الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب سؤْرِ الهِرّةِ
75 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عبَيْدِ بْنِ رِفاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ -وَكانَتْ تَحْتَ ابن أَبِي قَتادَةَ- أَنَّ أَبا قَتادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجاءَتْ هِرَّة فَشَرِبَتْ مِنْه، فَأَصْغَى لَها الإِناءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآني أنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقالَ: أَتَعْجَبِينَ يا ابنةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ؛ إِنَّها مِنَ الطَّوّافِينَ عَلَيْكُمْ والطَّوّافاتِ"(1).
76 -
حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنا عَبْد العَزِيزِ، عَنْ داوُدَ بْنِ صالِحِ بْنِ دِينار التَّمّارِ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّ مَوْلاتَها أَرْسَلَتْها بِهَرِيسَةٍ إِلَى عائِشَةَ رضي الله عنها، فَوَجَدْتُها تُصَلِّي، فَأَشارَتْ إِلي أَنْ ضَعِيها، فَجاءَتْ هِرَّة فَأكلَتْ مِنْها، فَلَمّا انْصَرَفَتْ أكلت مِنْ حَيْث أَكَلَتِ الهِرَّةُ، فَقالَتْ: إِنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّما هِيَ مِنَ الطَّوّافِينَ عَلَيْكُمْ". وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِها (2).
* * *
باب: سؤر الهرِّ
في بَعضها (3) الهرة.
(1) رواه الترمذي (92)، والنسائي 1/ 55، 178، وابن ماجة (367)، وأحمد 5/ 303، 309، وابن خزيمة (104)، وابن حبان (1299).
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(68): إسناده حسن صحيح.
(2)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(1003، 1030)، الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(تحفة)(230)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(364)، والدارقطني 1/ 70، والبيهقيّ 1/ 246.
وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(69).
(3)
يعني في بعض النسخ.
[75]
(ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ القعنبي عَن مَالك، عن إسحاق بن عَبد الله بن أبي طلحة) واسمه [زيد بن سهل](1) الأنصَاري ابن أخي أنس بن مَالك (2) وهو أخو [عبدَ الله وإسماعيل](3) ويعقوب مات سنة (4)134.
قال الوَاقدي: مُقدِّم مَالِكٌ (5)، (عَنْ حُمَيدَةَ) بالتصغير (بِنْتِ عُبَيدِ بْنِ رِفَاعة) زوجة إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الراوي عنها، (عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ) قيل: إن كبشَة صَحَابية، فإن ثبتت صحبتها فلا يضر الجَهل بحالها أو التابعية، ولما أخرجَ ابن منده هذا الحديث في صحيحه بالاتفاق والاختلاف قال: وأم يحيى اسمها حميدة وخالتها كبشة قال: ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحَديث، ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخَبر من وجه من الوُجوُه وسبيله المعلول (6).
قال ابن دقيق العيد (7): جرى ابن منده على ما (8) اشتهر عن أهل الحَديث أنهُ من (9) لم يرو عَنه إلَّا راو واحد فهو مجهُول، ولعَل مَن
(1) في الأصول الخطية: سهل بن زيد. والمثبت من "التقريب"، و "التهذيب"(366، 3348)، و "الثقات" 5/ 13.
(2)
ليست في (س، م).
(3)
في (د): عبد الله بن عبد الله وإسماعيل. وفي (م): إسماعيل وعبد الله.
(4)
ليست في (د).
(5)
انظر: "الطبقات" ط. العلمية 5/ 403، وفيه قال: وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الحديث أحدًا.
(6)
في (ص): المعول. وفي (س): المطول.
(7)
"الإمام شرح الإلمام" 1/ 234 - 235.
(8)
و (9) من (د).
صحَّحَهُ اعتمد على كون مَالكٍ رواهُ مع ما عُلِمَ مِن تشدُّدِهِ وتحرُّزِهِ في الرجَال، قال:(1) وقرأت بخَط الحَافظ أبي الفضل محمد بن طَاهِر، وروايته في سُؤالات أبي زرعة قال: سَمعت أحمد بن حَنبل يقوُل: مَالك إذا روى عن رجل لا (2) يعرف فهو حجة.
