الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للجرمي. ولا تتصل بحاشا إلا في قليل، وأصلها من الحشى وهو الناحية. فمعنى: قاموا حاشا زيدًا أي جعلته في ناحيةٍ غير ناحيتهم، وتنون على أنها مصدرٌ. ويقال فيها حاش بحذف الألف الأخيرة، وحشى بحذف الوسطى، وقد قرئ بذلك كله، وحققنا الكلام في هذا الحرف في غير هذا الموضع. وأما عبارات أهل العلم في هذه الآية فقال المفسرون: معناه معاذا لله. وقال أبو بكر: أعزل فلانًا من وصف القوم بالحشى، أي بناحيةٍ، ولا أدخله في جملتهم. وقال الأزهري: هي حرف استثناءٍ، واشتقاقه من قولك: كنت في حشى فلانٍ، أي ناحيته. وحاشيت فلانًا. وحشيته: نحيته. قال: [من البسيط]
359 -
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
أي أنحي، ثم جعله، وإن كان بمنزلة الإسم، كسوى، وقال ابن عرفة: يقال: حاش لله: أي بعيدٌ من ذلك، ومنه: نزلت بحياش البلاد، أي بالبعد. قال الهروي: فجعله من باب الحاء والواو. قلت: يعني أن ذلك من قولهم: حاشه يحوشه: أي ضيق عليه حتى أمسكه من بعدٍ. ومنه: حش على الصيد: أي جابه من أطرافه البعيدة.
والحشى: الربو. ورجلٌ حشيان وحشٍ، وامرأة حشياء وحشيةٌ: أي أصبهما ذلك.
فصل الحاء والصاد
ح ص ب:
قوله تعالى: {حصب جهنم} [الأنبياء: 98]، الحصب ما يحصب به في النار، أي يلقى فيها، قاله أبو عبيد. وحصبته بكذا، أي رميته به. وقال قتادة: أي حطب جهنم، وبه قال عكرمة، إلا أنه قال: وهي لغة الحبشة. قال ابن عرفة: إن أراد أنها في الأصل كذا ثم تكلمت بها العرب واشتهرت في لغتها فذاك، وإلا فليس في القرآن إلا
عربي: وهذه مسألة خلاف مشهورةٌ.
وقرئ بالضاد معجمةً وهي ما تهيج به النار.
وقوله: {إنا أرسلنا عليهم حاصبًا} [القمر: 34] هي الريح القوية التي تقلع الحصباء وهي صغار الحصى وكبارها. وقد يحصب بالبرد أيضًا، وأنشد للقطامي:[من الطويل]
360 -
تمر كمر الريح في كل غمرةٍ
…
ويكتحل التالي بمورٍ وحاصب
ومنه: «أمر بحصب المسجد» أي أن تجعل فيه الحصباء. والمحصب: موضع رمي الجمار، سمي لما فيه من الحصباء. والتحصيب: المبيت به. والحصبة بكسر العين بمعنى الحاصب. قال لبيد: [من الرجز]
361 -
جرت عليها أن خوت من أهلها
…
أذيالها كل عصوفٍ حصبه
والحصبة والحصبة بكسر العين وسكونها بثرٌ يخرج في الجلد معروفٌ؛ يقال منه: حصب جلده بالكسر يحصب بالفتح. وفي مقتل عثمان «تحاصبوا في المسجد» أي تراموا بالحصباء.
ح ص د:
قوله تعالى: {وحب الحصيد} [ق: 9] أي: حب الزرع الحصيد. والحصيد بمعنى المحصود، والمراد ما يقتات به كالحنطة والشعير والعدس والذرة. وأصل الحصد القطع للزرع، ومنه استعير في الاستئصال والإهلاك؛ يقال حصدهم السيف، وحصدهم الموت.
وقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141]، وحصاده فتح الفاء وكسرها، كالجِداد والجَداد أي إبان حصاده وصلاحيته لذلك. وقوله:{فجعلناها حصيدًا} [يونس: 24] إشارة إلى أنه حصد في غير إبانه على سبيل الإفساد، أي استؤصل ما أنبت.
