المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌25 - باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٧

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب في النَّهْي عَنِ السَّعْي في الفِتْنَةِ

- ‌3 - باب فِي كَفِّ اللِّسَانِ

- ‌4 - باب ما يُرَخَّصُ فِيهِ مِنَ البَدَاوَةِ في الفِتْنَةِ

- ‌5 - باب فِي النَّهْى عَن القِتَالِ في الفِتْنَةِ

- ‌6 - باب فِي تَعْظِيمِ قَتْلِ المُؤْمِنِ

- ‌7 - باب ما يُرْجَى فِي القَتْلِ

- ‌كتاب المهدي

- ‌1 - باب

- ‌كتاب الملاحم

- ‌1 - باب ما يُذْكَرُ فِي قَرْنِ المِئَةِ

- ‌2 - باب ما يُذْكَرُ مِنْ مَلاحِمِ الرُّومِ

- ‌3 - باب فِي أَماراتِ المَلاحِمِ

- ‌4 - باب فِي تَوَاتُرِ المَلاحِمِ

- ‌5 - باب فِي تَداعِي الأُمَمِ عَلَى الإِسْلَامِ

- ‌6 - باب فِي المَعْقِلِ مِنَ المَلَاحِمِ

- ‌7 - باب ارْتِفاعِ الفِتْنَةِ فِي المَلاحِمِ

- ‌8 - باب فِي النَّهْي عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ وَالحَبَشَةِ

- ‌9 - باب في قِتَالِ التُّرْكِ

- ‌10 - باب فِي ذِكْرِ البَصْرَةِ

- ‌11 - باب النَّهْي عَنْ تهْيِيجِ الحَبَشَةِ

- ‌12 - باب أَماراتِ السّاعَةِ

- ‌13 - باب حَسْرِ الفُراتِ عَنْ كَنْزٍ

- ‌14 - باب خُرُوجِ الدَّجّالِ

- ‌15 - باب فِي خَبَرِ الجَسّاسَةِ

- ‌16 - باب فِي خَبرِ ابن صائِدٍ

- ‌17 - باب الأَمْرِ والنَّهْي

- ‌18 - باب قيامِ السّاعَةِ

- ‌كتاب الحدود

- ‌1 - باب الحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ

- ‌2 - باب الحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - باب ما جاءَ في المُحارِبَةِ

- ‌4 - باب في الحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ

- ‌5 - باب العَفْوِ عَن الحُدُودِ ما لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطانَ

- ‌6 - باب فِي السَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الحُدُودِ

- ‌7 - باب فِي صاحِبِ الحَدِّ يَجَيءُ فَيُقِرُّ

- ‌8 - باب فِي التَّلْقِينِ في الحَدِّ

- ‌9 - باب فِي الرَّجُلِ يَعْترِفُ بِحَدٍّ ولا يُسَمِّيهِ

- ‌10 - باب في الامْتِحانِ بِالضَّرْبِ

- ‌11 - باب ما يُقْطَعُ فِيهِ السّارِقُ

- ‌12 - باب ما لا قَطْعَ فِيهِ

- ‌13 - باب القَطْعِ في الخُلْسَةِ والخِيانَةِ

- ‌14 - باب مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ

- ‌15 - باب فِي القَطْعِ في العارِيَةِ إِذا جُحِدَتْ

- ‌16 - باب فِي المَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حَدًّا

- ‌17 - باب فِي الغُلامِ يُصِيبُ الحَدَّ

- ‌18 - باب السّارِق يَسْرِقُ في الغَزْوِ أَيُقْطَعُ

- ‌19 - باب فِي قَطْعِ النَّبّاشِ

- ‌20 - باب فِي السّارِق يَسْرِقُ مِرارًا

- ‌21 - باب فِي السّارقِ تُعَلَّقُ يَدُهُ في عُنُقِهِ

- ‌22 - باب بَيْع المَمْلُوكِ إِذا سَرَقَ

- ‌23 - باب في الرَّجْمِ

- ‌24 - باب رَجْمِ ماعِزِ بْن مالِكٍ

- ‌25 - باب المَرْأَةِ التي أَمَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِها مِنْ جُهَيْنَةَ

