الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطرأ وجوده في ضمير صاحبه. وقيل: «أخفى» فعل أي وأخفى ذلك عن خلقه، ويقابل به الظهور أيضًا. قال الشاعر:[من البسيط]
457 -
لقد ظهرت فلا تخفى على أحدٍ
…
إلا على أكمهٍ لا يعرف القمرا
فصل الخاء واللام
خ ل د:
قوله تعالى: {خالدين فيها} [الحشر: 17]. الخلد: قيل: هو المكث الطويل. وقيل: هو الذي لا نهاية له. وهو أشبه بقول المعتزلة لسابهم: «عليه تخليد أهل الكبائر» ، وقد حققنا هذا في «الأحكام» و «التفسير» . ولو اقتضى التأبيد لما جاء مع لفظ الأبد، وأجابوا عنه بإرادة التأكيد، والأصل عدمه. وأصل الخلود تبري الشيء من أعراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هي عليه. والعرب تصف بالخلود كل ما تباطأ تغيره وفساده. وكذلك وصفت الأيام بالخوالد لطول مكثها لا لدوام بقائها. وقال امرؤ القيس:[من الطويل]
458 -
هل يعمن إلا سعيدٌ مخلدٌ
…
قليل الهموم ما يبيت بأوجال
ويقولون لمن تباطأ شيبه: مخلدٌ. يقال: خلد يخلد خلودًا إذا بقي زمنًا. قال: [من الطويل]
459 -
فلو كان مجدًا يخلد الدهر واحدًا
…
خلدت، ولكن ليس حي بخالد
ودابةٌ مخلدةٌ: التي تخرج ثناياها وتبقى إلى أن تخرج رباعيتها. والخلد: اسم
للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يتغير ترعرعه ما دام الإنسان حيًا. قال الراغب: ثم استعير للمبقي دائمًا. يعني أن أصله المكث الطويل.
والخلود في الجنة بقاء الأشياء التي عليها من غير أعراض فسادٍ تكون عليها. والخلد: الظن، ولذلك قالوا: وقع في خلدي كذا. وقوله تعالى: {ولكنه أخلد إلى الأرض} [الأعراف: 176] أي اطمأن وسكن إلى لذاتها، واطمأن إليها ظانًا أنه يخلد فيها. قوله تعالى:{ولدن مخلدون} [الواقعة: 17] مبقون كأهل الجنة. وحقيقته أنهم لا يتغيرون عن حالتهم التي هم عليها من الوصافة وسن الحداثة. وقيل: مفرطون، أي يكون في آذانهم القرطة، أي حلق من ذهبٍ وفضة. والجمع خلدةٌ والواحد خلدٌ، كما يقال: قرطٌ وقرطة. والإخلاد: البقية والحكم بها. ومنه: {ولكنه أخلد إلى الأرض} أي حكم بذلك ظنًّا منه، كما تقدم.
خ ل ص:
قوله تعالى: {إنه كان مخلصًا} [مريم: 51]. الخلوص أصله التقصي من الشيء وعدم الشركة فيه. وقرئ «مخلصًا» بكسر اللام بمعنى أخلص نفسه وطاعته لله، وبفتحها بمعنى أن الله أخلصه واصطفاه. كقوله:{إني اصطفيتك على الناس} [الأعراف: 144]. وكل ما في هذا القرآن من هذا اللفظ إذا لم يكن بعده «الدين» قرئ بالوجهين على هذين المعنيين نحو: {إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف 24] بخلاف {مخلصين له الدين} [الأعراف: 29] فإنه لا يليق به الفتح. وقيل: الخالص الصافي. وقال آخرون: الفرق بينهما أن الخالص ما زال عنه شوبه بعد أن كان والصافي أعم من ذلك. يقال: خلصته فخلص خلوصًا. قال الشاعر: [من الوافر]
460 -
خلاص الخمر من نسج الفدام
ويقال: خالصة وأخلصة، وكان التاء للمبالغة نحو رواية. قوله تعالى:{خلصوا نجيًا} [يوسف: 80] أي انفردوا وتميزوا. وقوله: {ونحن له مخلصون} [البقرة: 139] راجع إلى ما قدمناه من أنه التبري من الشيء. فإخلاص المسلمين كونهم تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه، والنصارى من التثليث. وقوله:{إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} [ص: 46] اخترناهم بخصلةٍ خلصناها لهم. وقرئ بإضافة خالصةٍ لذكرى وبعدمها في السبع. وقد بينا وجهي ذلك في «الدر» و «العقد» وغير ذلك.
