الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الراغب: الحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبوت ووجود، كقوله عليه الصلاة والسلام لحارثة:«يا حارثة إن لكل حقٍ حقيقة، فما حقيقة إيماننك» أي ما الذي ينشأ عن كون ما تدعيه حقًا؟ قال: وتارة تستعمل في الاعتقاد، كما تقدم، وتارة في العمل وفي القول؛ فلان لفعله حقيقة، إذا لم يكن مرائيًا فيه، ولقوله حقيقة، إذا لم يكن موجبًا ومتزيدًا. وتستعمل في ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح. وقيل: الدنيا باطل والآخرة حقيقة، تنبيهًا على زوال هذه وبقاء تلك. وأما في عرف الفقهاء والمتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما يوضع له في أصل اللغة.
والحق من الإبل: ما استحق أن يحمل عليه، والأنثى حقة والجمع حقاق وحقائق، نقله الهروي وهو غريب. وقيل: سمي حقًا لأن أمه استحقت الحمل من العام المقبل. والحق ما دخل في أربعةٍ. وأتت الناقة على حقها أي على الوقت الذي فيه من العام الماضي، وفي حديث عمرو أنه قال لمعاوية:«أتيتك من العراق، وإن أمرك كحق الكهول» أي كبيت العنكبوت، والحق جمع حقةٍ؛ يعني أمرك واهٍ بعد.
فصل الحاء والكاف
ح ك م:
قوله تعالى: {إن ربك حكيم عليم} [الأنعام:83] الحكيم ذو الحكمة والحكم، وأصل المادة على منع لا بعلاجٍ، ومنه حكمة الدابة تجعل عند فكها لتمنعها من الجماح. يقال: حكمت الدابة. منعتها بالحكمة، وأحكمتها: جعلت لها حكمة، وكذا حكمت السفينة وأحكمتها. وأنشد لجرير:[من الكامل]
384 -
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
…
إني أخاف عليكم أن أغضبا
وفي الحديث: «في رأس كل عبدٍ حكمة فإن شاء أن يقدعه بها قدعه» .
والحكمة من ذلك لأنها تمنع من الجهل؛ قال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرًا} [البقرة:269]. وأحكمته: أي منعته من الفساد. وعليه قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته} [هود:1] وقال الأزهري: أحكمت آياته بالأمر والنهي والحلال والحرام، ثم فصلت بالوعد والوعيد، والحاكم من ذلك لأنه يمنع الظالم من ظلمه. قوله تعالى:{سورة محكمة} [محمد:20] و {آيات محكمات} [آل عمران:7] يعني غير منسوخة؛ منعت من النسخ لمصلحةٍ علمها تعالى للمكلفين. وقيل: المحكمات: ما لا تعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، قاله الراغب، وفيه نظر لأن هذا الوصف بعينه موجود في المتشابه الذي هو مقابل المحكم؛ فالقرآن إما محكم وإما متشابه، كما أخبر الرب تبارك وتعالى، وكلا القسمين لا تعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، وقيل غير ذلك.
قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء} [البقرة:269]. فالحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل. والحكمة من الله: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الناس: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله:{ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان:12] ونبه على جملتها. بما وصف بها؛ فإذا قيل في الله: حكيم فمعناه بخلاف إذا وصف به غيره. ومن هذا الوجه قال: {أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين:8] فإذا وصف به القرآن فلتضمنه معنى الحكمة نحو: {ألر، تلك آيات الكتاب الحكيم} [يونس:1] وقيل: الحكيم: المحكم نحو: {أحكمت
آياته}. قال الراغب: كلاهما صحيح لأنه محكم ومفيد للحكم، ففيه المعنيان جميعًا.
والحكم مصدر حكم يحكم، ومعناه القضاء بالشيء أن يكون كذا أو ليس كذا سواء ألزمت ذلك غيره أو لم تلزمه. قال النابغة:[من البسيط]
385 -
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت
…
إلى حمامٍ شراعٍ وارد الثمد
وقيل معناه كن حكيمًا. ويقال: حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس، والحكم: المتخصص بذلك. وقوله تعالى: {فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها} [النساء:35] ولم يقل: حاكمًا بينهما، إذ من شرط الحكمتين أن يتوليا الحكم لهم وعليهم حسبما يستصوبانه من غير رجوعٍ إليهم في ذلك. والحكم يقال للواحد والجمع، والفرق بين الحكم والحكمة أن الحكم أعم من الحكمة، فكل حكمة حكم، وليس كل حكمٍ حكمةً؛ فإن الحكم أن يقضي بشيءٍ على شيءٍ، فيقول: هو كذا، وليس بكذا. قال عليه الصلاة والسلام:«إن من الشعر لحكمة» أي قضية صادقةً، وذلك نحو قول لبيدٍ:[من الطويل]
386 -
ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل
…
وكل نعيمٍ لا محالة زائل
وقال عليه الصلاة والسلام: «الصمت حكم وقليل فاعله» فهذا بمعنى الحكمة.
وقوله: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} [الأحزاب:34] قيل: جعله حكمة، وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل، ويكون سائر الأنبياء تبعًا لهم في ذلك. وقوله {يحكم بها النبيون} [المائدة:44] يجوز أن يكون من الحكم أو من الحكمة المختصة بالأنبياء. وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الجنة للمحكمين» قيل: هم المختصون بالحكمة، وقيل: هو قوم خيروا بين أن يقتلوا