الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
43 - باب أَيُصَلِّي الرَجُلُ وَهُوَ حاقِنٌ
؟
88 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأرْقَمِ أَنَّهُ خَرَجَ حاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ النّاسُ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ، فَلَمَّا كانَ ذاتَ يَوْمٍ أَقامَ الصَّلاةَ، صَلاةَ الصُّبُحِ، ثُمَّ قالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ. وَذَهَبَ الخَلاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الخَلاءَ وَقامَتِ الصَّلاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالخَلاءِ"(1).
قالَ أَبُو داوُدَ: رَوى وُهَيْبُ بْنُ خالِدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحاقَ وَأَبُو ضَمْرَةَ هذا الحَدِيثَ، عَنْ هِشامِ بْنِ عروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَرْقَمَ. والأكثَرُ الذِينَ رَوَوْهُ عَنْ هِشامٍ، قالُوا كَما قالَ زُهَيْرٌ.
89 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ وَمحَمَّدُ بْن عِيسَى - المعْنَى - قالُوا: حَدَّثَنا يحيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قالَ ابن عِيسَى فِي حَدِيثِهِ: ابن أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ اتَّفَقُوا: أَخُو القاسِمِ بْنِ محَمَّدٍ - قالَ: كُنّا عِنْدَ عائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعامِها، فَقامَ القاسِمُ يُصَلِّي، فَقالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعامِ، وَلا وَهُوَ يُدافِعُهُ الأخْبَثَانِ"(2).
90 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنا ابن عَيّاشٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شرَيْحٍ الَحضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ، وَلا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ
(1) رواه أحمد 3/ 483، والترمذي (142)، وقال: حسن صحيح، والنسائي 2/ 110، وابن ماجة (616)، والدارمي (1427)، وابن حبان (2571).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(80).
(2)
رواه مسلم (560/ 67).
فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ، وَلا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ" (1).
91 -
حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا ثَوْرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُوْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ". ثمَّ ساقَ نَحْوَهُ عَلَى هذا اللَّفْظِ قالَ: "وَلا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُوْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلا يَخْتَصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ".
قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ الشّامِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيها أَحَدٌ (2).
* * *
باب: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌّ؟
[88]
(ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) شيخ الشيخين، قال:(ثَنَا زُهَيرٌ) بن مُعاوية بن حديج الجعفي الكوفي، كانَ أهل العِراق يقولون في أيام الثوري: إذا مَات الثوري ففي زُهير خَلف. قال: (ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير بن العَوام الأسدي القرشي المدَني.
(عَنْ عَبْدِ اللِه بْنِ الأَرْقَمِ) بن عَبد يَغوث القرشي الزهري، أسلم عام الفتح، وكتب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر، ثم لعمر.
قال مَالك: أجازهُ عُثمان على بيت المال بثلاثين ألفًا فأبى أن يقبلها،
(1) رواه الترمذي (357)، وابن ماجة (619)، (923)، وأحمد 5/ 280.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(12).
(2)
رواه الحاكم 1/ 168، والبيهقي 3/ 129.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(13): إسناده ضعيف كسابقه، لكن الجملة الأولى منه صح معناها من حديث عائشة رقم (81) من "صحيح سنن أبي داود".
وقال: إنما عملت لله وأجري على الله (1).
(أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا أَوْ (2) مُعْتَمِرًا و (3) مَعَهُ النَّاسُ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ) في الصَّلوات، وفيه دلالة على مشروعية صَلاة الجماعة للمُسافرين، وأنهم يقيمون لهم من يُصلي بهم في السَّفر كالإقامَة.
قال الشافعي: لا يخلو جَماعة مُقيمون ولا مُسافرونَ من أن يصلى فيهم صَلاة جَمَاعَة (4).
(فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَقَامَ الصلاة صَّلاةَ)(5) بالنَّصب، بَدَل منَ الصلاة قبله.