- ‌26 - باب فِي رَجْمِ اليَهُودِيَّيْنِ

- ‌27 - باب فِي الرَّجُلِ يَزْني بِحَرِيمِهِ

- ‌28 - باب فِي الرَّجُل يَزْني بِجارِيَةِ امْرَأَتِهِ

- ‌29 - باب فِيمَنْ عمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ

- ‌30 - باب فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

- ‌31 - باب إِذا أَقَرَّ الرَّجُلُ بالزِّنا وَلَمْ تُقِرَّ المَرْأَةُ

- ‌32 - باب فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ مِن المَرْأَةِ دُونَ الجِماعِ فيَتُوبُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الإِمامُ

- ‌33 - باب فِي الأَمَةِ تَزْني وَلَمْ تُحْصَنْ

- ‌34 - باب فِي إِقامَةِ الحَدِّ عَلَى المَرِيضِ

- ‌35 - باب فِي حَدِّ القَذْفِ

- ‌36 - باب الحَدِّ في الخَمْرِ

- ‌37 - باب إِذا تَتَابَعَ في شُرْبِ الخَمْرِ

- ‌38 - باب فِي إِقامَةِ الحَدِّ في المَسْجِدِ

- ‌39 - باب فِي التَّعْزِيرِ

- ‌40 - باب في ضَرْبِ الوَجْهِ في الحَدِّ

- ‌كتاب الديات

- ‌1 - باب النَّفْسِ بالنَّفْسِ

- ‌2 - باب لا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ

- ‌3 - باب الإِمامِ يَأْمُرُ بِالعَفْوِ في الدَّمِ

- ‌4 - باب وَلِي العَمْدِ يَأْخُذُ الدِّيَةَ

- ‌5 - باب مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ

- ‌6 - باب فِيمَنْ سَقَى رَجُلًا سَمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ فَماتَ، أَيُقادُ مِنْهُ

- ‌7 - باب مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ مَثَّلَ بِهِ أَيُقادُ مِنْهُ

- ‌8 - باب القَسامَةِ

- ‌9 - باب في تَرْك القَوَدِ بِالقَسامَةِ

- ‌10 - باب يُقادُ مِنَ القاتِلِ

- ‌11 - باب أيُقادُ المُسْلِمُ بِالكافِرِ

- ‌12 - باب فِي مَنْ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ

- ‌13 - باب العامِلِ يُصابُ على يَدَيْهِ خَطَأ

- ‌14 - باب القَوَدِ بغَيْرِ حَدِيدٍ

- ‌15 - باب القَوَدِ مِنَ الضَّرْبَةِ وَقَصِّ الأَمِيرِ مِنْ نَفْسِهِ

- ‌16 - باب عَفْوِ النِّساءِ عَنِ الدَّمِ

- ‌17 - باب مَنْ قُتِلَ في عمِّيّا بَيْن قَوْمٍ

- ‌18 - باب الدّيَةِ كَمْ هي

- ‌19 - باب دِيَةِ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ

الفصل: ‌25 - باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة

‌25 - باب المَرْأَةِ التي أَمَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِها مِنْ جُهَيْنَةَ

4440 -

حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْن إِبْراهِيمَ أَنَّ هِشامًا الدَّسْتَوائي وَأَبانَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثاهُمُ - المَعْنَى- عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَبي المُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً -قالَ: في حَدِيثِ أَبانَ مِنْ جُهَيْنَةَ- أَتَتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالَتْ: إِنَّها زَنَتْ وَهي حُبْلَى. فَدَعا النَّبي صلى الله عليه وسلم وَليّا لَها فَقالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْسِنْ إِلَيْها فَإِذا وَضَعَتْ فَجِئْ بِها". فَلَمّا أَنْ وَضَعَتْ جاءَ بِها فَأَمَرَ بِها النَّبي صلى الله عليه وسلم فشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها ثُمَّ أَمَرَ بِها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ أَمَرَهمْ فَصَلَّوْا عَلَيْها فَقالَ عُمَر: يا رَسولَ اللَّهِ تُصَلّي عَلَيْها وَقَدْ زَنَتْ قالَ: "والَّذي نفْسي بِيَدِهِ لَقَدْ تابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جادَتْ بِنَفْسِها؟ ". لَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبانَ فَشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها (1).

4441 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الوَزِيرِ الدِّمَشْقيّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزاعي قالَ: فَشُكَّتْ عَلَيْها ثِيابُها. يَعْني فَشُدَّتْ (2).

