الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - باب الوُضُوء بسُؤْرِ الكلْبِ
71 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا زائِدَةُ - فِي حَدِيثِ هِشامٍ - عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"طُهُورُ إِناءِ أَحَدِكُمْ إِذا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مِرارٍ أُولاهُنَّ بِتُرابٍ".
قالَ أَبُو داوُدَ: وَكَذَلِكَ قالَ أَيُّوبُ: وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ (1).
72 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، يَعْنِي: ابن سُلَيْمانَ (ح).
وحَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ محَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَعْناهُ وَلَمْ يَرْفَعاهُ، زادَ:"وَإذا وَلَغَ الهِرُّ غُسِلَ مَرَّةً"(2).
73 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا أَبانُ، حَدَّثَنا قَتادَةُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيِرينَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُريرَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِذا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإِناءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرّاتٍ السّابِعَةُ بِالتُّرابِ".
قالَ أَبُو داوُدَ: وَأَمّا أَبُو صالِحٍ وَأَبُو رَزِينٍ والأعرَجُ وَثابِتٌ الأحْنَفُ وَهَمّامُ بْنُ مُنَبِّهِ وَأَبُو السُّدِّيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَوَوْة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التُّرابَ (3).
74 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو التَّيّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابن مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلابِ، ثُمَّ قالَ:"ما لَهُمْ وَلَها". فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الغَنَمِ، وقالَ:"إِذا وَلَغَ الكَلْبُ فِي الإِناءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرارٍ والثّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرابِ"(4).
(1) رواه البخاري (172)، ومسلم (279).
(2)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(226، 227)، والبيهقي 1/ 248. وانظر السابق.
(3)
رواية همام أخرجها مسلم (279)، ورواية أبي السدي أخرجها أبو عبيد في "الطهور" ص 265.
(4)
رواه مسلم (280، 1573).
قالَ أَبُو داوُدَ: وَهَكَذا قالَ ابن مُغَفَّلٍ.
* * *
باب الوضوء بسؤر الكلب
السُّؤرُ مَهمُوز وهو من الكلبِ والفأرة وغيرهما، كالريق من الإنسَان.
[71]
(ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قال: ثَنَا زَائِدَةُ - فِي حَدِيثِ هِشَامٍ - عَنْ مُحَمَدٍ) بن سيرين.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: طَهُورُ) بفتح الطاء هو المطَهِّر وبضمَّها الفِعلُ، هذا هو المشهُور (إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ) بفتح اللام في (1) الماضي والمستقبل جميعًا، وإنما فتحت اللام فيهما لحَرف الحلق وهو الغَين. والقاعدة في الفِعْل الثلاثي إذا كان صَحيح العَين واللام غَير مُضَاعَف وكانت العَين أو (2) اللام منه حَرف حَلق؛ كان الأكثر فيه فتح العَين مِنَ الماضِي والمُسْتقبل نَحو: ذَهب يذهب وَذبحَ يذبَحُ وكذلك إذا كانَ مُعتل اللام وكانت العَين حَرف حَلق؛ فإنهُ يكثر فتح العَين فيهِمَا نحو: سَعَى يسْعَى، وإن لم تكن العَين حَرف حَلق كان مضارعه (3) يفعِلُ بكسر العَين إن كانت اللام ياءً (4).
ومعنى وَلغَ: شرِبَ ما في الإناء بِطَرف لسَانه، ويَحتمل قوله "وَلغ" وجهين: أحَدهما: أن يكون فيه حَذف على أن يكون (5) المرادُ وَلَغ في
(1) في (ص، ل): وفي.
(2)
في (ص): و.
(3)
في (ص، ل): مضارعي.
(4)
كقولِكَ: سَرى يسرِي.
(5)
سقط من (د).
الشَّيءِ الذي في الإناء، والثاني: أن لا (1) يكُون فيه حَذفٌ، لأنهُ إذا وَلغ فيما في الإناء فقد وَلغ في الإناءِ، فكانَ الإناءُ ظرفًا لِوُلوغِهِ (2)، واستدل بلفظ (طهور) عَلى نجاسَة سُؤر الكلب، مِنْ حَيث إن لفظة طهور تستعمل إما عن (3) حَدث أو خبث، ولا حدث على الإناء بالضرورة فتعين الخبث.
واعترض على هذا بأن التيمم قد أطلق عليه طهور، وليس عن حَدث ولا خبث، إذ ليسَ يرفع الحدَث، وأجيب (4) بأن التيمم لا يلزم من كونه عن حدث أن يكونَ رافعًا للحَدث، وإذا كانَ لعَاب الكلب نجسًا (5) للأمر بغسل الإناء منه (6) ففمه نَجس؛ لأن اللعَاب منجلب (7) منهُ وجزء منه، فيلزم من نجاسَة عين (8) فمه نجاسةُ كلّهِ؛ ولأن لعَابه عرق فمه وهو نَجس فعرقُهُ كلهُ نجسَ؛ لأن فمه أطيب أعضائه، إذا كانَ العَرق نجسًا فبدنه كلهُ نجس؛ لأن العَرق منجلبٌ من جملة البدَنِ، وخارجٌ منه. وهذا بعد ثبوت أن نجاسَة الفم عَينية (9).
