الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة نفي الْمُسَاوَاة للْعُمُوم} نَحْو قَوْله: {هَل يستوون الْحَمد لله} [النَّحْل: 75]، {هَل يستويان مثلا} [هود: 24] وَنَحْوه.
{وَعند الْحَنَفِيَّة} ، والمعتزلة، وَالْغَزالِيّ، والرازي، والبيضاوي، وَغَيرهم لَيْسَ للْعُمُوم، {وَيَكْفِي النَّفْي فِي شَيْء وَاحِد} .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: نفي الاسْتوَاء، وَمَا فِي مَعْنَاهُ من التَّسَاوِي والمساواة والتماثل والمماثلة وَنَحْو ذَلِك، سَوَاء فِيهِ نَفْيه فِي فعل، مثل: لَا يَسْتَوِي كَذَا وَكَذَا، أَو فِي اسْم، مثل: لَا مُسَاوَاة بَين كَذَا وَكَذَا، هَل يعم كل اسْتِوَاء، أَو لَا؟ قَولَانِ:
بأولهما قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا، وَعَلِيهِ جرى الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، وَغَيرهمَا، وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه، والمعتزلة، وَالْغَزالِيّ، والرازي وَأَتْبَاعه، كالبيضاوي.
وَأثر الْخلاف فِي الِاسْتِدْلَال على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالذمي بقوله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} [الْحَشْر: 20] فَلَو قتل بِهِ لثبت استواؤهما، وَالِاسْتِدْلَال على أَن الْفَاسِق لَا يَلِي عقد النِّكَاح بقوله تَعَالَى:{أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} [السَّجْدَة: 18]، إِذْ لَو قُلْنَا: يَلِي لاستوى، مَعَ الْمُؤمن الْكَامِل، وَهُوَ الْعدْل وَمن نفى الْعُمُوم فِي الْآيَتَيْنِ لَا يمْنَع قصاص الْمُؤمن بالذمي، لَا ولَايَة الْفَاسِق.
ثمَّ قَالَ: وَاعْلَم أَن مَأْخَذ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة أَن الاسْتوَاء فِي الْإِثْبَات هَل هُوَ من كل وَجه فِي اللُّغَة، أَو مدلولة لُغَة الاسْتوَاء من وَجه مَا؟ فَإِن قُلْنَا: من كل وَجه فنفيه من سلب الْعُمُوم فَلَا يكون عَاما.
وَإِن قُلْنَا: من بعض الْوُجُوه فَهُوَ من عُمُوم السَّلب فِي الحكم؛ لِأَن
نقيض الْإِيجَاب الْكُلِّي سلب جزئي، ونقيض الْإِيجَاب الجزئي سلب كلي، وَلَكِن كَون الاسْتوَاء فِي الْإِثْبَات عَاما من غير صِيغَة عُمُوم مَمْنُوع.
غَايَته: أَن حَقِيقَة الاسْتوَاء ثبتَتْ، وَقَول الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه نفي الاسْتوَاء أَعم من نَفْيه من كل وَجه، وَمن نَفْيه من بعض الْوُجُوه، والأعم لَا يلْزم مِنْهُ الْأَخَص مَرْدُود بِمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب وَغَيره: بِأَن ذَلِك فِي الْإِثْبَات، أما نفي الْأَعَمّ فَيلْزم مِنْهُ انْتِفَاء الْأَخَص، كنفي الْحَيَوَان نفي الْإِنْسَان، هَذَا إِذا سلمنَا أَن الاسْتوَاء عَام لَهُ جزئيات.
أما إِذا قُلْنَا حَقِيقَته وَاحِدَة، فَإِنَّهُ يلْزم من نَفيهَا نفي كل متصف بهَا.
وَقد اسْتدلَّ من نفي الْعُمُوم فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا: بِأَنَّهُ لَو عَم لم يصدق؛ إِذْ لَا بُد بَين كل شَيْئَيْنِ من مُسَاوَاة وَلَو فِي نفي مَا سواهُمَا عَنْهُمَا.
