المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل الباء والياء - عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ - جـ ١

[السمين الحلبي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الهمزة المفردةويطلق عليها الألف

- ‌فصل الألف مع الباء

- ‌فصل الألف والتاء

- ‌فصل الألف والثاء

- ‌فصل الألف والجيم

- ‌فصل الألف والحاء

- ‌فصل الألف والخاء

- ‌فصل الألف والدال

- ‌فصل الألف والذال

- ‌فصل الألف والراء

- ‌فصل الألف والزاي

- ‌فصل الألف والسين

- ‌فصل الألف والشين

- ‌فصل الألف والصاد

- ‌فصل الألف والفاء

- ‌فصل الألف والكاف

- ‌فصل الألف واللام

- ‌فصل الألف والميم

- ‌فصل الألف والنون

- ‌فصل الألف والهاء

- ‌فصل الألف والواو

- ‌فصل الألف والياء

- ‌باب الباء

- ‌فصل الباء والألف

- ‌فصل الباء والتاء

- ‌فصل الباء والثاء

- ‌فصل الباء والجيم

- ‌فصل الباء والحاء

- ‌فصل الباء والخاء

- ‌فصل الباء والدال

- ‌فصل الباء والذال

- ‌فصل الباء والراء

- ‌فصل الباء والزاي

- ‌فصل الباء والسين

- ‌فصل الباء والشين

- ‌فصل الباء والصاد

- ‌فصل الباء والضاد

- ‌فصل الباء والطاء

- ‌فصل الباء والظاء

- ‌فصل الباء والعين

- ‌فصل الباء والغين

- ‌فصل الباء والقاف

- ‌فصل الباء والكاف

- ‌فصل الباء واللام

- ‌فصل الباء والنون

- ‌فصل الباء والهاء

- ‌فصل الباء والواو

- ‌فصل الباء والياء

- ‌باب التاء المثناة

- ‌فصل التاء والباء

- ‌فصل التاء والتاء

- ‌فصل التاء والجيم

- ‌فصل التاء والحاء

- ‌فصل التاء والخاء

- ‌فصل التاء والراء

- ‌فصل التاء والسين

- ‌فصل التاء والعين

- ‌فصل التاء والفاء

- ‌فصل التاء والقاف

- ‌فصل التاء والكاف

- ‌فصل التاء واللام

- ‌فصل التاء والميم

- ‌فصل التاء والواو

- ‌فصل التاء والياء

- ‌باب الثاء المثلثة

- ‌فصل الثاء والباء

- ‌فصل الثاء والجيم

- ‌فصل الثاء والخاء

- ‌فصل الثاء والراء

- ‌فصل الثاء والعين

- ‌فصل الثاء والقاف

- ‌فصل الثاء واللام

- ‌فصل الثاء والميم

- ‌فصل الثاء والنون

- ‌فصل الثاء والواو

- ‌باب الجيم

- ‌فصل الجيم والألف

- ‌فصل الجيم والباء

- ‌فصل الجيم والثاء

- ‌فصل الجيم والحاء

- ‌فصل الجيم والدال

- ‌فصل الجيم والذال

- ‌فصل الجيم والراء

- ‌فصل الجيم والزاي

- ‌فصل الجيم والسين

- ‌فصل الجيم والعين

- ‌فصل الجيم والفاء

- ‌فصل الجيم واللام

- ‌فصل الجيم والميم

- ‌فصل الجيم والنون

- ‌فصل الجيم والهاء

- ‌فصل الجيم والواو

- ‌فصل الجيم والياء

- ‌باب الحاء

- ‌فصل الحاء والباء

- ‌فصل الحاء والتاء

- ‌فصل الحاء والثاء

- ‌فصل الحاء والجيم

- ‌فصل الحاء والدال

- ‌فصل الحاء والذال

- ‌فصل الحاء والراء

- ‌فصل الحاء والزاي

- ‌فصل الحاء والسين

- ‌فصل الحاء والشين

- ‌فصل الحاء والصاد

- ‌فصل الحاء والضاد

- ‌فصل الحاء والطاء

- ‌فصل الحاء والظاء

- ‌فصل الحاء والفاء

- ‌فصل الحاء والقاف