وقوله: {منها قائمٌ وحصيدٌ} [هود: 100] إشارةٌ إلى قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} [الأنعام: 45] أي منها ما هو بادٍ باقيةٌ أعلامه، ومنها ما حصد وهلك ودثر، فلم يبق له عينٌ ولا أثرٌ؛ فاستعير الحصد لهلاكه. وقوله:{حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] أي موتى هلكى من حصدهم بالسيف. وفي الحديث: «وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» جمع حصيد، وهي الكلمة شبهها بما يحصد من الزرع لأنها تقتطع من كلام الإنسان. وحبلٍ محصدٌ، ودرعٌ حصداء، وشجرة حصداء، كل ذلك استعارةٌ. وفي الحديث:«نهى عن حصاد الليل» قيل: إما لمكان الهوام حتى لا يصيب الناس، وإما لأجل حرمان المساكين والفقراء. واستحصد القوم: تقوى بعضهم ببعض وأحصد الزرع: صار ذا حصاد.
ح ص ر:
قوله تعالى: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] أي مكانًا ضيقًا حاجزًا لهم، من حصرته أي ضيقت عليه ومنعته من التصرف. وقيل: الحصير: السجن لما فيه من الضيق فهو فعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وسمي الحصير حصيرًا لكونه يحصر من يجلس عليه. والحصر في اصطلاح العلماء قصر الصفة على الموصوف والموصوف على الصفة نحو: {لا إله إلا الله} [محمد: 19]، {إنما الله إلهٌ واحدٌ} [النساء: 171] وعن الحسن في قوله: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] أي مهادًا؛ قال
الراغب: كأنه جعله الحصير المرمول كقوله تعالى: {لهم من جهنم مهاد} [الأعراف: 41] وعلى هذا هو بمعنى الحصور، سمي بذلك لحصر طاقات بعضه على بعض وقول لبيدٍ:[من الكامل]
362 -
ومقامةٍ غلب الرقاب كأنهم
…
جن لدى باب الحصير قيام
الحصير: الملك، إما بمعنى محصورٍ، بمعنى أنه محجبٌ، وإما بمعنى حاصرٍ لأنه يمنع غيره أن يحصل إليه.
وقوله: {وسيدًا وحصورًا} [آل عمران: 39] أي ممنوعًا من غشيان النساء، إما لعنة ونحوها، وإما لمنعه ذلك بقوته واجتهاده وفراغ قلبه من ذلك، وهذا هو الأليق بهذا المقام لدخوله في المجد، فإن الأمور المطبوع عليها قلما يمدح بها إذا اتصف بها، ولهذا فضل البشر على الملك، إذا قمع شهوته وخالف نفسه وغلب هواه. فحصورٌ يجوز أن يكون بمعنى مفعولٍ على الأول نحو: ركوبٍ وحلوبٍ، وبمعنى فاعلٍ على الثاني نحو: صبورٍ وشكورٍ.
والحصور أيضًا والحصير: البخيل، سمي ذلك لمنعه المال، وأنشد لجريرٍ:[من الكامل]
363 -
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا
…
حصرًا بسرك يا أميم ضنينا
وقوله: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] اضطربت أقوال أهل اللغة في أحصر وحصر هل هما بمعنى أو بينهما فرقٌ، وما ذلك الفرق؟ وقيل: أحصر في المنع الظاهر -كالعدو -والباطن، وحصر في الباطن فقط؛ فقيل: يقال: حصره المرض، وأحصره العدو. وقيل: حصرته: حبسته؛ وقال: {واحصروهم}
[التوبة: 5] أي احبسوهم، وقد حققنا هذا كله في «الدر المصون» و «القول الوجيز» بما يشفي قاصديه. والحاصل أن المادة تدل على المنع والتضييق، وعليه {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} [البقرة: 273] وحاصرت العدو: ضايقته بالقتال. قوله: {حصرت صدورهم} [النساء: 90] أي ضاقت بقتالكم ذرعًا. والحصر: العي في الكلام والمنع منه. وأحصر الرجل وحصر: حبس عليه غائطه.