(فيه) أي: في الإناء، ومعلوم أنهُ لم يُباشر جَميع [ما فيه](10) بلسَانه،
(1) من (د، م).
(2)
في (م): لوقوعه.
(3)
في (م): من.
(4)
في (ص، س، ل): والخبث.
(5)
في (ص، س، ل): نجس.
(6)
في (ص، س، ل): فيه.
(7)
في (ص، ل): متخذ. وفي (س): منحد ر، وفي (م): منجر.
(8)
في (ص): غير. وسقط من (د).
(9)
في (م): عينه.
(10)
في (م): مائه.
فيدُل على أن حكم النجاسَة يتَعدى عن محلها إلى ما يجاورهَا بشرط كونه مائِعًا، ويدُل على نجاسَة الإناء الذي يتصل بالمائع النجس؛ للأمر بغسل الإناء وهو عَام فيما يَصل إليه لسَان الكلب وما لا يصل إليه، وهذا مُفَرَّعٌ على دلالة ظهور (1) النجاسَة، ولابدَّ من التخصيص في الأواني عندَ من يرى أن الغسْل للنجاسَة لا [تعبدًا، بما](2) إذا كان الماء الذي في الآنية دُون القلتين فيخص من عموم الأواني، ولما تعلق الحكم بالأواني، فمن قال بالتعبد (3) يخرج عنه كلُّ ما لا يُسمَّى إناءً كبقعةٍ من الأرضِ ويدِ إنسَانٍ مثلًا، ولا يتعدى (4) الحكم إلى ما لا يُسمى ولوغًا، كما إذا مسَّ اللعَاب ثوبًا أو جسدا أو متاعًا أو عَضَّ صيدًا أو وطِئَ برُطوبةِ بدَنِه أرضًا أو بِساطًا أو ثوبًا يابسًا.
(الْكَلْبُ) وخص بَعض المالكية (5) هذا الحكم بالكلب المنهي عن (6) اتخاذه دُون المأذون فيه، وأشار بعضهم إلى أنَّ هذا التخصيص مبني على حمل الألف واللام على العهدية أو على الجنس، فإن حمل على الجِنس فهذا التخصيص خلاف العُموم.
(أَنْ يُغْسَلَ) يَدخل في عُموم [مَا يغسل](7) ما كان الإناء فيه فخارًا
(1) زاد في (د): على.
(2)
في (ص، ل): يعتد إنما. وفي (م): تعبد إنما، هكذا في النسخ ولعل الصواب: لا يتقيد بما.
(3)
في (ص): بالتقيد.
(4)
في (د): تعدي.
(5)
"مواهب الجليل" 1/ 257.
(6)
في (م): من.
(7)
في (د): الغسل.
تَشَرَّبَ الماء أو فخارًا مُزجَّجًا (1)، أو كان زجَاجًا، ويدخل في الفخار ما كان تغُوص فيه النجاسَة أم لا، وقد حكم بطهَارته بالغسل من غير تفصيلٍ، وقد يجعَل كذلك لمسألة اختلف فيها، وهي أن الفخار إذا اتصل به نجس غَواص (2) كالخَمر هَل يطهر بالغسل، وكذلك ما يَناسبهُ مثل الزيتُون يُملَّحُ بماءٍ نجس، والقَمح ينقع بماءٍ نجس.
(سَبْعَ مِرَارٍ) فلو ولغ جماعة كلاب في إناء فهل (3) يغسَل سبعًا؟ فيه اختلاف عند الشافعية (4)، والمالكية (5)، وجمع الماوردي بين هاتين المسألتين؛ فحكى ثلاثة أوجه: الثالثُ: وهو قول بعض المتأخرين: إن كان تكرار الوُلوغ من كلبٍ واحد اكتُفِي فيه بِسَبْع، وإن كان من كلاب وجب أن يُفرَدَ (6) ولوغ كل كلب بسبع.
قال: ولا أعرف (7) بينهما فرقًا، والأصح هو الوجه الثاني، يريد قول أبي العَباس بن سُرَيج وأبي إسَحاق المروزي وأبي عليِّ بن أبي هريرة، أنه يغسل من جَميع وُلوغه سَبعًا (8).
وعلل الماوردي ذلك: بأن الأحداث لما تداخل بَعضُها في بعض،
(1) في (ص، س، ل، م): فخار مزجج.
(2)
في (م): عوام.
(3)
في (م): قيل.
(4)
"روضة الطالبين" 1/ 32.
(5)
" الذخيرة" 1/ 181.
(6)
في (ص، س، ل، م): يعدد.
(7)
في (م): نعرف.
(8)
"الحاوي الكبير" 1/ 310 - 311.
