الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر مُطلق النَّهْي عَن الشَّيْء لعَينه يَقْتَضِي فَسَاده} ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ من أَقْوَال الْعلمَاء من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة، والمالكية، وَالشَّافِعِيَّة، والحنابلة، والظاهرية، وَبَعض الْمُتَكَلِّمين، وَغَيرهم.
قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا مَذْهَب الْعلمَاء فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه، كَحَدِيث عَائِشَة الْمُتَّفق عَلَيْهِ:" من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد ".
ومثلوا للنَّهْي عَن الشَّيْء لعَينه، أَي: لذاته كالكفر، وَالْكذب، وَالظُّلم، والجور، وَنَحْوهَا من المستقبح لذاته عقلا عِنْد من يرى ذَلِك.
وَقَالَ الْغَزالِيّ، والرازي، وَأَبُو الْحُسَيْن وَجمع: مُطلق النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد فِي الْعِبَادَات دون غَيرهَا، لجَوَاز لَا تفعل، فَإِن فعلت ترَتّب الحكم، نَحْو: لَا تطَأ جَارِيَة ولدك، فَإِن فعلت صَارَت أم ولد لَك، وَلَا تطلق فِي الْحيض، فَإِن فعلت وَقع، وَلَا تغسل الثَّوْب بِمَاء مَغْصُوب ويطهر إِن فعلت.
وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن الْعِبَادَة قربَة، وارتكاب الْمنْهِي عَنهُ مَعْصِيّة، فيتناقضان بِخِلَاف الْمُعَامَلَات.
الثَّانِي: أَن فَسَاد الْمُعَامَلَات بِالنَّهْي يضر بِالنَّاسِ لقطع مَعَايشهمْ أَو تقليلها فَصحت؛ رِعَايَة لمصلحتهم وَعَلَيْهِم إِثْم ارْتِكَاب النَّهْي بِخِلَاف
الْعِبَادَات، فَإِنَّهَا حق الله تَعَالَى فتعطيلها لَا يضر بِهِ، بل من أوقعهَا بِسَبَب صَحِيح أطَاع وَمن لَا، عصي، وَأمر الْجمع إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
{و} قَالَ {بعض الْحَنَفِيَّة، والأشعرية} ، وَعَامة الْمُعْتَزلَة والمتكلمين: لَا يَقْتَضِي فَسَادًا وَلَا صِحَة.
وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن محققي أَصْحَابهم، كالقفال وَالْغَزالِيّ، وَحَكَاهُ عَن جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين، وَحَكَاهُ الكيا عَن أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، وَحَكَاهُ الرَّازِيّ عَن أَكثر الْفُقَهَاء.
وَقيل: يَقْتَضِي الصِّحَّة، حُكيَ ذَلِك عَن أبي حنيفَة، وَمُحَمّد بن
الْحسن؛ لدلالته على تصور الْمنْهِي عَنهُ.
فعلى الْمَذْهَب الأول - وَهُوَ الصَّحِيح - اقتضاؤه للْفَسَاد من جِهَة الشَّرْع لَا غير، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: قَالَ الْجُمْهُور اقتضاؤه الْفساد من جِهَة الشَّرْع بعرف شَرْعِي، انْتهى؛ لِأَن النَّهْي عَنهُ فِي قَوْلنَا: لَا يَصح صَوْم يَوْم النَّحْر: هُوَ الصَّوْم الشَّرْعِيّ قطعا، فَلَا بُد وَأَن تكون الدّلَالَة شَرْعِيَّة، إِذْ أهل اللُّغَة لَا يفهمون الْمَعْنى الشَّرْعِيّ، فَكيف يدل اللَّفْظ عَلَيْهِ.
وَقيل: اقتضاؤه للْفَسَاد من جِهَة اللُّغَة، وَقَالَهُ كثير من أَصْحَابنَا وَغَيرهم.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل للقائل بفساده لُغَة احتجاج الصِّحَّة: قُلْنَا: نمْنَع فهمهم الْفساد لُغَة، بل شرعا.
قَالُوا: يَقْتَضِي الْأَمر الصِّحَّة، وَالنَّهْي نقيضه فمقتضاه الْفساد لوُجُوب التقابل.
قُلْنَا: إِذا أُرِيد لُغَة فَمَمْنُوع، وَشرعا فَمُسلم، وَلَو سلم لُغَة فَلَا نسلم لُزُوم الِاخْتِلَاف فِي المتقابلات اشتراكهما فِي لَازم وَاحِد، وَلَو سلم فَإِنَّمَا يلْزم أَن لَا يكون النَّهْي مقتضيا للصِّحَّة لَا أَن يَقْتَضِي الْفساد، انْتهى.
وَقيل: اقتضاؤه للْفَسَاد من جِهَة الْمَعْنى، حَكَاهُ طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة؛ لِأَن النَّهْي دلّ على قبح الْمنْهِي عَنهُ، وَهُوَ مضاد للمشروعية، قَالَ: وَهُوَ أولى.
قَوْلنَا: مُطلق النَّهْي خرج بِهِ مَا اقْترن بِهِ مَا يدل على الْفساد أَو الصِّحَّة فَلَيْسَ من مَحل الْخلاف فِي شَيْء.
احْتج للْأولِ - وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا وَمذهب الْعلمَاء - بِالْكتاب وَالسّنة، وَالِاعْتِبَار، ومناقضة الْخُصُوم، أما الْإِجْمَاع فَلم يزل الْعلمَاء يستدلون على الْفساد بِالنَّهْي، كاحتجاج ابْن عمر بقوله تَعَالَى: (وَلَا