- ‌فصل الحاء والكاف

- ‌فصل الحاء واللام

- ‌فصل الحاء والميم

- ‌فصل الحاء والنون

- ‌فصل الحاء والواو

- ‌فصل الحاء والياء

- ‌باب الخاء

- ‌فصل الخاء والباء

- ‌فصل الخاء والتاء

- ‌فصل الخاء والدال

- ‌فصل الخاء والذال

- ‌فصل الخاء والراء

- ‌فصل الخاء والزاي

- ‌فصل الخاء والسين

- ‌فصل الخاء والشين

- ‌فصل الخاء والصاد

- ‌فصل الخاء والضاد

- ‌فصل الخاء والطاء

- ‌فصل الخاء والفاء

- ‌فصل الخاء واللام

- ‌فصل الخاء والميم

- ‌فصل الخاء والنون

- ‌فصل الخاء والواو

- ‌فصل الخاء والياء

الفصل: ‌فصل الباء والياء

الهلاك. يقال: بار يبور بوارًا وبورًا. وفي الحديث: "نعوذ بالله من بوار الأيم" أي كسادها عن الزواج. وبار المتاع والسوق من ذلك. وأرض بور وبوار: لم تزرع.

وفي الحديث: لما كتب لأكيدرٍ "وأن لكم البور والمعامي" قال أبو عبيد: البور بفتح الباء وضمها: الأرض لم تزرع، والمعامي: الأرض المجهولة، وأرض بائرة، ورجل حائر بائر، وجمعه بور. وقيل: بور في الأصل مصدر. وصف به الواحد والجمع نحو: رجل بور. قال: [من التخفيف]

207 -

يا رسول المليك إن لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

وقال تعالى:} وكنتم قومًا بورًا {[وبار الفحل الناقة، أي شمها ألاقح هي أم لا؟ واستعير ذلك للاختبار: فقيل: برت زيدًا أي اختبرته، وفي الحديث:"كنا بنور أولادنا بحب علي" أي نجربهم ونختبرهم. وفي الحديث: "كان لا يرى بأسًا بالصلاة على البوري" والبارية والبورياء بمعنى واحدٍ: نوع من الحصر.

‌فصل الباء والياء

ب ي ت:

البيت: مأوى الإنسان ليلاً، هذا أصله لاشتقاقه من البيتوتة، ثم أطلق على كل منزلٍ وإن لم يكن بالليل. وقيل: أصله مصدر يقال: بات يبيت بيتًا. وسواء كان مبنيًا

ص: 243

باللبن ونحوه، أم من صوفٍ أم شعر إلا أنه غلب في المبني جمعه على بيوتٍ، وفي المنسوج على أبياتٍ، وقد يجيء عكسه بقلةٍ؛ قال الشاعر:[من الوافر]

208 -

على أبياتكم نزل المثاني

قوله:} في بيوتٍ أذن الله أن ترفع {[النور: 36] عني بها المساجد، ورفعها تعظيمها. وقول من قال: أن تعلو نوع من ذلك، أي لا تمتهن بالاستفال، وقيل: أراد بها بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حقيقة بذلك، قيل: أريد أهل بيته وقومه، وقيل: إشارة إلى القلب، ومنه قول بعض الحكماء في قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة" إنه القلب. وعنى بالكلب الحرص، بدلالة: كلب فلان: اشتد حرصه، وهو أحرص من كلبٍ قاله الراغب وليس بذلك.

قوله:} ولمن دخل بيتي مؤمنًا {[نوح: 28] قيل أراد مسجدي. وقوله:} وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت {[الحج: 26] يعني مكة. وقوله:} رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة {[التحريم: 11] أي اجعل لي فيه مقرًا. وقوله:} واجعلوا بيوتكم قبلًة {[يونس: 87]} وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت {[البقرة: 127]، وكذلك} بالبيت العتيق {[الحج: 29] لأنه عتق من الطوفان أو من الجبابرة.