كان تداخل الوُلوغ أولى بالتداخل من الأحداث، وهذا يرجع إلى التعليل بأمر خارج عن اللفظ الذي ورد (1) في هذا الحَديث، وأما الدلالة من هذا الحَديث فالألف واللام إن حَملناها على تعريف الحقيقة اقتضى ذلك تكرار الغسْل عند تكرر الوُلوغ من كل واحد؛ لوجُود الحقيقة في كل مرة (2) ولا يجب على تقدير حملها على الاستغراق، بمعنى (3) ثبوت الحكم في كل فرد؛ لأنه لو قيل: إذا ولغ كل كلب فولغ كلب مرَّة لم يدخل اللفظ الذي هو كل كلب وُلوُغه مرة ثانية من واحد، وإذا حملناه على الاستغراق بمعنى ثبوت الحُكم في كل مرة (4)، لزم تكرار الغسل عند وُلُوغ جماعة من الكلاب، ولا يلزم عنه تكرار الولوغ.
(أولهن بِتُرَابٍ) ورواية الخَطيب: بالتراب، اختلفت الروايات في تعيين مرة التَّتريب [فهنا في] (5) هذا الحَديث:"أولهُن". ورواية مُسلم: "أولاهن"(6)، وفي رواية بعدها:"السَّابعة"، وفي أخرى:"الثامنة"(7).
قال الظاهري: تعين الأولى، قال: وكل واحد لا يختلف معناهُ؛ لأن الأولى هي بلا شك إحدى الغَسلات، ومن جَعَل آخرهن فقد خَالف
(1) في (م): أورد.
(2)
في (م): فرد.
(3)
في (م): يعني.
(4)
في (م): فرد.
(5)
في (م): فينافي.
(6)
"صحيح مسلم"(279)(91).
(7)
"صحيح مسلم"(280)(93).
المحَدث في ذلك، ومن جَعل أخراهن (1) فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحل (2)، وهذا في التراب الطَّاهِر، فإن كانَ التراب نجسًا؛ ففيه للشافعية وجهان (3)، قيل: يُكتفى به لمنافاة النجس لبدلية (4) الماءِ بالترابِ.
(وكذَلِكَ قَالَ أَيُّوبُ) ابن أبي تميمة كيسَان السَّختياني (وَحَبِيبُ بْنُ الشهيد)(5) الأزدي توفي سنة (6) 145) عَنْ مُحَمَّدٍ) (7) بن سيرين.
[72]
(ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا المُعْتَمِرُ يعني: ابن سُلَيْمَانَ) بن طرخان البصري التيمي، ولم يكن من بني تيم بل نزل فيهم فنُسب إليهم، قيل يوم مات سنة (8) 187: مات اليوم أعبد الناس.
(ح وثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بن حساب (9) بالحاء والسين المهملتين والموحدة آخره، الغبري البَصري شيخ البخاري، قال:(ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ جَمِيعًا) منُصوب على الحَال.
(عَنْ أَيُّوبَ) بن أبي تميمة، (عَنْ مُحَمَّدٍ) بن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
(1) في (ص): إحداهن، وفي (س): آخرهن
(2)
"المحلى" لابن حزم 1/ 110 - 111.
(3)
"الشرح الكبير" 1/ 68.
(4)
في (د): لمدلول.
(5)
في (ص): السهيل.
(6)
ليس في (د، م).
(7)
سبق تخريجه.
(8)
ليس في (د، م).
(9)
في (م): حسان.
بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ) أي: المعْتمر وحماد (1)، بل وقفاهُ و (زَادَ) في هذِه الرواية (وَإذَا وَلَغَ) فيه استعمال الوُلوغ في شرب الهرَّة خلافًا لمن خصَّهُ بالكلب.
قال القاضي أبو بكر بن العَربي: الوُلوغ للسِّباع والكلاب كالشرب لبني آدم، ولا يُستعمل الوُلوغ للآدمي، ويقال: ليس شيء من الطيور يلَغُ غير الذبَاب (2).
(الْهِرُّ) هو الذكر، والأنثى هرَّة. قال ابن الأنباري: الهرُّ يقع على الذكر والأنثى، وقد يدخلون الهَاء في المؤَنث، وتصغير الأنثى هريرَة وبها كني الصَّحَابي المشهور (3).
(غُسِلَ مَرَّةً)(4) أخذ بظاهره ابن المسيب وابن سيرين فقالا: يغسل الإناء من وُلوغ الهرِّ مرة (5)، وحملهُ أبو حَنيفة وابن أبي ليلى على الكراهة (6)، وكذا كرههُ ابن عمر رضي الله عنهما (7)، وعن طاوس: يغسل الإناء من وُلوغ الهرَّة (8)، ومذهبنا أن سُؤرَ الهرِّ طاهر غير
(1) في (ص، س، ل، م): وجماعة.
(2)
"طرح التثريب" 2/ 128.
(3)
"المصباح المنير" للفيومي 2/ 637.
(4)
أخرجه أبو عبيد في "الطهور"(ص: 267) موقوفًا.