وقوله: {أستخلصه لنفسي} [يوسف: 54] أي أختص به مصطفيًا له لا يشركني فيه غيري. والإخلاص: قصد المعبود وحده بالعبادة، كما قال:{ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110].
خ ل ط:
قوله تعالى: {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئاً} [التوبة: 102] أي فعلوا هذا تارةً وهذا أخرى. وأصل الخلط الجمع بين الشيئين فأكثر، سواء كانا مائعين أو جامدين، أو أحدهما جامدًا والآخر مائعًا. وهو أعم من المزج، فإنه يختص بالمائعات. قوله:{فاختلط به نبات الأرض} [يونس: 24] من ذلك.
والخليط: المجاور والشريك والصديق، ومنه: الخليط في الزكوات، والجمع خلطاء، قال تعالى:{وإن كثيرًا من الخلطاء} [ص: 24]. ويقع الخليط للواحد فأكثر، قال الشاعر:[من البسيط]
461 -
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
…
وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا
وقال جرير: [من البسيط]
462 -
إن الخليط أجدوا البين يوم غدوا
…
من دارة الجأب إذ أحداجهم زمر
قوله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] أي وإن تجامعوهم في النفقة والمأكل وغير ذلك، {فلا عليكم} [البقرة: 233]. وكانوا قد تحرجوا من ذلك حين نزل: {ولا تقربوا مال اليتيم} [الإسراء: 34]، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10].
وأخلط فلانٌ وخلط في كلامه إذا خلط صحيحه بفساده. وأخلط الفرس في جريه: قصر فيه، وفي حديث الإخلاط:«نهى أن يخلط الشريكان تنقيصًا للزكاة» .
خ ل ع:
قوله تعالى: {فاخلع نعليك} [طه: 12] أي نحهما، وذلك أنهما كانا من جلد حمارٍ ميتٍ لم يدبغ. وعن بعض المتصوفة أنه كنايةٌ عن التمكين كقولك: انزع ثوبك وخفك وشمر ذيلك. وأصل الخلع الإزالة والتنحية. وقولهم: خلع عليه، أي أعطاه ثوبًا. واستفيد معنى الإعطاء من هذه اللفظة لما وصلت بعلى لا عن بمجردها. والخليع: الثوب المخلوع. والخليع أيضًا من فيه مجانةٌ؛ كأنه خلع ثوب حيائه. ومنه قولهم: خلع رسنه على الاستعارة، فهو بمعنى فاعلٍ. وتخلع أي شرب مسكرًا لأنه يصير به خليعًا.
خ ل ف:
قوله تعالى: {وما خلفهم} [البقرة: 255] خلف: ظرف مكان مثل وراء، وهما ضدا: أمام وقدام، وتصرفه قليل. وتخلف ضد تقدم وسلف. فالمتأخر لقصور منزلته يقال له خلف. قال تعالى:{فخلف من بعدهم خلف} [الأعراف: 169]. وفرقوا بين الصالح والطالح بفتحةٍ فقالوا: خلف سوءٍ وخلف خيرٍ. ومنه قول العلماء: أجمع عليه السلف
والخلف. وقالوا: «سكت ألفًا ونطق خلفًا» أي رديئاً من الكلام. وفي الحديث: «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله» . قال الفراء: الخلف: من يجيء بعد، وأما الخلف فما أخذ لك بدلًا لا مما أخذ منك.
وتخلف فلانٌ فلانًا: إذا تأخر عنه أو جاء بعد آخر أو قام مقامه. قال الراغب: ومصدره الخلافة. قلت: حق مصدر تخلف وخلف خلافةً وهو خالفٌ أي رديءٌ أحمق. ويقال لمن يخلف آخر فيسد مسده: خلف. والخلف: أن يجيء كل واحد موضع الآخر. قال تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً} [الفرقان: 62]. وأمرهم خلفةٌ أي يأتي بعضهم خلف بعضٍ. وأصابته خلفةٌ كنايةٌ عن مشي البطن. وخلف فلانٌ فلانًا: إذا قام بالأمر بعده أو معه.