وصار "أهل البيت" متعارفًا في آل النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "سلمان منا أهل البيت" إشارة إلى قوله: مولى القوم منهم.

والبيات: قصد العدو ليلاً، وكذلك التبيت، قال تعالى:} فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون {[الأعراف: 4]. وبيت العدو. التبييت: تدبير الأمر ليلاً، وأكثر ما يكون في المكر، قال تعالى:} إذ يبيتون ما لا يرضى من القول {[النساء: 108] {بيت طائفة

ص: 244

منهم غير الذي تقول} [النساء: 81]} والله يكتب ما يبيتون {[النساء: 81]. وبيت على كذا. عزم عليه قاصدًا له، ومنه: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام" من أول الليل، وقوله تعالى:} لنبيتنة وأهله {[النمل: 49] من ذلك، أي لنوقظ به الهلاك.

وقوله:} واجعلوا بيوتكم قبلة {يعني المسجد الأقصى. وقوله:} فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين {[الذاريات: 36] أراد أهل بيتٍ، سماهم بيتًا إطلاقًا للمحل على الحال، وهما كقوله:} واسأل القرية {[يوسف: 82]، وبات يفعل كذلك يدل على ملازمة الصفة للموصوف ليلاً، كما أن ظل يدل على ذلك نهارًا. قال:[من الرجز]

209 -

أظل أرعى وأبيت المهجن

والموت من بعض الحياة أهون

قد يريد للصيرورة. ومنه} ظل وجهه مسودًا {[النحل: 58]، و"لا يدري أين باتت يده" وقوله:} يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا {[الفرقان: 64] من الأول. وكل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم.

ويعبر بالبيت عن الشرف العالي، فيقال: لفلان بيت، وهو من بيتٍ. وإلى ذلك أشار العباس رضي الله عنه يمدح نبينا صلى الله عليه وسلم يخاطبه بذلك:[من المنسرح]

210 -

حتى احتوى بيتك المهيمن من

خندف، علياء تحتها النطق

أراد ببيته شرفه العالي، وجعله في خندف أعلى بيتًا، وخندف هي ليلى القضاعية، امرأة إلياس بن مضر. ولقبت خندف لما روي أنها ولدت لإلياس عامرًا

ص: 245

وعمرًا وعميرًا، فشردت لهم إبل فخرجوا في طلبها، فأدركها عامر فسمي مدركة، وصاد عمرو أرنبًا وطبخها فسمي طابخة، وقمع عمير في بيته فسمي قمعة. فلما أبطأ عليها أولادها خرجت تخندف في أثرهم - أي تهرول - فلقبت خندف. ولم تزل العرب تفخر بهذا البيت، قال:[من البسيط]

211 -

ترفع لي خندف والله يرفع لي

نارًا، إذا خمدت نيرانهم تقد

ب ي د:

باد يبيد بيدًا فهو بائد أي هلك. قال تعالى:} ما أظن أن تبيد هذه أبدًا {[الكهف: 35]، وأصله من باد في البيداء أي تفرق فيها وتوزع، وذلك إنما يكون غالبًا في الهلاك. والبيداء: المفازة التي لا شيء بها، ثم عبر عن كل هالكٍ بالبائد وإن لم يكن في البيداء. وجمعها بيد، نحو بيضٍ في بيضاء. والأصل الضم كحمرٍ في حمراء. وإنما كسرت لتصح الياء.

وأتان بيدانة أي تسكن البادية البيداء. وبيد بمعنى غير يكون في الاستثناء المنقطع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:"أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريشٍ" أي غير أني وقيل: هي هنا بمعنى على، أي على أني، وليس بذلك.

وفي الحديث: "إن قومًا يغزون البيت فإذا نزلوا في البيداء بعث الله جبريل فيقول: يا بيداء أبيديهم. فتخسف بهم" البيداء.

