الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - باب الحَدِّ في الخَمْرِ
4476 -
حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى -وهذا حَدِيثُهُ- قالا: حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلي بْنِ رُكانَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقِتْ في الخَمْرِ حَدّا. وقالَ ابن عَبّاسٍ: شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ فَلُقي يَمِيل في الفَجِّ، فانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَلَمّا حاذى بِدارِ العَبّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى العَبّاسِ فالتَزَمَهُ فَذكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ وقالَ:" أَفَعَلَها؟ ! ". وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيء.
قالَ أَبُو داوُدَ: هذا مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ المَدِينَةِ حَدِيثُ الحَسَنِ بْنِ عَلي هذا (1).
4477 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقالَ:"اضْربُوهُ". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنّا الضّارِبُ بِيَدِهِ، والضّارِبُ بِنَعْلِهِ، والضّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمّا انْصَرَفَ قالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزاكَ اللَّهُ.
فَقالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُوُلوا هَكَذا لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطانَ"(2).
4478 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ داوُدَ بْنِ أَبي ناجِيَةَ الإِسْكَنْدَرانيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَني يَحْيَى بْن أَيُّوبَ وَحَيْوَةُ بْن شُرَيْحٍ وابْن لَهِيعَةَ، عَنِ ابن الهادِ بِإِسْنادِهِ وَمَعْناهُ قالَ فِيهِ بَعْدَ الضَّرْبِ: ثُمَّ قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحابِهِ: "بَكِّتُوهُ". فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: ما اتَّقَيْتَ اللَّهَ، ما خَشِيتَ اللَّهَ، وَما اسْتَحَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَرْسَلُوهُ وقالَ في آخِرِهِ:"ولكن قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ
(1) رواه أحمد 1/ 322، والنسائي في "الكبرى"(5290)، (5291)، والحاكم 4/ 373.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
(2)
رواه البخاري (6777).
الكَلِمَةَ وَنَحْوَها (1).
4479 -
حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، ح وَحَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ هِشامٍ -المَعْنَى- عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جَلَدَ في الخَمْرِ بِالجَرِيدِ والنِّعالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَرْبَعِينَ، فَلَمّا وَلى عُمَرُ دَعا النّاسَ فَقالَ لَهُمْ: إِنَّ النّاسَ قَدْ دَنَوْا مِنَ الرِّيفِ -وقالَ مُسَدَّدٌ: مِنَ القُرى والرِّيفِ- فَما تَرَوْنَ في حَدِّ الخَمْرِ؟ فَقالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَرى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الحُدُودِ. فَجَلَدَ فِيهِ ثَمانِينَ.
قالَ أَبُو داوُدَ: رَواهُ ابن أَبى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَلَدَ بِالجَرِيدِ والنِّعالِ أَرْبَعِينَ. وَرَواهُ شُعْبَة، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالَ: ضَرَبَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الأَرْبَعِينَ (2).
4480 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ -المَعْنَى- قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن المُخْتارِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ الدّاناجُ، حَدَّثَني حُضَيْنُ بْن المُنْذِرِ الرَّقاشيُّ -هُوَ أَبُو ساسانَ- قالَ: شَهِدْتُ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ وَأُتى بِالوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرانُ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَشَهِدَ أَحَدُهُما أَنَّهُ رَآهُ شَرِبَها -يَعْني: الخَمْرَ- وَشَهِدَ الآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّؤُها فَقالَ عُثْمان: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْها حَتَّى شَرِبَها. فَقالَ لِعَلي رضي الله عنه: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. فَقالَ عَلي لِلْحَسَنِ: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. فَقالَ الحَسَنُ: وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها. فَقالَ عَلي لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الحَدَّ. قالَ: فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ وَعَليٌّ يَعُدُّ فَلَمّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قالَ: حَسْبكَ جَلَدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ -أَحْسِبُهُ قالَ: - وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وهذا أَحَبُّ إِليَّ (3).
4481 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا، يَحْيَى عَنِ ابن أَبي عَرُوبَةَ، عَنِ الدّاناجِ، عَنْ
(1) سبق برقم (4477).
