وفي (ظ، م): وفيها.
(2)
في (ص، س، ل): وأنه. تحريف.
(3)
رواه البخاري (4681).
(4)
في (ص، س، ل): ينكسوا. تحريف.
(5)
انظر: "البدر المنير" لابن الملقن 1/ 708.
(6)
"سنن ابن ماجه"(1191)، و"المعجم الأوسط"(4404).
(7)
"سنن ابن ماجه"(361)، وضعفه الألباني.
(8)
"إحياء علوم الدين" 2/ 173 - 174.
(9)
في (س): معاذ. تحريف.
(10)
في (ص): القدوري. وفي (س): النودي. وكلاهما تحريف.
(عَنْ عَلِيٍّ بْنِ زَيْدٍ) بن جدعان التيمي، أخرج له مُسلم في الجهاد مقرونًا بثابت البناني (1).
(عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ) واسمها [أُمية](2) امرأة أبيه (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيلٍ وَلَا نَهَارٍ فَيَسْتَيقِظُ)(3) من نومِهِ (إلا ويتَسَوَّكَ)[بياء ثم تاء](4)، ورواية الخَطيب: إلا تسوك بحذف اليَاء التي قبل التاء (قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ)(5) وَرَوَاهُ أبو نعيم من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَرقَدُ، فإذا استيقظ تسَوك ثم توضأ (6). ظاهِر لفظة: كان، والحصر الذي في الحديث أن السواك يتكرر بتكرر النَوم، ولا فَرق بين أن يكون (7) النَوم في ليل أو نَهار، وأن النَوم علة للسواك.
قال الجيلي والغزالي: وإن لم يصل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النائم ينطبق فوُه فيتغير رائحته، وكلمَا تغيرت رائحة الفَم سُن السِّواك؛ سَواء تَغَيرت من
(1)"صحيح مسلم"(1789)(100).
(2)
في الأصول الخطية: أميمة. تحريف، والصواب ما أثبتناه كما في ترجمتها وعائشة من "تهذيب الكمال".
(3)
في (ص، س) فيستيقظه.
(4)
في (ص): بنايم. تحريف.
(5)
سقطت الجملة الأخيرة من (د). والحديث رواه أحمد 6/ 121، 160 من طريق همام به، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (51): حديث حسن بما قبله عدا قوله: ولا نهار. فإنه ضعيف.
(6)
رواه أحمد 6/ 123، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 5/ 84: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(7)
في (س): تكرار. تحريف.
نَوْم أو مَأكول أو غَيره؛ لأن مشروعيته لإزالة رائحة الفَم وتطييبه (1).
(قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) صَريح في تقديم السواك على الوُضوء، وقبل التسمية؛ لتكون التسمية وذكر الله تعالى بعد تنظيف الفَم، فإن التسمية من الوضوء.
قال الغزالي: يُستحب السِّواك عند كل وضوء، وإن لم يُصلِّ عقبه، ويَنوي عند السِّواك تطهير فمه لذكر الله تعالى، ثم عندَ الفراغ من السِّواك يجَلِس للوُضوء ويقول: بسْم الله. انتهى (2).
وفي "صحيح مُسلم" ما يدل لهُ، وهو ما روي عن ابن عباس عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهُ تسَوك وتوضأ (3).
وقال ابن الصَّلاح: في "مُشكل الوَسيط" الظَّاهر أن السِّواك يتأخر، فيكون عند المضمضة، وهذا الحَديث يَرده.
وقال القاضي حسين: التسمية أول سُنة الوُضوء، وظاهر كلام الشيخ أبي إسحَاق: أنه سُنة مُستقلة (4).
[58]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن الطباع عَلَّق له البخاري، (ثَنَا هُشَيْمٌ) ابن بشير (5)، أنبأنا (حُصَينٌ) بضم الحَاء وفتح الصَاد المهملتين ابن عَبد الرحمن السّلمي الكوفي.
(1)"إحياء علوم الدين" 1/ 257.
(2)
"إحياء علوم الدين" 1/ 257.
(3)
"صحيح مسلم"(256)(48).
(4)
في (ص): مستعملة. تحريف.
(5)
في (ص، د، ل): بشر. وفي (س): بسر. وكلاهما تحريف، وهو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي، انظر:"تهذيب الكمال"(6595).
(عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ) الأسدي مولاهُم الكُوفي، (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ (1) عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الهَاشِمي المدَني أبي (2) الخليفتين السّفاح والمنصُور، ولد بالحُمَيمة (3) مِن ناحَية البلقاء، كان عبد الله ابن الحنفية أوصَى إليه (4) ودَفع إليه (5) كتبه، (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قال الذهبي: روى عن جَده مُرسلًا وعن أبيه (6).
(قَالَ: بِتُّ لَيلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) في بيت خَالتي ميمونة (7)، قال القَاضي: وقد جَاء في بعض روَايات هذا الحَديث: بت عند خالتي في ليَلة كانت فيها حَائضًا. وفيه دليل على جواز نَوم الرجُل مع امرأته مِنَ غير مواقعة بحضرة بعض محارمَها، وإن كانَ مميزًا (8).
(فَلَمَّا اسْتَيقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَتَى طَهُورَهُ) بفتح الطاء، وفَعول (9) يأتي لما يُفعل به كالطَّهوُر لما يُتطهر به (10)، والوضوء لما يُتوضأ به، والفطور
(1) في (س): أبو. تحريف.
(2)
في (ص، د، س، ل): أبو. تحريف.
(3)
في (ظ، م): بالجهمة. تحريف، والمثبت من "تهذيب الكمال"(5485)، والحميمة: بلد من أرض الشراة من أعمال عمّان في أطراف الشام كان منزل بني العباس. "معجم البلدان" 2/ 307.
(4)
في (ص): ابنه. تحريف.
(5)
في (د، ظ، م): له.
(6)
"الكاشف" 2/ 204.
(7)
ليست في (د، ظ، م).
(8)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 46.
(9)
في (ص): ونقول. تحريف.
(10)
من (د، ظ، م).
لما يُفطر عليه، ويُفهم مِنَ الطهوُر صفة زائدة على الطهَارة وهي الطُّهوُرية (فَأَخَذَ سِوَاكَهُ) كذا رواية الحَاكم (1)، وظاهره أنه أخذ السِّواك مِنَ الطهور، فإنه كان ينقع فيهِ ليلينَ. وروايةُ النسَائي من روَاية حميد بن عَبد الرحمن بن عَوف عن رجل من أصحَاب النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} حتى بَلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (2) ثم استل مِنْ فراشه سواكًا (3).
(فَاسْتَاكَ) وتوضأ (ثُمَّ تَلا هذِه الآيَاتِ) العَشر الخَواتم من سُورة آل عمران كذا روَاية مُسْلم (4)، وفيه دليل على جَوَاز القراءة للمُحدِثِ، وهذا إجماع المُسلمين (5)، وإنما تَحرُم القراءة على الجنب والحَائض (6)، وفيه استحبَاب قراءة هذِه الآيات عِندَ القيام من النَوم ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) في هذِه الآية دلالة على التوحيد، فإن خلق هذا العَالم العَظيم والبناء العَجِيب لابدَّ له من بَانٍ وصَانعٍ؛ لأن السَّموات أجناس مختلفة، كل سَماء مِن جنس غيرَ جنس
(1)"المستدرك" للحاكم 3/ 536، ولفظه: اسْتَنَّ بسِواكِه.
(2)
آل عمران: 194.
(3)
"سنن النسائي" 3/ 213.
(4)
"صحيح مسلم"(256).
(5)
انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم 1/ 32.
(6)
قال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن. وروي هذا عن ابن عباس وابن المسيب، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما، واختاره ابن المنذر، وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ. وفي الحائض روايتان عنه: إحداهما: تقرأ، والثاني: لا تقرأ، وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية. وله رواية كمذهبنا. انظر: "المجموع" 2/ 158.
الأخرى، وأمَّا الأرض فتُراب واحد، فلهذا أُفردت بالذكر ({وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}) بإقبال أحَدهما وإدبَار الآخر، ولا يدري (1) أين يذهب النهار إذا جَاء الليل، ولا أين يَذهب الليل إذا جَاء النهَار إلا الله تعالى، وقيل: اختلافهما في الأوصَاف من النور والظلمة، والطول والقِصر ({لَآيَاتٍ}) أي: دلالات تدُل على وحدانية الله تعالى وقدرته ({لِأُولِي الْأَلْبَابِ})(2) الذين يستعملون عقولهم في تأمُّل الدلائل، وفي الحَديث:"ويل لمن قرأ هذِه الآية ولم يتفكر فيها"(3).