(الصُّبْحِ) ليُصَلي بهم (ثُمَّ قَالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ. وَذَهَبَ إِلَى) بيت (الْخَلَاءِ) فيه فضيلة عبد الله بن أرقم وشدة احتراصه على العَمل بما سمعهُ وتعليمه للناس.
(فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللِّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ) إلى (الْخَلَاءَ وَقَامَتِ الصَّلاةُ) أي: وأقيمت الصلاة بدَليل رواية "الموطأ" إذا أقيمت الصلاة (6) ووجد أحدكم الغائط (7)(فَلْيَبْدَأْ) بالغائط (بِالْخَلَاءِ) بالمد؛ يَعني: يبدأ بالخَلاء قبل الذهَاب إلى الصلاة فيفرغ نفسه ثم
(1)"معجم الصحابة" للبغوي 3/ 528. وفيه: ثلاثمائة ألف، بدل: ثلاثين ألفًا.
(2)
سقط من (ل، م).
(3)
كذا في (د). وهو الصواب. وفي بقية النسخ: أو.
(4)
"الأم" 1/ 277.
(5)
سقط من (ل، م).
(6)
سقط من (ص، س، ل، م).
(7)
"الموطأ" 1/ 159 بنحوه.
يَرجع فيُصلي، ومحل هذا إذا لم يخف فوت الوقت، فلو خاف فوت الوقت فوجهان: أصحُّهما: تقديم الصَّلاة.
والثاني: الأولى (1) أن يقضي حَاجته، وإن خاف فوت الوقت وهو مقتضى إطلاق الحَديث، ولنا وجه أنهُ إذا صَلى، وقد ضَاق عليه الأمر بالمدَافعَة وسَلب خُشوعه بطلت صَلاته.
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى) هذا (وُهَيبُ (2) بْنُ خَالِدٍ) الباهلي مولاهم الكرابيسي الحَافظ (وَشُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ) الدمشقي، أخرجَ له الشيخان.
(وأبو ضمرة)(3) أنس بن عياض بن حمزة (هذا الحَدِيثَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير صلى الله عليه وسلم (عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللِّه بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه).
(وَالأَكْثَرُ) أي: أكثر الرواة (الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ) بن عروة (قَالُوا كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ) في روايته (4) المتقدمة.
[89]
(ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن نجيح البغدَادي الحافظ ابن الطباع سكن أذنة (5)، روى عنه البخاري تعليقًا، (ومسدد المعنى) بفتح النون.
(قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى (6) بْنُ سَعِيدٍ) القطان (عن أبي حَزْرة) بحاء مُهملة،
(1) في (م): الأول.
(2)
في (م): وهب، وهو خطأ. وكتب فوقها في (د): ع.
(3)
في (ص): حمزة. وفي (م): ضمير ة.
(4)
في (د): الرواية.
(5)
في (ص، س): شكر أدبه. وفي (م): سكن أدمة.
(6)
كتب فوقها في (د): ع.
وزاي ساكنة ثم راء، يعقوب بن مجاهد المخزومي، مولى لهم، مدني كان قاضيًا بالمدينة، ومَاتَ سنة 150 (1) بالإسكندرية، أخرج له مُسلم عَن عبد الله بن أبي عتيق وعبادة بن الوَليد (2).
قال: (ثَنَا عَبْدُ اللِّه بْنُ مُحَمَّدٍ) بن عَبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّديق.
(قَالَ) محمد (ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ) محمد بن عبد الله بن محمد (ابْنُ أَبِي بَكْرٍ) الصِّديق (ثُمَّ اتَّفَقُوا) أنهُ (أَخُو القَاسِمِ بْنِ مُحَمَدٍ) بن أبي بكر الصديق عن عمته عائشة رضي الله عنها (قَالَ: كنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَجِيءَ بِطَعَامِهَا فَقَامَ القَاسِمُ) بن محمد (يُصَلِّي) رواية مُسلم فيها زيادة توضحه، ولفظه عن يَعقوب بن مجَاهد، عن ابن أبي عتيق قال: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة، وكان القاسم رجلًا لَحانًا، وكانَ لأم ولد فقالت له عَائشة: مَا لك لا تتحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ ! أما إني أعلم من حَيث أتيت (3)، هذا أدبته أمهُ، وأنت أذَبتك أمك قال: فغَضب القاسِمُ وأضب (4) عليها، فلما رأى مائدة عَائشة قد أتي بها قام قالت: أين؟ قالَ: أُصلي. قالت: اجلس. قال: إني أُصلي. قالت: اجلس غدر (5).
