الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت أو كثيرةً، لذلك أَبهمها اللهُ تعالى، وما أوقعَ هذا في نفسِ مَن له أدنى ذوقٍ حتى لو صرَّح بجميعِ أنواعِ الصدقةِ على اختلافها لم يقعْ موقعَ هذا الإِبهام.
فصل الألف والثاء
أث ث:
قال تعالى: {أحسنُ أثاثًا} [مريم: 74]. الأثاثُ: الكثيرُ من متاعِ الدنيا، كذا أطلَقه الراغبُ. وقالَ غيرهُ: هو ما جدَّ من فُرشِ البيتِ. والخرِّيتُ ما قدُم منها وأنشدَ: [من البسيط]
21 -
تقادَمَ العهدُ من أمِّ الوليدِ لنا
…
دهرًا، وصارَ أثاثُ البيتِ خِرِّيتا
وقد نقل الهرويُّ القَولينِ، فقالَ: قال الأزهريُّ: هو متاعُ البيتِ. وقال غيرُه: ما يُلبسُ منها. وقيلَ: هو المالُ مطلقًا. وعن ابنِ عباسٍ في قَولِه تعالى: {أَثاثًا ومتاعًا إِلى حينٍ} [النحل: 80] أي مالاً. قال الراغبُ: وقيلَ للمال كلِّه إذا كثُرَ: أثاثٌ ولا واحدَ له من لفظهِ، وفيه نظرٌ؛ إذ واحدُهُ أثاثةٌ كتمرٍ وتمرةٍ. وجمعُ الأثاثِ آثَّةٌ وأُثُثٌ. والأولُ هوَ القياسُ، لأنه مضاعَفٌ. واُثثٌ شاذٌ كبُيُنٍ وحُجُجٍ. قال الراغبُ: وجمعُه إِثاثٌ، وفيه نظرٌ.
ونساءٌ أثائِثُ: كثيراتُ اللحم، كأنَّ عليهنَّ أثاثًا. وتأثَّثَ فلانٌ: أصابَ أثاثًا. وتأثَّيتُ: اتَّخذتُ أثاثًا. واشتقاُ هذا مِن: أثَّ الشَّعرُ والنَّباتُ أي كثُر وتكاثَفَ. ومنه قولُ
امرئِ القيسِ: [من الطويل]
22 -
وأسودَ يغشَى المتنَ أسودَ فاحمٍ
…
أثيثٍ كقِنْوِ النَّخلةِ المُتَعثْكِلِ
وعن ابنِ عباسٍ أيضًا: «أثاثًا» ثيابًا. وعن الخليلِ: هو المتاعُ المنْضمُّ بعضُه إِلى بعضٍ. وأنشدَ بيتَ امرئِ القيسِ المذكورِ. وقال ابنُ عباسٍ في آيةِ النَّحل.
أث ر:
قال تعالى: {فانظرْ إِلى أثارِ رحمةِ اللهِ} [الروم: 50]، وقُرئَ:(آثارِ) جَمعًا. والأثرُ: حصولُ ما يدلُّ على وجودِ شيءٍ. ومنه: أثرُ البعيرِ والرجلِ. يقالُ: إِثْرٌ وأَثَرٌ. ومنه: أثرتُ البعيرَ: جعلتُ على خُفَّه أُثْرةً أي علامةٌ تؤثِّرُ في الأرضِ، ليُستَدلَّ بها على أَثَرهِ، والحديدةُ التي يُعملُ بها ذلك مِئثَرةٌ كمكنسَةٍ.
وأَثْرُ السيفِ: جوهرُه، وهو أثَرُ جودتهِ. والسيفُ مأثورٌ. وقولُه تعالى:{هم أُولاءِ على أَثَرِي} [طه: 84] أي بعدي بقليلٍ. وقوله تعالى: {فهُم على آثارِهم يُهرَعون} [الصافات: 50] أي على طَريقتهم وسُنَّتِهم. وقيلَ هذا في قولِه تعالى: {هم أولاءِ على
أثري} [طه: 84] وقوله: {أو أَثَارَة} [الأحقاف: 4]. وقُرئَ: (أَثَرةٍ)، قيلَ: هيَ من: أَثَرْتُ العلم آثرُهُ. ومنه: مآثرُ العربِ لمكارمِ أخلاقها، جمعُ مَأثُرةٍ، وهي ما يُروى عنها مِن ذلك.
وفي الحديثِ: «أَلا إِنَّ كلَّ دم ومالٍ ومَأثُرةٍ كانتْ في الجاهليةِ فإِنها تحتَ قَدميَّ» . ومنهُ حديثُ عمرَ: «ما حَلفتُ به ذاكرًا ولا آثِرًا» أي حاكيًا له عَن غَيري. ومنه قولُه تعالى: {إلا سحرٌ يُؤثَرُ} [المدثر: 24]، أي يرويهِ واحدٌ عن آخرَ. وحديثٌ مأثورٌ: أي نقلَه العَدْلُ عنِ العدل. وقيلَ: هي بمعنىً، أي بقيةٌ من علمٍ. ومنه سَمِنتِ الإبلُ على أثارةٍ، أي بقيةٍ من شَحم.
