الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 -
الحدود
1 - باب الحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ
4351 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام أَحْرَقَ ناسًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلام فَبَلَغَ ذَلِكَ ابن عَبّاسٍ فَقالَ: لَمْ أَكُنْ لأَحْرِقَهُمْ بِالنّارِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تُعَذِّبُوا بِعَذابِ اللَّهِ". وَكُنْتُ قاتِلَهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ". فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّا عليه السلام فَقالَ: وَيْحَ ابن عَبّاسٍ (1).
4352 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِم يَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدى ثَلاثٍ الثَّيِّبُ الزّاني والنَّفْسُ بِالنَّفْسِ والتّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ"(2).
(1) رواه البخاري (3017).
(2)
رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676).
4353 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ الباهِلي، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدى ثَلاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحارِبًا للَّه وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأَرْضِ أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِها"(1).
4354 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قالا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سَعِيدٍ -قالَ مُسَدَّدٌ- حَدَّثَنا قُرَّة بْن خالِدٍ قالَ: حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن هِلالٍ، حَدَّثَنا أَبُو بُرْدَةَ قالَ: قالَ أَبُو مُوسَى أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم وَمَعي رَجُلانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُما عَنْ يَمِيني والآخَرُ عَنْ يَساري فَكِلاهُما سَأَلَ العَمَلَ والنَّبي صلى الله عليه وسلم ساكِتٌ فَقالَ: "ما تَقُولُ يا أَبا مُوسَى". أَوْ: "يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". قُلْتُ: والَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أَطْلَعاني عَلَى ما في أَنْفُسِهِما وَما شَعَرْتُ أَنَّهُما يَطْلُبانِ العَمَلَ. قالَ: وَكَأنّي أَنْظُرُ إِلَى سِواكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ قالَ: "لَنْ نَسْتَعْمِلَ -أَوْ لا نَسْتَعْمِلُ- عَلَى عَمَلِنا مَنْ أَرادَهُ ولكن اذْهَبْ أَنْتَ يا أَبا مُوسَى أَوْ يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". فَبَعَثَهُ عَلَى اليَمَنِ ثمَّ أَتْبَعَهُ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ قالَ: فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ مُعاذٌ قالَ انْزِلْ. وَأَلْقَى لَهُ وِسادَةً فَإِذا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قالَ: ما هذا؟ قالَ: هذا كانَ يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ راجَعَ دِينَهُ دِينَ السُّوءِ. قالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضاء اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قالَ: اجْلِسْ نَعَمْ. قالَ: لا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ثَلاثَ مَرّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثمَّ تَذاكَرا قِيامَ اللَّيْلِ فَقالَ أَحَدُهُما مُعاذُ بْن جَبَلٍ أَمّا أَنا فَأَنامُ وَأقُومُ -أَوْ أَقُومُ وَأَنامُ- وَأَرْجُو في نَوْمَتي ما أَرْجُو في قَوْمَتَي (2).
4355 -
حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلي، حَدَّثَنا الحِمّاني -يَعْني عَبْدَ الحَمِيدِ بْنَ
(1) رواه مسلم (1676).
(2)
رواه البخاري (6923)، ومسلم (1733/ 15) كتاب الإمارة.
عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى وَبُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قالَ: قَدِمَ عَلي مُعاذٌ وَأَنا بِاليَمَنِ وَرَجُلٌ كانَ يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ فارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ فَلَمّا قَدِمَ مُعاذٌ قالَ: لا أَنْزِلُ عَنْ دابَّتي حَتَّى يُقْتَلَ. فَقُتِلَ. قالَ أَحَدُهُما: وَكانَ قَدِ اسْتُتِيبَ قَبْلَ ذَلِكَ (1).
4356 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن العَلاءِ، حَدَّثَنا حَفْصٌ، حَدَّثَنا الشَّيْباني، عَنْ أَبي بُرْدَةَ بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَأُتي أَبُو مُوسَى بِرَجُلٍ قَدِ ارْتَدَّ، عَنِ الإِسْلامِ فَدَعاهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْها فَجاءَ مُعاذٌ فَدَعاة فَأَبَى فَضرِبَ عُنُقُهُ.
قالَ أَبُو داوُدَ: وَرَواهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكر الاسْتِتابَةَ، وَرَواهُ ابن فضَيْلٍ عَنِ الشَّيْباني عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الاسْتِتابَةَ (2).
