الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - باب البَوْل فِي الماءِ الرّاكِدِ
69 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ فِي حَدِيثِ هِشامٍ، عَنْ محَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الماءِ الدّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ"(1).
70 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ قالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الماءِ الدّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الجَنابَةِ"(2).
* * *
باب البول في الماء الراكد
[69]
(ثَنَا أَحْمَدُ (3) بْنُ) عبد الله بن (يُونُسَ) أبو عَبد الله اليربوعي شيخُ الشَّيخين، قال ابن حَنبل لرجل: آخرج إلى أحمدَ بن يونس؛ فإنه شيخ الإسلام (4)، (ثَنَا زَائِدَةُ) بن قدامة أبو الصَّلت الثقفي (5)، صَاحب سُنَّة (6) توفي غازيًا بالروم سنة 161 (7)(فِي حَدِيثِ هِشَامٍ)(8) بن حسَّان الأزدي
(1) رواه البخاري (239)، ومسلم (282).
(2)
أخرجه أحمد 2/ 433 وصححه ابن حبان (1257) وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(63): إسنادهُ حسن صحيح. وانظر السابق.
(3)
في (د، م) كتب فوقها: ع.
(4)
"تهذيب الكمال" 1/ 377.
(5)
في (ص): الثقة.
(6)
في (ص): سند.
(7)
انظر "الكاشف"(1621).
(8)
في (د، م) كتب فوقها: ع.
مولاهم الحافظ (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ) مفهومه أن النهي عن التغَوط في الماءِ من باب الأولى وهذا من مفهوم الموافقة، وضابطه أنه إثبات حكم المنطوق للمسكُوت عنه بطريق الأولى، ويُسمى فحوى الخطاب وتنبيه الخطاب؛ لأنه تنبيه (1) بالأدنى على الأعلى وهو إمَّا في الأكثر كالضرب مع التأفيف؛ لأنهُ أعظم وأكثر عقوقًا، وكذا هنَا؛ فإن التغَوُّط أعظم وأكثر استقذارًا، وإمَّا في الأقل كما في قوله تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (2) مفهومهُ أنه أمين على الدينار بطريق الأولى، وهو أقل.
(الدَّائِمِ) أي: الراكد الذي لا يجري، وقد جاء في بعض الأحَاديث "الذي لا يجري" (3) وهو تفسير للدائم وإيضَاح لمعناه. وقال بعضهم: يحتمل أن يحترز به عن راكد لا يجري بَعضه كالبرك ونحوها.
(ثُمَّ يَغْتَسِلُ) قال القُرطبي: الرواية الصحيحة "يغتسلُ" برفع اللام ولا يجوز نصبها؛ إذ لا ينتصب (4) بإضمار (5) أن بعد ثم، وبعض الناس قيده "ثم يغتسل" مجزوم اللام على العطف على "لا يَبُولن"(6)، وهذا ليس
(1) في (م): نبه. وفي (س): شبه.
(2)
آل عمران: 75.
(3)
رواه مسلم (282).
(4)
في (م): ينصب.
(5)
في (ص): بإظهار.
(6)
من (م").
بشيء؛ إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتَسلَن (1)؛ لأنه إذ ذاك يكون عَطف فعل على فعل، لا عطف جُملة على جملةٍ، وحينئذ يكون الأصل مُساواة الفعلينِ في النهي عنهما وتأكيدِهما بالنون الشديدة؛ فإن المحَل الذي تواردا عليه هو شيء واحد وهو الماء، وإنما جاء (ثم يغتَسل) على التنبيه على مآل الحال، ومعناه أنه إذا بالَ فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعمالُهُ؛ لما أوقع فيه مِنَ البَول.
قال: وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرب أحدكم امرأته ضَربَ الأمةِ ثم يضاجعُها"(2) برَفع يضاجعها، ولم يروه أحد بالجزم ولا يتخيله فيه؛ لأن المفهوُم منه إنما نَهَاهُ عن ضَربهَا؛ لأنه يحتَاج إلى مضاجَعتها في أثناء الحَال فتمتنع (3) عليه (4) بما أسَاء من معاشرتها، ويتعذر عليه المقصُود من أجل الضرب، وتقدير (5) اللفظ [ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل](6).
قال ابن دقيق العيد (7): وهذا الذي ذكرهُ يقتضي أنه كالتعليل للنهي عن البَول في الماءِ الراكد لا عن الغسل منه، ويكون النهي عن الغُسْل منه ليسَ من مدلول اللفظ مباشرة بل من مدلولاته التزامًا؛ من حَيث إنه لو لم يكن البَول فيه مَانعًا مِنَ الغسل أو الوضوء منه لما صح تعليل
(1) في (س، م): لا يغتسل.
(2)
أخرجه البخاري في (6042، 4942)، ومسلم (2855)(49).