ويستعارُ الأثرُ للفَضلِ، والإيثارِ للتفضُّلِ إثارةً. قال تعالى:{لقد آثرَكَ اللهُ علينا} [يوسف: 91]. أي فضَّلك. وقولُه: {ويُؤثرونَ على أنفسِهم} [الحشر: 9] مِن ذلكَ، أي يفضِّلون غيرَهُم على أنفسهم. ومنه: له عليَّ أَثَرةٌ، أي فضلٌ. ومنه الحديثُ:«إنكم سَتَلقَونَ بعدي أثَرَةٌ فاصبِروا حتى تَلقَوني على الحوضِ» أي يُستأثرُ عليكم فيفضَّلُ غيرُكم عليكم في الفيء.
فالأَثَرةُ: اسمٌ من آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثارًا. واسْتَأثرَ فلانٌ بكذا: أي تفرَّدَ به دونَ غيرِه. وفي الحديثِ: «أوِ اسْتأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَكَ» أي تفرَّدتَ بهِ. ومنه قولُ الأعشى:
[من المنسرح]
23 -
اسْتأثَرَ اللهُ بالوفاء وبال
…
عَدْلِ، وولَّى الملامَةَ الرَّجُلا
والأَثَرةُ: اسمٌ للاستئثارِ، والجمعُ الإِثَرُ، قالَه الأزهريُّ، وأنشدَ قولَ الحطيئةِ في عمرَ رضي الله عنه:[من البسيط]
24 -
ما قدَّموكَ لها إذ آثروكَ بها
…
لكنْ لأنفُسِهم كانتْ بكَ الإِثَرُ
وقولُهم: استَأثَرَ اللهُ بفلانٍ كنايةٌ عن موتِه وتنبيهٌ أنه ممّا اصطفاهُ فتفرَّدَ به دونَ الورَى. وقولُهم: ما فيها عينٌ ولا أَثرٌ أيْ بقيةٌ. وفي الحديثِ: «من سرَّهُ أن يَبسُطَ له في رزقِه ويَنْسَأَ في أثَرهِ فليصلْ رَحمَهُ» أي في أجله. وسُمِّيَ الأَجَلُ أثرًا لأنه يتبعُ العمرَ. قال كعبُ بنُ زهيرٍ: [من البسيط]
25 -
يسعى الفَتى لأمورٍ ليس يُدركُها
…
والنفسُ واجدةٌ والهمُّ منتشرُ
والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ له أملٌ
…
لا يَنتهي العمْرُ حتى ينتهي الأثَرُ
ويروى: لا تَنْتهي العينُ.
وقولُه: {وآثارًا في الأرضِ} [غافر: 21] إشارةٌ إلى ما شَيَّدوا من البُنيانِ ووطَّدوا من الأحوال. وقولُه تعالى: {ما قدَّموا وآثارهُمْ} [يس: 12] أي قدَّموه من الأعمالِ وسنُّوه من السُّنن، فعُمل بها بعدَهُم، وفي معناه:«مَن سَنَّ سُنَّةً حسنةً. . .» الحديث.
ويقالُ: رجلٌ أَثِرٌ، أي يَستأثرُ على أصحابهِ، وقال اللِّحياني: خُذْه آثرًا ما، وأَثِرًا ما، وإِثْرًا ما، وآثِرَ ذي أثيرٍ، كلُّ ذلك بمعنى الانفراد. وقولُه تعالى: {قبضةً من أَثَرِ
الرَّسولِ} [طه: 96] أي قبضةٌ من أثرِ حافرِ فرسِ الرسولِ (أو أثرِ الرسولِ) وهو جبريلُ، وذلك أنه رأَى أَثرَ الفَرسِ كلما وَضع حافرَه على موضعٍ يخضرُّ، فعرف أنَّ ذلك لأمرٍ. فأخذَ قبضةً من ذلكَ الترابِ فكانَ ما كانَ.
أث ل:
قال تعالى: {وأَثْلٍ وشَيءٍ من سِدْرٍ} [سبأ: 16]. فالأَثْلُ شيءٌ معروفٌ؛ الواحدةُ أَثْلةٌ ولما كان ثابتَ الأصلِ شُبِّه بهِ غيرهُ منَ الشجرِ فقيلَ: شجرٌ مؤثَّلٌ أي بثبوتهِ. ومالٌ مُؤثَّلٌ، ومجدٌ مُؤثَّل، من ذلك قولُ امرئِ القيسِ:[من الطويل]
26 -
ولكنَّما أسعَى لمجد مؤثَّلٍ
…
وقد يُدرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أمثالي
وأثلُ الشيءِ أصلُه. وأَثَلْتهُ: أي أَغْنيتُه مستعارٌ من ذلك. وفي الحديثِ: «غيرَ مُتأثِّلٍ مالاً» أي غيرَ مُقْتنٍ له وجامعٍ. واختلفتْ عباراتُ أهلِ التفسيرِ فيه؛ فقيلَ: هو ضربٌ من الخشبِ؛ قالَ قتادةُ: يُشبهُ الطرفاءَ رأيتهُ بصَفَد، وكذا قال الفرّاءُ: إلا أنه أعظمُ من الطَّرْفاءِ طولاً. ومنه اتُّخذ منبرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وورقُه كورقِ الطرفاء. وقالَ بعضُهم: هو الَّمُرُ بعينِه؛ الواحدةُ أَثْلةٌ وسَمُرةٌ. وقال أبو عُبيدةَ: هو شجرُ النُّضارِ. والنُّضارُ: نوعٌ من الخشبِ. والنُّضار: الذهبُ. ومن الأول: قَدَحٌ نُضارٌ لأنَّه يُتخذُ منه القداحُ والقِصاعُ.
