الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل ذلك معاصروه: المقريزي (1)، والعليمي (2)، وغيرهما (3).
ولم يذكر ابن العماد في تاريخ ولادته غير: 773 هـ (4)، ولعل ما ذكره هو الأرجح.
وكُتب على الصفحة الأولى من النسخة الموجودة -بالمكتبة المحمودية، نقلًا عن تاريخ الحافظ ابن حجر العسقلاني: ولد سنة 777 هـ، سبع وسبعين وسبعمائة، كذا كتبه بخطه. اهـ.
* * *
المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم
.
نشأ الإمام ابن رسلان في بيئة صالحة، فقد كان والده تاجرًا خيّرًا قارئًا (5)، لقبته بعض المصادر بـ: أمين الدين (6)، ووصفته بالفقيه (7)، وكانت أمه من الصالحات، وكان خاله صاحب أوراد وتلاوة كثيرة، وصهر ابن رسلان هو الحافظ المشهور التاج ابن الغَرابيلي.
فأثرت هذِه البيئة الصالحة في تكوينه وشخصيته فلم تعلم له صبوة، وحفظ القرآن وله نحو عشر سنين، وأخذ يكبر ويكبر في قلبه حب العلم، والعزوف عن الدنيا (8).
(1)"درر العقود الفريدة" 2/ 291.
(2)
"الأنس الجليل" 2/ 174.
(3)
"الأنس الجليل" 2/ 515.
(4)
"شذرات الذهب" 9/ 362.
(5)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282.
(6)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174، و"هدية العارفين" 1/ 126.
(7)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174.
(8)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282.
ونقل السخاوي عن ابن أبي عذيبة قال: كان أبوه تاجرًا له دكان، فكان يأمره بالتوجّه إليها، فيذهب إلى المدرسة الخاصكية للاشتغال بالعلم وينهاه أبوه فلا يلتفت لنهيه، بل لازم الاشتغال. وقال: إن أباه أجلسه في حانوت بزاز، فكان يقبل على المطالعة ويهمل أمره، فظهرت فيها الخسارة فلامه على ذلك، فقال: أنا لا أصلح إلّا للمطالعة، فتركه وسلم له قياده (1).
ولقد أخذ هذا الشغف بالعلم وقت ابن رسلان رحمه الله، واستولى على تفكيره، وأخذ يتنقل به من درس في اللغة إلى آخر في الفقه إلى ثالث في القراءات وعلوم القرآن إلى رابع في الحديث، إلى غيرها من علوم اللغة والدين.
وقد ذكرت المصادر التي ترجمت له أوصافًا تتضمن تقدمه في بعض العلوم على ما ذكرناه قريبا، فمن ذلك وصفه بالفقيه، نعته بذلك أغلب من ترجم له كالمقريزي (2)، وابن تغري بردي (3)، وعبد الرحمن الغزي (4). ونص بعضهم على أنه كان ماهرًا بالفقه. قال المقريزي: وبَرع في الفقه (5).
كما وصفوه أيضا بأنه محدث (6)، أو عالم بالحديث (7)، أو مشارك في
(1)"الضوء اللامع" 1/ 282.
(2)
في "السلوك" 12/ 1235.
(3)
في "المنهل الصافي" 1/ 287.
(4)
في "ديوان الإسلام" 1/ 183.
(5)
في "درر العقود" 2/ 291.
(6)
انظر: "السلوك" 12/ 1235.
(7)
انظر: "المنهل الصافي" 1/ 287.
الحديث (1)، والأوصاف نفسها أطلقت عليه في التفسير (2)، ونص آخرون على أنه برع في العربية (3).
قال السخاوي: وكان في مبدئه يشتغل بالنحو واللغة والشواهد والنظم .. ولا زال يدأب، ويكثر المذاكرة والملازمة والمطالعة .. حتى صار إماما، علامة، متقدما في الفقه وأصوله، والعربية (4).
وقال العليمي: وألف كتبًا في الفقه، والنحو (5).
ومن مسموعاته أثناء طلبه:
- في الحديث وعلومه: "صحيح البخاري"، "سنن الترمذي"، "سنن ابن ماجه"، "موطأ مالك"، "مسند الشافعي"، "الأذكار"، "الأربعون" للنووي.