وَجَوَابه: أَنه إِنَّمَا يَنْفِي مُسَاوَاة يَصح انتفاؤها لَا كل مُسَاوَاة؛ لِأَن ذَلِك مدرك إِرَادَته بِالْعقلِ، وَقد ذكر مَعْنَاهُ ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهمَا.
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول ثَالِث: إِنَّه من بَاب الْمُجْمل؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل من كل وَجه، وَمن الْوَجْه الَّذِي قد ذكر فِي الْآيَتَيْنِ الْأَوليين، وَعَلِيهِ جرى
الْهِنْدِيّ إِذْ قَالَ: الْحق أَن قَوْله (يَسْتَوِي أَو لَا يَسْتَوِي) من بَاب الْمُجْمل، من بَاب المتواطئ لَا الْعَام. انْتهى.
وَقد سبق أَن ذَلِك من ذكر بعض أَفْرَاد الْعَام، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يبْقى مُجملا، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَدلَالَة الِاقْتِضَاء، والإضمار عَامَّة عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا وَأكْثر الْمَالِكِيَّة، وَالنَّوَوِيّ} وَغَيرهم.
{وَعند القَاضِي أَيْضا} ، وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، {وَالْغَزالِيّ،
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
والرازي، والآمدي، وَغَيرهم مجملة.
وَعند أَكثر الْحَنَفِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة، وَابْن حمدَان هِيَ لنفي الْإِثْم} .
اسْتدلَّ للْأولِ - وَهُوَ الصَّحِيح -: بِمَا روى الطَّبَرَانِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد جيد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا:" إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ ".
وَرَوَاهُ ابْن ماجة، وَلَفظه:" إِن الله وضع "، وروى ابْن عدي:" رفع الله عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا: الْخَطَأ، وَالنِّسْيَان، وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ "، فَمثل
هَذَا يُقَال فِيهِ: مُقْتَضى الْإِضْمَار وَمُقْتَضَاهُ الْإِضْمَار ودلالته على الْمُضمر، دلَالَة إِضْمَار واقتضاء فالمضمر عَام.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: وَيُسمى مقتضيا؛ لِأَنَّهُ أَمر اقْتَضَاهُ النَّص لتوقف صِحَّته عَلَيْهِ، وَهُوَ بِكَسْر الضَّاد اللَّفْظ الطَّالِب للإضمار، وَبِفَتْحِهَا ذَلِك الْمُضمر نَفسه الَّذِي اقْتَضَاهُ الْكَلَام تَصْحِيحا، وَهُوَ المُرَاد هُنَا. انْتهى.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: الْمُقْتَضِي - بِالْكَسْرِ - الْكَلَام الْمُحْتَاج للإضمار - بِالْفَتْح - هُوَ ذَلِك الْمَحْذُوف، ويعبر عَنهُ أَيْضا بالمضمر، فالمختلف فِي عُمُومه على الصَّحِيح الْمُقْتَضى - بِالْفَتْح - بِدَلِيل اسْتِدْلَال من نفى عُمُومه بِكَوْن الْعُمُوم من عوارض الْأَلْفَاظ، فَلَا يجوز دَعْوَاهُ فِي الْمعَانِي، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الْمُقْتَضِي - بِالْكَسْرِ - وَهُوَ الْمَنْطُوق بِهِ الْمُحْتَاج فِي دلَالَته للإضمار، كَمَا صور بِهِ بعض الْحَنَفِيَّة.
وَبِالْجُمْلَةِ فِي أصل الْمَسْأَلَة أَن الْمُحْتَاج إِلَى تَقْدِير فِي نَحْو: {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} [الْمَائِدَة: 5] وَغَيرهَا من الْأَمْثِلَة، إِن دلّ دَلِيل على تَقْدِير شَيْء من المحتملات بِعَيْنِه فَذَاك سَوَاء كَانَ الْمُقدر عَاما فِي أُمُور كَثِيرَة، أَو خَاصّا بفرد، وَإِن لم يدل دَلِيل على تعْيين شَيْء، لَا عَام، وَلَا خَاص مَعَ احْتِمَال أُمُور
مُتعَدِّدَة، لم يتَرَجَّح بَعْضهَا فَهَل تقدر المحتملات كلهَا وَهُوَ المُرَاد بِالْعُمُومِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَو لَا فِيهِ مَذَاهِب.
