الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب فِي النَّهْي عَنْ تَهْيِيجِ التُّرْكِ وَالحَبَشَةِ
4302 -
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْليّ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْباني، عَنْ أَبي سُكَيْنَةَ -رَجُلٍ مِنَ المُحَرَّرِينَ- عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"دَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُمْ، واتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَرَكُوكُمْ"(1).
* * *
باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة
[4302]
(ثنا عيسى بن محمد) أبو عمير ابن النحاس (الرملي) حافظ، عابد، فقيه (ثنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني الرملي، روى له البخاري في "الأدب" والأربعة (عن) يحيى بن أبي عمرو (السيباني) بفتح المهملة نسبة إلى سيبان بطن من حمير، وهو ثقة (عن أبي سكينة) بضم السين المهملة مصغر، سماه عبد الحق في "الأحكام الكبرى" زياد بن مالك (2)، وكذا سماه الذهبي (3)، وقال: الأظهر أن حديثه مرسل. (رجل) بالجر (من المحررين) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء المفتوحة بعدها، وكسر التي بعدها يعني: الموالي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه شيء لم يبدأ بأول من المحررين؛ لأنهم قوم لا ديوان لهم، وإنما يدخلون في جملة مواليهم (عن رجل من أصحاب
(1) رواه النسائي 6/ 43.
وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(3384).
(2)
"الأحكام الوسطى" 2/ 348.
(3)
"ميزان الاعتدال" 2/ 283 (2963) وفيه: زياد بن مليك.
النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعوا الحبشة) أي: اتركوهم (ما ودعوكم) أي: مدة ما تركوا محاربتكم.
قال ابن سيده في "المحكم": الحبش جنس من السودان. قال: والحبشة ليس بصحيح في القياس؛ لأنه لا واحد له على مثال فاعل، فيكون على فعلة (1). وقال ابن دريد: الحبشة على غير قياس (2). والحديث حجة عليهما، وقد حكى الجوهري حبشة (3). وفي قوله صلى الله عليه وسلم رد على ما زعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي ودع ومصدره واسم الفاعل، وقد ورد الماضي عن أفصح العرب في هذا الحديث، وكذا جاء في كلام اللَّه تعالى في قراءة مجاهد وابن أبي عبلة (4) ويزيد النحوي:(ما وَدَعَك ربك) بتخفيف الدال كما في الحديث، وكذا جاء المصدر في الحديث:"لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات"(5)، وكلام اللَّه وكلام أفصح الفصحاء متبوع لا تابع، بل فصحاء العرب عن آخرهم بالإضافة إليه كلا شيءٍ.
(واتركوا الترك ما تركوكم) أي: ما داموا في ديارهم ولم يتعرضوا لكم، ووجه تخصيص جهتي الحبشة والترك أن الحبشة بلادهم وعرة ذات حر عظيم، ويقال: إن نهر النيل الواصل إلى مصر من بلادهم
(1)"المحكم" 3/ 115.
(2)
"الاشتقاق"(ص 193).
(3)
"الصحاح" 3/ 999.
(4)
في (ل)، (م): علية، وهو خطأ. والمثبت الصواب كما في كتب القراءات.
(5)
رواه مسلم (865) من حديث ابن عمر وأبي هريرة.
يأتي، فإذا شاؤوا حبسوه، وبين المسلمين وبينهم مهاد عظيمة ومفاوز شاقة، فلم يكلف الشارع المسلمين دخول ديارهم؛ لعظم ما يحصل لهم من التعب والمشقة في ذلك، ولأن الحبشة ستأتي إلى الكعبة وتستخرج كنز الكعبة كما سيأتي في الباب الذي بعده، فلا يطاقون.
وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم أيضًا بعيدة، وطباعهم غليظة، وقلوبهم قاسية لا تفقه ذوائق الإيمان، وبلادهم باردة جدًّا لا تخلو غالبًا عن الثلوج، والعرب بلادهم حارة جدًّا، فلم يكلفهم تلك البلاد التي لا يستطيعون الإقامة بها ولا معاشرة ما لا يوافق طباعهم، فلهذا ترك هذين الجنسين دون غيرهم، وأما إذا دخلوا بلاد الإسلام قهرًا والعياذ باللَّه تعالى، واستباحوا دماء المسلمين وأموالهم كما وقع من الططر وغيرهم، فلا يباح لأحد ترك قتالهم والذب عن أبضاعهم وأنفسهم، فإن قتالهم في هذِه الحالة فرض عين، وفي الحالة الأولى غير فرض، واللَّه أعلم.
* * *