4442 -

حَدَّثَنا إِبْراهِيم بْنُ مُوسَى الرّازي، أَخْبَرَنا عِيسَى بْنُ يُونسَ، عَنْ بَشِيرِ ابْنِ المُهاجِرِ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً -يَعْني: مِنْ غامِدَ- أَتَتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: إِنّي قَدْ فَجَرْتُ. فَقالَ: "ارْجِعَي". فَرَجَعَتْ فَلَمّا كانَ الغَدُ أَتَتْهُ فَقالَتْ: لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّني كَما رَدَدْتَ ماعِزَ بْنَ مالِكٍ فَواللَّهِ إِنّي لحُبْلَى. فَقالَ لَها: "ارْجِعَي". فَرَجَعَتْ فَلَمّا كانَ الغَدُ أَتَتْهُ فَقالَ لَها: "ارْجِعي حَتَّى تَلِدِي".

فَرَجَعَتْ فَلَمّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبي فَقالَتْ: هذا قَدْ وَلَدْتُهُ. فَقالَ لَها: "ارْجِعي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ". فَجاءَتْ بِهِ وَقَدْ فَطَمَتْهُ وَفي يَدِهِ شَيء يَأْكُلُهُ فَأَمَرَ بِالصَّبي فَدُفِعَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِها فَحُفِرَ لَها وَأَمَرَ بِها فَرُجِمَتْ وَكانَ خالِدٌ فِيمَنْ

(1) رواه مسلم (1696).

(2)

صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

ص: 412

يَرجُمُها فَرَجَمَها بِحَجَرٍ فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِها عَلَى وَجْنَتِهِ فَسَبَّها فَقالَ لَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم: "مَهْلًا يا خالِدُ، فَوالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَقَدْ تابَتْ تَوْبَةً لَوْ تابَها صاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ". وَأَمَرَ بِها فَصُلِّيَ عَلَيْها فَدُفِنَتْ (1).

4443 -

حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعُ بْنُ الجَرّاحِ، عَنْ زَكَرِيّا أَبي عِمْرانَ قالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنِ ابن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم رَجَمَ امْرَأَةً فَحُفِرَ لَها إِلَى الثَّنْدُوَةِ.

قالَ أَبو داوُدَ: أَفْهَمَني رَجُلٍ عَنْ عُثْمانَ. قالَ أَبُو داوُدَ: قالَ الغَسّاني جُهَيْنَةُ وَغامِدٌ وَبارِقٌ واحِدٌ (2).

4444 -

قالَ أَبُو داوُدَ: حُدِّثْتُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوارِثِ، قالَ: حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ سُلَيْمٍ، بإسْنادِهِ نَحْوَهُ، زادَ: ثُمَّ رَماها بِحَصاةٍ مِثْلَ الحُمّصَةِ ثُمَّ قالَ: "ارْمُوا واتَّقُوا الوَجْهَ". فَلَمّا طَفِئَتْ أَخْرَجَها فَصَلَّى عَلَيْها وقالَ في التَّوْبَةِ نَحْوَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ (3).

4445 -

حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ أَنَّهُما أَخْبَراهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ أخْتَصَما إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ أَحَدُهُما: يا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنا بِكتابِ اللَّهِ. وقالَ الآخَرُ وَكانَ أَفْقَهَهُما: أَجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ اللَّهِ وائْذَنْ لي أَنْ أَتَكَلَّمَ. قالَ: "تَكَلَّمْ". قالَ إِنَّ ابني كانَ عَسِيفًا عَلَى هذا -والعَسِيفُ الأَجَيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُوني أَنَّما عَلَى ابني الرَّجْمَ فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شاةٍ وَبِجارِيَةٍ لي ثُمَّ إِنّي سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَأَخْبروني أَنَّما عَلَى ابني جَلْدُ مِائَةٍ

(1) رواه مسلم (1695).

(2)

رواه أحمد 5/ 36، 42، 43، والبزار (3665)، والنسائي في "الكبرى"(7196). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

(3)

انظر حديث رقم (4443).

ص: 413

وَتَغْرِيبُ عامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ.

فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَما والَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُما بِكِتابِ اللَّهِ، أَمّا غَنَمُكَ وَجارِيَتُكَ فَرَدٌّ إِلَيْكَ". وَجَلَدَ ابنهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَميَّ أَنْ يَأْتي امْرَأَةَ الآخَرِ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها (1).