وَوَجهه: أَنه لم يرد رفع الْفِعْل الْوَاقِع، بل مَا تعلق بِهِ، فاللفظ مَحْمُول عَلَيْهِ بِنَفسِهِ لَا بِدَلِيل.
احْتج بِهِ القَاضِي وَغَيره، قَالَ بعض أَصْحَابنَا مضمونه أَن مَا عَلَيْهِ اللَّفْظ بِنَفسِهِ مَعَ قرينَة عقلية فَهُوَ حَقِيقَة، أَو أَنه حَقِيقَة عرفية، لَكِن مُقْتَضَاهُ الأول، وَكَذَا فِي " التَّمْهِيد " و " الرَّوْضَة " أَن اللَّفْظ يَقْتَضِي ذَلِك.
وَاعْترض: لَا بُد من إِضْمَار فَهُوَ مجَاز.
رد بِالْمَنْعِ لذَلِك، ثمَّ قَوْلنَا أقرب إِلَى الْحَقِيقَة.
عورض: بِأَن بَاب الْإِضْمَار فِي الْمجَاز أولى فَكلما قل قلت مُخَالفَة الأَصْل فِيهِ فَيسلم قَوْلنَا لَو عَم اضمر من غير حَاجَة، وَلَا تجوز.
رد بِالْمَنْعِ فَإِن حكم الْخَطَأ عَام وَلَا زِيَادَة.
ونمنع أَن زِيَادَة حكم مَانع.
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا عَن بَعضهم: التَّخْصِيص كالإضمار، وَكَذَا قَالَ ألكيا فِي الْإِضْمَار: هَل هُوَ من الْمجَاز، أم لَا؟
فِيهِ قَولَانِ كالقولين فِي الْعُمُوم الْمَخْصُوص، فَإِنَّهُ نقص الْمَعْنى عَن اللَّفْظ، والإضمار عَكسه لَيْسَ فيهمَا اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي مَوْضُوع آخر.
وَفِي " التَّمْهِيد ": لِأَن الْإِثْم لَا مزية لأمته فِيهِ على الْأُمَم؛ لِأَن النَّاسِي غير مُكَلّف؛ وَلِأَنَّهُ الْعرف نَحْو: لَيْسَ للبلد سُلْطَان لنفي الصِّفَات الَّتِي تنبغي لَهُ، وَلَا وَجه لمنع الْآمِدِيّ الْعرف فِي نَحْو: لَيْسَ للبلد سُلْطَان، وَلَا لرد غَيره بِأَنَّهُ قِيَاس فِي الْعرف، وَلَا يجوز كاللغة بِأَنَّهُ لم يرد بِهِ الْقيَاس، ثمَّ من مَنعه عرفا، ثمَّ فِيهِ لُغَة خلاف سبق ذكره ابْن مُفْلِح.
وَكَلَام الْآمِدِيّ وَغَيره فِي التَّحْرِيم الْمُضَاف إِلَى الْعين، وَنَحْو:" لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور "، يُخَالف مَا ذَكرُوهُ هُنَا، وَقَالُوا فِيهِ بِزِيَادَة الْإِضْمَار، وَإنَّهُ أولى.
وَقَالُوا أَيْضا فِي " رفع عَن أمتِي " لَا إِجْمَال فِيهِ، وَلَا إِضْمَار لظُهُوره لُغَة قبل الشَّرْع فِي نفي الْمُؤَاخَذَة، وَالْعِقَاب، وتبادره إِلَى الْفَهم، وَالْأَصْل فِيمَا تبادر أَنه حَقِيقَة لُغَة، أَو عرفا.
فَقيل لَهُم: فَلم يجب الضَّمَان؟
فَقَالُوا: لَيْسَ بعقوبة؛ لوُجُوبه على من لَا عُقُوبَة عَلَيْهِ أَو تَخْصِيصًا لعُمُوم الْخَبَر، وَالله أعلم.