الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنطفأ لهيبها وسكن حرها كأنما تصور عليها خباء يسترها من رمادٍ ويغشيها. ومراد الآية أن عذابهم لا ينقطع ولا يخفف، وإن تصور في نارهم خبو زيدت سعيرًا وإيقادًا لقوله في موضع أخر {لا يفتر عنهم} [الزخرف: 75]: لا يخفف عنهم. وإذا سكن لهب النار وهي حية قيل: خبت وباخت وخمدت، فإذا بطلت قيل: همدت، من همد الإنسان أي سكنت حركاته. وخبا المصباح يخبو: قل ضؤوه. قال: [من الخفيف]
425 -
وسطه كاليراع أو سرج المجدل
…
يخبو طورًا وطورًا ينير
فصل الخاء والتاء
خ ت ر:
قوله تعالى: {كل ختارٍ} [لقمان: 32]. الختار: الغدار، والختر في الأصل: الفساد في الغدر وغيره، قاله ابن عرفه. خطره الشراب: أفسد نفسه. وقال الراغب: الخطر: الغدر يختر فيه الإنسان أي بضعف ويسكر لاجتهاده فيه. وقال الأزهري: الخطر: أقبح الغدر، فهو أخص منه. فكل خترٍ غدر من غير عكسٍ.
خ ت م:
قوله تعالى: {وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] قرئ بفتح التاء وكسرها في السبع. فمعنى الكسر أنه ختم من تقدمه من الأنبياء والمرسلين. وقد شرح هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نبي بعدي". ولما استقر له هذا الوصف قال فيه الشاعر": [من الكامل]
426 -
يا خاتم النبآء إنك مرسل
ومعنى المفتوح أنه جعل كالشيء الذي يختم به كالطابع والقالب، أي لما يطبع به ويقلب فيه. والمعنى أن الله تعالى ختم به الأنبياء والمرسلين كما يختم بالخاتم الذي هو آلة الختم. فالمكسور اسم فاعلٍ، والمفتوح اسم الآلة.
قوله: {ختامه مسك} [المطففين: 26] أي يوجد في آخره طعم المسك ورائحته. وعن مجاهد: مزاجه مسك. وقال علقمة: خلطه. وقال ابن مسعود: عاقبته مسك. وقرئ "خاتمه" في السبع أي سؤره مطيب بالمسك. قال الراغب: وقول من قال: يختم بالمسك أي يطبع فليس بشيء لأن الشراب يجب أن يطيب في نفسه. فأما ختمه بالطيب فليس مما يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه، وفيه نظر لأنه يجوز أن يجمع بين الوصفين.
وفي الخاتم أربع لغات: خاتم، خاتم، خاتام، خيتام.
قوله: {ختم الله على قلوبهم} [البقرة: 7] أي طبع. ومعنى الختم: التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء. والمعنى أنها لا تعقل ولا تعي خبرًا. والختم والطبع يقالان على وجهين: أحدهما أنهما مصدران لختم وطبع، وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع. والثاني الأثر الحاصل على الشيء، ثم إنه يتجوز بذلك تارة عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارًا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب، نحو قوله:{ختم الله على قلوبهم} . وتارة عن تحصيل أثر شيء اعتبارًا بالنقش الحاصل. وتارة يعتبر منه بلوغ الأمر. ومنه: ختمت القرآن، أي بلغت آخره.
وقيل في قوله: {ختم الله على قلوبهم} إشارة إلى ما جرت به العادة من أن الإنسان إذا تناهي في أعتقادٍ باطلٍ أو ارتكاب محظورٍ ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي، فكأنما ختم بذلك على قلبه، وعليه:{أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} [النحل: 108]. ومثله استعارة الإغفال في قوله: {أغفلنا قلبه عن ذكرنا} [الكهف: 28]، واستعارة الكن في قوله:{وجعلنا على قلوبهم أكنة} [الأنعام: 25]، واستعارة القساوة في قوله:{قلوبهم قاسية} [المائدة: 13]. وقرئ: "قسيه".
وهل الختم مسئولٍ على الأسماع؛ فيكون الوقف على سمعهم، أو ليس مستوليًا عليها. وفي قراءة نصبها يجوز أن يستولي عليها حسبما بينا ذلك في "الدر" و "التفسير الكبير". وبينا هناك وجه جمع القلوب والأبصار وإفراد السمع. وهذه الآية من أعظم أي القرآن وأدلها على أن الله تعالى خالق كل شيءٍ من خيرٍ أو شر، نفعٍ أو خيرٍ، إيمانٍ أو كفرٍ.
ولما ضاق خناق المعتزلة بها تأولوها تأويلات ضعيفةً حسبما بيناه في موضعه، حتى قال الجبائي:" يجعل الله ختمًا على قلوب الكفار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم" يعني أن الملائكة تستغفر للمؤمنين، وهذا تأويل سخيف قال الناس في رده، لأن هذا الختم إما أن يكون معقولًا؛ فالملائكة يستغنون عن ذلك باطلاعهم على خبث عقائدهم، أو محسوسًا فينبغي أن يدركه أهل الشرع.
وقوله: {اليوم نختم على أفواههم} [يس: 65] عبارة عن منعهم الكلام، وهذا في وقتٍ غير وقتٍ أخر يتكلمون فيه وهو قوله:{ولا يكتمون الله حديثًا} [النساء: 42] لأن يوم القيامة متطاول مختلف الأمكنة والأزمنة.