(5)
"مصنف عبد الرزاق"(345) قال ابن المسيب: يغسل مرة أو مرتين، وقول ابن سيرين عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(342).
(6)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 159.
(7)
"مصنف عبد الرزاق"(340).
(8)
"مصنف عبد الرزاق"(343). قال طاوس: بمنزلة الكلب يغسل سبع مراتٍ.
مكرُوه، وكذا سؤر جَميع الحيوانات من الخَيل والبغال والحَمير والسِّباع والفأر والحيَّاتِ وسَامِّ أبرَصَ، وسائر الحيَوانات المأكولة وغَير المأكولة، سؤرُ الجميعِ وعرَقُها (1) طاهِر إلا الكلبَ والخنزيرَ وفرعَ أحدِهما (2).
وحكى الماوردي مثل مذهبنا عن عمر وعلي وأبي هريرة والحسَن البَصري وعطاء (3)، وأجابَ الشافعي وغَيره عن هذا الحديث: بأنَّ الغسْل من ولوغِ الهرِّ مدرج في الحَديث من كلام أبي هريرة موقوفًا عليه، كذا قاله الحُفاظ، وقد بين البيهقي وغيره ذلك (4)، ولفظ البيهقي في روايته (5):"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه (6) الكلب أن يغسَل سَبع مرات أولاهُن بالتراب". ثم ذكر أبو هريرة الهِرَّة: لا أدري قال مرة أو مرتين (7)، لكن قد قال الطحَاوي (8) بعدما ذكر حَديث قرَّة بن خالد: ثنا (9) محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"طهوُر الإناء إذا ولغ فيه الهرُّ أن يغسل مرة أو مرتين" ورواهُ عن أبي بكر، عن أبي عاصم، عن قرة.
(1) من (د) ".
(2)
"المجموع" 1/ 172 - 173.
(3)
"الحاوي الكبير"1/ 317.
(4)
"المجموع" 1/ 175.
(5)
في (م): رواية.
(6)
في (ص، د، س، ل): فيهن.
(7)
"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 247.
(8)
"شرح معاني الآثار" 1/ 19 - 20.
(9)
في (ص، د، س، ل): حدث. وفي (م): حديث.
وقال: هذا حَديث مُتصل الإسنَاد فيه خلاف ما في الآثار الأُوَلِ -يَعني: الآثار التي فيها الوُضوء من سُؤر الهرِّ- قال: وقد فَصَّلها هذا الحديث بصحة إسنَاده، فإن كانَ هذا الأمر يُؤخذ من (1) جهة الإسنَاد كانَ القَول بهذا أولى من القَول بما خالفه، قال: فإن قال قائل فإن (2) هشَام بن حسَان قد روى هذا الحديث عن مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فلم يرفعهُ، ثم أسند الطحاوي الخَبَر من هذِه الجهة إلى أبي هريرة (3)، قال: سُؤر الهر يهراق (4)، ويغسل الإناء منهُ مرَّة أو مرتين، رواه من حديث أبي بكرة (5)، عن وهب بن جرير، عن هشام، ثم قال: فثبت اتصال حَديث أبي هريرة مع ثبت قوة بضبطه وإتقانه، ثم قال: وثنا إبراهيم، عن يحيى بن (6) عتيق، عن مُحَمَّدِ بْن سِيرِينَ: أنه كانَ إذا حدَّث عن أبي هريرة فقيل لهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانَ يفعل ذلك؛ لأنَّ أبا هُريرة لم يكن يُحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم فأغناه ما أعلمهُم من ذلك في حَديث إبراهيم بن أبي داود أن يرفع كل حَديث يرويه لهم محمد (7) عنهُ.
قال ابن دقيق العيد: ولعل هذا الحديث مَحمول على النَّدب وهو
(1) في (د): عن.
(2)
في الأصول الخطية: كان.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 20.
(4)
في (م): يراق.
(5)
في الأصول الخطية: هريرة.
(6)
في (ص، س، ل). عن.
(7)
من "شرح معاني الآثار".
خلاف الظاهر، يحتاج فيه إلى دليل، فإن جعل دليله:"إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافِين عليكم" فينظر في الترجيح بيَن السَّنَدين.
[73]
(ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذَكي، قال:(ثَنَا أَبَانُ) بن (1) يزيد العَطار البصري تقدَّم، قال:(ثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حدثه (2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا وَلَغَ) وقوع اللعَاب في الإناء مساوٍ للولوغ في حُكم النجاسة؛ لأنَّهُ في معناهُ، والظاهري لا يرى بالغسل إذا وقع اللعَاب في الإناءِ من غير ولوُغ (3) وهذا زيادة في التعبد على [ما في](4) الغسل.