والخلافة: النيابة عن الغير لغيبته أو عجزه أو موته أو تشريف المستخلف، وعلى هذا الوجه الأخير استخلاف الله أولياءه في الأرض كما قال:{ليستخلفنهم في الأرض} [النور: 55]، وقوله:{إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} [البقرة: 30] قيل: هو بمعنى فاعلٍ لأنه خليفة الله تعالى تشريفًا له بذلك أو لأنه خلف من كان قبله من جنٍّ إن صح؛ فالتاء فيه قياسٌ. وقيل: بمعنى مفعولٍ لأن الله تعالى استخلفه في أرضه؛ فالتاء فيه ليست بقياسٍ. وقيل: كالنطيحة والذبيحة.
وقوله: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} [الأنعام: 165] جمع خليفةٍ نحو ظرائف وطريفةٍ. وخلفاء الأرض هو جمع خليفةٍ على معنى التذكير لا على اللفظ. والظاهر أنه جمع خليفٍ نحو ظريفٍ وظرفاء. والمخالفة: أن يأخذ كل واحدٍ طريقًا غير طريق الآخر في حاله أو فعله. قال تعالى: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}
[هود: 88]. قال الأزهري: سألت أعرابيًا عن صاحبٍ لنا على الماء فقال- خالفني- أي ورد- وأنا صادرٌ. فالمعنى: لست أنهاكم عن شيءٍ وأدخل فيه.
وقوله: {وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلًا} [الإسراء: 76] أي بعدك فتجوز بالمكان عن الزمان. وقرئ: «خلافك» . وقوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} [التوبة: 81] قيل: بمعنى خلفهم كما تقدم. وقيل: بمعنى مخالفته، قاله الأزهري وجوزه الراغب أيضًا في قوله:{لا يلبثون خلافك} وهو بعيد.
قوله: {أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ} [الفائدة: 33] أي تقطع اليد من شق اليمين، والرجل من شق اليسار. وقوله:{فرح المخلفون} [التوبة: 81] أي المتروكون خلفه. قوله: {مع الخوالف} [التوبة: 87] يعني النساء والصبيان والشيوخ العاجزين، ووصفهم بذلك توبيخًا حيث اتصفوا بصفة المعجز. والخالف: المتخلف لنقصانٍ أو قصورٍ كالمتخلف. قال تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} [التوبة: 83].
والخالفة: عمود الخيمة المتأخر، ويكنى بها عن المرأة المتأخرة عن المرتجلين. وجمعها خوالف. ومنه كما تقدم {مع الخوالف} . ولا يجوز أن تكون الخوالف جمعًا لخالفٍ وهو الرجل غير النجيب لأن فاعل الوصف لا يجمع على فواعل في العقلاء إلا ما شذ، من قولهم: فارس وفوارس وناكس ونواكس. ووجدت الحي خلوفًا أي تخلفت نساؤهم عن رجالهم. ونقل أبو عبيد أنه يقال: حيٌ خلوفٌ بمعنى أنهم غيبٌ ظاعنون، ذكره في باب الأضداد. والخلف أيضًا حد الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف. وهو ما تخلف من الأضلاع إلى ما يلي البطن. وشجر الخلاف كأنه سمي بذلك لأنه يخلف فيما يظن أو لأنه يخالف يخالف مخبره منظره.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «لخلوف فم الصائم» يريد تغيره، يروى بضم الخاء وهو أشهر وبفتحها وهو مصدرٌ. يقال: خلف فوه يخلف خلوفًا إذا تغير. وسئل أمير المؤمنين عن قبلة الصائم فقال: «وما أربك إلى خلوف فيها» ومنه «نومة الصبح مخلفةٌ للفم» .
قوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} [هو: 118 - 119]، قال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقًا يرحم فلا يختلف، وفريقًا، وفريقًا لا يرحم فيختلف. وقوله:{اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] أي كن خليفتي فيهم. ولما كان الاختلاف بين الناس في القول يقتضي التنازع والجدال عبر به عن المنازعة والمجادلة. قال تعالى: {فاختلف الأحزاب من بينهم} [مريم: 37]. قوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} [البقرة: 176] يجوز أن يكون من الخلاف نحو: كفيت بمعنى اكتفيت. وقيل: لأنهم أتوا فيه بخلاف ما أنزل الله.
