الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{مثل {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} [التَّوْبَة: 103] يَقْتَضِي أَخذ الصَّدَقَة من كل نوع من المَال فِي ظَاهر كَلَام أبي الْفرج} الشِّيرَازِيّ، {وَقَالَهُ ابْن حمدَان} فِي " الْمقنع "، وَأكْثر الْعلمَاء من أَصْحَاب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم، إِلَّا أَن يخص بِدَلِيل من السّنة، وَهُوَ مَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي " الرسَالَة ".
{وَخَالف الْكَرْخِي وَابْن الْحَاجِب} ، فَقَالَا: يَكْفِي الْأَخْذ من نوع وَاحِد.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَنقل عَن الْكَرْخِي من الْحَنَفِيَّة أَن مُقْتَضى الْآيَة إِنَّمَا هُوَ أَخذ صَدَقَة وَاحِدَة من نوع وَاحِد، وَرجحه ابْن الْحَاجِب حَيْثُ قَالَ: خلافًا للأكثرين، ثمَّ قَالَ: لنا أَنه بِصَدقَة وَاحِدَة يصدق أَنَّهَا أَخذ مِنْهَا صَدَقَة فَيلْزم الِامْتِثَال، وَأَيْضًا فَإِن كل دِينَار مَال وَلَا يجب ذَلِك بِإِجْمَاع. انْتهى.
أُجِيب عَن الأول بِمَنْع صدق ذَلِك؛ لِأَن أَمْوَالهم جمع مُضَاف فَكَانَ عَاما فِي كل نوع نوع، وفرد فَرد إِلَّا مَا خرج بِالسنةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي.
وَعَن الثَّانِي: بِأَن المُرَاد عَن كل نِصَاب نِصَاب كَمَا بَينته السّنة.
وَمِمَّا ذكر احتجاجا للكرخي أَن (من) فِي الْآيَة للتَّبْعِيض، وَلَو كَانَت الْآيَة عَامَّة، والتبعيض يصدق بِبَعْض الْمَجْمُوع، وَلَو من نوع وَاحِد.
وَجَوَابه: أَن التَّبْعِيض فِي الْعَام إِنَّمَا يكون بِاعْتِبَار تبعيض كل جزئي جزئي مِنْهُ فَلَا بُد أَن يكون مأخوذا من كل نِصَاب، إِذْ لَو أسقطت (مِن) لَكَانَ المَال يُؤْخَذ كُله صَدَقَة.
وَأما الْآمِدِيّ فتوقف فِي الْمَسْأَلَة، فَلم يرجح شَيْئا؛ إِذْ قَالَ فِي آخر كَلَامه: وَبِالْجُمْلَةِ فَهِيَ مُحْتَملَة، ومأخذ الْكَرْخِي دَقِيق، قَالَه الْبرمَاوِيّ.
قلت: بل ميل الْآمِدِيّ إِلَى مُوَافقَة الْكَرْخِي لقَوْله: مأخذه دَقِيق؛ وَلأَجل ذَلِك - وَالله أعلم - اخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَنَصره.
قَوْله: {وَإِذا تضمن الْعَام مدحا أَو ذما كالأبرار، والفجار} كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم (13) وَإِن الْفجار لفي جحيم} [الانفطار: 13، 14]، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} [التَّوْبَة: 34]، وَقَوله تَعَالَى:{وَالَّذين هم لفروجهم حافظون} [الْمُؤْمِنُونَ: 5]{لم يمْنَع عُمُومه} ، أَي: لم يُغير عُمُومه {عِنْد} الْأَئِمَّة {الْأَرْبَعَة} .
قَالَ الْأُسْتَاذ: هُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، وَقَالَ أَبُو حَامِد، وسليم، وَابْن برهَان، وَابْن السَّمْعَانِيّ، هُوَ الْمَذْهَب وَهُوَ الثَّابِت عَن الشَّافِعِي،
وَهُوَ الصَّحِيح؛ إِذْ لَا تنَافِي بَين قصد الْعُمُوم وَبَين الْمَدْح، أَو الذَّم فَيحمل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا على الْعُمُوم؛ إِذْ لَا صَارف لَهُ عَنهُ.
{وَقيل: بلَى} ، أَي: تمنع الْعُمُوم، وَنَقله أَبُو الْمَعَالِي وَغَيره عَن الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ ألكيا، والقفال، وَالْقَاضِي حُسَيْن، وَقَالَهُ بعض الْحَنَفِيَّة كالكرخي وَغَيره، وَبَعض الْمَالِكِيَّة.
وَلذَلِك منع الشَّافِعِي التَّمَسُّك بِآيَة الزَّكَاة السَّابِقَة فِي وجوب زَكَاة الْحلِيّ الْمُبَاح.
وَالْآيَة {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب} قَالُوا: الْقَصْد الْمُبَالغَة فِي الْحَث والزجر فَلم يعم.
رد: الْعُمُوم أبلغ من ذَلِك، وَلَا مُنَافَاة فَعم للمقتضي، وَانْتِفَاء الْمَانِع.
{وَقيل: يمْنَع إِن عَارضه عَام آخر، وَإِلَّا فَلَا} يمْنَع فَيكون بَاقِيا على عُمُومه إِذا لم يُعَارضهُ عَام آخر لم يسق لمدح وَلَا ذمّ، فَإِن عَارضه ذَلِك عمل بالمعارض الْخَالِي عَن الْمَدْح والذم.
وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة عين القَوْل بِالْعُمُومِ؛ لِأَن غَايَة الْمُعَارضَة قرينَة تقدم غَيره عَلَيْهِ فِي صُورَة.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: وَهَذَا القَوْل أَصَحهَا، وَهُوَ الثَّابِت عَن الشَّافِعِي الصَّحِيح من مذْهبه.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: الثَّالِث أَنه للْعُمُوم إِلَّا إِن عَارضه عَام آخر لم يقْصد بِهِ الْمَدْح أَو الذَّم فيترجح الَّذِي لم يسق لذَلِك عَلَيْهِ، نَحْو قَوْله تَعَالَى:
{وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} [النِّسَاء: 23]، مَعَ قَوْله:{أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} [النِّسَاء: 3] فَالْأولى سيقت؛ لبَيَان الحكم فَقدمت على مَا سياقها الْمِنَّة بِإِبَاحَة الْوَطْء بِملك الْيَمين.
وَقد رد أَصْحَابنَا بِهَذَا على دَاوُد الظَّاهِرِيّ احتجاجه بِالثَّانِيَةِ على إِبَاحَة الْأُخْتَيْنِ بِملك الْيَمين. انْتهى.