(3)
في (ص): فيمنع.
(4)
هنا في جميع النسخ كلمة غير مقروءة وهي مقحمة. والمثبت ما في "المفهم".
(5)
في (ص): وتعديد.
(6)
ليست هذِه الجملة في أصلنا. وانظر: "المفهم"1/ 541 - 542.
(7)
انظر: "طرح التثريب" للعراقي 2/ 31.
النهي عن البَول فيه بأنهُ سيقع منهُ الغسل فيه، لكن التعليل صَحيح على حسب ما اقتضاه الكلام عنده، فوقع النهي عن الغسل منه بعَد البَول بطريق الالتزام؛ لأنه لازم لصحة التعليل.
(منهُ)(1) فيه نهي عن شيئين، والنهي عن شيئين تارة على الجمع، وتارة عن الجمع أما النهي على الجَمع فيقتضي المنع من كل وَاحدٍ منهما على انفراده، وأمَّا النهي عن الجمع فمعناهُ المنع عن فعلهما معًا بقيد الجمعية، ولا يلزم منه المنع من أحدهما إلا مع الجمعية، فيمكن أن يفعَل أحدهما من غير أن يفعَل الآخر، والنهي عن الجمع مشرُوط بإمكان الانفكاك عن الشيئين، والنهي على الجَمع منشؤه أن يكون في كل وَاحد منهما مفسَدة تستقل بالمنع.
وإذا ثبت هذا، فهذا الحَديث الذي نحن فيه من باب النهي عن الجمع، أي: لا يجمع بين البَول في الماء والاغتسال منهُ، والحَديثُ الآتي حَديث مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ "لَا يبولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيه" نهي على (2) الجمَع كما سيَأتي، وفي هذا الحَديث عموم لابد من تخصيصه اتفافًا، فإن الماء المسْتَبحر جدًّا لا يثبت فيه هذا الحكم.
ومذهب أبي حنيفة وأتباعه كما قال الطحَاوي في "مختصره": وإذا وقعت نجاسَة في ماء ظهر فيه طعمها أو لونها أو ريحها أو لم يظهر ذلك فقد نجسَهُ قليلًا كان الماء أو كثيرًا، إلا أن يكون جاريًا أو حكمهُ
(1) في (ص، س، ل): من.
(2)
في (ص): عن. وهو خطأ.
حكمُ الجَاري، كالغَدير الذي لا يتَحرك أحَد أطرافه بتحرك سواه (1) من أطرافه (2)، وأما الشَّافعي (3) فإنهُ اعتبر القلتين، فقال: إنهُ يُنجس ما دُونهما بوُقوع النجاسَة فيه، وإن لم يتغير، وما كانَ قلتين أو أكثر لم ينجس إلا بالتغير عنده، وهذِه رواية عن أحمد مُرَجحة عند جَماعة من أتباعه (4) في غير بول الآدمي وعذرته المائعة (5)[فأمَّا هُما](6) فينجسان الماءَ وإن كانَ قلتين فأكثر على المشهُور ما لم يكثر إلى حيث لا يمكن نزحه كالمصَانع التي بطريق مكة، وهذا تخصيص للحَديث.
فأما الحنفية القائلون بأن الماء الراكد ينجسُ بوُقوع النجاسَة فيه، فهو مقتضى العَمل بالعموم ومقتضى (7) حمل صيغة (8) النَّهي على حقيقتها وهو التحريم، فإذا خرج منه المستبحر بقيَ اللفظ متناولًا ما عدَاهُ، ويحتاجونَ إلى تخصيص آخر في الماء الذي وقع فيه الحَدُّ (9) عندهم وهو تحرُّكُ (10) أحَدِ الطرفين، وهذا إنما أُخِذ من معنى فهموهُ وهو سَراية النجاسة في الماء، وإن مع هذا التباعُد لا سراية، وهذا المقدار من الماء يَدخل
(1) في (ص، ل): سواك. وفي (س): سوال.
(2)
"مختصر الطحاوي" ص 16.
(3)
"الأم" 1/ 43 - 44.
(4)
"مسائل أحمد وإسحاق رواية الكوسج" 31، 32، وانظر:"الإقناع" 1/ 8 - 9.
(5)
في (ص، ل، م): المانعة.
(6)
في (ص، ل): فإياهما.
(7)
في (ص، ل): يقتضي.
(8)
في (م) صفة.
(9)
في (ص): الجل.
(10)
في (ص): بتحرك.
تحت العموم فتخصيصهُ (1) هذا المعنى تخصيص العَام بمعنى مُستنبط منهُ يعُود عليه بالتخصيص، وفيه كلام لأهل الأصُول.