4357 -
حَدَّثَنا ابن مُعاذٍ، حَدَّثَنا أَبي، حَدَّثَنا المَسْعُودي، عَنِ القاسِم بهذِه القِصَّةِ قالَ: فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى ضُرِبَ عُنُقُهُ وَما اسْتَتابَهُ (3).
4358 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدٍ المَرْوَزي، حَدَّثَنا عَلي بْن الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوي عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: كانَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعْدِ بْنِ أَبي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأَزَلَّهُ الشَّيطانُ فَلَحِقَ بِالكُفّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الفَتْحِ فاسْتَجارَ لَهُ عُثْمان بْن عَفّانَ فَأَجارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4).
4359 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ المفَضَّلِ، حَدَّثَنا أَسْباطُ بْنُ نَصْرٍ قالَ: زَعَمَ السُّدّي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ
(1) انظر حديث رقم (4354).
(2)
انظر حديث رقم (4354).
(3)
انظر حديث رقم (4354).
(4)
رواه النسائي 7/ 107، والبيهقي 8/ 196.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعْدِ بْنِ أَبي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ فَجاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ بايعْ عَبْدَ اللَّهِ.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحابِهِ فَقالَ: "أَما كانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هذا حَيْثُ رَآني كَفَفْتُ يَدي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ". فَقالُوا ما نَدْري يا رَسُولَ اللَّهِ ما في نَفْسِكَ أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنا بِعَيْنِكَ قالَ: "إِنَّهُ لا يَنْبَغي لِنَبي أَنْ تَكُونَ لَهُ خائِنَةُ الأَعْيُنِ"(1).
4360 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ جَرِيرٍ قالَ: سَمِعْنَا النَّبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذا أَبَقَ العَبْدُ إِلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ"(2).
* * *
كتاب الحدود
باب ما جاء في الحكم فيمن ارتد
[4351]
(ثنا أحمد بن حنبل) قال (ثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الإمام قال (أخبرنا أيوب) بن جدعان (3)(عن عكرمة أن عليًّا رضي الله عنه أحرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام). رواية البخاري: أتي علي بزنادقة فأحرقهم (4).
(فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لم أكن لأُحرقَهم) بضم الهمزة ونصب
(1) صحيح، وسبق برقم (2683).
(2)
رواه النسائي 7/ 102 - 103، وأحمد 4/ 365.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(276).
(3)
كذا في (ل)، (م)، وهو خطأ، والصواب:(كيسان). فهو أيوب بن أبي تميمة كيسان.
(4)
"صحيح البخاري"(6922).
القاف بـ (أن) المقدرة (بالنار؛ إن (1) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) نهى عن ذلك فـ (قال: لا تعذبوا بعذاب اللَّه) وروى البيهقي في "المعرفة" من حديث عمران (بن نوفل)(2) بن يزيد بن البراء عن أبيه، عن جده، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه"(3) وإنما أحرق بالنار؛ لأنه لم يبلغه حديث النهي (كنت قاتلهم) رواية الترمذي: لو كنت أنا لقتلتهم (4).
(بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه) سواء (5) كان التبديل إلى دين أهل الكتاب أو غيرهم، وسواء في المبدل الحر والعبد والذكر والأنثى، بشرط أن يكون مكلفًا، نص عليه الشافعي (6)، لأن اللفظ يدخل فيه، فإن لفظة (مَنْ) شاملة للجميع؛ لأنها من ألفاظ الجنس، فاستغرقت الجنس، فشمل الذكور والإناث، وقال اللَّه تعالى في حكم الإناث:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ} (7) ولو قال: مَنْ دخل داري فله درهم. استحقه من دخل من ذكر أو أنثى حر أو عبد.
(فاقتلوه) أي: بضرب الرقبة كما دلت عليه رواية "الموطأ": "من غير
(1) في (ل)، (م): لأن، والمثبت من مطبوع "سنن أبي داود".
(2)
هكذا في النسخ، وفي "التلخيص الحبير" 4/ 65، "البدر المنير" 8/ 659، بينما عند البيهقي: عمران بن يزيد.
(3)
"معرفة السنن والآثار" 12/ 409 - 410 (17185) وهو في "السنن الكبرى" له 8/ 43، و"الصغرى" (3167). قال البيهقي: وفي هذا الإسناد بعض من يجهل. وضعفه الألباني في "الإرواء"(2233).