(2)
رواه البخاري (6773)، ومسلم (1706).
(3)
رواه مسلم (1707).
حُضَيْنِ بْنِ المُنْذِرِ، عَنْ عَلي رضي الله عنه قالَ: جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الخَمْرِ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَكَمَّلَها عُمَرُ ثَمانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ.
قالَ أَبُو داوُدَ: وقالَ الأَصْمَعي: وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها وَلِّ شَدِيدَها مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَها.
قالَ أَبُو داوُدَ: هذا كانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حُضَيْنُ بْنُ المُنْذِرِ أَبُو ساسانَ (1).
* * *
باب الحد في الخمر
[4476]
(ثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى وهذا حديثه، قال: ثنا أبو عاصم) الضحاك ابن مسلم (2) يعرف بالنبيل؛ لأن شعبة حلف أن لا يحدث الحديث شهرًا، فبلغ ذلك أبا عاصم فقصده، فدخل مجلسه وقال: حدث وغلامي العطار حر لوجه اللَّه كفارة عن يمينك. فأعجبه ذلك، وقال: أنت نبيل.
(عن) عبد الملك (ابن جريج، عن محمد بن علي) بن يزيد (بن ركانة) المطلبي ذكره ابن حبان في "الثقات"(3).
(عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يقت) بفتح الياء، وكسر القاف المخففة، وسكون التاء المثناة، أي: لم يوقت كما في رواية النسائي، يقال: وقت بالتخفيف يقت. وقرأ (4) الحسن وأبو جعفر:
(1) رواه مسلم (1707).
(2)
كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب: مخلد. انظر "تهذيب الكمال" 13/ 281.
(3)
"الثقات" 7/ 364، 9/ 34.
(4)
في (ل)، و (م): قال. وهو خطأ.
{وُقتت} بضم الواو وتخفيف القاف (1)، أي: عين لها وقتها الذي يشهدون فيه على الأمم (في الخمر حدًّا) قال الإمام: لو علمت الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم حدًّا محدودًا لما عملت فيه برأيها ولا خالفته كما لم تفعل ذلك في سائر الحدود؛ ولعلهم فهموا أنه عليه السلام جلد نحو الأربعين على موجب اجتهاده في ذلك الرجل على ما يراه، ولا يصل به الأربعين (2).
(وقال ابن عباس: شرب رجل) خمرًا (فسكر) منه (فلقي) بضم اللام، وكسر القاف المخففة، وهو (يميل) من السكر ميلا كثيرًا (في الفج) بتشديد الجيم، وهي الطريق الواسع (فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، فيه: أن من فعل فعلا يوجب الحد، يؤتى به إلى الحاكم وإن لم يأمر الحاكم بإتيانه.
(فلما حاذى بدار العباس) بن عبد المطلب، يحتمل أن تكون الباء زائدة للتأكيد. رواية النسائي: فلما أن حاذوا به دار العباس (3). أي: صاروا بإزائها (انفلت) منهم (فدخل على العباس) مستجيرًا به (فالتزمه) وتمسك به (فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك) أي: تبسم تعجبًا من خوفه وسرعة دخوله على عمه.
(وقال: أفعلها؟ ! ) استفهام إنكار، أي: أفعل الفعلة القبيحة المنكرة؟ (ولم يأمر فيه بشيء) فيه: حجة للكوفيين؛ لأنه لما عرف دار العباس
(1) انظر: "المحتسب" 2/ 344.
(2)
"نهاية المطلب" 17/ 333.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 254.
وعرف قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، دل على أنه لا يحد؛ لأن عندهم لا حد إلا على من (1) يعرف الرجل من المرأة.
(قال أبو داود: هذا)(2) الحديث (مما تفرد به أهل المدينة) دون غيرهم.
[4477]
(ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض (عن يزيد) بن عبد اللَّه (بن) أسامة (الهاد عن محمد (3) بن إبراهيم) التيمي الفقيه.
(عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب) يعني: الخمر (فقال: اضربوه) إطلاقه يقتضي الضرب على جميع جسده؛ ليأخذ كل عضو منه حظه، لكن يتقى الوجه؛ لحديث مسلم (4).
(قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده و) منا (الضارب بثوبه) أي: بطرف ثوبه إن كان له (و) منا (الضارب بنعله) إن كان له نعل، أي: ضرب كل منهم على حسب ما تيسر فعله.
فيه: دليل على أصح من الأوجه الثلاثة، أنه يجوز الضرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب والسياط وغيرها، ولا يتعين السوط؛ لأنه الأصل، وبه ورد الحديث، والثاني: يتعين السوط؛ لما روى أبو يعلى بسنده إلى أبي جعفر قال: جلد علي رجلا من قريش الحد في
(1) بعدها في (م): لم.
(2)
ليست في (ل)، (م)، أثبتناها من "السنن".
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
"صحيح مسلم"(2612) من حديث أبي هريرة، وهو عند البخاري (2559): =
الخمر أربعين جلدة بسوط له طرفان (1). والعامل لهذا الحديث على أنه كان هذا في أول زمان الإسلام، والثالث: أنه يتعين ما عدا السوط كما في الحديث (فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاه اللَّه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تقل (2) هكذا) فإن قيل: هذا معارض بما في الحديث أنه لعن شارب الخمر وعاصرها، ولعن كثيرًا من أهل المعاصي غيرهم، فالجواب: لا تعارض بحمد اللَّه تعالى، ووجه لعنته لأهل المعاصي يريد الملازمين لها؛ ليرتدع بذلك من فعلها أو سلك سبيلها والذي نهى عنه في هذا الحديث، والجارية التي زنت لا تثريب؛ لأن هذا أخذ منه الحد الذي جعله اللَّه تعالى تطهيرًا من الذنوب، فنهى عن لعنته؛ خشية أن يوقع الشيطان في قلبه وقلب سامعه أن من لعن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يغير ذلك ولا نهى عنه فإنه يستحق العقوبة في الآخرة، وإن فاتته (3) العقوبة في الدنيا فينفره ذلك ويغويه.
(لا تعينوا عليه الشيطان) أي: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم كما في رواية البخاري (4)، قال المهلب: فيه بيان قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"(5) يريد وهو مستكمل الإيمان، فليس بخارج عن الملة بشربه الخمر ولا بمعصية من المعاصي بقوله: "لا
(1)"مسند أبي يعلى" 1/ 448 (599).
(2)
بعدها في (ل)، (م): لا تقولوا. وفوقها: خ.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
"صحيح أبي هريرة"(6781) من حديث أبي هريرة.
(5)
رواه البخاري (5578)، ومسلم (57) من حديث أبي هريرة.
تعينوا الشيطان على أخيكم" (1) فسماه أخًا في الإسلام، والمؤمن لا يلعن أخاه.
[4478]
(ثنا محمد بن داود بن أبي ناجية) بالنون والجيم المهري (الإسكندراني) وثقه النسائي (قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى (2) بن أيوب) الغافقي (وحيوة بن شريح و) عبد اللَّه (ابن لهيعة) بفتح اللام (عن) يزيد (ابن الهاد) عن محمد (بإسناده) المتقدم (ومعناه) المذكور.
(وقال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: بكتوه) بتشديد الكاف المكسورة، والتبكيت كالتقريع والتعنيف باللسان كما قالت الصحابة (فأقبلوا عليه يقولون) له (أما اتقيت اللَّه؟ ) أما خفت اللَّه؟ (أما خشيت) بكسر الشين (اللَّه وما استحييت) بسكون الحاء وتكرير المثناة تحت (من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ثم أرسلوه وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له اللهم ارحمه) أمرهم بالدعاء له زيادة على ما حصل له من التطهير؛ لأنه لما طهر بالحد استحق الدعاء له.
(وبعضهم يزيد) على بعض (الكلمة) والكلمتين (ونحوها).
[4479]
(ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا هشام) الدستوائي (وثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد (عن هشام المعنى، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في) حد شرب (الخمر بالجريد والنعال) والأيدي وأطراف الثياب كما تقدم. فيه دلالة على أنه لا يتعين في حد الخمر
(1) رواه البخاري (6781).
(2)
فوقها في (ل): (ع).