(الْكَلْبُ) خصّص بَعض المالكية الحكم بالكلب المنهي عن اتخاذه دُون المأذون فيه (5)، وأشارَ بَعضهم إلى أن هذا التخصيص [مبني على](6) حمل الألف واللام على العَهدية أو على الجنس، فإن حمل على الجنس، فهذا التخصيص خلاف العموم، وحمله على العَهد يحتاج إلى أمرين:
أحَدهما: أن يثبت تقدم النَّهي من [اتخاذ الكلاب على هذا الأمر بالغسل من ولوغها. الثاني: أنه وإن تقدم فلابد من قرينة ترشد إلى أن المراد هذا المنهي عن](7) اتخاذه ولا يكفي مجرد تقدم (8) النَّهي.
(1) و (2) من (د، م).
(3)
"المحلى" لابن حزم 1/ 109.
(4)
في (ص، س، ل): ما. وفي (م): ماء.
(5)
"مواهب الجليل" 1/ 257.
(6)
في (ص، س، ل، م): من.
(7)
و (8) سقط من (ص، س، ل، م).
(فِي الإِنَاءِ) الحكم إذا علق على شيء لم يثبت إلا بحقيقةِ ذلكَ الشيءِ وتيقن (1) وجود ما علق الحكم عليه، فإن وقع شك مع تساوي الطَّرفَين فلا ثبوت، كما إذا وَلغ حَيَوان، ولم يتحقق كونه كلبًا لا يجبُ غسله إلا أن يذهب إليه من يرى الاحتياط عند الشَّك، وكذا لو تحقق كونه كلبًا ولم يتحقق الوُلوُغ، كما لو أدخل فيه في الإناء ثم أخرجَهُ ولم تقم قرينة على وُلوغه مثل ابتلال فيه، فإن وقعت قرينة بغلبةٍ للظن بوُلوُغه، فهل (2) يجعَل كالتحقيق فَيترتب عليها الحُكم كما إذا أَدْخَل فمه في الإناء ثم أخرجَهُ مُبْتَلًّا؟ فقد حكى الماوردي (3) وجهين: أحدهُما: ينجس؛ لأن رُطوبَة فيه شَاهدة على ولوغه، فصار كنجاسَة وقعت في ماء كثير ثم وُجد مُتغيرًا ولم يعلم هَل (4) تغير بالنجاسة أم بغَيرها حُكِمَ بنجاسته تغليبًا لتغيره بها (5).
والثَّاني: قال: (6) وهو الأصح أن الماء طَاهِر؛ لأن طهَارته يقين ونجاسَته شك، والماء لا ينجس بالشك، وليست رُطوبة فيه شاهدًا قطعًا لاحتمال أن يكون من لعابه أو من ولوغه في غيره، وليس كالنجاسَة الواقعة في الماء؛ لأن لوُقوع (7) النجاسَة تأثيرًا في الماء.
(1) في (م): ويبقى.
(2)
في (م): قيل.
(3)
"الحاوي الكبير" 1/ 315.
(4)
في (م): هذا.
(5)
من (د).
(6)
من (د).
(7)
في (م): لولوغ.
ومما يُوجب غلبة الظن إخبَار العَدل عن الوُلوُغ في الماء؛ فإنهُ يَجْري مجْرى اليقين (1)، لوُجُوب قَبُول خَبره، فيثبت (2) الوُلوُغ فيترتب الحُكم.
(فَاغْسِلُوهُ) الغسْل المأمور به يحمل على مطلقه على الغسْل بالماء كما يُحمل مُطلق قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (3) وغيره على ذلك، وقد صَرح به جَماعة هَاهُنا، وقالوا: المعنى فليغْسله بالماء، واختلفوا (4) في هذا الغسْل هل هو على الوجوب أم لا؟ فظاهر الأمر الوُجُوب، وبه قال الشافعي (5)، وعن مالك قول يحمله على الندب (6)، ويمكن توجيهُه بأن الأمر يصرف عن ظاهره إلى النَّدب بقرينة أو أمر خَارج، ويجعَل قيام الدَّليل عنده على طهارة الكلب سببًا لصَرفه عن الظاهِر، والضَّمير الذي في اغسلوهُ مُلْغى الاعتبارِ بخصوُصِهِ في هذا الحُكم؛ لأن واو الضَمير لا تدُل على أن المالك للإناءِ هو الغَاسِل، ولا من أذن لهُ بل إذا صُب المطر على الإناء، ونزل من غير قصد قاصد طهر؛ لأن إزالة النجَاسَة (7) لا تفتقر إلى قصد ولا نيَّة خلافًا لبَعْض الشافعيَّةِ (8) وغيرهم.
(1) في (ص): التغير.
(2)
في (ص): فتبين. وفي (س): سبب.
(3)
المائدة: 6.
(4)
في (ص، س، ل) واختلف.
(5)
"الأم" 1/ 45، "الحاوي الكبير" 1/ 306.
(6)
المدونة" 1/ 115، "مواهب الجليل" 1/ 253.
(7)
في (د): النجاسات.
(8)
"المجموع" 1/ 311.