وذكر بشر بن عُمر الزهراني (3) قال: سألتُ مَالك بن أنس عن رَجُل فقال: هل رأيته في كتُبي؟ قلتُ: لا، قال: لو كانَ ثقة لرأيتهُ في كُتبي (4)، وهذا يُفهم أن كل من كتب عنه (5) ثقة، وقد أخرج هذا الحديث الأربعة وابن خُزيمة وابن حبَّان في صَحيحيهما وصحَّحهُ الترمذي (6).
(وَكَانَتْ تَحْتَ)(7) كناية عن كونها زوجة عبد الله (ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ) والأشبه أن يكُون من مجاز التشبيه شبه علو الزوج المعنَوي على المرأة بالفَوقية الحسِّية، وضدها (8) في حق المرأة بالتحتية الحسِّيةِ. ورواهُ الشافعي عن الثقة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أبي قتادة (9).
(1) من (د).
(2)
في (د، ل): لم.
(3)
في (ص): الزهراي. وفي (د، س) الزاهراني.
(4)
رواه مسلم في المقدمة 1/ 26.
(5)
من (م).
(6)
أخرجه الترمذي (92) وقال حسن صحيح. والنسائي 1/ 55، وابن ماجة (367)، وابن خزيمة في "صحيحه"(104)، وابن حبان (1299).
(7)
في (د): تحته.
(8)
في (ص): وحدها.
(9)
"مسند الشافعي" ص: 9.
(أَن أبا قَتَادَةَ) الحَارث بن ربعي بن بُلدُمة، بضم البَاء الموَحدة والدَّال المهملة أيضًا وبينهما لام سَاكنة، ابن خُناس بِضَم الخاء المعُجمة وبعدها نون مُخَفَّفَة، ابن سنَان بن عُبيَد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سَلمة بكسر اللام السَّلمي بفتح السِّين واللام معًا.
(دَخَلَ) عليها كذا للترمذي (1)(فَسَكَبَتْ) أي: صَّبت (لَهُ) ماءٌ (2).
قال اللهُ تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} (3) أي: مصبوب، ومن مجَاز هذِه اللفظة: فرَسٌ سَكْب كأنهُ لشدة جَريه يسكب الماء، وكذلك ثوب سَكب شبهَ بالماءِ المُنْصَبِّ لرقته كأنه ماء مَسْكوب، ودمع سَاكب إما بمعنى مسْكوب، أو يصَور (4) له بصُورة الفاعل باعتبار دفع (5) بَعض أجزائه لما بين يديها.
(وَضُوءًا) المشهور أن الوَضوء بفتح الواو هُو الماء، و (6) فيه دليل على جَواز الدُّخول على المحَارم بسبب الصهرية (7)، وفيه جَوَاز الاستعانَة في أسبَاب الطَّهَارة بإحضَار الماء ونحوِه من غير كراهة.
(فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ) رواية الترمذي: فجاءت هِرة تشربُ (8)، رواية غَيره: لتشربَ (9) منه (فَأَصْغَى) أي: أمَالَ (لَهَا الإِنَاءَ) أصلهُ من
(1) في (ص): الترمذي. وهو في "السنن"(92).
(2)
سقط من (د).
(3)
الواقعة: 31.
(4)
في (م): مصور.
(5)
في (ل، م): رفع.
(6)
من (م).
(7)
في (ص، س، م): الطهرية.
(8)
في (ص): الترمذي. وهو في "السنن"(92).
(9)
في (ص): للشرب.
صَغَا إذا مالَ (1) فأدخلت عليه هَمزَة التعدية فتعدى لواحد (2)، والصغوُ الميْلُ يقال: صَغَتِ النجوم والشَّمسُ صغوًا (3) إذا مَالتْ للغُروب وصَغيت لفُلان ملت بسَمْعي لهُ، قال اللهُ تعالى:{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (4).