ب ي ض:

البياض: أشرف الألوان، وهو أصلها، إذ هو قابل لجميعها. وقد ندب الشرع إلى إلباسه في المجامع كالجمع والأعياد. وقد كني بذلك عن السرور والبشر، وبالسواد عن الغم. قال تعالى:} يوم تبيض وجوهً وتسود وجوه {[آل عمران: 106]، ولذلك

ص: 246

البيض ناضرة مستبشرة والسود مغبرة مقترة حسبما وصف ذلك في كتابه. ولما كان البياض أفضل الألوان قالوا: البياض أفضل والسواد أهول، والحمرة أجمل، والصفرة أشكل. وعبر عن الكرم بالبياض فيقال: له عندي يد بيضاء أي معروف. وفي مدحه عليه السلام من أبي طالب عمه: [من الطويل]

212 -

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمًة للأرامل

ولقد صدق في ما به نطق.

والبيض: جمع بيضةٍ وهي ما يخرج من الطائر وبعض الحيوانات، وسميت بذلك للونها غالبًا. وقد توجد غير بيضاء. وقد شبهت العرب بها المرأة للونها ولصيانتها، فإنها محضونة تحت من يبيضها من طيرٍ وغيره، قال تعالى:} كأنهن بيض مكنون {[الصافات: 49] قيل: يعني به بيض النعام لأن فيه بعض صفرةٍ، والعرب تحب هذا اللون. قال:[من البسيط]

213 -

كأنها فضة قد مسها ذهب

وقال امرؤ القيس: [من الطويل]

214 -

كبكر مقاناة البياض بصفرةٍ

غذاها نمير الماء غير محلل

وتذكر البيضة تارًة مدحًا لمن يوصف بالصيانة والعزة نحو: هو بيضة البلد، ومنه:[من الكامل]

215 -

كانت قريش بيضًة فتفلقت

فالمح خالصه لعبد مناف

وتارًة ذمًا لمن كان مبتذلاً كالبيضة المذرة التي تطرح بالدمن. فقولهم: فلان

ص: 247

بيضة البلد من الكلام الموجه. وبيضة الحديد تشبيهًا بالبيضة في بعض هيئتها ولونها والبياض لما لم يزدرع من الأرض والسواد لمزدرعها، ومنه أرض السواد. ويعبر عن الجمع وعن المعظم بالبيضة، وفي الحديث:"حتى يستبيح بيضتهم"؛ قال الهروي عن شمر: عنى جماعتهم وأصلهم. وقال الأصمعي: بيضة الدار وسطها ومعظمها. يقال: أبيض يبيض بياضًا وابيضاضًا، فهو مبيض، وأبيض وابياض ابيضاضًا أبلغ من أبيض.

ب ي ع:

مقابلة مالٍ بمالٍ أو مقابلة منافع بمالٍ. وقيل: البيع إعطاء المثمن وأخذ الثمن. والشراء: إعطاء الثمن وأخذ المثمن، وقد يقع هذا موقع هذا. وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن. قال تعالى:} وشروه بثمنٍ بخسٍ {[يوسف: 20] قلت: إن جعلنا الضمير المرفوع لإخوته. أما إذا جعلناه للسيارة فهو على بابه. قوله:} وذروا البيع {[الجمعة: 9] وقت النداء يحرم الشراء، وكذا،:} لا تلهيهم تجارة ولا بيع {[النور: 37]. قال الراغب: لا يشتري على شراه، والأظهر يكون على أصله هو أن يجيء الرجل إلى مشترٍ فيقول: عندي سلعة خير من هذه وأرخص منها، فهذا بيع على بيع أخيه، وبذلك فسره الشافعي.

وقوله:} فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به {[التوبة: 111] إشارة إلى بيعة الرضوان في قوله:} لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة {[الفتح: 18] وإلى الشراء المذكور في قوله:} إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة {[التوبة: 111].

