الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن نفي الْعُمُوم - كالغزالي - أَرَادَ أَن الْعُمُوم لم يثبت بالمنطوق بِهِ بِغَيْر توَسط الْمَفْهُوم، وَلَا خلاف فِيهِ أَيْضا. كَذَا ذكره الْآمِدِيّ، وَمن تبعه، وَكَذَا قَالَ صَاحب " الْمَحْصُول "، إِن عني أَنه لَا يُسمى عَاما لفظيا فقريب، وَإِن عني أَنه لَا يُفِيد انْتِفَاء عُمُوم الحكم، فدليل كَون الْمَفْهُوم حجَّة يَنْفِيه. انْتهى.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: قَالَ الْآمِدِيّ، والرازي: الْخلاف فِي الْمَفْهُوم هَل لَهُ عُمُوم لَا يتَحَقَّق؟ لِأَن مفهومي الْمُوَافقَة والمخالفة عَام فِيمَا سوى الْمَنْطُوق، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَقَوله صلى الله عليه وسلم َ -: "
فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة " يَقْتَضِي عُمُومه سلب الحكم عَن معلوفة الْغنم دون غَيرهَا على الصَّحِيح، فَمَتَى جَعَلْنَاهُ حجَّة لزم انْتِفَاء الحكم عَن جملَة صور الْمُخَالفَة، وَإِلَّا لم يكن للتخصيص فَائِدَة، وتأولوا ذَلِك على أَن الْمُخَالفين أَرَادوا أَنه لم يثبت بالمنطوق وَلَا يَخْتَلِفُونَ
فِيهِ.
قيل: قَوْلهم الْمَفْهُوم لَا عُمُوم لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظ حَتَّى يعم لَا يُرِيدُونَ بِهِ سلب الحكم عَن جَمِيع المعلوفة؛ لِأَنَّهُ خلاف مَذْهَب الْقَائِلين بِالْمَفْهُومِ، وَلَكنهُمْ قد يذكرُونَهُ فِي معرض الْبَحْث.
فقد قَالُوا: دلَالَة الِاقْتِضَاء تجوز رفع الْخَطَأ، أَي: حكمه، لَا يعم حكم الْإِثْم وَالْغُرْم - مثلا - تقليلا للإضمار فَلذَلِك يُقَال فِي الْمَفْهُوم: هُوَ حجَّة لضَرُورَة ظُهُور فَائِدَة التَّقْيِيد بِالصّفةِ، وَيَكْفِي فِي الْفَائِدَة انْتِفَاء الحكم عَن صُورَة وَاحِدَة لتوقف بَيَانهَا على دَلِيل آخر، وَإِن لم يقل بذلك أهل الْمَفْهُوم، لكنه بحث مُتَّجه.
قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: وَلقَائِل أَن يَقُول الْحَال فِي هَذِه منقسمة بِحَيْثُ يكون مَحل النُّطْق إِثْبَاتًا جزئيا فَالْحكم مُنْتَفٍ فِي جملَة صور الْمُخَالفَة، وَحَيْثُ يكون مَحل النُّطْق نفيا لم يلْزم أَنه يثبت الحكم فِي جملَة صور الْمُخَالفَة؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَنْطُوق إِثْبَاتًا لزم نفي الحكم؛ إِذا انْتَفَى عَن كل أَفْرَاد الْمُخَالف؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يدل على تنَاول الحكم لكل فَرد من أَفْرَاد الْمُخَالف، أَو لَا، فَإِن دلّ فَهُوَ المُرَاد، وَإِن لم يدل فَهُوَ دَال حِينَئِذٍ على نفي الحكم عَن مُسَمّى الْمُخَالف فَيلْزم انتفاؤه عَن كل فَرد ضَرُورَة أَنه يثبت النَّفْي للمسمى وَمَا يثبت - أَعنِي النَّفْي عَن الْأَعَمّ - يثبت لجملة أَفْرَاده.
وَهَذَا كتعليق الْوُجُوب بسائمة الْغنم فَإِن مَحل النُّطْق إِثْبَات فَيَقْتَضِي نفي
وجوب الزَّكَاة عَن المعلوفة، فَإِذا كَانَ بِصفة للْعُمُوم فَذَاك، وَإِلَّا فَهُوَ سلب عَن مُسَمّى المعلوفة فَيلْزم انتفا الْوُجُوب عَن كل أَفْرَاد المعلوفة لما بَيناهُ أَن المسلوب عَن الْأَعَمّ مسلوب عَن كل أَفْرَاده.
وَأما إِن كَانَ مَحل النُّطْق نفيا، أَو مَا فِي مَعْنَاهُ، كنهيه عليه الصلاة والسلام عَن الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم، ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي انْتِفَاء الحكم عَن الْمُخَالف وَهُوَ النَّفْي فَيكون الثَّابِت للمخالف إِثْبَاتًا، فَإِن مُطلق الحكم فِي السّوم لَيْسَ يلْزم مِنْهُ الْعُمُوم، فَإِن الْعُمُوم لَهُ صِيغ مَخْصُوصَة، لَا كل صِيغَة، فَإِذا كَانَ بعض الْأَلْفَاظ المنطوقة بهَا لَا تدل على الْعُمُوم إِذا كَانَت فِي طرف الْإِثْبَات، فَمَا ظَنك بِمَا لَا لفظ فِيهِ أصلا فمدعي الْعُمُوم لَا بُد لَهُ من دَلِيل، وَقَول الْقَائِل: وَمَتى جعلنَا حجَّة لزم انْتِفَاء الحكم فِي جملَة الصُّور، وَإِلَّا لم يكن للتخصيص فَائِدَة مَمْنُوع؛ لأَنا إِذا علقنا الحكم بِالْمُسَمّى الْمُطلق كَانَت فَائِدَة الْمَفْهُوم حَاصِلَة فِي بعض الصُّور ضَرُورَة، فَلَا يَخْلُو الْمَفْهُوم من فَائِدَة، وَفِي مثل هَذَا يتَوَجَّه كَلَام الْغَزالِيّ. انْتهى.