ويحتمل أن تكُون (من) في قوله: (فَشَربت منهُ) للتبعيض؛ أي: شربت من ماءِه، فحذف الماء ودَخلت (من) على الضَّمير، ويحتمل أن تَكون لابتداء الغاية أي: تكُون ابتداء شُربِها من الإناء، وهذا الماء الذي سَكبته كبشَة الظاهر أنهُ لهَا لثبوتِ يدِها عليهِ، وقد سقى (5) أبو قتادة الهِرَّة ولم يستأذنها، وفيه دليل على جواز مثل هذا للضيف، وعلى أن الضَيف إذا قُدِّمَ إليه خُبز ونحوه أن يُطعم الهِرَّة منهُ، خلافَّاَ لما قالهُ أصحَابنا أنه ليسَ له إطعَام هرة (6) وسائل ويُلقِمُ الأضيافَ بعضهمُ لبعض.
[فأصغى لها الإناء (حتى شربت) فيه دليل على فضيلة سقيِ الحيوانِ المحترمِ وإطعامِهِ والنفقةِ عليه](7) وأن الأجر في الإحسَان إليه لما في الحَديث "في كل كبد حَرَّى أجر"(8).
(قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيهِ) فيه استعمال (9) حُسن الأدب مع الأكابر لعَدَم إنكارها عليه فيما تعجبتْ منهُ أو شَكَّت في جوازه،
(1) في (ص): أمال.
(2)
في (ص، م): إذا حل.
(3)
من (د).
(4)
الأنعام: 113.
(5)
في (ص، د، ل): يسقي، وفي (س): يسعى.
(6)
في (م): هر.
(7)
من (د).
(8)
أخرجه أحمد 2/ 222 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(9)
ليس في (م).
ويدخل فيه ما هو من جنسه (فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابنةَ أَخِي؟ ) فيه تنبيه العَالم عَلى ما يعرض للسَّائل، ويقع في نَفسه لتقع الفائدة والعلم بما (1) لعَلهُ يحتاج إليه، فإن كبشَة لابد [أن تكون](2) نظرت نظرًا فهم (3) منهُ أبو قتادة التعجب، وإلا فأصل النظر لا يقتضي فهم التعجبِّ، وفيه دَليل على اجتنابِ النجاسَة وما يتصل بها أمر مقرر في النَفس لكل المُسلمين، خصوصًا حملة الشرع، وذلك يؤخد من تعجبِ كبشة ومن تقرير أبي (4) قتادة على التعجب.
(فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ إِن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ) فيه ذكر الدَّليل مع الحكم لتحصُل الثقة (5) للجَاهل به ويطمئن قلبهُ إليه، وهكذا ينبغي للمفتي إذا أفتى بشيء و (6) ظهر له توقف المستفتي فيه وعدم فهمه لعلته (7) أن يذكر له الدَّليل لتسكن نفسه وتنتفي عنه عوارض الشكوك، وكذلك إذا حكم بما لا يظهر وجهه للمحَكوم عليه، وقد ينسبه فيه إلى ظلم فينبغي أن يبين وجهه.
(إِنهَا لَيسَتْ بِنَجَسٍ) بفتح الجِيمِ من مَعنى النجاسَة وأصْلها القذارة قال اللهُ تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (8). ثُمَّ اشتهر (9) في عرف حملة (10) الشريعة فيما يجتنبُ استصحابه في الصَّلاة، ويُعبر عن إزالته
(1) في (ص): بها.
(2)
ليس في (م).
(3)
في (د): أفهم.
(4)
في (ص، د، س، ل): تقرر.
(5)
في (ص): التسفه.
(6)
من (م).
(7)
في (ص، س، ل، م): لعلة.
(8)
التوبة: 28.
(9)
في (د): أشهر.
(10)
في (ص): حكمة.
بالطهَارة من الخبث، والنجَس مصدر كما قال الزمخشري (1)، ولهذا لم تلحقه [تاء التأنيث] (2) كما لا يثنى ولا يجمع كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (3) ولم يقل أنجَاس.
(إِنَّهَا مِنَ الطَّوافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ)(4). قال البَغَوي في "شرح السُّنة": يتأول (5) على وجهين:
أحدهما: شبَّهها بالمماليك (6) وبخدَم البيت الذين يَطوُفُون على أهلهِ بالخدمة لقَوله تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (7) يعني: المماليك والخدم. وقال إبراهيم: إنما الهرَّة كبعض أهل البيت، وقول ابن عَبَّاس: إنما هي من مَتَاع البيت، والآخر: شَبهها بمن يَطوف للحَاجَة والمسألة (8).
قال ابن دقيق العيد: وهذا غَريب بَعيد؛ لأن قوله: "إنها مِنَ الطوافين" يقتضي التعليل لما سَبَق ذكرهُ، والذي سبق هو كونها ليسَت بنجسٍ لا ذكر الأجر (9).
(1)"الكشاف" 2/ 248.
(2)
في (ص): الناس.
(3)
التوبة: 28.
(4)
أخرجه أحمد 5/ 303، وقد تقدم تخريجه أثناء الشرح، وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود"(98).
(5)
في (ص، ل): مأول. وفي (س، م): تأول.
(6)
في (ص): بالممالك.
(7)
النور: 58.
(8)
"شرح السنة" 1/ 70.
(9)
في (ص): الآخر، وانظر:"الإلمام بأحاديث الأحكام" 1/ 53، "الاقتراح في بيان الاصطلاح" 1/ 126.
قال القاضِي أبو الوليد البَاجي: وقوله: "أو الطوافات" يحتمل أن يكُون على معنى الشَّك من الراوي، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك يُريد أن هذا الحَيَوان لا يخلو إمَّا أن يكونَ من جُملَة الذكورِ الطوَّافين أو الإناث الطوَّافات (1).
وإذا حملنا الطوَّافين أو الطوافات على الخدَم كانت (من) للتبعيض، وليست الهِرة منهم حقيقة؛ لأن اللفظ يدل على جمع المذكر العَاقِل أو المؤنث العَاقِل فيجب إما إضمار أو مجاز، أمَّا الإضمار فتقدر أنهَّا من شبه الطوافين أو مثل الطوافين أو ما يقاربه، وأما المجَاز فأن يطلق عليها لفظ الخدَم مجازًا، وفيه استدلال على طهَارة السُّؤر (2) باللفظ الدَّال على الجملة، وقد اختلفوا في سُؤر الهرِّ فالمنقول عن أكثر أهل العِلم طَهَارته.
وكره أبو حنيفة وأبو يُوسف (3) الوُضوء من سُؤره، واستدلَّ بهذا الحَديث على الطهَارة، وأجَابَ الطحاوي: بأنه يجوزُ أن يكون أريد به كونها لا تضر مماسّتها للثياب، فأمَّا وُلوغها في الإناء فليسَ في ذلك دليل على أن ذلك يوجب النجاسَة أو لا، وإنما الذي في الحَديث من ذلك فِعل أبي قتادة فلا ينبغي (4)، وهذا من الطحاوي تنبيه (5) على أن شربها مِنَ الإناء المتوضأ منه ليس مرفوعًا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا
(1)"المنتقى شرح الموطأ" 1/ 62.
(2)
في (س، ل): السنور.
(3)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 159.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 19.
(5)
(ص، د، س): تنبه.
الحَديث، وإنما هو فعل أبي قتادة، والذي احتج به خصُومه قوله صلى الله عليه وسلم (إنها ليست بنجس) وإذا لم تكن نجسًا كانَ سُؤرها طَاهرًا.
والأصوليون يذكرون هذا الحَديث في دلالة التنبيه (1) والإيماء إلى التعليل؛ لأنه لو لم يكن علة لم يكن ذكر الطواف مفيدًا (2)، فإنهُ لو قال أنها سوداء أو بيضاء لم يكن منظومًا إذا لم يرد التعليل، وفيه دلالة على أن المشقة تجلب التيسير والتخفيف وهو من القواعد الأصوليَّة.
[76]
(ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) قال: (ثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ) بن محمد الدراوردي (عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارِ التَّمَّارِ) بفتح المثناة فوق، المدَني [صَدُوق (3)، قال الدارقطني بعدما رواه: تفرد بِرَفعه داود بن صَالح (4)، وكذا قال الطَّبراني (5) والبزار](6). (عَنْ أُمِّهِ) اسْمهَا خولة (أَن مَوْلاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةِ) فَعيلة بمَعنى مفعولة، وهرسَها الهَراس هرسًا مِن بَاب قَتَلَ.