والبيعة والمبايعة: ما يأخذه الإمام على رعيته من المواثيق بالسمع والطاعة. وابتعت المتاع: عرضته للبيع. وقوله:} وبيع وصلوات {[الحج: 40] جمع بيعةٍ، وهي مصلى

ص: 248

النصارى، وقيل: كنائسهم وليس بشيءٍ. وقوله عليه السلام: "البيعان بالخيار" يريد البائع والمشتري، يقال لكلٍ منهما بيع وبائع. قيل: ويجوز أن يكون إنما أطلق على المشتري بيع لأنه من باب التغليب، وهو محل نظرٍ.

ب ي ن:

بأن الشيء يبين بينًا فهو بائن. وبان بمعنى فارق. قال كعب بن زهيرٍ: [من البسيط]

216 -

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

وبانت المرأة بالطلاق، وأبانها زوجها، وأبنت الأمر وبينته: أظهرته بيانًا وتبيانًا، كقوله تعالى:} تلقاء أصحاب النار {[الأعراف: 47]، وما عداهما مفتوح نحو الترداد والتجوال والتطواف. وقولنا في المصادر تحذرنا في الأسماء فإنه يكون يكثر فيها ذلك، نحو: التمثال والتجفاف والتمساح.

قال الهروي: يقال: بان لك وأبان واستبان وبين وتبين بمعنى واحدٍ. قلت: كلها يجوز أن تكون قاصرًة ومتعديًة إلا بان فإنه قاصر. وقوله تعالى:} ولتستبين سبيل المجرمين {[الأنعام: 55] من رفع سبيل جعله قاصرًا، ومن نصبه جعله متعديًا. وقال تعالى:} فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه {[التوبة: 114]، وقوله:} وتبين لكم كيف فعلنا بهم {[إبراهيم: 45] فهذا قاصر، ويقال: تبينت الحق واستبنته أي استوضحته فاتضح.

وقوله:} هذا بيان للناس {[آل عمران: 138] أي فصل ذو بيانٍ. والبين: لفظ مشترك بين المصدر والظرف. ويقال: بان زيد بينًا، وجلست بين القوم. وقوله تعالى:

ص: 249

{هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78]، قال الهروي: أراد بيننا، وإنما قال: بيني وبينك توكيدًا، كما يقال: أخزى الله الكاذب مني ومنك، يريد منا.

قلت: يعني في أصل التركيب لو قيل كذا لأفاد، وفيه نظر لأنه يفيد المعنى المقصود من قولك مثلاً: هذا فراق بيني وبين زيدٍ. قولك: هذا فراق بيننا لأن الأول أخص من الثاني، وأخص في المعنى بخلاف الثاني، فإنه يحتمل احتمالاً ظاهرًا. وقد حققناه في "التفسير" و"الدر المصون"، فلما أضافه للياء تعين تكريره بالعطف لأن بين لا تضاف إلا إلى متعدٍ لفظًا أو تقديرًا نحو: بين الزيدين أو الزيدين.

وقوله تعالى:} عوان بين ذلك {[البقرة: 68] لأن ذلك إشارة إلى الفارض والبكر. ولذلك احتاج النحاة أن أجابوا عن قول امرئ القيس: [من الطويل]

217 -

بين الدخول فحومل

قالوا: كان من حقه أن يعطف بالواو لأنها لمطلق الجمع، وأجابوا بأن تقديره بين مواضع الدخول، أو بأنه لما كان الدخول اسمًا يحوي أماكن كثيرًة نحو: دارنا بين مصر، وقوله:} فلما بلغا مجمع بينهما {[الكهف: 61] قال الراغب: يجوز أن يكون مصدرًا أي موضع المفترق، قال: ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرر كقوله:} ومن بيننا وبينك حجاب {[فصلت: 5]. قلت: ليس هذا مطابقًا لما ذكره لأن لفظه بأفصح إضافة بين إليها من غير تكريرٍ، نحو: المال بيننا.