(4)
"سنن الترمذي"(1458).
(5)
ساقطة من (م).
(6)
"مختصر المزني" 5/ 165.
(7)
سورة النساء: 124.
دينه فاضربوا عنقه" (1).
والمباشر لقتله الإمام أو نائبه، فإن قتله غيره عزر لافتئاته، نص عليه الشافعي في "المختصر"(2).
(فبلغ ذلك عليًّا، فقال: وَيْحَ) بالنصب: كلمة ترحم، قال الخطابي: معناه المدح والإعجاب بقوله (3)(ابن) بالجزم (أم عباس) زاد الترمذي: فبلغ ذلك عليًّا، فقال: صَدَقَ ابن عباس (4). ويح أم ابن عباس، وهو الأصل.
قال بعضهم: واعجبًا من علي؛ فقول ابن عباس يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ، ولو بلغه قال به، ولولا ذلك لأنكر على ابن عباس.
[4352]
(ثنا عمرو بن عون) الواسطي البزاز. الحافظ شيخ البخاري، قال أبو زرعة: قل من رأيت أثبت منه (5)! .
(قال: ثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة) الخارفي ثقة (عن مسروق، عن عبد اللَّه) بن مسعود رضي الله عنه (قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه).
قوله: (دم امرئ) فيه حذف مضاف، أي: إجراء دم امرئ.
(1)"الموطأ" 2/ 736 عن زيد بن أسلم مرسلًا.
(2)
"مختصر المزني" 5/ 165.
(3)
"معالم السنن" 3/ 252.
(4)
"سنن الترمذي"(1458).
(5)
"الجرح والتعديل" 6/ 252.
وقوله: (يشهد أن لا إله إلا اللَّه) كالتفسير لقوله: (مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب) الذكر والأنثى فيه سواء، قال ابن السكيت: وذلك إذا كانت المرأة دخل بها، أو كان الرجل قد دخل بامرأته (1).
(الزاني) أكثر النسخ بغير ياء بعد النون، وهي لغة صحيحة، قرئ بها في السبع في قوله تعالى:{الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (2) وغيره.
(والنفس بالنفس) النفس: تذكر وتؤنث، قال اللَّه تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} ثم قال: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} (3) فأول الآية يدل على التأنيث، وآخرها يدل على التذكير.
وقد تعلق أبو حنيفة وأصحابه بهذا العموم فقالوا: يقتل المسلم بالذمي والحر بالعبد (4)، والجمهور على خلافه، وأنه عموم أريد به الخصوص في المماثلين، وهذا مذهب مالك (5) والشافعي (6) وأحمد (7)، وقد وافقنا الحنفية على تخصيص هذا العموم، وأخرجوا منه صورًا، منها: إذا قتل السيد عبده فإنه لا يقتل به عندهم (8)، وإن
(1)"إصلاح المنطق"(ص 241).
(2)
الرعد: 9.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 13.
(3)
الزمر: 56، 59.
(4)
انظر: "بداية المبتدي"(ص 240).
(5)
"المدونة" 4/ 603.
(6)
"الأم" 6/ 21.
(7)
انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 31 - 40.
(8)
انظر: "النتف" للسغدي 2/ 663.
كان متعمدًا كما يقوله مالك والشافعي وأحمد، ومنها إذا قتل الأب ابنه، قال أبو حنيفة: لا يقتل به (1).
(والتارك لدينه المفارق للجماعة) يتناول كل [من يرتد](2) عن الإسلام وكل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج، وهذا عام يختص منه الصائل وغيره، واختلف العلماء في المرأة هل تقتل بالردة أم لا؟ ومذهب أبي حنيفة: لا تقتل (3)، ومذهب غيره: تقتل (4).
وقد يكون قوله: (المفارق للجماعة) بمعنى المخالف لأهل الإجماع، فيكون متمسكًا لمن يقول: مخالف الإجماع كافر. ونسب هذا إلى بعض الناس، وليس هذا بالهين.
[4353]
(ثنا محمد بن سنان الباهلي قال: ثنا إبراهيم بن طهمان) الخراساني، من أئمة الإسلام، فيه إرجاء.
(عن عبد العزيز (5) بن رفيع) بالكوفة (عن عبيد (6) بن عمير) الليثي (عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: رجل) بالجر، ويجوز الرفع (زنى بعد إحصان) والإحصان عبارة عن
(1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 5/ 106 (م 2226)، "النتف" 2/ 633.