(سَبْعَ مِرارٍ) رواية الخَطيب: "سَبْع مَرات" يُؤخذ منهُ الأمر بعدَد السَّبع، وذلك يقتضي أن لا يقع الامتثال [بما دونها، والحنفية (1) يخالفون فيه، ولا يقولون بتعيين السبع، واعتذروا عن هذا بمخالفة أبي هريرة: في فتواه، وذكر الطحاوي في "شرح الآثار" عن أبي نعيم، حدّثنا عبد السلام بن حرب، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة في الإناء يلغ فيه الهر أو الكلب. قال: يغسل ثلاث مرات (2). فثبت بذلك نسخ التسبيع؛ لأنا نحسن الظن بأبي هريرة، ولا نتوهم عليه أنه يترك ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى مثله، وإلا سقطت عدالته، فلم يقبل قوله ولا روايته (3).
(السابعة) بالنصب بدل من سبع قبله، وهو بدل بعض من كل (بالتراب) لما كان الأمر ها هنا متعلقًا بالتراب، وجب ألا يقع الامتثال] (4) إلا به؛ لأنه لا خروج عن العهدة إلا بفعل المأمور به والأمر متعلَّقُهُ التراب، نعم لو قال قائل: إذا ولغ في كف إنسان لم يجب غسلهُ بالتراب مستندًا (5) في ذلك إلى المفهوم ودلالته فيقال لهُ: جَوَاب ما ذكرت أن محَل الحكم هَاهنا هو الإناء وهو لقب لا يدل على نفي الحكم عما عَدَاهُ والأرض الترابية إذا نُجِّسَت (6) بإصَابة
(1)"المبسوط" 1/ 154 - 155.
(2)
أخرجه الدارقطني أيضًا في "سننه" 1/ 66، وقد رجح الحافظ وغيره خطأ عبد الملك العرزمي في هذِه الرواية. انظر:"فتح الباري" 1/ 277.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 23.
(4)
سقط من (ص، س، م).
(5)
في (ص، ل): مسندًا.
(6)
في (د): تنجست.
الكلب إياهَا هَل يحتاج في تطهيرها إلى إصَابة تراب آخر؟ وهو الأصحُ عند الشافعية (1).
(قال أبو داود: وأما أبُو صَالح) ذكوان السَّمَّان ويقال: الزيات (2) الغطفاني (وأبو رزين) مسْعود بن مَالك مولى أبي وائل الكوفيِّ (و) عَبد الرحمن بن هرمز.
(الأعرَج، وَثَابِتٌ) بن عيَاض مَولى عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (الأَحْنَفُ) أخرج له الشيخان.
(وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّه وَأَبُو السُّدِّيِّ) بضَم السِّين المُهملة (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) كانَ يقعد (3) بسدة باب الجَامع بالكُوفة.
(رَوَوْهُ) جميعًا (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ولمْ يَذْكُرُوا) في روايتهم (التُّرَابَ) وفي رواية الطبرَاني من طريق الجارود: إحداهن بالبطحاء (4).
[74]
(ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَل) قال: (ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطان (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجاج العتكي، قال:(ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ) يزيد بن حميد البَصري أحد الإعلام.
(عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ) عبد الله (ابْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلَابِ).
قال الإمَام أبو المعَالي إمَام الحَرمين: الأمر بقتل الكلاب منسُوخ،
(1) في (ص، ل، م): الشافعي، "الشرح الكبير" 1/ 68.
(2)
في (ص): الريان.
(3)
في (ص): يعقد.
(4)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(7899).
قال: وقد صَح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرة، ثم صَح أنهُ نَهَى عن قتلها، قال: واستقر الشَّرع عليه، وأمر بقتل الأسود البَهيم، وكان هذا في الابتداء، وهو الآن منسوخ. هذا كلام إمَام الحرمَين (1)، ولا مزيد على تحقيقه. قال القرطبي: وأمرهُ بقتل الكلاب لما كثرت و (2) أكثر ضررها، ثمُ لما قلت وذهب ضررها، أنكر قتلها (3).
(ثُمَّ (4) قَالَ: مَا لَهُمْ وَلَهَا) رواية مُسلم: "ما بالهم وبال الكلاب"(5)، ويحتمل أن يكون قال ذلك ليقطع عنهم عادَة إلفتهم لها؛ إذ كانوا قد ألفوها ولابسوها كثيرًا، فلما تركوها نهى عن القَتل قال:"ما بالهم وبالها".
(فَرَخَّصَ) لهم (فِي) اقتناء (كَلْبِ الصَّيدِ) واتخاذه والرخص لا تتعدى إلى غَيرها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرُم اقتناء الكلب لغَير حَاجَة، مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للتفاخُر به فهذا حَرام بلا خلاف، وأما الحَاجَة التي يجُوز الاقتناء لها فقد ذكر في الحَديث الاقتناء لأحد ثلاثة أشياء وهي الصَّيْد (وَفِي كلْبِ الغَنَمِ) الذي (6) يتخذ لحفظ الموَاشِي، وكذا للزرع وحِراسة الدُّور وفي السَّفَر.