وقوله: {لاختلفتم في الميعاد} [الأنفال: 42] يجور أن يكون من الخلاف أو من الخلف، والخلف: المخالفة في الوعد. يقال: أوعدني فأخلفني. وفي صفة المنافق: «إذا وعد أخلف» . قال تعالى: {ما أخلفنا موعدك} [طه: 87]. وأخلفت فلانًا: وجدته مخلفًا نحو: أحمدته.
والإخلاف: أن يسقى واحدٌ بعد آخر. وأخلف الشجر: اخضر بعد سقوط ورقه. وأخلف الله عليك أي أعطاك خلف ما ذهب منك. وأخلفه عليك أي كان لك منه خليفةٌ.
وأخلف الجمل: إذا زاد على سن البزول؛ يقال له: مخلف عامٍ أو عامين، وبازل عامٍ أو عامين، وليس له بعد البزول والإخلاف سن إلا بما ذكر. والخليفى: الخلافة؛ قال
عمر رضي الله عنه «لولا الخليفى لأذنت» أي لولا شغلي بها، لا أن الأذان ينقصه كما يظن بعض الجهلة.
والخلافة بالفتح: الجهل؛ يقال: ما أبين الخلافة في وجهه! وقوله: {موعدًا لن تخلفه} [طه: 97] قرئ بفتح اللام أي لابد أن تجده لأنه حق، وبكسرها أي لا تجده مخلفًا نحو: لن أحمده، أي لن أجده محمودًا. وقال عليه الصلاة والسلام في الكعبة:«ولجعلت لها خلفين» أي بابين. قال ابن الأعرابي: الخلف: المربد والخلف: الظهر.
خ ل ق:
قوله تعالى: {خلقكم} [البقرة: 21] أي اخترعكم وأوجدكم. وأصل الخلق التقدير المستقيم. ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاءٍ كقوله: {خلق السماوات والأرض} [التغابن: 3] ومثله: {بديع السماوات والأرض} [البقرة: 117]. وإذا كان بمعنى الإبداع فهو يختص بالباري تعالى، ولذلك فرق بينه وبين غيره في قوله تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17]. ويستعمل في إيجاد شيءٍ من شيءٍ. قال تعالى: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} [النساء: 1]. وهذا النوع قد يقدر بعض خلقه عليه، كما أقدر عيسى عليه السلام على خلق الخفاش من مادة الطين في قوله:{وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير} [المادة: 110]. والخلق لا يطلق في الإنسان إلا بأحد معنيين: أحدهما التقدير كقوله: [من الكامل]
463 -
ولأنت تفري ما خلقت، وبعـ
…
ـض القوم يخلق، ثم لا يفري
يقال: خلقت الأديم أي قدرته، ولا يطلق ذلك عليه إلا بقيد نحو: فلانٌ يخلق الأديم. ولا يقال: يخلق إلا وهو خالقٌ. والثاني بمعنى الاختلاق وهو الكذب، قال تعالى:{وتخلقون إفكًا} [العنكبوت: 17]. يقال: خلق علي واختلق. وقوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] استدل به على جواز إطلاق على غير الله أي أحسن المقدرين. وقال الراغب: أو يكون على تقدير ما يعتقدون من أن غيره يبدع، كأنه قيل: إن ثم مبدعين. فالله تعالى أحسنهم إبداعًا وإيجادًا كقوله: {أم جعلوا الله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} [الرعد: 16]. قلت: وقد أجيب بهذا في قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا} [الفرقان: 24] أي أنكم معتقدون أن الكفار لا يعذبون، فعلى سبيل التنزيل يكون: هؤلاء خيرٌ من هؤلاء.
قوله: {فليغيرن خلق الله} [النساء: 119] أي ما يفعلونه من تشويهه بنتف اللحى والخصى وما يجري مجراهما. وقيل: حكم الله. وعن الحسن ومجاهدٍ: دين الله. وقوله: {لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30] أي لما قضاه وقلده. وقيل: هو بمعنى النهي كقوله لا تبدلوا خلقه أي لا تغيروه، وقد تقدم.
