الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب فِي أَماراتِ المَلاحِمِ
4294 -
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ العَنْبَري، حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ ثابِتِ بْنِ ثَوْبانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ مالِكِ بْنِ يُخامِرَ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عُمْرانُ بَيْتِ المَقْدِسِ خَرابُ يَثْرِبَ، وَخَرابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ المَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ المَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ القُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجّالِ". ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الذي حَدَّثَ -أَوْ مَنْكبِهِ- ثمَّ قالَ: إِنَّ هذا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ ها هُنا أَوْ كَما أَنَّكَ قَاعِدٌ. يَعْني مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ (1).
* * *
باب في أمارات الملاحم
[4294]
(ثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة، وهو ابن عبد العظيم، أبو الفضل (العنبري) شيخ مسلم، وأخرج له البخاري تعليقًا (ثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر الحافظ (ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) العنسي الزاهد قال دحيم وغيره: ثقة (2).
(عن أبيه) ثابت بن ثوبان، ثقة، فقيه (عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن [عامر الأصبحي جد مالك الإمام] (3) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: عمران) بضم العين (بيت المقدس
(1) رواه ابن أبي شيبة 21/ 202 (38632)، وأحمد 5/ 232، 245.
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(4096).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 17/ 12.
(3)
كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب:(يخامر الألهاني الحمصي)، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 27/ 166.
خراب) وفيه حذف المضاف، تقديره عمارة بيت المقدس أمارة خراب، كقوله تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} (1) ومنه قول الشاعر:
فإنما هي إقبال وإدبار (2)
أي: ذات إقبال وإدبار. ويدل على هذا التقدير ذكر ترجمة المصنف: باب أمارات الملاحم.
(يثرب) قد يؤخذ منه جواز تسمية المدينة يثرب، خلافًا لمن كرهه مستدلا بما روي عنه عليه السلام أنه قال:"من قال للمدينة يثرب فليستغفر اللَّه ثلاثًا"(3).
وأما تسمية اللَّه لها فأجيب عنه بأن إطلاقه عليها باعتبار أنه إخبار عن مقالة الكفار، وذلك أن مكانًا بالمدينة كان لرجل من العمالقة فسماه يثرب. ويثرب مضارع ثرب بفتح الثاء والراء إذا لام وعتب ووبخ، ثم سميت المدينة باسم ذلك المكان، ولهذا جاءت الكراهة عند من قال؛ لأنه من التثريب كما قال تعالى حكاية عن يعقوب:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (4).
قال السهيلي: ثرب بالتشديد مبالغة وتكثير من ثرب بالتخفيف، وأما تسميته صلى الله عليه وسلم المدينة هنا يثرب؛ لما فيه من مناسبة ذكر التثريب وهو الحزن
(1) البقرة: 177.
(2)
عجز بيت للخنساء. انظر: "الكامل" للمبرد 2/ 349، "المقتضب" له 3/ 189.
(3)
رواه أحمد 4/ 285، وأبو يعلى في "المسند" 3/ 247 (1688)، والروياني في "المسند" 1/ 240 (346) من حديث البراء بن عازب. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4607).
(4)
يوسف: 92.
واللوم على خرابها، ألا ترى أنها لما كانت عامرة في زمانه صلى الله عليه وسلم سماها طابة؛ لطيب المقام فيها في ذلك الوقت، بخلاف أيام خرابها لما شقت الإقامة في الخرب المستهدم سماها يثرب (وخراب) مدينة (يثرب) أمارة (خروج الملحمة) والملحمة وقوع القتال، سمي بذلك لاشتباك المقتتلين بعضهم في بعض كلحمة الثوب (وخروج الملحمة فتح قسطنطينية) بضم القاف والطاء كما تقدم، وفتح القسطنطينية خروج الدجال، يوافق ترتيب هذا الحديث رواية البخاري عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: "اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت إلا دخلته"(1).
ووفق الموافقة أن فتح بيت المقدس سبب عمرانها، وخراب يثرب وخروج الملحمة سبب موتان القتلى الذي تأخذكم كقعاص الغنم، فإن القعاص هو الموت المعجل، وفتح القسطنطينية هو سبب استفاضة المال حتى يعطى الرجل المال العظيم فيسخط به، ثم الفتنة التي لا تبقي بيتًا إلا دخلته، وهي فتنة المسيح الدجال التي أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ منها.
(ثم ضرب) النبي صلى الله عليه وسلم (بيده على فخذ الذي حدثه، أو) ضرب (منكبه، ثم قال إن هذا لحق كما أنك هاهنا. أو قال: إن هذا حق كما أنك قاعد)
(1) البخاري (3176).
عندي الآن (يعني) أن المضروب على فخذه هو (معاذ بن جبل) الذي حدثه بهذا الحديث، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق ما أخبر عنه من أمارات الساعة أنه واقع كتحقيق وقوع وجود معاذ عند النبي صلى الله عليه وسلم أو قعوده عنده، وفيه تشبيه المخبر عنه بالمغيبات بما يعلم بالضرورة، وهو نظير قوله تعالى في حق الرزق الذي كتبه اللَّه لابن آدم:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} (1) فشبهه بنطق الآدمي المعلوم بضرورة السمع.
* * *
(1) الذاريات: 23.