قال القرطبي: وغير هذِه -أعني الثلاثة- لا تتخذ، وإن لم يقتل، وهو
(1)"نهاية المطلب" 5/ 494.
(2)
ليست في (ص).
(3)
"المفهم" للقرطبي 1/ 540.
(4)
زاد قبلها في (د): فقال.
(5)
"صحيح مسلم"(280).
(6)
في (ص، د، س، ل): التي.
الذي من اتخذه نقص من عمله كل يوم قيراط لما يروع ويؤذي (1). وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم](2): "لولا أن الكلاب أمة من الأمم أمرتُ بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم، و (3) من اقتنى كلبًا لغَير صَيد، ولا زرع، ولا غَنَم أوى (4) إليه كل يوم قيراط من الإثم مثل أحُد"(5).
واختلف أصحَابنا في اقتناء الكلب لحَراسَة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليُعَلَّمَ، فمنهم من حَرَّمَه؛ لأن الرخصَة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم مَن أباحهُ وهو الأصَح؛ لأنَّهُ في مَعناها، واختلفوا أيضًا في من اقتنى كلب صَيد وهو رَجُل لا يصِيدُ.
(وَقَالَ: إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ) ألحق أحمد في رواية عنه سائر النجاسَات بنجاسَة الوُلوغ في اعتبار العَدَد فيها، وإذا قيل بها ففي قدرِهِ (6) روَايتان ثلاث وسبع (7). وقال الخرقي من الحنابلة: وكُل إناء حلت فيه نجاسَة مِن وُلوُغ كلب (8) أو بول أو غيره؛ فإنَّه يغسَل سبعًا إحداهن بالتراب (9).
(1)"المفهم" 1/ 540.
(2)
من "المعجم الأوسط".
(3)
ليست في (س، م).
(4)
في (د، س): أدى.
(5)
"المعجم الأوسط"(7899) من طريق الجارود، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن علي.
قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 286: الجارود لم أعرفه.
(6)
من (د، ل، م).
(7)
"الكافي في فقه الإمام أحمد" 1/ 167.
(8)
في (م): الكلب.
(9)
"مختصر الخرقي" 1/ 12.
وقال القاضي: منهم الظاهر من قولَي أحمد ما (1) اختارهُ الخرقي، وهو وجُوب العَدد في سائر النجاسَات (2)، وإيجاب العدَد والتتريب (3)، قياسًا على الوُلوُغ، وهذا إنما يصح إذا ألغى (4) الفارق بين نجاسَة الكلب وغَيره وهو غِلَظُ النجاسَةِ.
(فِي الإِنَاءِ) الإناء عَام فيدخُل فيه إناء الطعَام، وإناء الماء، ولمالك رحمه الله قول أنهُ لا يغسل إلَّا إناءُ الماء دون إناء الطعَام، قال في "المدونة": إن كان يغسل سبعًا للحَديث ففي الماء وحدهُ (5)، وقد وُجِّهَ ذلك بأمرين:
أحَدهما: أنه مَبني على تخصيص العَام بالعُرف والعُرف أن الطعَام محفوظ مِنَ الكلاب مَصون عنها (6) لعزَّته عندَ العَرب، فلا يكادُ الكلب يصل إلا إلى آنية (7) الماء، فيقيَد اللفظ بذَلك.
الثاني: أن في رواية "فليرِقهُ وليغسلهُ (8)، سبْع مَرات (9) " والطَّعَام لا يجوُز إراقته، لحرمَته ولنَهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعَة المال.
(فَاغسِلُوهُ) الضَّمير عائد إلى الإناء أعني: ضَمير المفعُول، والإناء حقيقة في جملته، واختلفوا في هذا الأمر هل هو [على الوجُوب](10) أم لا؟ فظاهر الأمر الوُجُوب، وبه قال الشافعي (11)، وعن مالك قول
(1) ليست في (س، م).
(2)
"المغني" 1/ 76.
(3)
في (م): التراب.
(4)
في (م): أنقى.
(5)
"المدونة": 1/ 115.
(6)
في (م): منها.
(7)
من (د، س، ل، م).
(8)
في (م): وبغسله.
(9)
في (د، س، ل، م): مرار.
(10)
في (م): للوجوب.
(11)
"الأم" 7/ 348.
بحملهِ على النَّدب (1)، ويمكن توجيهه بأن الأمر يصرف عن ظاهره إلى النَّدب بقرينة، واختلفوا [هَل هذا الأمر](2) تعبدي لا يعقل مَعناه أو مُعلل فالذين (3) عَللوهُ اختلفوا في العِلة، فقيل: النجاسَة، وقيل: علته أنهم نُهُوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فعلل عَليهم بذَلك، والمالكية استدلوا على كونه [تعبدًا بأمرين](4)
أحدهما: دُخول عدد السَّبع فيه، ولو كانَ للنجاسَة اكتفي فيه بمرَة واحِدَة.
والثَّاني (5): جَواز أكل ما صَادَهُ الكلب من غير غسْل، وزاد بعضهم وجهًا ثالثًا وهو دُخول التراب، وقال: غسْل النجاسَة لا مدْخَل للتراب فيه.