(2)
في (ل): مرتد.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 471 (م 1624)، "بداية المبتدي"(ص 122).
(4)
انظر "الأوسط" لابن المنذر 13/ 465.
(5)
فوقها في (ل): (ع).
(6)
فوقها في (ل): (ع).
ثلاث خصال: التكليف، والحرية، والإصابة في نكاح صحيح، فلا تقوم الإصابة في ملك اليمين مقامه في النكاح.
والإحصان في اللغة المنع، قال اللَّه تعالى:{لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (1)، وقال:{فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} (2) والإحصان قيد للثيب المطلق في الحديث قبله، وكذا مقيد لرواية مسلم (3):"الثيب الزاني"(4).
(فإنه يرجم) والرجم هنا مطلق، وهو مقيد بما في الحديث قبله:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني"(5) فإنه يقتضي القتل إلى أن يموت (ورجل خرج محاربًا للَّه ورسوله) أي: عاصيًا لهما غير طائع، وكل من عصاك فهو حرب، والمراد بالمحاربين الخارجين على الإمام وعلى جماعة المسلمين، يخيفون السبيل، ويسعون في الأرض الفساد (فإنه يقتل) إن سفك الدماء وكف عن الأموال.
(أو) ليست للإباحة بل هي قرينة للحكم باختلاف الجناية، فكل واحد بقدر فعله (يصلب) ثلاثًا بعد القتل ويترك إذا قتل وأخذ المال.
قال أبو عبيد: سألت محمد بن الحسن عن قوله: {أَوْ يُصَلَّبُوا} (6) قال: هو أن يصلب حيًّا ثم يطعن بالرماح حتى يقتل، وهو رأي أبي حنيفة (7).
(1) الأنبياء: 80.
(2)
الحشر: 14.
(3)
بعدها في (م): في الحديث قبله.
(4)
"صحيح مسلم"(1676/ 26)، وكذا هو عند البخاري (6878).
(5)
السابق.
(6)
المائدة: 33.
(7)
انظر: "المبسوط" 9/ 196.
(أو ينفى من الأرض) إذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل، والأصح عند الشافعي أن النفي راجع إلى رأي الإمام بما فيه المصلحة من حبس وتغريب، وقيل: يغربه بنفسه إلى حيث يرى، وإن عين صوبا منع من العدول إلى غيره.
قال ابن الأنباري: وأكثر اللغويين أن المراد بالنفي الحبس والسجن، واحتجوا بأن المسجون بمنزلة المخرج من الدنيا، وأنشدوا من قول بعض المسجونين:
خرجنا عن الدنيا ونحن من أهلها
…
فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السجان يومًا بحاجةٍ
…
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا (1)
(أو قتل نفسًا) بغير حق (فيقتل بها) كما قال اللَّه تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (2).
[4354]
(ثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى (3) بن سعيد) القطان (قال مسدد) و (ثنا قرة بن خالد) السدوسي الثبت (قال: ثنا حميد بن هلال) العدوي، قال قتادة: ما كانوا يفضلون عليه أحدًا في العلم (4).
(1) انظر "معجم الأدباء" 1/ 423.
(2)
المائدة: 45.
(3)
فوقها في (ل): (ع).
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 7/ 403.
(قال: ثنا أبو بردة)[عامر بن قيس أخو](1) أبي موسى الأشعري، عن أبي موسى (قال أبو موسى) الأشعري (أقبلنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان) رواية مسلم: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من [بني](2) عمي (3).
(من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري) فيه أن من الأدب إذا مشى ثلاثة أن يكون كبيرهم في الوسط ويكتنفه الآخران، ومن يليه في الرتبة يكون على يمينه والآخر على يساره.
(فكلاهما سأل العمل) وفي رواية لمسلم: فقال أحد الرجلين (4): يا رسول اللَّه، أمرنا على بعض ما ولاك اللَّه تعالى. وقال الآخر مثل ذلك (5).
(والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت) رواية مسلم: والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك (6). (فقال: [ما تقول] يا أبا موسى أو يا عبد اللَّه بن قيس؟ ) الشك من الراوي.
قال (قلت: والذي بعثك بالحق نبيًّا ما أطلعاني على ما في أنفسهما) فيه جواز اليمين من غير استحلاف (وما شعرت أنهما يطلبان العمل) يشبه أنهما سألا أن يكونا عاملين على الصدقة. وفيه الاعتذار عما يظن به أنه فعله، والحلف على أنه لم يفعله.
