الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين، وإن قال له ما قال.
فصل الباء والعين
ب ع ث:
البعث: أصله الإثارة والتوجيه، ومنه بعثت البعير. ويختلف باختلاف متعلقاته. فبعثت البعير: أثرته ووجهته للسير فانبعث. وبعثت رسولي أي أرسلته. ومنه:} لبعثنا في كل قريةٍ نذيرًا {[الفرقان: 51]} فبعث الله غرابًا {[المائدة: 31] أي قيضه ويسره. وبعث الله الموتى أي أقامهم للحشر. ومنه:} والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون {[الأنعام: 36].
وقوله:} ثم بعثناهم {[الكهف: 12] أي أيقظناهم؛ سمى إيقاظهم بعثًا تشبيهًا للنوم بالموت وهو الموتة الصغرى. ومنه:} وهو الذي يتوفاكم بالليل {[الأنعام: 60] ثم قال:} ثم يبعثكم فيه {[الأنعام: 60]} فابعثوا حكمًا من أهله {[النساء: 35] أي أرسلوا.
وقوله:} ولكن كره الله انبعاثهم {[التوبة: 46] أي ذهابهم ومضيهم. وقوله:} من بعثنا من مرقدنا {[يس: 52] إشارة إلى فرط جهلهم حيث سموا ما كانوا فيه مرقدًا وما كانوا عليه رقادًا، وقد كانوا في آلم الأشياء وأشغلها عن الرقاد، أو قالوه لأنه مهيأ للرقاد.
واعلم أن البعث نوعان: بشري كبعثت بعيري ورسولي. وإلهي، وهو أيضًا نوعان: نوع اختص به ولم يقدر عليه أحدًا، وهو إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع عن لبسٍ. ونوع أقدر عليه بعض خلقه المصطفين عنده كإحياء الموتى وإيجاد الخفاش من مادة الطين على يد عيسى عليه السلام، وكإحياء بعض الحيوان وهو أبلغ من إحياء
الموتى، وذلك كما أظهره الله تعالى على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من إحياء ذراع الشاة، فإنه كلمه وأخبره بأنه مسموم.
ب ع ث ر:
البعثرة: قلب الشيء وإثارته بجعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. قال تعالى:} وإذا القبور بعثرت {[الانفطار: 4]. ويقال: بحثرت. قال الراغب: ومن رأى تركيب الرباعي والخماسي من ثلاثيين نحو: هلل وبسمل إذا قال: لا إله إلا الله، وبسم الله الرحمن الرحيم. قال: إن بعثر من بعث وأثير، وهذا لا يبعد في هذا الحرف، فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير. انتهى.
قلت: ما ذكروه من نحو هلل وبسمل ليس من اللغة. وإنما وجد مثله في النسب نحو: عبشمي وعبقسي في النسبة إلى عبد شمسٍ وعبد القيس، ويلقب بباب النحت. وقد أتقنت هذه المسألة بدلائلها في الكتب المذكورة قبل ذلك.
ب ع د:
بعد: ظرف زمانٍ يقتضي التأخر نقيض قبل. وحكمها النصب على الظرفية، ولا ينصرفان وقد يجران بمن نحو:} من قبلكم {[البقرة: 21]، و} من قبل ومن بعد {[الروم: 4]، ومتى أضيفا لفظا أعربا، وإن قطعا عن الإضافة ولم ينو ما أضيفا إليه أعربا أيضا كقوله:[من الطويل]
168 -
فما شربوا بعد على لذةٍ خمرا
وقوله: [من الوافر]
169 -
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً
وقيل: هما في الأصل صفتان لمقدرٍ. فمعنى قولك: جئت من قبل زيدٍ أي من زمنٍ قبل زمن مجيء زيدٍ. وقد حررت هذا في غير هذا.
والبعد ضد القرب. يقال: بعد يبعد بعدًا، ضد قرب يقرب قربًا، وليس لهما حد محدود. لكن ذلك بحسب ذلك، ويكون ذلك في المحسوس وهو الأكثر. والمعقول نحو:} والضلال البعيد {[سبأ: 8].
وبعد بالكسر يبعد بالفتح: هلك: بعد قال تعالى:} كما بعدت ثمود {[هود: 95] وقال الشاعر: [من الطويل].
170 -
يقولون: لا تبعد وهم يدفنونه
…
ولا بعد إلا ما يواري الصفايح
وقالت الخرنق: [من الكامل]
171 -
لا يبعدن قومي الذين هم
…
سم العداة وآفة الجزر
وقد يقال: البعد في الهلاك، والبعد في ضد القرب. قال تعالى:} ألا بعدًا لمدين {[هود: 95] وقال النابغة: [من البسيط]
172 -
فتلك تبلغني النعمان إن له
…
فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد
وقوله:} بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد {[سبأ: 8] أي بعدًا لا يرجى الرجوع منه إلى الهدى، كمن ضل عن محجة الطريق وتوغل في ذلك حتى لا يرجى عوده إليها
وقوله: {وما قوم لوطٍ منكم ببعيد} [هود: 89] أي ما أنتم تقاربونهم فيه من الضلال فلا يبعد أن يأتيكم من العذاب مثل ما أتاهم. وقوله:} ذلك رجع بعيد {[ق: 3] أي بعثنا ورجوعنا بعيد لا يكاد يصح.
وقوله:} أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ {[فصلت: 44] كناية عن أنهم لا يسمعون الحق، نزلوا بمنزلة من ينادي من بعدٍ فإنه في مظنة عدم السماع، وقيل: هو كناية عن عدم الفهم ويقال في ضده: هو ناظر الأشياء عن قربه.