الضرب بالسياط، وهو مذهب الشافعي (1) وبعض أصحاب أحمد (2)، خلافًا لمالك (3) وأبي حنيفة (4).
(وجلد أبو بكر أربعين) فيه وفي حديث علي الآتي: أن حد الخمر أربعون للحر؛ ولهذا كان علي يقول: في نفسي من حد شارب الخمر ثمانين شيء، ولو مات وديته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه.
وحكى ابن عبد البر قولًا للشافعي أنه ثمانون كمذهب الأئمة الثلاثة (5)، واختاره ابن المنذر من أصحابنا.
(فلما ولي) بفتح الواو، ورُوي بضمها مع تشديد اللام (عمر رضي الله عنه دعا الناس) أي: استشار أناسا كما في رواية مسلم (6).
(فقال لهم: إن الناس قد دنوا من الريف) وهي أرض الزرع والخصب، والجمع أرياف، يقال: أرفأت الأرض. إذا أخصبت، ورفأت الماشية. إذا رعت الريف وأريفنا، أي: صرنا إلى الريف. من "الصحاح"(7)، ويعني بذلك أن بلاد الشام وغيرها لما فتحت وكثرت الكروم والبساتين والمدائن فشا في الناس شرب الخمر، فشاور عمر الصحابة في التشديد في العقوبة.
(1) انظر: "الأوسط" 13/ 23، "الحاوي" 13/ 412، "البيان" 12/ 527.
(2)
انظر: "المغني" 12/ 508 - 509.
(3)
"المدونة" 4/ 514.
(4)
انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 646، "المبسوط" 9/ 71.
(5)
"الاستذكار" 24/ 269.
(6)
"صحيح مسلم"(1706/ 35).
(7)
"الصحاح" 4/ 1367.
(وقال مسدد) دنا الناس (من القرى والريف) فجمع بينهما كما في رواية مسلم (1)، ووجد زمن خلافة عمر رضي الله عنه، قال عمر:(فما ترون في حد الخمر؟ ) أي: شاور الصحابة في التشديد في العقوبة في الخمر لما كثرت الأعناب، واشتهر شرب الخمر في الناس، فتفاوضوا في ذلك (فقال عبد الرحمن بن عوف: نرى) أن تزيد فيه (أن تجعله كأخف الحدود) أي: حدود الأحرار (فجلد فيه ثمانين) جلدة، واتفقوا على إلحاقه بحد القذف؛ لأنه أخف الحدود.
وفي "الموطأ" أن عمر لما استشارهم قال علي: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى (2). فصرح بكيفية الإلحاق، وحاصلها أنه صرح بأنه أقام السكر مقام القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطاه حكمه، وصار الحكم معللا بالمظنة؛ لأنه مظنة الافتراء كما أن السفر مظنة المشقة.
(قال أبو داود: رواه) سعيد (ابن أبي عروبة) مهران أبو (3) النضر اليشكري (عن قتادة) عن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد بالجريد والنعال أربعين) في قوله: (جلد (4) بالجريد والنعال) تقييد لإطلاق الجلد المذكور في رواية معاوية الآتية: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم"(5)
(1)"صحيح مسلم"(36/ 1706).
(2)
"الموطأ" 2/ 842.
(3)
في (ل)، (م): أبي. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
(4)
ساقطة من (م).
(5)
يأتي برقم (4482).
على القاعدة المقررة عند أهل الأصول من حمل المطلق على المقيد، وفي ذلك رد لما استدل به القائلون بتعيين السياط للضرب؛ أن حديث معاوية:"إذا شربوا الخمر فاجلدوهم"، أن المفهوم من إطلاقه الضرب بالسياط؛ لأنه المفهوم من الإطلاق، وهذا المفهوم لا يعمل به إلا إذا لم [ترو](1) رواية مقيدة للإطلاق كما في هذا الحديث (ورواه شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ضرب بجريدتين نحو الأربعين).