قال (وكأني انظر إلى سواكه تحت شفته) العليا وقد (قَلَصَتْ) بفتح اللام، أي: ارتفعت لاستياكه على لحم أسنانه العُليا.
(1) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب:(عامر بن عبد اللَّه بن قيس بن).
(2)
ليست في النسختين، وأثبتناها من "الصحيح".
(3)
صحيح مسلم" (1733).
(4)
في (م): الزوجين.
(5)
"صحيح مسلم"(1733).
(6)
مسلم (1733/ 15).
وفيه استحباب إجراء السواك الرطب على لثة الأسنان العليا، ثم على السفلى، وعلى اللسان.
(قال: لن نستعمل أو لا نستعمل على عملنا من أراده) رواية مسلم: فقال: "إنا واللَّه لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه"(1) قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها، ولا يكون معه إعانة كما صرح به في حديث عبد الرحمن (2)، وإذا لم يكن معه إعانة لا يكون كفؤا، ولا يولى غير الكفؤ؛ لأن فيه تهمة للطالب والحريص.
(ولكن اذهب أنت (3) يا أبا موسى أو يا عبد اللَّه (4) بن قيس. فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل) زاد الطبراني: فأمرهما أن يعلما الناس القرآن (5). (فلما قدم معاذ) بن جبل (عليه) ليزوره (قال: انزل. وألقى له وسادة) فيه إكرام الضيف بالوساد والفراش والمطهرة ونحو ذلك مما يحتاج إليه.
(فإذا رجل عنده موثق) زاد الطبراني: بالحديد (6). فيه حبس من وجب قتله في قصاص أو ردة ونحوهما، وربطه وإيثاقه بالحديد ونحوه؛ لئلا
(1)"صحيح مسلم"(1733/ 14).
(2)
رواه البخاري (6622)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة.
(3)
ساقطة من (م).
(4)
في (م): عبد الرحمن.
(5)
"المعجم الكبير" 20/ 43 (66).
(6)
"المعجم الكبير" 20/ 43 (66).
يهرب (قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم راجع دينه دين السوء) زاد مسلم: فتهوَّد (1).
(قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء اللَّه ورسوله) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا قضاء اللَّه وقضاء رسوله، أو يكون مبتدأ حذف خبره، أي: قضاء اللَّه ورسوله بالتقديم على حقي.
(ثلاث مرات ثلاث مرات) تكرر ذلك. زاد الطبراني: فقال -يعني: أبا موسى-: أوبعثنا نعذب الناس، إنما نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم (2).
(فأمر به فقتل) أوضح الطبراني كيفية القتل فقال: والذي بعث محمدًا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار (3). فقال أبو موسى: إن لنا عنده بقية. فقال: واللَّه لا أبرح أبدًا. قال: فأتي بحطب، فألهب فيه، وكتفه وطرحه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (4).
وفيه دليل على وجوب قتل المرتد، وقد أجمعوا على قتله، وقتله بضرب الرقبة كما تقدم، ورواية الطبراني بالتحريق يقوي ما تقدم عن علي أول الباب.
واختلفوا في استتابته وفي قدرها، فقال مالك (5) والشافعي (6)
(1)"صحيح مسلم"(1733/ 15).
(2)
"المعجم الكبير" 20/ 43 (66).
(3)
السابق.
(4)
"مجمع الزوائد" 6/ 261.
(5)
"الموطأ" رواية أبي مصعب 2/ 504، وقال في الزنديق: لا يستتاب.
(6)
"الأم" 2/ 568.
وأحمد (1) والجماهير: يستتاب. ونقل ابن القطان المالكي إجماع الصحابة عليه (2).
وقال طاوس (3) والحسن (4) والماجشون المالكي وأبو يوسف (5): لا يستتاب.
والأصح عند الشافعي أن الاستتابة واجبة، وأنها في الحال. وله قول: أنها ثلاثة أيام، وبه قال مالك (6) وأبو حنيفة (7) وأحمد (8).
(ثم تذاكرا) فضيلة (قيام الليل، فقال أحدهما معاذ) بالرفع عطف بيان (ابن جبل: أما أنا فأنام وأقوم) أي: أنام بنية القيام للعبادة عند التيقظ وإجمام النفس للعبادة ونشاطها للطاعة.