- في الفقه وأصوله: غالب تصانيف الرافعي، و"الحاوي الصغير" لعبد الغفار بن عبد الكريم القزويني.
- في السيرة: "الشفا" للقاضي عياض، و"سيرة ابن هشام"، "عيون الأثر" لابن سيد الناس.
- في اللغة: "ألفية ابن مالك" وقد اشتهر بحسن إفادتها وإلقائها (6).
- في التفسير: "معالم التنزيل" للبغوي.
(1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283.
(2)
المصادر السابقة.
(3)
انظر: "درر العقود" 1/ 291.
(4)
"الضوء اللامع" 1/ 282 - 283.
(5)
"الأنس الجليل" 2/ 174.
(6)
"الضوء اللامع" 1/ 282.
- في التصوف: "عوارف المعارف" للسهروردي (1).
وحملته همته في طلب العلم على التنقل بين الرملة والقدس في سبيل العلم، حتى حفظ كتبًا.
وكان من حرصه أنه يقوم الليل، فإذا أشكل عليه معنى آية أسرع في تينك الركعتين، ونظر في التفسير حتى يعرف المعنى ثم يعود إلى الصلاة (2).
وقد بلغ من حرصه على الفائدة أنه كان يطلب من بعض ذوي النجابة من تلاميذه إقراء بعض مؤلفاته لطلبته بحضوره، منها مثلا أن العز الحنبلي أخذ عنه منظومته "الزبد"، وأجازه بها، ثم طلب منه ابن رسلان إقراءها بحضوره، فامتنع العز أدبًا (3).
ومع تنوّع ثقافته رحمه الله، إلا أن بروزه كان في الفقه وأصوله وفي القراءات وفي العربية وفنونها.
قال السخاوي: ولا زال يدأب ويكثر المذاكرة والملازمة للمطالعة والأشغال، مقيمًا بالقدس تارة والرملة أخرى، حتى صار إمامًا علامة متقدمًا في الفقه وأصوله والعربية، مشاركًا في الحديث والتفسير والكلام وغيره (4).
وإلى جانب دأبه في تحصيل العلوم المختلفة فقد عنيَ بنفسه تربية لها على محاسن الأخلاق، وحملًا لها على معاليها.
(1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 282 - 283.
(2)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 286.
(3)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 286.
(4)
"الضوء اللامع" 1/ 283.
وتصفه المصادر بأنه كان عبدًا صالحًا (1)، زاهدًا ورعًا (2)، مقبلًا على العبادة، موزعا أوقاته على وظائفها من الصلاة، والصيام، والقيام (3)، مائلا إلى الخمول، والبعد عن الظهور (4)، متقشفا (5)، متواضعا (6)، حسن الخلق (7)، آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر (8)، دؤوبا على المطالعة والمذاكرة (9).
قال المقريزي: ولم يقدر لي لقاؤه رحمه الله فلقد كان مقبلا على العبادة، غزير العلم، كثير الخير، مربيا للمريدين، محسنا للقادمين، متبركا بدعائه ومشاهدته، صادق التأله، متخلقا من المروءة والعلم والفضل والانقطاع إلى الله تعالى بأجمل الأخلاق، بحيث ظهر عليه سيما السكينة والوقار، ومهابة الصالحين. وبالجملة فما أعلم بعده مثله، ألحقه الله بعباده الصالحين، ورفع درجته في عليين (10).
وقال السخاوي: وهو في الزهد، والورع، والتقشف، واتباع السنة، وصحة العقيدة كلمة إجماع، بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه في ذلك.
(1) انظر: "الدليل الشافي" 1/ 45.
(2)
انظر: "درر العقود" 2/ 291، "الضوء اللامع" 1/ 284.
(3)
انظر: "المنهل الصافي" 1/ 287.
(4)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283، "البدر الطالع" 1/ 50.
(5)
انظر: "درر العقود" 2/ 291، و"الضوء اللامع" 1/ 284.
(6)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284.
(7)
انظر: "درر العقود" 1/ 292.
(8)
انظر: "درر العقود" 1/ 292، و"الضوء اللامع" 1/ 284.
(9)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 175.
(10)
انظر: "درر العقود الفريدة" 1/ 291، 292.
