الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك على الجهاد. فقال: هل لك من بعلٍ؟ " قال الهروي: البعل: الكل. يقال: صار بعلاً على أهله أي كلاً وعيالاً. وقيل: هل بقي عليك من تجب طاعته علكي كالوالدين والأهل والولد؟ قلت: هذا الثاني ظاهر، وأما الأول فلا معنى له في الحديث إلا أن يكون: هل لك من تجب عليك نفقته؟ بسبب كونه كلاً وعيالاً على غيره؟ ولتصور الاستعلاء سموا الأرض العالية على غيرها بعلاً والنخل الذي يشرب بعروقه بعلاً. وفي الحديث "فيما سقي بعلاً العشر". وتصور الذي في النخل قيامه وثبوته في مكانه. فقيل: بعل فلان بأمره: إذا أدهش وثبت في مكانه ثبوت النخل في مقره.
فصل الباء والغين
ب غ ت:
البغت: مجيء الشيء على غفلةٍ من حيث لا يحتسب. والبغتة كذلك، قال تعالى:} حتى إذا جاءتهم الساعة بغتًة {[الأنعام: 31] أي فاجأتهم من غير علمٍ لهم بمجيئها. ويقال: بغته الشيء بغتًا وبغتًة يبغت فهو باغت. قال الشاعر: [من الطويل]
175 -
إذا بغتت أشياء قد كان قبلها
…
قديمًا فلا تعتدها بغتات
وبغت: يكون قاصرًا كما تقدم ومتعديًا. يقال: بغته الأمر يبغته بغتًا، وباغته ساعًة مباغتًة. كما يقال: فجأه الأمر يفجؤه فجًا، وفاجأه يفاجئه مفاجأة. وقال يزيد بن ضبة الثقفي:[من الطويل]
176 -
ولكنهم ماتوا ولم أدر بغتًة
…
وأفظع شيءٍ حين يفجؤك البغت
وقوله:} أخذناهم بغتًة {[الأنعام: 44] يجوز نصبها من أوجهٍ: أحدها أنها حال
من الفاعل أي باغتين، أو من المفعول أي مبغوتين، وإما على المصدر من معنى عامله كأنه أخذ بغتًة.
ب غ ض:
البغض: نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه. وهو ضد الحب، فإن الحب استئناس النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه. وقوله:} قد بدت البغضاء من أفواههم {[آل عمران: 118] إشارة إلى ما يظهر من أثرها على ألسنتهم حيث يتكلمون بما يدل عليها، وإلا فالبغضاء أمر معنوي محلها القلب.
وقوله:} إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء {[المائدة: 91] إشارة إلى ما يحدث عند شرب الخمر من الأفعال والأقوال المؤدية إلى الإحن والشحناء وهي البغضاء. وفي الحديث: "ولا تباغضوا" يقال: أبغضته أبغضه إبغاضًا، فأنا مبغضه. وعلى هذا فالبغض اسم المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء.
ونقل الراغب أنه يقال: بغض الشيء بغضًا، وبغضته بغضاء، فاقتضى ذلك أن يقال: بغضت زيدًا، ثلاثيًا متعديًا. فالبغض مصدر بنفسه. وفي الحديث:"أن الله يبغض الفاحش المتفحش" وتأويله البعد من فيضه وتوفيق إحسانه منه.
ب غ ل:
قال تعالى:} والخيل والبغال والحمير {[النحل: 8].
والبغال: جمع بغلٍ، وهو المتولد من بين الحمار والفرس. فتارًة يكون أبوه حمارًا وأمه فرسًا، وتارًة بالعكس. وهو أقوى الحيوانين، وخص بعدم التناسل، ولقوته
وخبئه قيل في وصف النذل من الناس: هو بغل. ولقوته شبه به البعير في سرعة سيره، فقيل: قد تبغل البعير يتبغل تبغلاً فهو متبغل. وما أغرب ما اتفق أن وقع هذا الجنس بين الجنسين المتولد هو منهما في اللفظ. فقال:} والخيل والبغال والحمير {، وقدم أشرف طرفيه وهو الخيل.
ب غ ي:
طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى؛ تجاوزه أو لم يتجاوزه. وقوله تعالى:} ومن يبتغ غير الإسلام دينًا {[آل عمران: 85] هو افتعال من البغي بمعنى الطلب. وأكثر استعمال البغي في الأشياء المذمومة، لاسيما إذا أطلق نحو: زيد بغى. وقد بغى زيد على عمروٍ.
وقال الراغب بعد ما ذكر أن البغي طلب تجاوزٍ في الاقتصاد: فتارًة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارًة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية. فيقال: بغيت وابتغيت أي طلبت أكثر مما يجب. وكل موضعٍ ذكر فيه البغى فلابد من معنى المجاوزة فيه، كقولهم: بغت المرأة أي تجاوزت في الفجور الحد. فقال تعالى:} ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {[النور: 33] أي على الفجور لأنهن جاوزن ما ليس لهن.