(أو أقوم) يعني: للصلاة (وأنام) شك من الراوي (وأرجو من نومتي) من الأجر والثواب (ما أرجو في قومتي) أي: صلاتي.
زاد الطبراني: وكان معاذ أفضل منه.
وروى النسائي وابن ماجه بسند صحيح: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه فنام حتى يصبح كتب له ما نوى،
(1) انظر: "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 321 - 325.
(2)
"الإقناع" 3/ 1080 (2013).
(3)
انظر: "الأوسط" 13/ 460.
(4)
السابق.
(5)
ينظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 501 (1651) قاله أبو يوسف في الزنديق.
(6)
انظر: "البيان والتحصيل" 16/ 379.
(7)
انظر "السير الصغير"(ص 197)(281) إذا طلب التأجيل يؤجل.
(8)
انظر "الجامع لعلوم الإمام أحمد" 12/ 322.
وكان نومه صدقة من اللَّه عليه" (1).
[4355]
(ثنا الحسن بن علي) بن عفان، قال أبو حاتم: صدوق (2)، (قال: ثنا الحماني) بكسر الحاء المهملة، وتشديد الميم، وبعد الألف نون، من بني حمان وعامتهم بالكوفة (يعني: عبد الحميد بن عبد الرحمن) (3) بن طلحة بن عبيد اللَّه القرشي نزيل الكوفة، قال أبو داود: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث صحيح الحديث (4).
(وبريد)(5) بضم الموحدة مصغر (ابن عبد اللَّه بن أبي بردة، عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن) أبيه (أبي موسى) عبد اللَّه بن قيس الأشعري.
(قال: قدم عليَّ مُعاذ) بن جبل (وأنا) مقيم (باليمن) زائرًا، وإذا (رجل كان يهوديًّا فأسلم، فارتد) أتى بفاء التعقيب، يدل على أن ردَّته كانت عقب إسلامه (عن الإسلام، فلما قدم معاذ رضي الله عنه) ورآه موثقًا بالحديد (قال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل) فيه: امتناع الضيف من النزول عند
(1)"المجتبى" 3/ 258، "السنن الكبرى" 1/ 456 (1459)، "سنن ابن ماجه"(1344) من حديث أبي الدرداء.
(2)
كذا في (ل)، (م) وهو خطأ إنما هو الحسن بن علي بن محمد الخلال قال ابن حجر: ثقة حافظ له تصانيف، وقال الذهبي: ثبت حجة.
أما الحسن بن علي بن عفان فلم يرو له إلا ابن ماجه. انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 257، 259.
(3)
كذا في (ل)، (م)، وفي "السنن" زيادة:(عن طلحة بن يحيى).
(4)
"الجرح والتعديل" 4/ 477.
(5)
فوقها في (ل): (ع).
المضيف حتى يزيل ما ظهر له عدم جوازه، وإذا رأى معصية ظاهرة فهو أحرى بعدم جواز النزول عنده.
(فقتل) فيه ما تقدم (قال أحدهما) لعله إحدى (1) الروايتين عن أبي موسى (وكان) المرتد (قد استتيب قبل ذلك) فلم يتب.
فيه دليل على استتابة المرتد، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم عمر (2) وعلي (3) وعطاء (4) والنخعي (5) ومالك والثوري (6) والأوزاعي (7) والشافعي وأصحاب الرأي، وهو الصحيح عند الشافعي وأحمد بن حنبل (8)، وفي رواية عنهما أن الاستتابة مستحبة للحديث المتقدم، ولم يذكر استتابته، ولأنه لو قبل الاستتابة لم يضمن، ولو حرم قتله لضمن.
وقال عطاء: إن كان مسلمًا أصليًّا لم يستتب، وإن أسلم ثم ارتد استتيب (9).
(1) في النسخ الخطية: أحد. والمثبت هو الصواب.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" رواية أبي مصعب 2/ 503، وابن أبي شيبة 10/ 137 (29588).
(3)
رواه عبد الرزاق 6/ 104 (10138)، ورواه ابن أبي شيبة 10/ 138 (29589).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 10/ 139 (29595).
(5)
رواه عبد الرزاق 10/ 166 (18697)، وابن أبي شيبة 10/ 138 (29592).
(6)
رواه عبد الرزاق 10/ 166 (18697).
(7)
ينظر "الأوسط" 13/ 460.
(8)
سبق تخريج أقوال أصحاب المذاهب الأربعة قريبا.
(9)
ينظر "المغني" 12/ 267.
[4356]
(ثنا محمد بن العلاء قال: ثنا حفص) بن غياث النخعي قال (ثنا) سليمان بن أبي سليمان (الشيباني) الكوفي مولى بني شيبان (عن أبي بردة رضي الله عنه بهذِه القصة) المتقدمة.
(قال: فأتي أبو موسى) الأشعري (برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة قبل قدوم معاذ أو قريبًا منها) ويروى أن أبا موسى استتابه شهرين، والصحيح المشهور عند الشافعي استتابة المرتد والمرتدة في الحال، وإن أصرَّا قتلا بلا تأخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من بدل دينه فاقتلوه"(1) فأتى بفاء التعقيب. وإذا أردنا قتله بعد الاستتابة وإصراره فقال: أمهلوني حتى تنحل شبهتي. فالصحيح لا يمهل، بل يقال: أسلم ونزيل شبهتك.
(فجاء معاذ فدعاه) إلى الإسلام (فأبى؛ فضرب عنقه) هذا هو الصحيح في قتل المرتد أنه تضرب رقبته، لا بالإحراق كما تقدم.
(قال أبو داود: رواه عبد الملك بن عمير) الكوفي، رأى عليًّا. (عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة) في روايته (ورواه) محمد (ابن المفضل عن الشيباني، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه) أبي بردة بن أبي موسى (عن أبي موسى، ولم يذكر فيه الاستتابة) أيضًا.
[4357]
(ثنا) عبيد اللَّه (ابن معاذ) قال (ثنا أبي) معاذ [بن معاذ](2) العنبري قال (ثنا) عبد الرحمن بن عبد اللَّه (المسعودي عن القاسم) بن عبد الرحمن (بهذِه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما
(1) رواه البخاري (3017، 6922) من حديث ابن عباس.
(2)
ساقطة من (م).
استتابه) أي: لم يعرضها عليه.
[4358]
(ثنا أحمد بن محمد) بن موسى (المروزي) قال (ثنا علي ابن الحسين بن واقد، عن أبيه) الحسين بن واقد قاضي مرو، وثقه ابن معين (1) وغيره (عن يزيد) من الزيادة، ابن أبي سعيد المروزي النحوي، متقن عابد.
(عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح) بن الحارث العامري القرشي أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان (يكتب) الوحي (لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان) قال أبو علي الفارسي [في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}](2): يحتمل تأويلين: أحدهما: ألبسهما الزلة وحملهما عليها. والآخر: أن يكون أزل من زل الذي يراد به غيره وقد نسب للإنسان الزلة إلى الشيطان كقوله تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} (3)(فلحق بالكفار) أي: عاد إلى كفار قريش بمكة بعدما ارتد مشركًا.
(فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل) وأهدر دمه (يوم الفتح) أي: فتح مكة (فاستجار له) أي: طلب له الأمان وأن يجار من القتل (عثمان بن عفان) لأن أم عبد اللَّه أرضعت عثمان، وغيبه عثمان حتى أتى به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن الناس (فأجاره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) من القتل.
(1)"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (290)، رواية الدوري 4/ 354 (4750).
(2)
ما بين المعقوفتين ليس في (ل)، (م)، أثبتناه ليستقيم السياق.
(3)
آل عمران: 155.
[4359]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا أحمد بن المفضل) الكوفي، شيعي صدوق. قال (ثنا أسباط بن نصر) الهمداني، وثقه ابن معين (1) (قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد) بن أبي وقاص.
(قال: لما كان يوم (2) فتح مكة اختبأ عبد اللَّه بن أبي سرح عند عثمان ابن عفان رضي الله عنه) فيه: أمان المشرك الذي يطلب الأمان؛ ليرى حال الإسلام، وإجارته من القتل ما دام في دار الإسلام، وإخفاؤه عند من استجاره، ولهذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا أو حاجة، وجاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة ابن مسعود ومكرز وسهيل وغيرهم واحدًا بعد واحد فرأوا من أحوال المسلمين ما بهرهم، وكان ذلك من أكثر أسباب هداية أكثرهم.
(فجاء به) لما دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة (حتى أوققه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، بايع عبد اللَّه) بن أبي سرح (فرفع) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (رأسه فنظر إليه) ثم خفض رأسه ونظر إلى الأرض، ثم رفع رأسه فنظر إليه، ثم طأطأ رأسه ونظر إلى الأرض يفعل ذلك (ثلاثًا، كل ذلك) يطلب منه المبايعة و (يأبى) أن يبايعه [(فبايعه بعد ثلاث) مرات.