(فَقَالَتْ: ) إني (سَمِعْتُ رَسُولَ اللِّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يُصَلَّى) بضم أوله،
(1) من (د).
(2)
"صحيح مسلم"(560).
(3)
في (م): أتت.
(4)
في (ص، س، ل): أحنب. وفي (م) ت أحب. وقوله: أضب، يعني: حقد.
(5)
"صحيح مسلم"(560)(67).
وفتح الصاد واللام مبني لما لم يسَم فاعله، ولفظ مُسلم:"لا صَلاة"(1)[(بِحَضْرَةِ) حضرة مثلث الحاء](2) طعام.
قال القرطبي: ظاهر هذا نفي الصحة والإجزاء، وإليه ذهبَ أهل الظاهر أن الصلاة بحضور (الطَّعَامِ) لا تصح قال: وتأول بعض أصحابنا (3).
وحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان: يبدأ بالعشاء وإن فاتته الصلاة. قال: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول في هذا الحديث: يبدأ بالعشاء إذا كان طعامًا يخاف فسَاده (4).
(وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ) كذا رواية مُسلم، والأخبثان بالثاء المثلثة هما البَول والغائط، قالهُ الهروي (5) وغيره، وحضُور الشراب الذي تتوق إليه النفس من ماء وغَيره بحضور (6) الطعام، ومُدافعة الريح كمدافعة البَول والغائط.
[90]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) بن نجيح البغدَادي، روى عَنه البخَاري تعليقًا، قال:(ثنا) إسماعيل (7)(ابْنُ عَيَّاشٍ) عالم أهل الشام في عصره.
(1)"صحيح مسلم"(565)(67).
(2)
في (م): طعام حضرة مثلث الحاء.
(3)
انظر: "المفهم" 2/ 165.
(4)
"جامع الترمذي" 2/ 184 - 185.
(5)
"الغريبين" 2/ 528.
(6)
في (د، م): لحضور.
(7)
في (ص): شعبة. وفي (م): أبي بكر بن شعبة بن عياش. وفي (س): أبو بكر شعبة بن عياش.
(عَنْ حَبِيبِ) بفتح الحَاء (1) المهملة (بن (2) صَالِحٍ) الطائي (عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ) بضَم الشين المُعجمة (الْحَضْرَمِيِّ) الحمصي، ثقة، من الصُّلحَاء (3)(عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ) الحِمْصي. كذا للترمذي ذكرهُ ابن عَبد البر في من لم يذكر لهُ اسم سوى كنيته، (عَنْ ثَوْبَانَ) السَّروي مولى النبي صلى الله عليه وسلم (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ) أصله: ثلاث خِصَال، بالإضَافة ثم حَذف المضاف، ولهذا جَاز الابتداء بالنكرة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"خَمسُ خصَال كتبهن (4) الله"(5).
(لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ) من الناسِ (أَنْ يَفْعَلَهُنَّ) أن ومَا بعَدَها تقدر بالمصدر الذي هو فاعل يحلّ، تقديرهُ: لا يحل لأحَد فعلهن (لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ) أي: ولا أمرأة، إذا قلنا على الصَّحيح أنها تَؤمُ النسَاء (قَوْمًا فَيَخُصَّ) مَنصُوب بأن المضمرَة (6)، لوروده بعد النفي كقوله تعالى:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (7).