* * *

باب في المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة

[4440]

(ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري (أن هشامًا) هو ابن أبي عبد اللَّه (الدستوائي) كان يبيع الثياب الدستوائية، ودستوا من الأهواز (2)(وأبان بن يزيد حدثاهم المعنى) حدثاهم (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة عن أبي المهلب) عمرو بن معاوية (3) الجرمي.

(عن عمران بن حصين: أن امرأة، قال في حديث أبان) بن يزيد (من جهينة) سيأتي أنها من غامد، والجمع بينهما سيأتي قريبًا.

(أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت، وهي حبلى) من الزنا، اعتراف منها من غير تكرار تطلب منها دليل على عدم اشتراطه كما تقدم (فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) ولم يستفصلها كما استفصل ماعزًا؛ لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابا في قولها، ولا شكًّا في حالها بخلاف

(1) رواه البخاري (2314)، ومسلم (1697).

(2)

انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 551 - 552.

(3)

في (ل)، (م): ملوح. ولعل المصنف يعني: مطرح هو مطرح بن يزيد أبو المهلب، وهذا لم يرو له إلا ابن ماجه من أصحاب الكتب الستة.

ص: 414

حال ماعز، فإنه ظهر ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي صلى الله عليه وسلم، ليستثبت أمره، كما تقدم، قاله القرطبي (1).

(وليًّا لها، فقال له: أحسن إليها) هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا لهم من ذلك، والثاني: أمر به رحمة لها؛ إذ قد تابت، وحرض بالإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها وإسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك.

(فإذا وضعت فجئ بها) هو كالتعريض في أنها تسلمها منه فيردها إليه كما تسلمها، فهي كالأمانة تحت يده.

(فلما أن (2) وضعت) حملها (جاء بها) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فشكت) بضم الشين وتشديد الكاف (عليها ثيابها) أي: جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خيوط، ومنه الشك، وهي: الإبرة العظيمة، وشككت الصيد بالرمح أي: خرقته وانتظمته به، قال النووي: وفي بعضها: فشدت، فهي بالدال بدل الكاف، وهي بمعنى الأول، وفي هذا استحباب جمع ثيابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرر اضطرابها (3).

(ثم أمر بها فرجمت) فيه دلالة لمذهب الشافعي ومالك وموافقهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمهم الحضور (ثم

(1)"المفهم" 5/ 93.

(2)

ساقطة من (م).

(3)

"مسلم بشرح النووي" 11/ 205.

ص: 415

أمرهم فصلوا عليها) فيه حجة لمالك على أن الإمام لا يصلي على المقتول حدًّا، وحجة الشافعي، رواية مسلم: ثم أمر بها فصلى (1). قال القاضي عياض: بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة مسلم (2).

(فقال عمر: يا رسول اللَّه تصلي عليها) أصله: أتصلي عليها. بهمزة الاستفهام، كما في رواية مسلم ثم حذفت (وقد زنت؟ فقال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) فيه أن الزنا توبته تأخذ الجرمية، ولهذا مدح توبتها وتضاعف أجرها، وهذا هو الصحيح عند الإمام (3) والبغوي (4) والرافعي (5) وغيرهم، وهو الجديد من مذهب الشافعي (6) أنه لو تابت بعد الزنا لم يسقط عنها (7) الحد بالتوبة، وبه قال أبو حنيفة (8)؛ لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود وإبطال الزواجر، ويدل عليه الحديث:"من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد اللَّه تعالى"(9) وأما ما ورد في بعض رواية ماعز: "هلا رددتموه؛ لعله يتوب" فهو محمول على الرجوع عن الإقرار بالزنا، بخلاف ما ثبت بالشهادة

(1)"صحيح مسلم"(1697 - 1698).

(2)

"إكمال المعلم" 5/ 523.

(3)

"نهاية المطلب" 17/ 187.

(4)

"التهذيب" 7/ 336.

(5)

"الشرح الكبير" 11/ 259.

(6)

"الأم" 8/ 136.

(7)

في (ل، م): عنه. والمثبت الصواب.

(8)

انظر: "المبسوط" 10/ 110.

(9)

رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 244، 383.

ص: 416

عليه (وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها) للَّه تعالى؟ ! فيه: أن من صدر منه الزنا فاعترف به، وأحد منه الحد أفضل من غيره (لم يقل) في روايته (عن أبان) بن يزيد (فشكت عليها ثيابها) وذكر باقي الحديث.