(ثم أقبل على أصحابه) يلومهم على تأخرهم عن قتله] (3)(فقال: أما كان فيكم رجل رشيد؟ ! ) أي: يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل،
(1)"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (143)، رواية الدوري 3/ 266 (1251).
(2)
ساقطة من (م).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
وفي ذلك توبيخ لهم حين لم يكن أحد منهم يفهم ما أراده. قال أبو مالك: رشيد. ناهٍ عن المنكر، ورشيد أي: ذو رشد أو مرشد كالحكيم بمعنى المحكم.
وفيه دليل على جواز استعمال كلام اللَّه تعالى في كلام في نظم أو نثر.
(يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ ) قبل أن يبايعه (فقالوا: ما ندري يا رسول اللَّه ما في نفسك) وفي الرواية المتقدمة في كتاب الحدود: فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه، انتظرتك فلم تومض لي (ألا) بالتخفيف والتشديد أي: هلا (أومأت إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) وتقدم في الجهاد.
قال الضحاك: خائنة الأعين الغمز.
قال ابن الأثير: خائنة الأعين كناية عن الرمز والإشارة، كأنها مما تخونه العين، أي: تسرقه، لأنها كالسرقة من الحاضرين (1).
وفيه: دليل على ما قاله العلماء أنه كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم خائنة الأعين، وهي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال.
زاد البغوي في "التهذيب": ثم أبيح له إذا أراد سفرًا أن يوري بغيره وقوله: ثم أبيح له. يشير إلى أنه كان محظورًا ثم أبيح -كما تقدم- الخدعة في الحرب كسائر الناس.
(1)"جامع الأصول" 8/ 374.
[4360]
(ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه)[عبد اللَّه المسعودي](1).
(عن أبي إسحاق)[سليمان بن أبي سمليمان فيروز الشيباني](2).
(عن) عامر (الشعبي، عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[يقول] (3): إذا أبق) بفتح الباء وكسرها لغتان مشهورتان، الفتح أفصح وبها جاء القرآن:{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} (4)(العبد) أو الجارية (إلى) أرض (الشرك) وفي رواية لغيره: "أيما عبد أبق من مواليه ولحق بالعدو"(5)(فقد حل دمه) وفي رواية لمسلم: "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة"(6).
وفي أخرى موقوفًا عليه: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم"(7). وفي رواية للنسائي: "لم تقبل له صلاة، وإن مات مات كافرًا"(8) فأبق غلام لجرير فضرب عنقه. انتهى.
(1) كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب:(عبد الرحمن الرؤاسي)، وانظر:"تهذيب الكمال" 7/ 375، 17/ 72.
(2)
كذا في الأصول، وهو خطأ، والصواب:(عمرو بن عبد اللَّه السبيعي)، وانظر "تهذيب الكمال" 22/ 102، 11/ 444.
(3)
من "سنن أبي داود".
(4)
الصافات: 145.
(5)
رواه أحمد 4/ 364، وأبو عوانة في "المستخرج" 1/ 36 (72)، والطبراني 2/ 327 (2366).
(6)
"صحيح مسلم"(70).
(7)
مسلم (68).
(8)
"المجتبى" 7/ 102، "السنن الكبرى" 7/ 102.
فقد أجرى جرير راوي الحديث [الحديث](1) على ظاهره، وهذا محمول عند الجمهور على من أبق مستحلا لذلك، فإذا فعله كان كافرًا حقيقة ويضرب عنقه، وإن كان غير مستحل له فتقول بظاهره الخوارج الذين يقولون بتخليد أهل المعاصي في النار، والخوارج يزيدون على التخليد فيحكمون بكفره حقيقة، وشبهتهم ظاهر هذا الحديث وأمثاله، وقد ثبتت الدلائل القاطعة الواضحة على بطلان مذهبهم، وهو محمول على قول الجمهور على كفران النعمة؛ فإنه قابل إحسان سيده وترك حقه بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر وعلى فعله أنه كفر لغة، ويحتمل أنه يقال: أطلق الكفر لأنه تشبه بالكفار بذهابه إلى بلادهم، وقصدها دون بلاد الإسلام.
* * *
(1) ليست في النسخ الخطية، والسياق يقتضيها.