(نَفْسَهُ بِالدّعَاءِ) رواية الترمذي: "بدَعوة"(8)(دُونَهُمْ) اسْتدل به على أنهُ
(1) ليست في (د).
(2)
في (ص، س، ل، م): عن.
(3)
"الكاشف" للذهبي ترجمة (6422).
(4)
في (م): كتب.
(5)
الحديث بلفظ: "خمس صلوات كتبهن الله
…
"، وقد أخرجه أبو داود (1420) وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(6)
في (ص): المضمرة. وفي (ل، م): المقدرة.
(7)
فاطر: 36.
(8)
"جامع الترمذي"(357).
يُكره للإمَام تخصيص نفسه بالدعَاء، بل يأتي بلفظ الجَمع فيقول في القنوت: اللهمَّ اهدنا فيمن هدَيت. وكذا. ما بعَدهُ، وكذا في التشهد لا يخص نفسه [بل يأتي بصيغَة الجَمع فيقول: اللهمُ اغفر لنا ما قدمنَا .. " إلى آخره.
قال الجيلي: والحكم كذلك في جميع الأدعية، وهو مُقتضى إطلاق الحَديث، ونقلهُ ابن المنذر (1) عن الشافعي (2) فقال: قال الشافعي: لا أحبُّ للإمَام تخصيص نفسه] (3) بالدعاء دُون القَوم، وثبت أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذا كبَّر في الصَّلاة يقول قبل القراءة: "اللهم باعد بيني وبينَ خطاياي
…
" إلى آخره "اللهم اغسلني" "اللهم نقني" (4). هذا كلامه.
قال الإسنَوي: فعَلى هذا الفرق بينه وبين القنوت أن الجَميع مأمورون بذلك الدعاء بخلاف القنوت، ومقتضى هذا (5) الفَرق (6) أنه لا يُستحب الجمع في التشهد ونحوه إلا أن يكون مُراد ابن المنذر استثناء دعاء الاستفتاح خاصة (فَإِنْ فَعَلَ) ذلك في الدعاء (فَقَدْ خَانَهُمْ) كل ما أمر اللهُ به أو رسوله أو الخلفاء الراشدون بعده فهو أمانة وتركه خيانة. قال الله تعالى:{وَلَا تَخُونُوا اللَّهَ} (7) ورسُوله، وقد روى البيهقي
(1)"الأوسط" 4/ 237.
(2)
من (د).
(3)
سقط من (م).
(4)
رواه البخاري (744)، ومسلم (598) من حديث أبي هريرة.
(5)
في (ص، ل، م): الجمع.
(6)
سقط من (م).
(7)
سقط من (ص).
في "سُننه الكبير" عن عمر رضي الله عنه أنه قنتَ بعد الركوع فقال: اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات
…
إلى آخره، يعني: بصيغة الجمع، وقال فيه: صحيح (1) مَوصُول (2)، وأخرجهُ من طرق أخر بعضُها مرفوع.
وقال أبو عبد الرحمن: علَّمنا ابن مسعُود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينُك ونستغفرك. رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بسند صحيح رجاله رجَال الصَّحيح (3). فعلى هذا إذا ترك الإمام صيغة الجَمع التي دَعَا بها عُمر وابن مسعُود، وخص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم.
(وَلَا يَنْظُرُ) بالرفع عطفًا على "يؤم"(فِي قَعْرِ) أي: صدر (بَيْتٍ) وقعر الشيء نهاية أسفله، ومنه: جَلسَ في قعر بيته. وهو كناية عن الملازمة.
ورواية الترمذي: "لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئٍ حتى"(4).
(قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ) فيه تَحريم الاطلاع في بيت الغَير بغير إذنه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة:"لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن لهُ فخذفته بحصاة ففقأت عَينه ما كان عليك مِن جُناح"(5).
وقد اختلف العلماء في من رمي إنسانًا نظر في بيته بغَير إذنه فأصَاب عينه ففقأها: فالأكثر مِن الرواية عن مَالك (6) - وهو قَول أبي حنيفة (7) -
(1) تكررت في (ص، ل).
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 210.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6965).
(4)
"جامع الترمذي"(357).
(5)
"صحيح البخاري"(6888، 6902)، و"صحيح مسلم"(2158)(44).
(6)
"الكافي" لابن عبد البر 2/ 1127.
(7)
"حاشية ابن عابدين" 6/ 550.
إثبات الضمان عليه؛ لأنهُ لو نظر إلى عورة إنسَان بغَير إذنه لم يستبح (1) بذلك فقء عَينه، فالنظر إلى الإنسان في بيته أولى بأن لا يباح له ذلك.
وقال الشافعي: لا ضمان لحديث أبي هريرة (2)(فَإنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ دَخَلَ) أي: فقد ارتكبَ إثم من دخلَ البيت (وَلَا يُصَلِّي) بكسْر اللام المشددة يصلي هو مُضارع، والفعل في مَعنى النكرة، والنكرة إذا جَاءت في معرض النفي تعم، فيدخل في نفي الجَواز صلاة فرض العَين والكفاية كالجنازة والسنة والمندُوبة والتطوُّع جَميعها (3) لا يحل شيء منها.
(وَهُوَ حَقِنٌ) قال في "النهَاية"؛ الحاقن والحقن -يعني: بحذف الألف- سَواء، قال: والحَاقِن هو الذي حبسَ بوله، كالحَاقب للغائط (4). وروى ابن مَاجَة عن أبي أمَامة؛ أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم نَهى أن يصَلي الرجُل وهو حَاقن (5)، وعزا رزين إلى الترمذي النهي عن صَلاة الحازق، والذي ذكرهُ أصحَاب غَريب الحَديث: لا رأي لحَازق وهو صَاحب الخف الضيّق (6).
(حَتَّى يَتَخَفَّفَ) بفتح المثناة تحت والمثناة فوق أي: يخفف نفسَه بخروُج البَول والغائط حتى لا يبقى معهُ شيء يُؤذيه، وروى الطبَراني
(1) في (ص، ل): يستبيح.
(2)
"الأم" 6/ 48.
(3)
في (د): جميعًا.
(4)
"النهاية"(حقن).
(5)
"سنن ابن ماجة"(617) وصححه الألباني.
(6)
"تاج العروس": حزق.
في "الأوسَط" عن المسور بن مخرمة قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُصَليَنَّ أحَدكم وهو يجد شيئًا من الأذى". يعني: البَول والغائط (1)، وما في معناهُ (2) من خروج ريح أو خف (3) أو وطاء يحزق عليه.
وروى عن عَائشة رضي الله عنها كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم لا يُصلي وهو يجد من الأذى شَيئًا (4)، وفي سنده (5) أبُو مَعشر السّندي، وثقه بعضهم (6).
[91]
(ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) بن يزيد (السُّلَمِيُّ) الدمشقي بفتح السين واللام إمام مسجد سَلمية (7)، وثقهُ النسَائي (8)، وقال أبُو حَاتم: ثقة رضا، مَات (9) سنة (10) 249 (11).
قال: (ثَنَا أَحْمَدُ بن (12) عَلِيٍّ) إمام مسجد سَلمية (13)، جَيّد الحَديث لم يرو عنه غير محمود بن خالد (14)، قال:(ثَنَا ثَوْرٌ) بن يزيد الحِمْصي
(1)"المعجم الأوسط"(2824).
(2)
في (د): معناهما.
(3)
في (ص، س، م): خفا. وفي (ل): جفاء.
(4)
"المعجم الأوسط"(2361).
(5)
في (ص، م): سيرة.
(6)
والأكثرون على ضعفه، اختلط قبل موته راجع ترجمته في "التهذيب" 29/ 322.
(7)
في (م): سليمة.
(8)
"مشيخة النسائي"(151).
(9)
من (د، س، ل، م).
(10)
ليست في (د، س، ل، م).