[4480]
(ثنا مسدد بن مسرهد) بن مسربل، قال أحمد العجلي: كان أبو نعيم يسألني عن اسمه ويقول: هذِه رقية العقرب (2). قال البخاري: مسدد بن مسرهد [بن مسربل بن مرعبل](3)، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين (4) (وموسى بن إسماعيل المعنى قالا: ثنا عبد العزيز بن المختار) [رواية مسلم](5) عبد بن المختار (6)(قال: ثنا عبد اللَّه) بن فيروز مولى (الداناج) هو بالدال المهملة والنون والجيم، الدانا بحذف الجيم، والداناه بالهاء، ومعناه بالفارسية: العالم (قال: ثنا حضين) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة (ابن المنذر الرقاشي) بفتح الراء وتخفيف القاف الذهلي البصري، وليس في الصحيحين بالضاد
(1) ساقطة من (ل)، (م) ووضعناها ليستقيم السياق.
(2)
"الثقات" 2/ 272.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
"التاريخ الكبير" 8/ 72.
(5)
ساقطة من (م).
(6)
الذي في "صحيح مسلم": عبد العزيز (1707).
المعجمة غيره، لكن في غيره عمران الحضين الشجري، لكن له حديث منكر، ومحمد بن الحضين الجزري، عن مزاحم بن العوام، روى عنه أحمد البزار و (هو أبو ساسان) بسينين مهملتين، وهو من كبار التابعين وشاعر فارس.
(قال: شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي بالوليد بن عقبة) بن أبي معيط [واسم أبي معيط](1) أبان بن أبي عمرو، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه، (فشهد عليه حُمران) بضم الحاء المهملة كاتب عثمان رضي الله عنه (ورجل آخر (2)، فشهد أحدهما أنه رآه شربها) بهمزة قبل الهاء (يعني: الخمر وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها) بهمزة قبل الهاء، أي: يتقيأ الخمر.
(فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها) هذِه من دلالة اللزوم، فإن التقيؤ للشيء يلزم منه أن يكون شربه، وفيه دليل لمالك وموافقيه في أن من تقيأ الخمر يحد حد الشارب (3)، ومذهبنا (4) أنه لا يحد بمجرد ذلك (5)؛ لاحتمال أن يكون شربها جاهلًا كونها خمرًا، أو مكرهًا عليها، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحد ودليل مالك هنا قوي، فإن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة في هذا الحديث، وقد
(1) ساقطة من (م).
(2)
بعدها في (ل)، (م) بياض بمقدار ثلاث كلمات.
(3)
بل إن مذهب مالك أن من شهد على رائحته بأنها خمر فإنه يجلد. "المدونة" 4/ 523.
(4)
انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 409، "البيان" 12/ 528.
(5)
انظر: "الحاوي الكبير" 13/ 409، "البيان" 12/ 528.
يجيب عنه أصحابنا، بأن عثمان علم شرب الوليد فقضى بعلمه، ولعله كان مذهبه الجواز في قضاء القاضي بعلمه في الحدود، أو يجاب بأنه شهد عنده غير حمران. وفيه من الفقه تلفيق الشهادتين إذا أدت إلى معنى واحد، فإن أحدهما شهد برؤية الشرب، والآخر بما يستلزم الشرب، كالشهادة على البيع والإقرار به، أو على القتل والإقرار به.
(فقال لعلي: أقم عليه الحد) فيه: الاستنابة في إقامة الحد (فقال عليٌّ للحسن) ابنه (أقم عليه الحد)، فيه دلالة على أنه يجوز (1) للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه، وهو رواية عن أحمد بن حنبل (2) وإن لم يأذن له في التوكيل، ومذهب أبي حنيفة (3) والشافعي (4) ورواية عن أحمد: لا يجوز؛ لأنه استنابه فيما يمكنه عمله، فلم يكن له أن (5) يوليه من يستنيبه (فقال الحسن: ولِّ حارها من تولى قارها) القار: البارد، وهو ضد الحار، وسيأتي تفسيره عن الأصمعي.
(فقال علي لعبد اللَّه بن جعفر) بن أبي طالب بن عبد المطلب (أقم عليه الحد) الذي عليه (قال: فأخذ السوط فجلده) به (وعلي رضي الله عنه يعد) عليه، فيه التصريح بأن عليًّا هو الآمر لعبد اللَّه، فكأنه غضب على الحسن من أجل توقفه، فيما أمره به على طريق الوكالة. قد يؤخذ من
(1) ساقطة من (م).