وأما الشافعية: فإنهم لما اعتمدُوا حديث القُلتين خصُّوا العَام به وهو تخصيص بمنطوق؛ لأن هذا الحَديث الذي نحنُ فيه عَام في المنع من الاغتسال في كل مَاء راكد بعَد البَول فيه، فيدخل تحته القلتان فما زاد، وأما من يرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغَير قليلًا كانَ أو كثيرًا؛ فحمله على ذَلك رجحان الدَّليل الدَال على طهورية الماء الذي لم يتغير ويتمسك فيه بالعُمومات، ومن أراد تخصيص تلك العمومات بمفهوم حَديثِ القلتَين المقتضي تنجيس ما دونهما وإن لم يتغير فقد لزمَهُ القولُ بالمفهوم، وبأنه (2) يخصص العموم وهي قاعدة عند الأصوليين؛ أن المفهوم (3) هَل يخصص العموم، أم لا؟ ومن حمل النهي على التحريم، وخص منه القلتين فما (4) زاد إذا (5) أخذ (6) منه كراهة استعمال الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسَة، وإن لم يتغير على ما قال به الشافعية، فيلزمهُ أن يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، وفيه استعمال اللفظ الوَاحد على معنيين مختلفين، وهي
(1) في (ل، م): فيخصصه. وفي (س): بتخصيصه.
(2)
في (ص، س، ل): بان.
(3)
في (ص، س، ل، د): العموم. وكذلك في (م) وكتب فوقها: المفهوم. وهو الصواب.
(4)
في (ص، س): فيما.
(5)
ليست في (م).
(6)
في (ص): أحل.
قاعدة أخرى عند الأصوليين.
[70]
(ثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: ثَنَا يَحْيَى) بن سَعيد القطان (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ) المدَني، كان ابن عيينة يثني عليه، خرج مُسلم لهُ في "الصحيح"(1)، واستشهد به البخاري في كتاب التوحيد (2)، وذكر الحاكم مَا مَعناه أن مُسلمًا روى عن ابن عجلان ثلاثة عَشر حَديثًا كلها في الشواهد (3)، وأما عجلان والد محمد فقالوا: مَولى فاطمة بنت عُتبة (4) ابن ربيعة القرشي.
(قال: سمعت أبي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وفاطمة بنت عُتبة (5) خرج لهُ مُسْلم بن الحَجاج في "الصَّحيح" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في حق المملوك (6)، واستشهد به البخاري في بدء الخَلق في ذكر إبراهيم عليه السلام (7).
(قال: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ) تقدم أن دلالة هذا الحَديث على النَّهي عن الشيئين على الجَمع، والذي قبلهُ على النَّهي عن الجمع، ومُقتضى النَّهي على الجمع تعلقه بكل (8) واحد منهما على انفراده.
(1)"صحيح مسلم"(443/ 142، 1605/ 130، 1720، 1885/ 118).
(2)
"صحيح البخاري"(7393).
(3)
"المدخل إلى الصحيح" 4/ 97.
(4)
في (م): عقبة.
(5)
في (م): عقبة.
(6)
"صحيح مسلم"(1662)(41).
(7)
"صحيح البخاري"(3356).
(8)
في (ص): لكل.
وظاهر النهي التحريم، ومن رأى ذلك مكرُوهًا غَير محرم فقد خرج عن الظاهر، فيحتاج إلى الدليل، وليس الطريق في هذا الحَديث كالطريق في الحَديث الذي قبلهُ؛ لأن ذَلك الحَديث يرجع الأمر فيه إلى النَّهي عن الوُضوء أو (1) عن الاغتسال في الماء الذي بال فيه، فمن قامَ عنده الدليل على أن الماء لا ينجسُ إلا بالتغير جعل ذلك مانعًا من إجراء النهي على ظَاهِرِه وصرفه إلى الكراهة، وكذلك من قام عنده الدليل على أن القلتَين فما زاد لا ينجسُ إلا بالتغير منعه ذلك من إجرَاء النهي على ظاهره في عمُوم التحريم.
وهذا النهي في هذا الحَديث مُعلل بالاستقذار الحَاصل في الماء بسبب البَوْل، وهذِه علة عامة في القليل والكثير، فإن كان الماء قليلًا، فمن يرى تنجيسهُ بوُقوع النجاسَة فيه نشأت (2) فيه علة أخرى، وهي الفسَاد وتعطيل منافعه على غيرِهِ، وزاد بعضُهُم علَّة أخرى فيما إذا كان بالليل وهو [ما قيل](3) أن الماء بالليل للجنِّ فلا يبَال فيه ولا يغتَسل مِنهُ؛ خَوفًا من آفة تصيبُ من جهتِهم (4).
(فِي المَاءِ الدَّائِمِ) فيه تقييد الحكم بصفة كون الماء دائمًا، فمن يقول بمفهُوم المخالفة يقول بجواز البَول في الماء الجَاري، ويُفرق بَينهما أن
(1) في (م): و.