ح ص ح ص:
قوله تعالى: {الآن حصحص الحق} [يوسف: 51] أي ظهر وتبلج وذلك بانكشاف ما يغمره، وأصله من قولهم: رجلٌ أحصٌ، وامرأةٌ حصاء، وهو من ذهب شعره فانكشف ما تحته. وحصت الأرض حصةً: ذهب بناؤها فانكشف ما تحته. وحصه: قطعه، وذلك إما بالمباشرة نحو: حصصت ذنب الطائر، وإما بالحكم نحو: حصصت الخبر عنه، ومن الأول قوله:[من السريع].
364 -
قد حصت البيضة رأسي فما
ورجلٌ أحص: يقطع بشؤمه الخيرات عن الخلق. والحصة: القطعة من الجملة، وتستعمل استعمال النصيب، وعلى هذا فحص وحصحص مثل كف وكفكف ولم لملم. ولأهل العربية في هذا كلامٌ حققته في غيره هذا. وقال الأزهري: أصل ذلك من حصحصة البعير. قال: [من الطويل]
365 -
وحصحص في صم الحصى ثفناته
…
ورام القيام ساعةً ثم صمما
وفي الحديث: «لأن أحصحص في يدي جمرتين أحب إلي من أن أحصحص كعبين» قال شمرٌ: الحصحصة تحريك الشيء وتقليبه في اليد. والحص: القص وأنشد لأبي طالب: [من الطويل]
366 -
بميزان قسطٍ لا يحص شعيرة
…
له شاهدٌ من نفسه غير عامل
وفي الحديث: «إذا سمع الشيطان الأذان أدبر وله حصاصٌ» ، قال أبو عبيد: هو شدة العدو، وقيل: الضراط. وقال حمادٌ: سألت عاصما المقرئ راوي هذا الحديث: ما الحصاص؟ فقال: أما رأيت الحمار إذا صر بأذنيه ومصع بذنبه وعدا؟ فذلك الحصاص.
ح ص ل:
قوله تعالى: {وحصل ما في الصدور} [العاديات: 10] أي جمع. والتحصيل: الجمع، قيل: والتحصيل إخراج اللب من القشور وجمعه، كإخراج الذهب من حجر المعدن، والبر من التبن فقوله:{وحصل ما في الصدور} أي أظهر ما فيها وجمع كإظهار اللب من القشر وجمعه أو كإظهار الحاصل من الحساب، وقال الفراء: معناه بين وميز، ويقال للذي يفحص تراب المعدن عن الفضة والذهب: محصلٌ، وأنشد:[من الوافر]
367 -
ألا رجلًا جزاه الله خيرًا
…
يدل على محصلةٍ تبيت
قيل: أراد به الفجور، وقيل غير ذلك.
وحوصلة الطائر: ما يحصل فيه الغذاء، ويجمع؛ فواوه مزيدةٌ كواو كوثرٍ. وقيل: للحبالة: الحصل. وحصل إذا اشتكى بطنه عن أكلةٍ.
ح ص ن:
قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] أي: وحرمت عليكم المحصنات ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، فإنهن يحللن لكم ومنه قول الفرزدق:[من الطويل]
368 -
وذات حليل أنكحتها رماحنا
…
حلالاً لمن يبني بها لم تطلق
وأصل الإحصان المنع، ومنه الحصن لأنه يمتنع به، ويحصن أي امتنع في حصن أو ما يقاربه، فالمحصنات ممتنعاتٌ بأزواجهن. وقرئ «المحصنات» باسم فاعل واسم المفعول، إلا التي في رأس الحزب، فإن السبعة أجمعوا على اسم المفعول فيها لأن المعنى على ذلك كما حققنا في موضعه.