(سَبْعَ مِرَارٍ) هذا الحكم يتعَلق بوُلوُغ الكلب، وهل يُلحق به الخنزير في عَدَد الغَسَلَات سبعًا فعن مَالك (6) والشَّافعيّ لا يثبت القول بعدم الإلحاق وذكر المزني عن الشافعي: أنه احتَج بأن الخنزير أسوأ حالًا من الكلب فقاسَهُ عليه (7).
(و) في (الثامِنَةً عفره)(8) رواية الخَطيب: "عَفروهُ"(بِالتُّرَابِ) نقل عن
(1)"الكافي" لابن عبد البر 1/ 158.
(2)
في (م): في هذا الأمر هل هو.
(3)
من (د، س، ل، م).
(4)
في (ص، د): تعبدًا باثنين، وفي (م): متعبدًا بأمرين، وفي (ل): مقيدًا بأمرين.
(5)
في (ص، د، س، ل): والثانية.
(6)
"المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد 1/ 92.
(7)
"الأم" 1/ 45 - 46، "الحاوي الكبير" 1/ 315.
(8)
في (م): عفروا.
الحسَن أنه قال به -أعني: بالغسلة الثامنة- وهو قول عن أحمد (1)، وإحدَاهُن بالتراب ويقوي (2) القول به بأنه زيادة على ما في حديث أبي هُريرة، والأخذ بالزائد مُتَعين، لاسيَّما وقد رواهُ مُسلم، والاعتذار الذي يعتذر به عنهُ وجهَان:
أحدهما: ما نقل [عَن الشافعي](3) رحمه الله قال: هو حَديث لم أقف على صِحته، وروايته مُضطربة، ولذلك لم يأخُذ بها مَالك ولا أحَد من أصحابه، وعلى تقدير صحته هو محمُول على أمرين، إما أن يكون جَعلها ثامنة؛ لأن التراب جنس غير الماء فجَعَلَ اجتماعهما في المرة الوَاحدة معدودًا باثنين (4)، وإما أن يكُون محمُولًا على أن من نسي استعمال التراب في السَّبع فيلزمهُ أن يعفره (5) ثامنة، وهذان (6) التأويلان مُستكرهان مخالفان (7) للظاهر مخالفة ظاهرة؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم:"فاغسلوه سَبع مَرات". ذِكْرُ السبع فيه لبيان عَدَد الغسَلات التي دَل عليها قَوله صلى الله عليه وسلم: "فاغسلوهُ". وقوله: "وعَفروهُ الثامنَة بالتراب" إما أن يحافظ فيه على معنى الغسْلة كما هو في سَبْع مَرات كأنهُ قيل (8): الغسلة الثامنة بالتراب أولًا فإن حُوفظ على ذلك فألقى (9) التراب في الماء لا يُطلق عليه غسلة، وإن كانَ التعفير بأن يذُرَّ التراب على
(1)"مسائل أحمد رواية عبد الله"(25، 26)، "المغني" 1/ 73.
(2)
في (ص): ويعزي.
(3)
في (د): أن للشافعي. وفي (س، ل): أن الشافعي.
(4)
في (د، س): باثنتين.
(5)
في (ص): يعقده.
(6)
في (ص، ل): هذا.
(7)
في (م): يخالفان.
(8)
في (م): قيد.
(9)
في (د): فإلقاء.
المحَل فاللفظ (1) لا يقبله أصلًا، وإن لم يحَافظ على مَعنى الغسلة كأنهُ قيل: الفعلة (2) الثامنة. وقوله: "وعفروهُ الثامنة بالتراب" ظاهر في كونها غسلة ثامنة.
وأمَّا التأويل وهو حمله على من نسي استعمال التراب في السَّبع فبعيد جدًّا؛ لأنَّهُ حمل اللفظ العَام الواردِ على غير سبب خَاص؛ لأجل تأسيس قاعدة (3) شرعية على أمرٍ نَادِرٍ عَارِضٍ، وهو من التأويلات البعَيدة المردُودة، كما عرف في الأصول، وبه تردّ الشَّافعية على الحنفية في حملهم الحَديث الدَّال على اعتبار الوَلي في النكاح على المكاتبة، وأمَّا ما ذكرهُ الطحَاوي (4) من [أنه يقتضي](5) التتريب في السَّابِعة عملًا بحَديث السَّبع، وفي الثامنة عملًا بحديث ابن المُغفَّلِ أخذًا بالزائد، فإن لم يقم (6) إجماع على عَدَم وجُوب ذلك، وإلا فهو قول يحتاج إلى رده بطريقة. قالهُ ابن دقيق العيد (7).
* * *
(1) في (ص، ل، م): واللفظ.
(2)
في (م): الغسلة.
(3)
في (م): قواعد.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 23.
(5)
في (ص، س، ل): أنه. وفي (م): أن.
(6)
في (ص): يتم.
(7)
"فتح الباري" 1/ 333.