أث م:
الإِثْمُ: الذَّنبُ. وقيلَ: الإِثمُ والآثامُ: اسمٌ للأفعالِ البطيئةِ عنِ الخيراتِ لتضمُّنهِ معنى
البطءِ. قالَ الشاعرُ: [من المتقارب]
27 -
جُماليَّةٌ تَغْتلي بالرِّدافِ
…
إذا كذَّبَ الآثماتُ الهَجيرا
وعليه قولُه تعالى في الخمرِ والميسرِ: {فيهما إِثمٌ كبيرٌ} [البقرة: 219] أي في تعاطيهما إِبطاءٌ عن الخيراتِ. ويسمَّى الخمرُ إِثمًا، من ذلك قولُه:[من الوافر]
28 -
شَربتُ الإِثمَ حتى ضلَّ عَقلي
…
كذاك الإِثمُ تّذْهَبُ بالعقولِ
لأنَّهما سببٌ فيه. وهذا كتسميتِهم الشحمَ بالنَّدى في قولهِ: [من الطويل]
29 -
تعالى النَّدى في مَتْنهِ وتحدَّرا
وكتَسميةِ المرعَى بالسماءِ في قولهِ: [من الوافر]
30 -
إذا نَزلَ السَّماءُ بأرضِ قومٍ
…
رعَيناهُ، وإنْ كانوا غِضابًا
يُقال: أَثِمَ يَأثَمُ إِثْمًا وأَثامًا فهو آثِمٌ وأَثيمٌ وأَثِمٌ وأَثومٌ أي محتملٌ للآثامِ. وقولُهم تَأثَّم، أي خرجَ من الإِثمِ، فتفعَّلَ للسَّلبِ كتحرَّجَ وتحنَّثَ وتحوَّبَ، أي خَرجَ من الحَرَجِ والحِنْثِ والحَوْبِ. وفي حديثِ:«ما عَلمنا أحدًا منهم تركَ الصَّلاةَ على أحدٍ من أهلِ القبلةِ تَأثُّمًا» أي تجنُّبًا للإِثم. ولذلك أُطلقَ التحنُّثُ في التعبُّدِ. وفي الحديثِ: «كان يتحنَّثُ بغارِ حراءٍ» أي يتعبَّدُ.
وقولُه: {كفّارٍ أَثيمٍ} [البقرة: 276] أي بليغٍ في تعاطي أسبابِ الإِثمِ. وقولهُ: {أخذتْه العزةُ بالإِثمِ} [البقرة: 206] أي حملتْهُ عزَّتُه على فعلِ ما يأثمُه. وقولُه: {يُسارعون في الإِثمِ والعدوانِ} [المائدة: 62] قيل: أشار بالإثمِ إلى قولهِ تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وبالعدوان إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45].
والإِثمُ أعمُّ منَ العُدوانِ: وقولُه: {يلقَ أثامًا} [الفرقان: 68] أي يلقَ عِقابًا؛ سماهُ أثامًا لِما كان بسببهِ، كقولهِ:«تعالى النَّدى في مَتْنهِ» ، و «إِذا نزل السماءُ» ، كما تقدَّم. وقيلَ: معنى {يلقَ أثامًا} أي يحملُه ذلك على ارتكابِ الآثام، وذلك أنَّ الأمرَ الصغيرَ قد يجرُّ إِلى الأمرِ الكبيرِ. ومنه: العاصي. . . . (1). وقيلَ: معناهُ يلقَ جزاءَ آثامهِ.
أنشدَ الأزهريُّ لنُصَيبِ بنِ الأسودِ: [من الطويل]
31 -
وهل يأثِمَنِّي اللهُ في أنْ ذكرتُها
…
وعلَّلتُ أَصحابي بها ليلةَ النَّحرِ
أي: هل يجازيني جزاءَ إِثْمي؟
يقالُ: أَثَمَهُ ويأثُمُهُ: جازاهُ جزاءَ إِثْمهِ. وقولُه: {والإِثْمَ والبَغيَ} [الأعراف: 33]. قال الفرّاءُ: الإِثمُ ما دونَ الحدِّ، والبغيُ: الاستطالةُ على الناس. وقولُه: {لا لَغْوٌ فيها ولا تَأثيمٌ} [الطور: 23] أي: لا مَأثمٌ فيها ولا سُكرٌ، وهذا بخلافِ خمورِ الدنيا؛ فإِنَّ فيها
(1) بياض في الأصل.