قال ابن فارس: الهرس دق الشيء؛ ولذلك سميت الهريسَة. (7) وفي "النَّوادر": الهريس الحَب المدقوق بالمهراس قبل أن يُطبخ فإذا طبخ فهو الهريسَة بالهَاء (8).
(1) في (ص، م): الشبه. وفي (س): السنة.
(2)
في (م): مقيسًا.
(3)
"الكاشف" للذهبي (1443).
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 70.
(5)
"المعجم الأوسط"(7949).
(6)
سقط من (م).
(7)
"مجمل اللغة" لابن فارس (هرس).
(8)
"المصباح المنير"(هرس).
(إِلَى عَائِشَةَ فَوَجَدْتُهَا تُصَلِّي فَأَشَارَتْ إِليَّ) بتشديد اليَاء المثناة تحت (ضَعِيهَا) ورواية الخَطيب: أن ضَعيها. بزيَادة: أن. وفيه دليل على أن الإشارة المفهمة لا تبطل الصَّلاة كما إذا رد السَّلَام بالإشارة؛ لما روى ابن عمر قال: خرَج رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فصَلى (1) فيه، قال: فجاءته الأنصَار فسَلموُا عليه وهو يُصَلي، قال: فقلتُ لبِلَال: كيف يرد عَليهم حين كانوا يُسلموُن عليه وهو يُصلي؟ قال: يقول هَكذا وبَسَطَ يعني: كفه وجَعَل بَطنه أسفل وظهره إلى فوق.
قال الترمذي: صَحيح (2). ورواه الأثرم.
(فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَأَكَلَتْ منها (3)، فَلَمَا انصَرَفَتْ الهرة أَكَلَتْ) عائشة (مِنْ حَيثُ أكلَتِ الهِرَّةُ) فيه التعليم بالفعل كالتعليم بالقول، وفيه طَهارة سُؤر الهرة وفمها وغيرها مِنَ الحيوانات التي لا يؤكل لحمها غير الكلب والخنزير كما تقدم.
(فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّهَا لَيسَتْ بِنَجَس) بفتح الجيم، قال البَاجي: ظَاهرهُ ينفي (4) نجاسَة العَين (5)، ويمكن أن يقرر هذا الذي قاله مِنَ الظاهِر بأن الضَّمِير في قوله:"إنها" عائد إلى الذّات فيُعود الحكم إليها، فإذا كانَ النجسُ يطلق على نجس العَين والمتنجسُ بالغَير (6)
(1) في (س، م): يصلِّي.
(2)
"جامع الترمذي"(368) وقال: حسن صحيح. وسيأتي تخريجه عند شرحه إن شاء الله تعالى.
(3)
من (د).
(4)
سقطت من جميع النسخ. والمثبت من "المنتقى" 1/ 62.
(5)
"المنتقى في شرح الموطأ" 1/ 42.
(6)
في (ص): بالعين.
فيحتمل أن يكون مِنَ الألفاظ التي يسميها الأصوليُّون وغيرهم المشكلة (1)؛ لأنه في نجس العَين أولى وأقوى؛ إذ لا يمكن زواله عن العَين بخلاف المتنجس، ويحتمل أن يكون إطلاقه على النَّجس مجازًا.
(إنها مِنَ الطَّوافين عليكم) يَعني: ليست الهِرة بنجسَة؛ لأنها تطوف عَليكم وتتمسح بثيابكم وفرشكم ولو كانت نجسَة لأمرتكم (2) باجتنابها وإخراجها من البيوت، وذكر فيه مَعنى آخر وهو أنها كالطَّوافِينَ عَلَيْكُمْ من المماليك وأصحَاب الحوايج، يَعني يحصُل لكم الأجر في الإحسَان إليها. و (أو) في قوله:"أو الطَّوَّافات" شك من الراوي كما تقدم.
(وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا) أي: بالفاضل من الماء الذي شربت منه الهرة، أي: بقي بعد شربها، وقد قاسَت عائشة رضي الله عنها الفاضل من الأطعمة على الفاضل مِنَ الماء؛ لأن الماء من المطعومات، كما قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (3).
* * *
(1) في (د): المشككة.
(2)
في (د، س، ل): لأمرتهم.
(3)
البقرة: 249.