(2)
انظر: "المغني" 7/ 207.
(3)
"الأصل" 4/ 542، انظر:"المبسوط" 11/ 175.
(4)
"الأم" 4/ 489.
(5)
ساقطة من (م).
قوله: (وعلي يعد) أن في حد الخمر عددًا معلومًا، وأنه لا يكتفى بعدد الضارب، بل يعد معه من كان حاضرًا، (فلما بلغ) عبد اللَّه في الحد (أربعين) سوطًا (قال: ) علي رضي الله عنه (حسبك) أي: أمسك كما في رواية مسلم (1)، واعلم أنه وقع هنا، وفي رواية مسلم ما ظاهره أن عليًّا جلد الوليد بن عقبة أربعين (2)، ووقع في "صحيح البخاري" من رواية عبد اللَّه بن عدي بن الخيار أن عليًّا حده ثمانين وهي قضية واحدة (3).
قال القاضي عياض: المعروف من مذهب علي الجلد في الخمر ثمانين كما سبق عن "الموطأ"، ويجمع بين الرواية هنا وفي مسلم وبين رواية البخاري بما روي أنه جلده الأربعين بسوط له رأسان، فضربه برأسه أربعين، فيكون جملتها ثمانين (4).
(جَلَدَ) بفتحات (النبي صلى الله عليه وسلم أربعين) قال ابن حزم في "الإعراب": صح أنه صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين، وورد من طرق لا تصح أنه جلد ثمانين (أحسبه) أي: أظنه (قال: وجلد أبو بكر أربعين) في الخمر كما تقدم وسيأتي.
(وعمر) في صدر من خلافته (ثمانين) قال ابن دحية في كتاب "وهج الجمر في تحريم الخمر": صح عن عمر أنه قال: لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر ثمانين. وهذا لم يسبق إلى
(1)"صحيح مسلم"(1707).
(2)
السابق.
(3)
"صحيح البخاري"(3696).
(4)
"إكمال المعلم" 5/ 545.
تصحيحه أحدهم، حكى ابن الطلاع أن في "تصنيف عبد الرزاق" أنه عليه السلام جلد في الخمر ثمانين.
(وكل) من الأربعين والثمانين (سنة) ثم قال: (وهذا أحب إلي) قال القاضي: يحتمل أن يكون (وهذا أحب إلي) عائدًا إلى الثمانين التي فعلها عمر رضي الله عنه (1).
[4481]
(ثنا مسدد قال: ثنا يحيى) بن سعيد (عن) سعيد (ابن أبي عروبة عن) عبد اللَّه (الداناج) تقدم.
(عن حضين) بفتح الضاد المعجمة (بن المنذر، عن علي رضي الله عنه قال: جلد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخمر) أربعين (و) جلد (أبو بكر) في الخمر (أربعين وكملها عمر) في صدر من خلافته (ثمانين) باجتهاده بعد أن استشار الصحابة، وقال علي: نرى أن تجعله ثمانين. كما سيأتي (وكل سنة) قال النووي: هذا دليل على أن عليًّا كان معظمًا لآثار عمر رضي الله عنه وأن حكمه وقوله سنة، وأمره حق، وكذلك أبو بكر، خلاف ما يقوله الشيعة (2).
(قال أبو داود: قال الأصمعي: ) نسبة إلى أصمع بن مُظهر بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وتشديد الهاء (ول حارها من تولى قارها) أي: (ول شديدها) أي: شدة إقامة الحد والحركة فيه، والحر يكون مع الحركة كما أن البرد يكون مع السكون (من تولى هينها) أي: الحكم في إمرة المسلمين، وتناول حلاوة ما فيها من الأمر والنهي وما فيها من اللذة،
(1)"إكمال المعلم" 5/ 545.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 11/ 219.
والضمير عائد إلى الخلافة والإمارة، والمعنى: ليتولى عثمان هذا الحد بنفسه أو بعض أقاربه وخواصه الأدنين، واللَّه أعلم.
([قال أبو داود] (1): هذا كان سيد قومه حضين بن المنذر).
* * *
(1) ساقطة من (م)، وفي (ل) أنه ورد في نسخة بدونها.