(2)
في (م): سال، وفي (س): بان.
(3)
في (ص، س، ل): ماء قليل.
(4)
ذكره الرافعي رحمه الله في "الشرح الكبير" 1/ 464 بصيغة المجهول. وهو كلام لا دليل عليه.
الماء الجَاري لا يستقر فيه البَول، وأن جريه يدفع النجاسَة ويخلفه الماء الطَّاهر بعده.
(وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ) يدُل بمنطوقه على النهي عن الاغتسال عن الجَنابة في الماء الدائم، وهو عَام بالنسبة إلى المغتسلين، فيدخل فيه المغتسل الذي على [بدنه أدنى](1) مُستقذر، ومن ليس كذلك، وهو منصوصٌ عليه في "المدوَّنة" للمالكية (2).
وقد اختلفوا في قاعدة أصولية وهي دلالة القران بينَ الشيئين على مُسَاواتهما في الحكمِ، والمنقول عن أبي يُوسف والمزني مُسَاواتهما في الحُكم، والقائلون بأن القران لا يدل على المساواة استدلوا بقوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (3) فإن الأول غير واجب، والثاني واجب، وكذا في هذا الحديث البَول في الماء حرام بخلاف الاغتسال منه.
واستدل أبو يُوسف بهذا الحَديث على أن (4) الماء المُستَعمل نجس (5)؛ بناء على القاعدة المذكورة؛ فإنهُ قرن (6) بين الغُسل فيه والبَولِ فيه، والبولُ فيه (7) ينجسُهُ، فكذلك الغسل، وجوابه عند غَيره
(1) في (د، م): أذى.
(2)
"المدونة" 1/ 133.
(3)
الأنعام: 141.
(4)
من (د، م).
(5)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 151 - 152.
(6)
في (ص، س، ل): فرق.
(7)
من (د، ل، م).
منع دلالة الاقتران.
وذكر البغَوي في "شرح السُّنة": أن فيه دليلًا على أن اغتسال الجُنب في الماء القليل الراكد يَسلبُ حُكمه، كالبَول فيه يسلب حكمه، غير أن البول (1) فيه ينجسه؛ لأن البَول نَجِس، والغسْل لا ينجسهُ؛ لأنَّ بدَن الجُنب ليس بنجس، لكن يسلب الطهورية ويستدل به من لا يجيز الوُضوء بالماء المُستَعْمل (2).
وهذا منه استدلال بالقِرانِ إلا أنه أخذ الوصف الأعَمَّ من التنجيس، وهو سلب (3) حكم الماء، وتخصيصهُ بالقليل ليس من هذا الحَدِيث، وهل يتعدى هذا الحكم إلى الوُضوء حتى يكره أن يغمس المحدِثُ يده أو عضوًا منه في الماء الراكد للطهَارة الصغرى؟ فمن قال بالقياس فيمكن أن يعديه بجامعِ الطهَارة من الحَدث، إلَّا أنَّ هذا ليس قياسًا في معنى الأصل فليسَ بقول؛ لأنه من قياس الشبه وهو ضَعيف؛ لأن الاختلاف بينَ الحدَث الأكبر والأصغر في أحكام كثيرة فيضعف ذلك القيَاس، وإن جعله من قياس العلة، فالعلة المذكورة في هذا هي الاستقذار والعيافة (4)، وقد لا يساوي فيها الحدَث الأصغر الحدَث الأكبر فيمتنع القياس لعدم شَرطه، وهو المسَاواة.
(مِنَ الجَنَابَةِ) ومادة الجَنابة دالة على البعد وما يقاربه من المَعنى،
(1) في (ص): القول.
(2)
"شرح السنة" 2/ 68.
(3)
في (ص، س، ل): يسلب.
(4)
في (ص): القيافة. وعَافَ الشيءَ أي كرهه.
والجَنابة في عُرف حملة الشرع تطلق على إنزال الماء والتقاء الختَانَين، وسُميت الجنابة بذَلك لتجنب الصَّلاة، وتقييد الغسْل بكونه (1) من الجنَابة يخرجُ منهُ ما ليسَ بجنابة، كالغُسل تبرُّدًا أو تنظفًا، وهو كذلك إن تحقق سَلامة البدن من الأذى، وما ليس بجنابة ينقسمُ قسمين: أحدهما: ما لا يدخل تحتَ القُرَبِ، كما مثَّلنا في (2) التبرد والتنظف (3).
والثاني: ما هو دَاخل في بَاب القُرَبِ والأغسال المَسْنُونة، مثل غسل العِيدَين والكسُوف والاستسقاء، وظاهر التقييد بغُسْل الجَنابة يقتضي إبَاحَة ذلك.
(1) في (ص، س، ل): لكونه.
(2)
في (د، م): من.
(3)
في (د): التنظيف.