الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: مكانة "السنن" وثناء العلماء عليه
يأتي كتاب "السنن" لأبي داود في المنزلة الثالثة بعد الصحيحين، فقد عوَّل كثير من أهل العلم على ما دونه فيه من أحاديث وآثار، وقد تميزت "سنن أبي داود" عن باقي "السنن" بثلاث ميزات رئيسية:
الأولى: علو إسناده؛ فقد لحق أبو داود الكبار، وشارك البخاري ومسلما في كثير من شيوخهما، وبعد الترمذي، والنسائي (1) من تلاميذه، بل إن الإمام أحمد روى عنه حديثا واحدًا (2) كما سبق بيانه في مبحث الشيوخ والتلاميذ.
الثانية: كونه عُني بالمسائل الفقهية وتتبعها مستدلا لها بالأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين.
قال الخطابي: وقد رزق القبول من الناس كافة فصار حكما بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فلكل فيه ورد ومنه شرب (3).
وقال أيضا: وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه، ولا متأخرا لحقه فيه (4).
الثالثة: كون أسانيده نظيفة في الجملة، فقد خلا من كثير من الرواة المتهمين الذين وجدوا في كتب "السنن" الأخرى، قال الذهبي: انحطت
(1) انظر: "تهذيب الكمال" 11/ 360، "السير" 13/ 205.
(2)
انظر: "تاريخ بغداد" 9/ 57.
(3)
"معالم السنن" 1/ 11.
(4)
"معالم السنن" 1/ 13.
رتبة "جامع الترمذي" عن "سنن أبي داود"، والنسائي لإخراجه حديث المصلوب، والكلبي، وأمثالهما (1).
وقال أيضا عن كتاب الترمذي (2): وهو أحد أصول الإسلام لولا ما كدره بأحاديث واهية بعضها موضوع، وكثير منه في الفضائل.
وقد أثنى عليه كثير من العلماء لاسيما في جانبه الفقهي، واختصاصه بأحاديث الأحكام، وسنذكر هنا شيئًا من ثناء العلماء عليه:
قال ابن الأعرابي: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة (3).
وقال الخطابي: اعلموا رحمكم الله أن كتاب "السنن" لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مِثْلُه، وقد رزق القبول من الناس كافة، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على أختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ورد، ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض، فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفا، وأكثر فقها، وكتاب أبي عيسى أيضًا كتاب حسن (4).
وقال زكريا بن يحيى الساجي: كتاب الله عز وجل أصل الإسلام، وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام (5).
(1) كما في "تدريب الراوي" 1/ 187.
(2)
"السير" 13/ 274.
(3)
"معالم السنن" 1/ 12.
(4)
"معالم السنن" 1/ 10.
(5)
انظر: "تاريخ دمشق" 7/ 547.
وقال الحافظ محمد بن مخلد الدُّوري العطار: كان أبو داود يفي بمذاكرة مئة ألف حديث، فلما صنف كتاب "السنن" وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهلُ زمانه بالحفظ والتقدم فيه (1).
وقال الحافظ أبو القاسم خلفُ بنُ القاسم الأزدي الأندلسي، وقد سُئِل: أيهما أحبُّ إليك كتاب البخاري أو كتاب أبي داود؟ قال: كتاب أبي داود أحسنُهما وأملحهما (2).
وقال الحافظ محمد بن إبراهيم بن سعيد المعروف بابن أبي القراميد: خير كتابٍ ألف في "السنن" كتاب أبي داود السجستاني (3).
وقال الإمام الغزالي: كتاب أبي داود كافٍ للمجتهد (4).
وقال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي: وكتاب أبي داود أحدُ الكتب الخمسة التي اتفق أهلُ الحل والعقد من الفقهاء والحفاظ على قبولها والحكم بصحة أصولها.
وقال: وكتابُ "السنن" له صِيت في الآفاق، ولا يُرى مثلُه على الإطلاق (5).
وقال الحافظ المنذري: كتاب "السنن" للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني أحدُ الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظُ مُصنِّفه
(1) أبو طاهر السِّلَفي في مقدمته على شرح الخطابي "معالم السن" المطبوعة في آخر الكتاب 4/ 357.
(2)
و (3) ابن خير في "فهرسته"(ص 107).
(4)
السخاوي في "فتح المغيث" 1/ 75، وهو بمعناه في "المستصفى" للغزالي 2/ 351.
(5)
أبو طاهر السلفي في "مقدمة شرح الخطابي" 4/ 362.
وإتقانُه، وتقدُّمُه محفوظٌ عن حفاظ الأمصار، وثناءُ الأئمة على هذا الكتاب وعلى مصنفه مأثورٌ عن رواة الآثار (1).
وقال الإمام النووي: وينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بـ "سنن أبي داود" بمعرفته التامة، فإن معظم الأحاديث التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتنائه بتهذيبه (2).
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره (3).
وقال الإمام القاسم بن يوسف التجيبي: وهذا الكتابُ هو كتابُ الفقهاء أصحاب المسائل، لأنهم يجدون فيه ما يحتاجون إليه في كل باب من أبواب الفقه، مما يشهد لهم بصحة ما ذهبوا إليه، وليس يوجد في كتب السنة مثله في هذا الفن، وقد احتوى من أحاديث الأحكام على أربعة آلافٍ وثمان مئة على الأصح، انتقاها من حديث كثير (4).
وقال الإمام ابن قيم الجوزية: ولما كان كتاب "السنن" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصَّه الله به، بحيث صار حكمًا بين أهلِ الإسلام، وفصلًا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن
(1) في مقدمة "مختصر سنن أبي داود" 1/ 4 - 5.
(2)
في كتابه "الإيجاز في شرح سنن أبي داود"، شرح فيه قطعة من "السنن" ولم يتمه، وهي مطبوعة بتحقيق الشيخ/ حسين عكاشة.
(3)
السيوطي في "تدريب الراوي" 1/ 170.
(4)
في "برنامجه"(ص 97).
نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، وإطِّراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء (1).
وقيل: إن الإمام أبا داود قد صنف كتابه قديمًا، وعرضه على الإمام أحمد فاستجاده واستحسنه (2).
وأثنى عليه الحافظ ابن حجر ضمن قصيدة مدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال:
مثل البخاري، ثم مسلم الذي
…
يتلوه في العليا أبو داودا
فاق التصانيف الكبار بجمعه الـ
…
أحكام فيها يبذل المجهودا
قد كان أقوى ما رأى في بابه
…
يأتي به ويحرر التجويدا
فجزاه عنا الله أفضل ما جزى
…
من في الديانة أبطل الترديدا
ثم الصلاة على النبي وآله
…
أبدًا إلى يوم الجزا أبيدا (3)
(1) في "تهذيب سنن أبي داود" 1/ 8.
(2)
الخطيب البغدادي في "تاريخه" 9/ 56.
(3)
"ديوان الحافظ ابن حجر"(ص 104 - 105).