وبغى الجرح: إذا تجاوز حد الفساد: وبغت السماء: تجاوزت الحد في المطر. وبغى زيد أي أفسد، إذا تجاوز ما ليس له تجاوزه، ومنه قول ذلك:} ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله {[الحج: 60]. وأنشد المأمون حين بغى عليه أخوه الأمين: [من البسيط]
177 -
يا طالب البغي إن البغي مصرعه
…
فارتع فخير فعال المرء أعدله
فلو بغى جبل يومًا على جبلٍ
…
لا ندك منه أعاليه وأسفله
وقال آخر: [من الكامل]
180 -
ندم البغاة ولات ساعة مندم
…
والبغي مرتع مبتغيه وخيم
وقال الراغب: "والبغي على ضربين: أحدهما محمود، وهو يتجاوز الحق إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشبه، كما قال: "الحق بين والباطل بين وبين ذلك أمور مشتبهات" "ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه" ولأن البغي قد يكون محمودًا ومذمومًا قال تعالى:} إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق {[الشورى: 42]، فخص العقوبة بمن بغيه بغير الحق".
قال الحباني: أصل البغي الحسد، وسمي الظلم بغيًا لأن الحاسد ظالم. قلت: هو داخل في قولنا مجاوزة الحد، لأن الحاسد تجاوز ما ليس ليه. واستدل على أن البغي الحسد بقوله:} إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم {[الشورى: 14]. وقيل: البغي: الاستطالة على الناس والكبر. ومنه قوله تعالى:} إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق {[الأعراف: 33].
وقوله:} يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم {[يونس: 23] أي وبال بغيكم راجع عليكم. وقوله:} إذا هم يبغون {[يونس: 23] أي يفسدون. وقوله:} غير باغٍ ولا عادٍ {[البقرة: 173] أي غير متعد ما حد له. وقال ابن عرفة:} غير باغٍ {غير طالبها وهو عند غيرها.} ولا عادٍ {أي غير متعدٍ ما حد له. الأزهري:} غير باغٍ {أي غير ظالمٍ بتحليل ما حرم الله تعالى،} ولا عادٍ {أي غير متجاوز للقصد. مؤرج السدوسي: أي لا يبتغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عادٍ أي لا يعدو شبعه. وقيل: غير باغٍ أي غير خارجٍ على الإمام، ولا عادٍ أي بقطع طريقٍ ونحوه، أي فهذا لا يرخص له في ذلك.
وقال الحسن: "غير متناولٍ للذةٍ، ولا متجاوزٍ سد الجوعة". وقال مجاهد: "غير باغٍ على إمامٍ ولا عادٍ في المعصية طريق الحق". وقيل:} غير باغٍ {أي غير طالبٍ ما ليس له طلبه، ولا متجاوزٍ لما رسم له.
وقولهم: بغى بمعنى تكبر، راجع إلى ما قدمته، فإنه تجاوز منزلته إلى ما ليس له تجاوزه. وقد فرقوا بين بغيتك وأبغيتك، فقالوا: بغيتك أي بغيته لك، ومنه قوله تعالى:} يبغونكم الفتنة {[التوبة: 47]. وأبغيتك: أعنتك على البغاء، أي على طلبه.
"وابتغى: مطاوع بغى، فإذا قيل: ينبغي أن يكون هكذا فهو باعتبارين، أحدهما ما يكون مسخرًا للفعل نحو: النار ينبغي أن تحرق الثوب. والثاني بمعنى الاستئهال نحو: فلان ينبغي أن يعطي لكرمه، وعلى المعنيين جاء قوله تعالى:} وما علمناه الشعر وما ينبغي له {[يس: 69] أي لا يتسخر ولا يتسهل له". قال الراغب: ألا ترى أن لسانه لم يكن يجري به؟. قلت: ولذلك كان إذا تمثل بشيءٍ من الشعر أتى به على غير نظمه. كما يحكي أنه تمثل بقول طرفة فقال: [من الطويل]
179 -
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
…
ويأتيك من لم تزود بالأخبار
فلقنه أبو بكرٍ: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. فلم يقله. وقد نقل أنه تكلم بشيءٍ على سبيل الاتفاق، وقد أتقنا هذه المسألة - وخلاف الناس في أنه هل كان مصروفًا عن ذلك بطبعه، أو كان في قدرته ولكن لم يقله - في كتابنا "التفسير الكبير".
وابتغى: افتعلٍ من البغي. وقد غلب اختصاصها للاجتهاد في الطلب؛ فإن كان ذلك المطلوب محمودًا فابتغاؤه كذلك وكذا عكسه. فقوله:} ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها {[الإسراء: 28] محمود. وقوله:} لقد ابتغوا الفتنة من قبل {[التوبة: 48] مذموم. وقولهم: ما أنبغي لك، وما أبتغي لك كذا، أي ما يصلح ولا يتسهل.