الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ينبغي للمُشتغل بالفقه ولغَيره الاعتناء بـ "سنن أبي داود" والمعْرفة التامة؛ فإن مُعظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، معَ سُهولة تناوله (1)، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مُصنفه واعتنائه بتهذيبه، روينا عن الإمام أبي سُليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي رحمه الله قال:(2) كتاب "السُّنن" لأبي داود كتابٌ شريف لم يُصنّف في علم الدين كتاب مثله، وقد رُزق القبول من الناس كافة، فصار حكمًا بين فرق العُلماء وطبقات الفُقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه مُعوّل أهل العراق وأهل مِصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض، وأما أهل خراسَان فقد أولعَ أكثرهم بصحيحي البخاري ومُسلم ومَنْ نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما، إلا أن كتاب أبي داود أحسن وصفًا (3) وأكثر فقهًا، قال: وكتاب أبي عيسى أيضًا كتابٌ حسَن.
قال: والحديث ثلاثة أقسام: صحيح، وحسَن، وضعيف (4)، وعلى الحسَن مدارُ أكثر (5) الحديث، وهو الذي نقلهُ (6) أكثر العُلماء، ويستعملهُ عامة الفقهاء، قال: وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين، وأمَّا
(1) في (ل): متناوله.
(2)
زاد هنا في (س): في.
(3)
في "معالم السنن" للخطابي: رصفًا.
(4)
في "معالم السنن" للخطابي: سقيم.
(5)
في (س): أهل.
(6)
في "معالم السنن" للخطابي: يقبله.
الضعيف (1) فكتاب أبي داود خَالٍ منه، وإن وقع فيه شيء لضرب (2) من الحَاجَة؛ فإنه لا يألو أن يبين أمره ويذكُر علّته ويخرج مِنْ عُهدته. قال: ويحكى لنا عن أبي داود قال: ما ذكرتُ في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.
قال: وكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجَوَامعَ والمسَانيدَ ونحوهما، فتجمع (3) تلك الكتب مع السُّنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأمَّا السُّنن المحضة فلم يَقصد أحدٌ منهم جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود؛ ولذلك حَلَّ هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء (4) الأثر محل العجب، فضُربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل.
ثم روى الخَطابي بإسناده الحربي (5) قال: لما صَنَّفَ أبو داود هذا الكتاب: أُلِينَ له (6) الحديث كما أُلِينَ لداود الحديد (7).
قال الخَطابي: وسمعتُ ابن الأعرابي يقول -ونحن نسمعَ منهُ هذا الكتاب-: لو أن رجُلًا لم يكن عندهُ منَ العلم إلا [المصْحف ثم](8)
(1) في "معالم السنن" للخطابي: السقيم.
(2)
في (ص) قد أضرت. وفي (س) بياض، وما أثبتناه من (ل)، و"معالم السنن".
(3)
في (س): فيجتمع.
(4)
سقط من الأصول الخطية، وما أثبتناه من "معالم السنن".
(5)
في (ص) الخبري. وهو تحريف، والمثبت من (س، ل).
(6)
في (ص) لهم. والمثبت من (س، ل).
(7)
"معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 10 - 12).
(8)
سقط من (س).
هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة.
قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه؛ لأن الله عز وجل أنزل كتابًا تبيانًا لكل شيء، وقال تعالىَ:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (1) لكن البيان ضربان: جلي ذكره نصًّا، وخفي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمن (2) جمعَ الكتاب والسنَّة فقد استكمل ضربي البيان، وقد جمعَ أبو داود في كتابه من الحديث في أصُول العِلم وأمهات السُّنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه رحمهُ الله تعالى (3).
وروينا عن أبي داودُ رحمهُ الله تعالى قال: كتبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبتُ منها ما ضمنتهُ هذا الكتاب، يعنى: كتاب
"السُّنن"، جمعتُ فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرتُ الصحيح وما يُشبهُهُ ويقاربهُ (4). وروينا عن أبي العلاء المحسن بن محمد بن إبراهيم الواذاري [قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: "من أراد أن يتمسك بالسند فليقرأ كتاب أبي داود". الواذاري] (5) بالذال المعجمة منسوب إلى [واذار قرية](6) من قُرى أصْبهان.
(1) الأنعام: 38.
(2)
في (ص) فقد. تحريف، والمثبت من (س، ل)، "معالم السنن".
(3)
"معالم السنن" للخطابي المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (1/ 12 - 13).
(4)
انظر: "تاريخ بغداد"(9/ 58).
(5)
سقط من (ص، س)، والمثبت من (ل).
(6)
في (ص) وإذا رورية. تحريف، والمثبت من (ل، س).