(11)
"تهذيب الكمال" 27/ 297، "الجرح والتعديل" 8/ 292.
(12)
من (د، س).
(13)
في (م): سليمة.
(14)
"الكاشف" للذهبي ترجمة (66).
الحافظ، كانَ ثبتا (1) قدريًّا أخرجوه من حمص، وأحرقوا داره (2)، ومات ببيت المقدس، أخرج له البخاري في مَوَاضِع.
(عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحِ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ المُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ باللِّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ) يقالُ: حَقَنَ الرجلُ بوله من باب قتل، أي: حَبَسه وجمعَه فهو حاقِن وحقِن. قال ابن فارس (3): يقال لما جمع من لبن ونبيذ (4): حقين، ولذلك سمى حَابس البَول حَاقنًا، وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي أمَامة رضي الله عنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من كَانَ يشهد أني رسُول الله فلا يشهد الصلاة حَاقنًا"(5)(حَتَّى يتخفف) وروى ابن ماجة بعضه (6)(ثم (7) سَاقَ، نَحْوَهُ عَلَى هذا اللَّفْظِ، قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي: يصَدق بلقاءِ الله والبعث والنشور (أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ).
قال الخطابي: يُريد إذا لم يكن بأقرئهم ولا بأفقههم لم يجز لهُ الاستبداد (8) عليهم بالإمامة، فأما إذا كانَ [جَامعًا، لأوصَاف](9) الإمامة بأن يكون أقرأ الجماعة وأفقههم فإنهم عند ذلك يأذنون له لا محالة في الإمامة، بل يسألون وهو عند ذلك أحقهم أذنوا أم لم يأذنوا (10).
(1) في (ص): تنبا.
(2)
"الكاشف"724.
(3)
"مقاييس اللغة"(حقن).
(4)
في (د): نبذ.
(5)
في (ص): يتحقق. وفي (ل، م): يخفف. والحديث في "معجم الطبراني" 8/ 104.
(6)
في (ص، ل، م): لفظه. وهو عند ابن ماجة (619).
(7)
من (د).
(8)
في (ص، س، ل، م): الاستئذان.
(9)
في (م): جامع الأوصاف.
(10)
"معالم السنن" مع "مختصر أبي داود" 1/ 85.
(وَلَا يَخْتَصَّ (1) نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ) فقد صَرحَ الغزالي في "الإحياء" بكراهة ذلك، فقال في "الإحياء" في كلامه على التشهد (2) يقول: اللهم اغفر لنا. ولا يقول: اللهم اغفر لي. فقد كره للإمَام أن يخص نفسهُ بالدعَاء (3).
قال الشافعي (4): لا أحب للإمام تخصيص نفسه بالدُعاء دونَ القوم، ومقتضى كلام الرافعي أن الإمام يأتي في دُعائه بصيغة الجمع، سواء قنت المأمُوم أم لا، سواء سَمع المأمومون القنوت أم لا (فَإِنْ فَعَلَ) ذلك (فَقَدْ خَانَهُمْ)(5) ويدخل في إطلاق الحَديث وعمُومه (6) الدعاء المشروع وغَيره، والدعاء داخل الصلاة وبعد الفراغ منها، وكذا إذا دعَا بقوم لا يخص نفسه بل يدعُو لوالديه وللمؤمنين (7) لكنه (8) يبدأ بنفسه في الدعاء، كما جاء في دعاء إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (9).
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هذا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ الشَّامِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ).
وقوله: يشركهم (10) بفتح الياء والراء.
* * *
(1) في (م): يخص.
(2)
في (ص): السهيل. وفي (م): انسيد.
(3)
"إحياء علوم الدين" 1/ 344.
(4)
انظر: "مغني المحتاج" 1/ 167.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
في (ص، س، ل، م): وعموم.
(7)
في (د): والمؤمنين.
(8)
في (م): لن.
(9)
إبراهيم: 41.
(10)
في (م): يخص.