وقوله: {إلا خلق الأولين} [الشعراء: 137] أي اختلاقهم وكذبهم. وقرئ بضمتين أي كعادة الأولين. قال الراغب: وكل موضعٍ استعمل فيه الخلق في وصف
الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثيرٌ من الناس من إطلاقه لفظ الخلق على القرآن، قلت: هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك بل القرآن كلامه غير مخلوقٍ لأدلةٍ دللنا لها في غير هذا الموضوع كـ «القول الوجيز» و «التفسير الكبير» .
وزعم أبو الحسن البصري أنه لا يطلق على الل تعالى، وهو سهوٌ فاحشٌ لأن القرآن يكذبه، وقد ذكرنا له بعض اعتذارٍ في الكتب المشار إليها. والخلق مصدرٌ يراد به المخلوق كقوله:{هذا خلق الله} [لقمان: 11] مثل: درهم ضرب الأمير.
والخلق والخلق بمعنى كالشرب والشرب والصرم والصرم، إلا أن الخلق اختص بالهيئات والصور والأشكال المدركة بالبصر. والخلق بالسجايا والقوى المدركة بالبصيرة. وقيدده بعضهم بالنصيب الوافر من الخير، كقوله تعالى:{وما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 200]. ومنه: {فاستمتعوا بخلاقهم} [التوبة: 69] أي انتفعوا به.
وقولهم: هو خليقٌ بكذا أي حقيقٌ به، كأنه مخلوقٌ فيه. ونحوه: هو مجبولٌ على كذا، ومدعو إليه من جهة خلقه. ويقال: خلق الثوب وأخلق إذا بلى فهو خلقٌ ومخلقٌ وأخلاقٌ كرمةٍ. قال الراغب: «وتصورر من خلوقة الثوب الملامسة فقيل: جبلٌ أخلق، وصخرة خلقاء، وخلقت الشيء: ملسته. واخلولقت السحابة منه أو من قولهم: هو خليقٌ بكذا. قلت: ومنه قوله تعالى: {من مضغة مخلقةٍ وغير مخلقةٍ} [الحج: 5] فالمخلقة: الملساء التي لم يبدأ فيها خلقٌ ولا تخطيطٌ، وغير مخلقةٍ: هي التي بدأ فيها ذلك. وهذا موافقٌ لما قاله الراغب وصرح به الزمخشري إلا أن غيرهما لم يوافقهما. قال الفراء: مخلقة: تام الخلق، وغير مخلقةٍ: السقط. وقال ابن الأعرابي: مخلقةٌ: قد بدأ خلقه، وغير مخلقةٍ: لم يصور بعد. والخليقة: الخلق. ومنه: هم شر الخليقة. والخليقة أيضًا بمعنى الخلق. قال زهيرٌ: [من الطويل]
464 -
ومهما يكن عند امرئٍ من خليقةٍ
…
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وتخلق بكذا أي أظهر خلاف خلقه نحو تحلم أي تكلف الحلم. ومنه الحديث: «من تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله» . ومنه قول الشاعر هو سالم ابن وابصة: [من البسيط]
456 -
يا أيها المتخلي غير شيمته
…
إن التخلق يأتي دونه الخلق
والخلوق: ضربٌ من الطيب، هو زعفرانٌ يفخلط به طيبٌ غيره.
خ ل ل:
قوله تعالى: {خلال الديار} [الإسراء: 5] خلال الديار أي وسطها. والخلال: جمعٌ واحد خللٌ نحو جبل جبال، وجمل جمال. والخلل: الفرجة بين الشيئين. قال الشاعر: [من الوافر]
466 -
أرى خلل الرماد وميض جمرٍ
قوله: {ولأوضعوا خلالكم} [التوبة: 47] أي: وسعوا بينكم ووسطكم بالنميمة والإفساد. وقال الزجاج: لأسرعوا فيما يخل بكم. وقوله: {فترى الودق يخرج من خلاله} [النور: 43] أي من وسطه وقدحه. والخلال أيضًا: مفردٌ، وهو ما تخلل به الأسنان وغيرها. يقال: خل سنه وخل ثوبه بالخلا يخله، ولسان الفصيل بالخلا ليمنعه من الرضاع. وفي الحديث «خللوا أصابعكم» .
والخلل في الأمر: الوهن فيه تشبيهًا بالفرجة الواقعة بين الشيئين. وخل لحمه يخل خلًّا وخلالًا: إذا صار فيه خللٌ بالهزال. قال الشاعر: [من الرمل]
467 -
إن جسمي بعد خالي لخل
والخل: سمي بذلك لتخلل الحموضة إياه. والخلة: ما يغطى به جفن السيف لكونه في خلالها. والخلة: الحاجة، وقيل: الفقر. وفي الحديث: «لا هم ولا هم ساد الخلة» أي اللهم جابر الحاجة. وأصلها من الاختلال العارض للنفس؛ إما لشهوتها بشيءٍ أو لحاجتها إليه. والخلة: المودة؛ قال تعالى: {ولا خلةٌ ولا شفاعةٌ} [البقرة: 254]، وذلك إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيه بأثير السهم في الرمية حين يخلها أي يشك فيها كخلال الثوب، وإما لفرط الحاجة إليها. والخلال بمعناها؛ قال تعالى:{لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} [إبراهيم: 31]. يقال: خاللته خلالًا ومخالةً وخلةً. وقال كعبٌ رضي الله عنه: [من البسيط]
468 -
ويلمها خلةً! لو أنها صدقت
…
موعدها، أو لو ان النصح مقبول
فأطلق الخلة على المرأة تجوزًا نحو: عدل. قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا} [النساء: 125] أي مخصصًا بمحبته. يقال: دعا فخلل وعمم، أي فخصص. والخليل في غير هذا قيل: لأن كلًّا من المتخالين يدخل في خلل الآخر ظاهرًا وباطنًا على التوسع، تصورًا أن كلًا منهما امتزج بالآخر لصدق تخالهما؛ فهو فعيلٌ بمعنى الفاعل أو المفعول. وقيل: سمي خليله لافتقاره وحاجته إليه؛ الافتقار المشار إليه بقوله: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} [القصص: 24]. وعلى هذا قيل: اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك. وقيل: سمي خليلًا من الخلة. وهو المودة قال الراغب: واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه، يعني أنه كما جاز أن تسند المحبة إلى الباري تعالى، فيوصف تارةً بأنه محبًّ لعبيده، وتارةً بأنه محبوبٌ لهم كقوله تعالى: {يحبهم
ويحبونه} [المائدة: 54] على معنىً يليق به فكذلك الخلة. وقال أبو القاسم البلخي: هو من الخلة لا من الخلة. ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ، لأن الله يجوز أن يحب عبده، لأن المحبة منه الثناء. ولا يجوز أن يخاله. قال الراغب: وهذا منه تشبيهٌ فإن الخلة من تخلل الود نفسه ومخالطته كما قال الشاعر: [من الخفيف]
469 -
قد تخللت مسلك الروح مني
…
وبذا سمي الخليل خليلًا
ولهذا يقال: تمازج روحانا، والمحبة: البلوغ بالود إلى حبة القلب من قولهم: حببته إذا أصبت حبة قلبه. ولكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد مجرد الاختيار وكذا الخلة، فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر؛ فأما أن يراد بالحب حبة القلب، وبالخلة التخلل فحاشا لله أن يراد فيه ذلك.
وقوله: {لا بيعٌ فيه ولا خلةٌ} [البقرة: 254] أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنةٍ ولا اجتلابها بمودةً، وذلك إشارةٌ إلى قوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]. وقوله: {لا بيع فيه ولا خلالٌ} فقد قيل: هو مصدر من خاللت. وقيل: هو جمعٌ. يقال: خليلٌ وأخلةٌ وخلالٌ، والمعنى كالأول، وفي الحديث:«أتي بفصيلٍ مخلولٍ» قيل: مهزول، وقال شمر: جعل على أنفه خلالٌ لئلا يرضع. والمخلول: السمين. والهزيل يقال فيه: خلًّ ومختلًّ وهذا موافقٌ لما قدمناه.
خ ل و:
قوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} [البقرة: 14] أي انفردوا معهم. وإنما عدي بإلى لأنه ضمن بمعنى انتهى، كأنه قيل: انتهوا إليهم في خلاءٍ. وقال بعضهم: إلى بمعنى مع كقوله تعالى: {إلى أموالكم} [النساء: 2]. وقيل: يقال: خلوت به أي انفردت أو استهزأت. فلما كان في اليابس أتي بإلى. وقال الهروي: خلوت به وإليه ومعه