(حَتَّى قَارَبَ أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ أَوْ خَتَمَهَا) رواية الصَّحيح: أنهُ قرأ العَشر الآيات. توضح (4) الشكَّ في هذا الحَديث، وفيه دليل على أنهُ يُستحب لمن انتبه مِنَ نومه أن يمسح على وجهه، ويستفتح قيامه بقراءة هذِه العَشر الآيات اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم -كما ثبتَ في "الصَحيحين"(5) وغيرهما، قال النووي: وإذا تكرر نَومه واستيقاظه وخُروجه، أستحب تكرير قراءة هذِه الآيات كما في الحَديث (6).
(ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَتَى مُصَلاه) ليصلي ما كتب لهُ ليجمع بين التفكر والعَمل، وهو أفضل الأعمال (فَصَلَى (7) رَكْعَتَينِ) من السُنَّة أن يفتتح المتهجد
(1) زاد في (ص، س، ل): من. وهي زيادة مقحمة.
(2)
آل عمران: 190.
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(620)، وحسنه الألباني في "الصحيحة"(68).
(4)
في (ص): توضيح.
(5)
رواه البخاري (183، 1198، 4571، 4572)، ومسلم (763)(182).
(6)
"شرح النووي على مسلم" 3/ 146.
(7)
في (س): ثم يصلي.
صَلاته برَكعتَين خَفيفتين؛ لينشط بهما لما بعدهما (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ) فيه: أن المتهجد إذا صلى ما كتب له فنَعس أو غلبهُ النَوم يأتي إلى فراشه فيضطجع (فَنَامَ مَا شَاءَ الله) أن ينام (ثُمَّ اسْتَيقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ) من إتيانه الطهور فيستاك ثم ينظر إلى السَّماء، فيقرأ الآيات العشر حتى يختم السُورة؟ ، ثم يتَوضأ ويُصَلي ما شاء الله (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ) ما شاء الله (ثُمَّ اسْتَيقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ) كما تقدم (كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ) وذكر الغَزالي في (1) مراتب الإحياء (2): والمرتبَة الخامسَة أن يقوم من أول الليل إلى (3) أن يغلبه النَوم، فإذا انتبه قامَ، فإذا غلبهُ النَوم عَادَ إلى النَوم، ويكون له في الليل نومتان وقومتان، وهو من مكابدة الليل وأشَد الأعمال وأفضلها، وقد كان هذا من أخلاق رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهو طريقة ابن عُمر، وأولي العزم (4) من الصَّحَابة (5).
وفي رواية النسَائي المتقَدمة: فَنام بعد العشَاء زمانًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فنظر إلى الأفق فقال: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} حتى بلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (6) ثم استلَّ مِنْ فراشه سواكًا واسْتَاك وتوضأ وصلى، حَتى قلت: صلَّى مثل ما نَامَ، ثم اضطجع حَتى قلت: نامَ مثل مَا صَلى ثمَّ
(1) من (ظ، م).
(2)
في (س): الأخبار. تحريف، والمقصود إحياء الليل.
(3)
سقط من (ص، س، ل).
(4)
في (د، ظ، م): الحزم. تصحيف.
(5)
"إحياء علوم الدين" 2/ 206.
(6)
آل عمران: 194.
اسْتَيْقَظَ فقال مثل ما قال أوَّل مَرة، وفعل مثل ما فعَل أول مرة (1). (ثُمَّ أَوْتَرَ) فيه فضيلة الوتر آخر التهجد؛ ليَكون الوتر آخِر صلاته كما في الحَديث، (ورواه) محمد (ابْنُ فُضَيلٍ)(2) الضبي بالتصْغير، (عَنْ حُصَيْنٍ)، عن حَبيب بالإسناد المذكور، و (قَالَ) فيه:(فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ) فيه: أنَّ قراءة الآيات في غَير حَال الوُضُوء (مي {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السورة) هذا يبين (3) الرواية التي قبلها على الشك، وكذا في أكثر الروايات أنه قرأ إلى آخر السورة العَشر الآيات بكمالهَا، وخُصت (4) هذِه الآيات لما فيها من الاعتبار. واللهُ أعلم.
* * *
(1)"سنن النسائي" 3/ 213.
(2)
في (ص، س): فضل. تحريف، والمثبت من "سنن أبي داود".
(3)
في (ص): يثبت.
(4)
في (ظ، م): وخص.