قال ابن عرفة: الإحصان في كلام العرب: المنع، والمرأة تكون محصنةً بالإسلام، لأن الإسلام منعها مما أباحه الله تعالى، ومحصنة بالعفاف والحرية، محصنة بالتزويج. يقال: أحصن الرجل، فهو محصنٌ إذا تزوج ودخل بها، وأحصنت هي فهي محصنةٌ. ويجوز محصن ومحصنة. ومنه قوله:{محصنين غير مسافحين} [النساء: 24] قلت: يعني أنه كان القياس أحصن الرجل والمرأة فهو محصنٌ ومحصنةٌ -بكسر الصاد -فقط لكونه اسم فاعل، إلا أنه شذ فتحته كما شذ في ألفج فهو ملفجٌ. وأما المرأة فيقال فيها محصنةٌ أي مجعولةٌ كالحصون.
ودرعٌ حصينةٌ لتحصينها البدن؛ قال تعالى: {وعلمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم} [الأنبياء: 80] قيل: عمل الدروع. وفرسٌ حصانٌ لتحصن راكبه به. وإليه أشار من قال: [من الكامل]
369 -
أن الحصون الخيل لا مدر القرى
وامرأة حصانٌ: ممنعةٌ من الريب. وقال عاتكة: «إني حصانٌ فما أكلم وصناعٌ فما أعلم» . الصناع ضد الخرقاء. وقال حسان في شأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: [من الطويل]
370 -
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبةٍ
…
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
ولقد صدق رضي الله عنه أي مع كونها عفيفة لم تتكلم في أحد إلا بخير.
يقال: فرسٌ حصانٌ: بين التحصن، وامرأةٌ حصانٌ: بينة التحصن، وبناءٌ حصينٌ: بين الحصانة. ويقال: امرأة حاصنٌ أيضًا -وجمع الحصان حصنٌ، والحاصن حواصن. وقرئ قوله:{فإذا أحصن} [النساء: 25] على البناء للفاعل والمفعول، أي: فإذا تزوجن بأنفسهن، أو إذا زوجن. وامرأةٌ محصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها، ومحصنٌ -بالفتح -إذا تصور حصنها من غيرها.
وقوله: {أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25] هن الحرائر هنا لا
غير، وقال الراغب:{وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات} [النساء: 25] وقوله: {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات} [النساء: 25] قيل: «المحصنات» : المزوجات تصور أن زوجها أحصنها. والمحصنات بعد قوله {حرمت} [النساء: 23] بالفتح لا غير؛ لأن اللاتي حرم التزويج بهن المزوجات دون العفائف، وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين قلت: ما قاله حسنٌ، إلا أن فيه بحثًا لا يسعه هذا الموضع، على أنه قد قرأ الجميع بالوجهين على ما بيناه في غير هذا، فعليك بالالتفات إليه.
ح ص و:
قوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه} [المجادلة: 6] أي حصله وأحاط به علمًا ولم يضيعه ولم ينسه كما نسوه هم. والإحصاء هو تحصيل الشيء بالعدد، وذلك من لفظ الحصى، لأنهم كانوا يستعملونه فيه كاستعمالنا فيه الأصابع، وعلى ذلك {وأحصى كل شيء عددًا} [الجن: 28] أي أحاط به وحصله إحاطة العاد منكم وتحصيله وذلك، على سبيل التنزل معهم على ما يفهمونه.
قوله: {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20]. أي لن تحصلوا أوقاته، وهو معنى قول الفراء: لن تعلموا مواقيت الليل. وقيل: الإحصاء: الإطاقة، ومنه {أن لن تحصوه} أي: تطيقوه. وقوله: {استقيموا ولن تحصوا} معناه: ولن تحصلوا ذلك، ووجه تعذر إحصائه هو أن الحق واحدٌ والباطل كثيرٌ، بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة، وكالمرمى من الهدف، وإصابة ذلك شديدةٌ، وإلى ذلك أشار عليه الصلاة والسلام -بقوله: «شيبتني هودٌ وأخواتها، قيل: وما شيبك منها؟ فقال: قوله: