الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يحملُ على كلِّ إثمٍ. ويسمَّى الكذبُ إثمًا تسميةً للنَّوع باسمِ جنسه كتسميةِ الإنسانِ حيوانًا، أو لأنَّه يؤدي إلى الإثم. وقولُه:{آثمٌ قلْبُهُ} [البقرة: 283] أي متحمِّلٌ لذلك. وقد قابل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإثمَ بالبرِّ في قوله: «البرُّ ما اطمأنت إليهِ النفسُ، والإثمُ ما حاكَ في صدرِكَ» . وهذا منه عليه الصلاة والسلام حكمٌ للبرِّ والإثمِ لا تفسيرُهُما لذلك.
فصل الألف والجيم
أج ج:
قولُه تعالى: {وهذا ملحٌ أُجاجٌ} [الفرقان: 53]. الأجاجُ: الماءُ الشديدُ الملوحةِ، الذي لا يمكنُ ذَوقُه منها. وقيلَ: هو من الشديدُ الملوحةِ والمَرارةِ، كأنَّه مأخوذٌ من أجيجِ النارِ. يقالُ: أجَّجَ النارَ أجيجًا، وأجَّتْ هي تَؤجُّ أجَّةً. وتآجَّ النهارُ أي حَميتْ شمسُه. فجعلَ ذلك عبارةً عن ارتفاعهِ.
وقولُهم: «أجَّ الظَّليم» .
أي عَدا بسرعةٍ، تَشبيهًا بأجيجِ النارِ، ومنهُ الحديثُ:«فخرجَ بها يؤجُّ» . أي يسرعُ. ويقالُ: الأجُّ: الهَرْولةُ، وهو قريبٌ من الأولِ، لكن الهرويّ كذا ذكرهُ. وأمّا {يأجوجُ ومأجوجُ} [الكهف: 94] فهما مهموزان وغيرُ مهموزين. قيلَ: هُما
مشتقَّانِ من أجيجِ النارِ وتموُّجِ الماءِ، وسيأتي الكلامُ عليهما في حَرفَيهما.
أج ر:
قال تعالى: {أولئكَ يُؤتَوْنَ أَجْرَهُم مرَّتَينِ} [القصص: 54] لأنَّهم آمنَوا بنبيِّهم وكتابهم ثم آمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وكتابهِ. والأجرُ: ما يعودُ من ثوابِ عملهِ عليهِ دُنيويًّا وأُخرويًّا. والأجرُ بمعناهُ إلا أنَّها لا تكونُ إلا في الدُّنيويِّ. ويقالُ في عَقد وما يجري مَجرى العَقدِ، ولا يقالُ إلا في نفعٍ دونَ ضرٍّ، كقولهِ:{فأجرُهُ على اللهِ} [الشورى: 40] بخلافِ الجزاءِ؛ فإنه يقالُ في عقدٍ وفي غيرِ عقدٍ، وفي النافعِ والضارِّ نحو:{وَجَزاهُم بما صَبَروا} [الإنسان: 12]، {فإنَّ جَهنمَ جزاؤكم} [الإسراء: 63]. وجمعُ الأجرِ أُجورٌ. قالَ: {فآتوهُنَّ أجورَهُنَّ} [النساء: 24] كنَّى بهِ عن الصَّداقاتِ لأنها عوِضٌ عن البِضْع.
وقولُه: {فلهُ أَجْرُهُ} [البقرة: 112] لأنه كالعِوَض، وإلا فهوَ مِن فضلِ اللهِ تعالى. وقولُه:{وآتَيناهُ أجرَهُ في الدُّنيا} [العنكبوت: 27] قيلَ: هو كونُ الأنبياءِ من نَسلهِ. وقيلَ: كونُه أُريَ مكانَه منَ الجنةِ. وقيلَ: هو لسانُ الصِّدقِ. وقولُه: {على أنْ تَأجُرَني ثَمانيَ حِجَجٍ} [القصص:27] أي تكونَ أجيرًا لي. وقيلَ: هو أن تجعلَ رعيَكَ غَنمي هذهِ المدةَ ثَوابي من تزويجي ابنتي لك.
ويقالُ: أجَرهُ اللهُ، بالقصرِ، يأجُرُه أجرًا: أثابَه، وآجَره إِيجارًا بمعناهُ. ويقالُ: أجَرتُ زيدًا بمعنيين؛ أحدُهما أعطيتُه العينَ المستأجرةَ بِكراءٍ وأُجْرةٍ والثاني أعطيتُه الأُجرةَ. وأما آجَرتُه، بالمدِّ، فالمعنى الأولُ فقط. وقيلَ: هو بمعنى المقصودِ في الأمرينِ جميعًا. قال الراغبُ: والفرقُ بينهما أنَّ أجَرْتُه -يعني بالقصر- يقالُ إذا اعتُبرَ فعلُ أحدهما. يقالُ: أجَرتَ فلانًا، إذا استعانَ بكَ فحميتَهُ إجارةً. ومنه:{فأَجِرْهُ حتى يَسمَعَ كلامَ اللهِ} [التوبة: 6]، {وهو يُجيرُ ولا يُجارُ عليه} [المؤمنون: 88]. وآجَرْتُهُ بالمدِّ، يقالُ إذا
اعتُبرَ فِعلاهُما، وكلاهُما يَرجِعان إلى معنىً. انتهى ما ذكرَه منَ الفرقِ. وإنَّما يصحُّ أنْ لو كانَ آجَره بالمدِّ بوزنِ فاعَلَ حتى تقتضيَ المشاركةُ، ولكنْ لا نسلِّم أنَّ آجَرَه بالمدِّ بوزن فاعلَ، بل هو بوزنِ أَفْعلَ، ولذلكَ جاءَ مضارعُه على «يُؤجِرُ» ومصدرُه على الإيجارِ؛ كآمَنَ يؤمِن إِيمانًا. ولو كان فاعَلَ لكانَ مضارعُه يؤاجِرُ ومصدرُه المؤاجَرةُ والإجارُ، كضارَبَ يضارِبُ مضاربةً أو ضِرابًا. ولو سُلِّم أن يقالُ كذلكَ إلا أنَّه يجوزُ أن يكونَ أجَّر أفعلَ، وإذا جازَ لم يصحَّ الفرقُ. ثم قولُه: يقالُ: أَجرتَ فلانًا، إذا استعانَ بك فحميتَهُ وقولُه:{فأَجِرْه} ، وقولُه:{وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه} ليسَ من هذهِ المادَّة التي نحنُ فيها ولا من معناها في شيءٍ البتَّةَ، بل من مادَّة «جَوَرَ» . ولذلك ذكرَها في مادَّة تيكَ. وإنَّما اشتَبه عليهِ اللفظُ في الفعلِ والمصدرِ، حيثُ قالَ: أجرتُ إِجارةً. والفرقُ بينَهما، عندَ من يَعرف التصريفَ، واضحٌ جدًا. وذلك أنَّ أَجرتُ بمعنى الإعانةِ وزنُه أفَلْتُ مثلُ أقمتُ، وإنما حُذفتْ عينُ الكلمةِ لالتقاءِ الساكنين. وإجارةٍ التي هي مصدرُه وزنُها إِفالةٌ، حُذفتِ العينُ منها كما حُذفتْ من الفعل كإِقامةٍ. والأصلُ: أَجْوَرْتُ إِجْوارًا. فصيَّرهُ التصريفُ إلى ما تَرى. وأمَّا أجرتُ الذي نحن فيه فهمزتُه أصليةٌ، ووزنُه فَعَلْتُ، ومصدرهُ فِعالةٌ. وأينَ هذا من ذاك؟ ولكن قد يذهُلُ الفاضلُ، ويدهَشُ العاقلُ. الأجيرُ فَعيلٌ بمعنى فاعلٍ. وقالَ الراغبُ: أو مُفاعِل، وهو بناءٌ منهُ على أنَّ آجرَ فاعَلَ. وقد تقدَّم ما فيه.
والاستئجارُ طلبُ الشيءِ بأُجْرةٍ، ثم يُعبَّر بهِ عن تناوُل الأجرةِ، كاستعارةِ الاستيجابِ كقولهِ:[من الطويل]
32 -
وداعٍ دَعا: هلْ من يُجيبُ إِلى النَّدى؟ فلم يَستجبْه عندَ ذاكَ مُجيبُ
قيلَ؛ وعليه قولُه تعالى: {يا أبتِ استأجرهُ} [القصص: 26]، وفيه نظرٌ لظهورِ الطلبِ فيهِ بأُجْرةٍ. ويقالُ: إِيتاجَرَ أي طلبَ الأجرةَ، افْتَعلَ منهُ. وفي الحديث في الأضاحي:«كلوا وادَّخِروا وائتجِروا» أيْ واطْلبوا الأجرَ. قالَ الهرويُّ: ويجوزُ اتَّجِروا نحو اتَّجرَ، كذا أصلُه إِيْتجرَ، فأدغمتِ الهمزةُ في التاء. وفي الحديث: «إنَّ رجلاً دخلَ
المسجدَ، وقد قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاتَه فقال: مَن يَتجرُ فيقومُ فيصلي معَه»؟ قولُه: فأُدغمتِ الهمزةُ فيه تجوُّزٌ، لأنَّ الهمزةَ أبدلت ياءً وجوبًا، فصَارت كالأصليةِ، مثلُ أَيسر من اليُسر. وإلا فالهمزةُ لا يُتصورُ إدغامُها في الياء. وقولُه: نحو اتَّجرَ على أحدِ القولينِ. ولنا قولٌ أنهُ من تَجر- يَتجرُ، ومنه قراءةُ:(لتَخِذْتَ عليه أجرًا)[الكهف: 77].
والإِجّارُ: السَّطحُ، ليس حَواليهِ ما يردُّ مَن يقعُ، فِعّالٌ من الأجر. تصوَّروا فيهِ النَّفعَ. والجمعْ أجاجيرُ. وفيه لغةٌ أخرى «إِنْجارٌ» بالنون والجمعُ أناجيرُ. وفي الحديث:«فتلقَّى الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في السُّوقِ وعلى الأناجيرِ» أي السطوح.
أج ل:
الأَجَلُ: المدَّةُ المضروبةُ. ويقالُ للمدةِ المضروبةِ لحياةِ الإنسانِ: أجلٌ. وقولُه تعالى: {ولِتَبلُغُوا أجلاً مسمًّى} [غافر: 67] عبارةٌ عن ذلك. وقولُه: {أيَّما الأَجَلَيْنِ قَضَيتُ} [القصص: 28] أي المدَّتينِ المضروبتينِ من الثماني والعشر. وقولُه: دَنا أجلُه أي مدَّتُه، وحقيقتُه استيفاءُ مدةِ حياتِه. وقولُه:{وبَلَغْنا أجَلَنا الذي أجَّلْتَ لنا} [الأنعام: 128]، قيلَ: حدَّ الموتِ، وقيلَ: حدَّ الهَرمِ، وهما مُتقاربان. وأجَّلتُ الدَّينَ فهوَ مؤجَّلٌ: أي ضربتُ له مدَّةً. وقولُه: {ثم قَضَى أَجلاً وأَجلٌ مُسمى} [الأنعام: 2]؛ قيل: الأولُ البقاءُ في الدنيا، والثاني البقاءُ في الآخرةِ. وعن الحسنِ: الأولُ البقاءُ في الدنيا، والثاني البقاءُ في القبورِ إلى يوم النُّشورِ. وقيلَ: هما الأولُ النومُ والثاني الموتُ، إشارةٌ إلى قولهِ تعالى:{اللهُ يَتَوفَّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لم تَمُتْ في مَنامِها}
[الزمر: 42] وقيلَ: الأجلانِ معًا للموت، إلا أنَّ مِنَ الناسِ من يأتيهِ أجلُه بعارضٍ من سيفٍ أو حرقٍ أو غرقٍ أو أكلِ سُمٍّ أو شيءٍ غيرِ موافقٍ ممّا يَقطعُ الحياةَ، ومنهم مَن يُعافَى ويوقَّى كلَّ ذلك حتى يأتيَه الموتُ حتْفَ أنفِه، وإليهما أشار مَن قال:«مَن أخطأهُ سَهمُ الرزيَّةِ لم يُخطئْه سهمُ المنيَّة» .
وقيلَ: النّاسُ رجلانِ، رجلٌ يموتُ عَبْطةً ورجلٌ يبلغُ أجلاً لم يجعلْ لهُ اللهُ في طبيعةِ الدنيا أَن يبقَى أحدٌ أكثرَ منه فيها. وقد أشارَ إليهما بقوله تعالى:{ومنكم مَن يُتوفَّى ومنكمُ من يُردُّ إلى أرذلِ العُمرِ} [النحل: 70]. وقالَ زهيرٌ: [من الطويل]
33 -
رأيتُ المنايا خَبطَ عشوَاء من تصب
…
تُمِتْهُ ومَنْ تُخطئ يُعمَّرْ فَيَهْرَمِ
وقال آخرُ: [من المنسرح]
34 -
مَن لم يمتْ عَبْطةً يَمُتْ هَرَمًا
…
لِلموتِ كأسٌ والمرءُ ذائقُها
وقال ابنُ عرفةَ: «الأجلُ المقضيُّ هو الدُّنيا والحياةُ، والمسمَّى هو أمرُ الآخرةِ» . وقولُه تعالى: {مِن أجل ذلك كتَبْنا على بني إسرائيلَ} [المائدة: 32] أي مِن جَرّائهِ وجِنايَتهِ. يقالُ: أجَلتُ الشيءَ، وآجِلُه: جَنيتُه. وقرئَ: من إِجلِ بالكسر أي من جناية. والأَجْلُ والإِجْلُ: الجنايةُ التي يُخافُ منها أجَلٌ. فكلُّ أجلٍ جنايةٌ، وليسَ كلُّ جنايةٍ أجلاً. وفي الحديث:«كنا مُرابطينَ بالساحلِ فتأجَّلَ متأجلٌ» أي طلبَ الرجوعَ إلى أهله، وأرادَ أن يُضرَبَ له أجَلُ ذلك. وقولُه:{وإِذا طلَّقتُمُ النِّساءَ فبلَغْنَ أَجلَهُنَّ فأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231] وهو المدّةُ المضروبةُ بينَ الطلاقِ وبينَ انقضاءِ العِدَّة. وقوله: {وإِذا طلَّقتُم النساءَ فبلغْنَ أجلَهنَّ فلا تَعْضُلُوهنُّ} [البقرة: 233] إشارةٌ إلى حينِ انقضاءِ العِدَّةِ. وحينئذٍ