وقوله:} لفي شقاق بعيدٍ {[البقرة: 176] أي بتباعد بعضهم في مشاقة بعضٍ وفي الحديث: "كان يبعد في الخلاء" أي يمعن في الذهاب إلى الخلاء لمعنى فيه.
ب ع ر:
البعير: واحد الإبل. وقد يقع للذكر والأنثى، مثل الإنسان يقع للرجل والمرأة. هذا هو المشهور، وخصه بعضهم بالجمل. قال تعالى:} ولمن جاء به حمل بعيرٍ {[يوسف: 72] ويجمع على أبعرةٍ وبعرانٍ كأرغفةٍ ورغفانٍ، وأباعر وأبعرة مثل واحدة البعر. وهو ما يخرج منه. والمبعر: موضع البعر. والمبعار: الكثير البعر.
ب ع ض:
البعض مقلوب البضع، فإنهما مصدران بمعنى القطع، والبعض المقابل للكل هو قطعة من الكل. ومنه البعوض تصور منها أنها قطعة من غيرها، ويجمع على أبعاض.
وبعضت الشيء جعلته أبعاضًا كجزأته أجزاًء. وزعم أبو عبيدة أنه يكون بمعنى كل، من قوله تعالى:} ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه {[الزخرف: 63] واستشهد بقوله: [من الكامل]
173 -
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وقد رد عليه الناس هذه المقالة. قال الراغب: وفي قوله هذا قصور نظرٍ منه، وعلى أن الأشياء أربعة أضربٍ:
ضربٍ في بيانه مفسدة، فلا يجوز لصاحب الشرع أن ينبه عليه كوقت القيامة ووقت الموت.
قلت في قوله: فلا يجوز لصاحب الشرع، عبارة غير سديدةٍ. ولو قال: فلا يجوز بيانه لمصلحةٍ علمها الشارع لكان أحسن.
قال: وضربٍ معقولٍ ويمكن للناس إدراكه من غير نبي كمعرفة الله تعالى وتفكره في خلق السماوات والأرض، فلا يلزم صاحب الشرع أن يبينه، ألا ترى كيف أحال معرفته على العقول في قوله تعالى:} قل انظروا ماذا في السماوات والأرض {[يونس: 101] وقوله:} أولم يتفكروا {[الأعراف: 184].
وضرب يجب عليه بيانه كأصول الشرعيات المختصة بشرعه.
وضربٍ يمكن الوقوف عليه مما بينه صاحب الشرع كفروع الأحكام. فإذا اختلف الناس في أمرٍ غير الذي يختص بالنبي بيانه فهو مخير بين أن يبين وبين أن لا يبين، حسبما يقتضيه اجتهاده وحكمته. فإذا لم يرد في الآية كل ذلك فهو ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه. وأما الشاعر فإنه يعني نفسه. والمعنى إلا أن يتداركني الموت، لكن عرض ولم يصرح حسبما بنيت عليه جبلة الإنسان في البعاد عند ذكر موته.
قلت: ما ذكره من الإنكار على أبي عبيدة صحيح. والبيت الذي أنشد للبيدٍ أوله: [من الكامل]
174 -
تراك أمكنةٍ إذا لم أرضها
…
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
وأبو عبيدة هذا وإن كان إمامًا إلا أنه يضعف عن علم الإعراب وفي بعض فهمه. ولما حكى الزمخشري عنه هذه المسألة قال: إن صحت هذه الرواية عنه فقد حق فيه قول
المارقين في مسألة "كان أحق أن تفقه ما أقول".
قلت: هذه مسألة جرت بينه وبين ابن عثمان، ذكرتها مستوفاًة في "الدر المصون" وقال ثعلب: كان وعدهم عذابين؛ أحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة. فلذلك قال:} بعض الذي يعدكم {[غافر: 28] وهو الذي في الدنيا.
وقال الليث: بعض صلة أي زائدة، والمعنى يصيبكم بعض الذي يعدكم، وهذان القولان أعني الأول والآخر ضعيفان. أما الأول فلما تقدم، وأما هذا فلأن الأسماء لا تزاد. وقال الخليل: رأيت غربانًا تبتعض، أي يتناول بعضها بعضًا.
ب ع ل:
البعل: الزوج. وزوجة: بعلة. واشتق من لفظه مصدر، وبعل يبعل، باعل يباعل مباعلًة، كنوا بذلك عن الجماع. وفي الحديث، في أيام التشريق:"إنها أيام أكلٍ وشرب وبعالٍ" ويقال: بعل يبعل ويبعل بعلاً وبعولًة إذا صار بعلاً. واستبعل فهو مستبعل كذلك.
والبعل أيضًا: مالك الشيء وسيده، وذلك أنهم تصوروا من بعل المرأة لما كان مستوليًا عليها ومستعليًا أنه مالكها. سموا رب الشيء بعله، يقال: هذا بعل هذه الدار. قوله:} أتدعون بعلاً {[الصافات: 125] يعني إلهًا سوى الله، وذلك لما تقدم من تصورهم استعظام البعل بالنسبة إلى المرأة. فسموا معبودهم المتقرب به إلى الله، كما زعموه بعلاً، أو سموه بما كانوا يقولون إنه سيدهم وعظيمهم. قيل: كان صنمًا من ذهبٍ وفضةٍ مذكورةٌ في التفسير.
وقيل: البعل من تجب طاعته، وقيل: من معنى الزوج أيضًا. والبعل: الكل على أهله، وذلك لأن العالي على غيره يستبعل عليه أمره ونهيه فسمي بعلاً لذلك. وفي