وانتشر ذكره، وبعد صيته، وشهد بخيره كل من رآه (1).
وقد ذُكر في ترجمته أنه جدد مسجدًا كبيرًا لأسلافه بالرملة صار مثل الزاوية للمقيمين والمنقطعين (2)، وكان منقطعا في هذا المسجد، شاغلا وقته بالتعبد والتأله، والمحافظة على الأذكار والأوراد، والتهجد والقيام، وملازمة المطالعة والإفادة.
وأنه أقام زاوية ببيت المقدس كان يتردد إليها بين الحين والآخر (3).
وبنى رباطا وبرجا بثغر يافا على البحر، كان يذهب إليه مع أصحابه وتلاميذه حاثًّا لهم على الشجاعة، ومعالي الأخلاق (4).
ورفض ما استطاع عروض الحكام والأمراء عليه، وقد عرض الأمير حسام الدين حسن ناظر القدس والجليل، مشيخة مدرسة جددها بالقدس، وقرر له فيها كل يوم عشرة دراهم فضة، فأبى (5). ولما سافر الأشرف إلى آمد هرب ابن رسلان من الرملة إلى القدس في ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به هو أو أحد من أتباعه (6).
وبرغم بعده عن المناصب ورفضه لها على أنه تولى التدريس في الرملة في مدرسة الخاصكية، التي كان مواظبا على الحضور فيها منذ أيام الطلب (7)، وعندما أجازه الجلال البلقيني، والقاضي الباعوني جلس
(1)"الضوء اللامع" 1/ 384.
(2)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284، "الأنس الجليل" 2/ 174.
(3)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 284.
(4)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 175.
(5)
انظر: "البدر الطالع" 1/ 50.
(6)
انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283.
(7)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 172، "البدر الطالع" 1/ 50.
ابن رسلان للإفتاء للناس مدة (1).
بيد أنه لم يبق في هذا إلى آخر عمره بل ترك ذلك وداوم على الاشتغال تبرعا، كما أقبل على التصوف والبعد عمّا يتعلق بأي وظيفة أو عمل (2).
قال رحمه الله في خاتمة "الزبد":
من نفسه شريفة أبيه
…
يربأ عن أموره الدنيه
ولم يزل يجنح للمعالي
…
يسهر في طلابها الليالي
ومن يكون عارفًا بربه
…
تصور ابتعاده من قربه
فخاف وارتجى وكان صاغيًا
…
لما يكون آمرًا أو ناهيًا
فكل ما أمره يرتكب
…
وما نهى عن فعله يجتنب (3)
وحتى يتضح للقارئ موقف المصنف رحمه الله من التصوف، وأنه ليس تصوف أهل البدع والشطحات، نورد هنا ما قاله عند شرح حديث (150) من "السنن"، حيث قال:
(1) انظر: "الضوء اللامع" 1/ 283، "الأنس الجليل" 2/ 174.
(2)
انظر: "الأنس الجليل" 2/ 174.
(3)
"الزبد"(ص 121، 122).
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه
…
ولا بكاؤك إن غنى المغنونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب
…
ولا تغاشٍ كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر
…
وتتبع الحق والقرآن والدينا
وأن ترى خاشعًا لله مكتئبًا
…
على ذنوبك طول الدهر محزونا
وعند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم "من صنع أمرًا على غير أمرنا فهو رد"(1). قال: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وهو صريح في رد جميع البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع والمخترعات التي أحدثت بعده. اهـ.
وهكذا يتضح موقفه رحمه الله جليا، وأنه تبع لما جاء في اتباع الكتاب والسنة، وَرَد جميع البدع الحادثة المخالفة لقواعد الشرع.
ونجده أيضًا كان كثير الرباط في البرج الذي بناه بثغر يافا، ولم تخلو سنة عن إقامته على جانب البحر قائمًا بالدعوة إلى الله تعالى سِرًّا وجهرًا آخذًا على يد الظلمة، فما كان رحمه الله من جهلة المتصوفة الذين عزفوا عن الحسبة وتقاعدوا عن الجهاد والرباط، بل شمر عن ساعدي الجد في الدعوة.
ومما يروى عنه أيضًا: أن طوغان نائب القدس وكاشف الرملة وردت
(1)"سنن أبي داود"(4606).