وقوله:} لقد تقطع بينكم {[الأنعام: 94] قرئ بالنصب على الظرف، فقيل: هو صلة لموصوله محذوف أي: تقطع الذي بينكم، وقيل: الفاعل مقدر أي تقطع الوصل والألف بينكم، وقيل: هو مبني لإضافته إلى غير متمكنٍ، وبالرفع على الفاعلية أي تقطع وصلكم. والبين من الأضداد. قال الراغب: أي وصلكم. وتحقيقه أنه ضاع عنكم الأموال

ص: 250

والعشيرة والأعمال التي كنتم تعتمدونها، إشارًة إلى قوله:} يوم لا ينفع مال ولا بنون {[الشعراء: 88]. وعلى ذلك قوله:} ولقد جئتمونا فرادى [[الأنعام: 94]. وقوله:} أأنزل عليه الذكر من بيننا {[ص: 8] أي من جملتنا.

وقوله:} لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه {[سبأ: 31] أي متقدمًا له من الإنجيل ونحوه. وقوله:} وأصلحوا ذات بينكم {[الأنفال: 1] أي راعوا الأحوال التي تجعلكم من القرابة والوصلة، وقيل: معنى حقيقة وصلكم وذلك أن ذات كذا بمعنى صاحبة كذا، أو كأنه قيل: أصلحوا صاحبة وصلكم وصاحبة وصلهم على ما قدمنا ذكره معنى القرابة وغيرها.

والبينة: الأمر الواضح، ومنه قوله:} إني على بينةٍ من ربي {[الأنعام: 57] أي أنا على أمر واضحٍ ظاهرٍ. والبينة: الحجة، ومنه: "البينة على المدعي" لأن بها ينكشف الحق ويتضح. والبينة: الدلالة الواضحة عقليًة كانت أو حسيةً. وقال بعضهم: البيان على ضربين: أحدهما أن يكون بالتنجيز، وهي الأشياء التي تدل على حالٍ من الأحوال من آثار صنعه. والآخر بالاختبار، وذلك إما أن يكون كتابًة أو إشارًة أو نطقًا، فمما! هو بيان الحال كقوله تعالى:} إنه لكم عدو مبين {[البقرة: 168]. وما هو بيان بالاختبار كقوله تعالى:} لتبين للناس ما نزل إليهم {[النحل: 44]. ويسمي الكلام بيانًا لأنه يكشف المقصود.

والبيان قد يكون فعلاً أيضًا، ومنه قول الفقهاء: بيان المجمل، لأنه يكشفه ويوضحه، فالبيان أعظم من النطق لما عرفت. ويقال: آية مبينة، وآيات مبينات باسم الفاعل على معنى أنها بينت ما أريد منها، وباسم المفعول على معنى أن الله قد بينها على لسان رسله.

وقوله:} ثم إن علينا بيانه {[القيامة: 19] أي إخراجه من حد الإجمال إلى حد

ص: 251

البيان. وقوله: {ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52] أي لا يكاد يفهم ما يتكلم به:} ليهلك من هلك عن بينةٍ {الآية [الأنفال: 42]. أي أنه فاصلة بين الحق والباطل تقوم عليه بها الحجة وتلزمه العقوبة.

وقوله:} حتى تأتيهم البينة {[البينة: 1] الآية، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته. وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان لسحرًا". قال أبو عبيدٍ: هو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن. وأبان ولده: أعطاه مالاً يبينه به، والاسم البائنة. قال أبو زيدٍ: لا يقال: بائنة إلا إذا كان الإعطاء من الوالدين أو أحدهما. وعن أبي بكر يقول لعائشة رضي الله عنها: "إني كنت أبنتك بنحلٍ"، وفي حديث النعمان الطويل أنه قال:"فهل أبنت كل واحدٍ منهم مثل ما أبنت هذا؟ " أي أعطيته البائنة.

قال الراغب: بين موضوع للخلالة بين الشيئين ووسطهما، كقوله تعالى:} وجعلنا بينهما زرعًا {[الكهف: 32]. يقال: بان كذا أي انفصل وظهر ما كان مستترًا. ولما اعتبر فيه معنى الظهور والانفصال استعمل في كل واحدٍ مفردًا، حتى قيل للبئر البعيدة القعر: بيون لانفصال الحبل من يد صاحبه. وبان الصبح: ظهر، والله أعلم.

ص: 252