[4441]

(ثنا محمد بن الوزير) بن الحكم (الدمشقي) وثقه أبو حاتم والدارقطني (1)(قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي قال: فشكت عليها ثيابها، يعني: فشدت) عليها ثيابها كما تقدم.

[4442]

(ثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أخبرنا عيسى، عن بشير بن المهاجر) الغنوي (عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (أن امرأة يعني: من غامد) بالغين المعجمة، وهو: عمرو بن كعب بن الحارث. قال الطبري: سمي غامدًا؛ لأنه كان بين قوم شيء فأصلح بينهم، ويعتمد كل ما كان من ذلك، وتقدم قريبًا أن المرأة من جهينة، ولا تباعد بين ذلك، فإن غامدًا قبيلة من جهينة، قاله عياض (2). وجهينة من الأزد، وبهذا تتفق الروايات.

(أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني فجرت) أي: زنيت، وأصل الفجور: الميل، كما تقدم (فقال: ارجعي، فرجعت) إلى منزلها (فلما كان الغد) بكسر الدال وضمها، كما تقدم (أتته، فقالت: لعلك تردني، كما رددت ماعز بن مالك) الأسلمي (فواللَّه إني لحبلى) من الزنا (فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته، فقال لها) أيضًا (ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي).

(1)"الجرح والتعديل" 8/ 115، "سؤالات البرقاني للدارقطني"(45).

(2)

"إكمال المعلم" 5/ 521.

ص: 417

وفي قوله: (حتى تلدي) دليل على أن الجنين وإن كان من زنا له حرمة، وأن الحامل لا تحد حتى تضع حملها، وهذا مما لا خلاف فيه، إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه (1). وإذا قلنا: فهل تحبس؟ ظاهر الحديث أنها لا تحبس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحبسها. وفصَّل الإمام في ذلك فقال: إن ثبت زناها بالإقرار احتمل أن تحبس كما يحبس المريض إلى البرء (2)؛ لأنها إن كانت لا تستسلم فصعب عليها الرجوع كما في الحديث، ويحتمل أن يقال: تحبس، فإن رجعت عن الإقرار خلينا سبيلها، وجزم البغوي (3) بالأول، وقياس هذا إن ثبت الزنا بالبينة حبست (فقالت: قد ولدته، فقال: ارجعي، فأرضعيه) بفتح الهمزة وكسر الضاد (حتى تفطميه) بفتح التاء وكسر الطاء، فيه أن الأم إذا وضعت لا يقتص منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللبأ، ويستغني عنها بلبن غيرها، وفيه أن الحمل يعرف ويحكم به، وهذا هو الصحيح في مذهبنا (4).

وقد اختلف العلماء فيما إذا سقته اللبأ، واستغنى عنها بلبن غيرها، فقال أبو حنيفة (5) ومالك (6): لا ينتظر بها إلى أن تكفل ولدها. قال

(1) المشهور في مذهب الأحناف هو أن الحامل لا تحد حتى تضع حملها.

انظر: "النتف في الفتاوى" 1/ 293، "تحفة الفقهاء" 3/ 143، "الهداية" 2/ 387.

(2)

"نهاية المطلب" 16/ 157، 17/ 193.

(3)

"التهذيب" 7/ 331 - 332.

(4)

انظر: "الروضة" 4/ 160.

(5)

انظر: "النتف في الفتاوى" 2/ 634.

(6)

"المدونة" 4/ 514.

ص: 418

القرطبي: وهذا قول من لم (1) تبلغه هذِه الرواية، يعني: الصحيحة في مسلم وغيره التي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها، وقد روي عن مالك أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاع، قال: وهو مشهور قول مالك (2). قال النووي: والمشهور من مذهب الشافعي وأحمد ومذهب مالك أنها لا ترجم حتى تجد من يرضعه، فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت (3). وهذا الحديث محمول على أنه وجد من يرضعه ويكفله كما سيأتي.

(فجاءت به وقد فطمته) قال أهل اللغة: الفطام: قطع الإرضاع؛ لاستغناء الولد عنه (وفي يده شيء يأكله) وفي رواية لمسلم: فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز (4)(فأمر بالصبي، فدفع إلى رجل من المسلمين) يكفله فكفله هذا الرجل. مصلحة ورفقًا بها ومساعدتها على تعجيل طهارتها بالحد، لما رأى من حرصها التام على تعجيل ذلك (فأمر بها فحفر لها).

وقد اختلف أصحاب الشافعي في الحفر للمرأة، فقالت طائفة: يحفر لها مطلقًا لهذا الحديث؛ لأن الغامدية كانت معترفة، وعلى ذلك جرى الشيخ أبو إسحاق (5) والبغوي (6)، وقال آخرون: الأمر فيه إلى خيرة

(1) ساقطة من (م).

(2)

"المفهم" 5/ 97.

(3)

"مسلم بشرح النووي" 11/ 202.

(4)

"صحيح مسلم"(1695).

(5)

"المهذب" 2/ 271.

(6)

"التهذيب" 7/ 326.

ص: 419

الإمام، إن شاء حفر، وإن شاء لم يحفر، سواء قتلت بالبينة أو بالإقرار، قاله القاضي أبو الطيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حفر للغامدية، ولم يحفر للجهنية، وكان الزنا ثبت عليهما بإقرارهما، ولم يذكر أبو الطيب دليلًا على التخيير في التي ثبت زناها بالبينة، وكأن دليله القياس على من ثبت زناها بالإقرار، والذي صححه النووي (1) تبعًا للرافعي (2): إن ثبت زناها بالبينة استحب أن يحفر لها، وإن ثبت بالإقرار فلا يمكنها الهرب، وإن رجعت في قولها (3) الأشبه -وهو المنسوب للشيخ أبي حامد- هذا التفصيل.

قال البلقيني: ولا يحمل بمجرد ما يقول الرافعي الأشبه أن يخالف السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد توجيه لا بيان له، قال الرافعي: وجه استحباب الحفر إذا ثبت بالبينة بقوله: (لئلا تنكشف). وهذا المعنى يعم صورة الإقرار أيضًا.

ثم قال: والأصح عندنا استحباب الحفر للمرأة، سواء ثبت ذلك بإقرارها أو بالبينة. قال: وأما قضية الجهنية، فإنه لم يجئ فيها أنه لم يحفر لها، وإنما جاء أنها رجمت، ولا يلزم من ذلك أنه لم يحفر لها.

(وأمر بها فرجمت فكان خالد) بن الوليد (فيمن رجمها) يدل على تعدد الراجمين. قال أصحابنا: يستحب أن يستوفى الحد بحضرة

(1)"الروضة" 10/ 99.

(2)

"الشرح الكبير" 11/ 157.

(3)

في (ل)، (م): قوله. والجادة ما أثبتناه.

ص: 420

جماعة أقلهم أربعة؛ لأنه أعظم في التنكيل (فرجمها بحجر) تقدم أن الماوردي قال: الاختيار أن يكون الحجر ملء الكف (1).

(فوقعت قطرة من دمها) يدل على شدة بأس خالد رضي الله عنه، وقوة رميته، كما كانت شدته في قتال الكفار (على وجنته) يدل على أنه لم يكن بعيدًا منها. قال أصحابنا: يستحب أن يكون موقف الرامي (2) بحيث لا يبعد عن المرجوم فتخطئه رميته، ولا يدنو منه فتؤلمه (3). ورواية مسلم: فتنضح الدم على وجه خالد (4). أي: تطاير متفرقًا، لكن لم يصب خالدًا منها غير قطرة.

(فسبها) أي: شتمها (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهلًا يا خالد) أي: كف عن سبها، ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب ولا يؤذى بتقريع كلام ونحوه، فيجمع بين التعذيب الجسماني والروحاني، بل يقال: إن التعذيب بالسب والتقريع عند كثير من الناس أعظم من عقوبة الجسم.

(فوالذي نفسي بيده) فيه الحلف بهذِه اليمين (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْسٍ) وهو الذي يؤخذ من الناس مما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب وظلم وعسف على الناس وإشاعة للمنكر، وعمل به ودوام عليه (لغفر له) الظاهر أن هذا من باب

(1)"الحاوي" 13/ 203.

(2)

في (ل)، (م): الإمام، ولعل المثبت الصواب.

(3)

انظر: "الحاوي" 13/ 203.

(4)

"صحيح مسلم"(1695/ 23).

ص: 421

المبالغة في قبول توبتها وعظم ثوابها، وإلا فالمكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وانتهاكه لحرمة اللَّه تعالى، وأخذ أموال الناس بغير حقها ودفعها لمن لا يستحقها، بل ليستعين بها على المعاصي، ويتجرأ على مظالم الناس، ومثل هذا لا يصح منه التوبة إلا برد المظالم إلى أربابها، وهو بعيد الخلاص منه؛ لكثرة الحقوق، وانتشارها في الناس، وعدم معرفة المظلومين، لكن الكرم واسع والقبول لا مانع منه ولا دافع.

(وأمر بها فصلي عليها) قال القاضي عياض: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم". قال: وعند الطبري بضم الصاد، وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود. قال: ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز، وذكرها البخاري (1).

(ودفنت) فيه أن المقتول في الحد أو القصاص يدفن في مقابر المسلمين بلا طمس، إلا إذا كان في بلاد الكفار فإنه يطمس لئلا يؤذى.

[4443]

(ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن زكريا أبي عمران) بن سليم، بصري صدوق.

(قال: سمعت شيخًا يحدث عن) عبد الرحمن (ابن أبي بكرة، عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث.

(أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) بثاء مثلثة، وإسكان النون، وضم الدال، هو: الثدي.

(1)"إكمال المعلم" 5/ 523.

ص: 422

قال ابن السكيت: هو اللحم الذي حول الثدي (1). قال الجوهري: الثندؤة للرجل بمنزلة الثدي للمرأة، فإذا ضممت أوله همزت بعد الدال فيكون فعللة، وإذا فتحته لم تهمز فيكون فعولة، مثل: ترقوة (2).

(قال أبو داود: أفهمني رجلٌ ابن) بالنصب، أي: أفهمني ذكر ابن أبي بكرة، و (رجل) بالرفع: فاعل (أفهمني)(عن عثمان) بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم (3).

[4444]

(قال أبو داود: حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث) التنوري، حافظ حجة (قال: ثنا زكريا بن سليم) البصري (بإسناده) المتقدم (نحوه) و (زاد) في روايته (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة) بكسر الحاء (4)، وكسر البصريون ميمه، وفتحها الكوفيون.

قال المبرد: بالكسر، وثعلب: بالفتح، ومعلوم أن المبرد إمام البصريين في زمنه، وثعلب إمام الكوفيين.

قوله: (مثل الحمصة) مخالف لما قاله الإمام في "النهاية" وتبعه الرافعي والنووي، ومن بعدهما: أن الرمي يكون بحجارة معتدلة، فإن مقتضاه أنه لا يجوز الرمي بصخرة كبيرة فتقتله لما فيه من فوات التنكيل، ولا يجوز أن يطول عليه بحصيات خفيفة؛ لأن فيه زيادة تعذيب. قال شيخنا البلقيني: هذا الذي ذكر الإمام ممنوع، بل يرمي

(1)"إصلاح المنطق"(ص 113).

(2)

"الصحاح" 1/ 38.

(3)

ساقطة من (م).

(4)

في (ل): الحمصة.

ص: 423

بالخفيف والثقيل على حسب ما وجد. وتقدم في رواية رواها مسلم: فرميناه بجلاميد الحرة (1). وهي: الحجارة الكبار بحسب ما وجدوا، وجاء في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج: أن ماعزًا لم يقتل حتى رماه عمر بن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله (2). وفي رواية للبيهقي: أنَّ عبد اللَّه بن أنيس رماه بوظيف حمار (3). وكل هذا بحسب ما يجده الرامي كما تقدم، وعلى هذا فيحمل كلام الأصحاب: لا يجوز الرمي بصخرة كبيرة على أنه لا يبتدأ بالصخرة الكبيرة ولا يستمر على الحصيات الصغار وحدها.

(ثم قال: ارموا واتقوا الوجه) أي: ارموا إلى جميع البدن فإنه محل الرجم، واتقوا الوجه يعني: ما استطعتم، (فلما طفئت) بهمزة بعد الفاء، أي: خرجت روحها (أخرجها) من الحفرة (وصلى عليها) هو وأصحابه، وفيه الصلاة على المحدود (وقال في) ذكر (التوبة)"لقد تابت توبة لو تابها" إلى آخره (نحو حديث بريدة) المتقدم.

[4445]

(ثنا عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن) محمد (ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود) الهذلي أحد الفقهاء السبعة (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) من جهينة بن زيد، الصحابي (4).

(أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا

(1)"صحيح مسلم"(1694).

(2)

"مصنف عبد الرزاق" 7/ 321 (13339).

(3)

"السنن الكبرى" 8/ 382.

(4)

في (ل، م): الصحابة، ولعل الصواب المثبت.

ص: 424

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اقض بيننا بكتاب اللَّه) يراد به حكم اللَّه إن كانت هذِه القضية وقعت بعد نسخ تلاوة الرجم، كما تقدم، وإن كانت قبل ذلك فكتاب اللَّه محمول على حقيقته، وفيه أنه يجوز للخصم أن يقول للإمام العادل: احكم بيننا بالحق؛ لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضي إلا بما أمره اللَّه في كتابه، ولم ينكر ذلك عليه.

(وقال الآخر وكان أفقههما) إنما كان أفقههما؛ لأنه ترفق ولم يستعجل وتلطف بالاستئذان في القول، بخلاف الأول قال:(أجل) بفتح الجيم وسكون اللام، جواب مثل نعم، إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام (يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاقض بيننا بكتاب اللَّه، وأذن لي أن أتكلم) فيه حسن الأدب بطلب الإذن قبل الكلام.

(قال: تكلم. قال: إنَّ ابني كلان عسيفًا) أي: أجيرًا (على هذا) الرجل، أي: أجيرًا عنده (والعسيف: الأجير) جمعه عسفاء كأجير وأجراء، وفقيه وفقهاء (فزنى بامرأته) لم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه ولا للمرأة لاعترافهما بالزنا على أنفسهما، زاد مسلم:(فأخبروني أن) ما (على ابني الرجم فافتديت منه بمئة شاة) عن الرجم الذي أخبروني أنه عليه (وجارية) زاد البخاري: بمئة شاة ووليدة (1). (لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني) فيه أن العالم قد يفتي في مصر وفيه من هو أعلم منه، ألا ترى أنه سأل أهل العلم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وكذلك كان الصحابة يفتون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سؤاله

(1)"صحيح البخاري"(2724 - 2725)، وكذا عند مسلم (1697 - 1698).

ص: 425

أهل العلم ورجوعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أنه يجوز للرجل ألا يقتصر على قول واحد من العلماء.

(أنما على ابني جلد مئة وتغريب عام) لأنه لم يحصن (وأنما الرجم على امرأته) لأنها محصنة، فيه استماع الحكم من أحد الخصمين وصاحبه غائب، ألا ترى أن المرأة لم تحضر سؤاله، وفيه الفتوى دون خصمه، ألا ترى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أفتاهما والمرأة غائبة، وكانت إحدى الخصمين.

(فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب اللَّه) قال النووي: يحتمل أن المراد: بحكم اللَّه، وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} وفسَّر النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالرجم في حق المحصن كما تقدم، وقيل: هو إشارة إلى آية: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، فقد سبق أنه مما نسخت تلاوته وبقي حكمه (1) (أما غنمك وخادمتك فردّ عليك) (2) أي: مردودة عليك، أي: يجب ردها إليك، وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد، وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده، وأن الحدود لا تقبل الفداء.

(وجلد ابنه مئة) جلدة (وغربه عامًا) وهو محمول على أن الابن كان بكرًا، وعلى أنه اعترف، وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل، أو يكون هذا إفتاء جواب لاستفتائه، أي: إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه الجلد والتغريب (وأمر أنيسًا) مصغرًا لأنس، وهو: ابن الضحاك (الأسلمي)

(1)"مسلم بشرح النووي" 11/ 206.

(2)

في (ل)، (م): إليك. وعليها: نسخة.

ص: 426

على الأصح.

(أن يأتي امرأة الآخر) ويسألها (فإن اعترفت (1) رجمها) بالزنا فارجمها، أي: إن (2) شهدت على نفسها بالزنا، وهذا مبني على أنَّ أنيسًا كان حاكمًا أو كان (3) رسولًا لها ليستفصلها، ويدل على هذا قوله في آخر الحديث (فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت) وهذا يدل على أن أنيسًا إنما سمع إقرارها، وأنَّ تنفيذ الحكم إنما كان من النبي صلى الله عليه وسلم. (فاعترفت فرجمها) بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

* * *

(1) في (ل): اعترف. وعليها نسخة.

(2)

ساقطة من (م).

(3)

ساقطة من (م).

ص: 427