الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
قَالَ الإِمَام {أَحْمد وَأكْثر الْأَصْحَاب، والأستاذ} أَبُو إِسْحَاق، {وَغَيرهم: الْأَمر بِلَا قرينَة} - أَي: الْأَمر الْمُطلق الَّذِي لَيْسَ مُقَيّدا بِمرَّة وَلَا تكْرَار - {للتكرار حسب الْإِمْكَان} .
ذكره ابْن عقيل مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه، وَذكره الشَّيْخ مجد الدّين عَن أَكثر أَصْحَابنَا، وَقَالَهُ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ.
قَالَ الْآمِدِيّ: وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء والمتكلمين.
وَذكره ابْن برهَان عَن الْحَنَفِيَّة، وَحكي عَن الْمُزنِيّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي.
وَحكي عَن القَاضِي أبي بكر الباقلاني، وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، وَنَقله الْغَزالِيّ فِي " المنخول " عَن أبي حنيفَة والمعتزلة، وَنَقله الْبَاجِيّ عَن ابْن خويزمنداد، وَحَكَاهُ ابْن الْقصار عَن مَالك: فَيجب اسْتِيعَاب الْعُمر بِهِ دون أزمنة قَضَاء الْحَاجة وَالنَّوْم، وضروريات الْإِنْسَان.
وَعَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة ثَانِيَة: لَا يَقْتَضِي التّكْرَار إِلَّا بِقَرِينَة وَبلا قرينَة لَا يَقْتَضِيهِ، واختارها الشَّيْخ موفق الدّين والطوفي، وَهُوَ قَول أَكثر الْفُقَهَاء، والمتكلمين، نَقله ابْن مُفْلِح، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ، وَنَقله عَن الأقلين، وَرجحه الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، والبيضاوي، وَذكر أَبُو مُحَمَّد التَّمِيمِي - من أَصْحَابنَا - أَنه قَول الإِمَام أَحْمد، وَأَن أَصْحَابه اخْتلفُوا، وَاخْتلف اخْتِيَار القَاضِي أبي يعلى من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فَتَارَة قَالَ بِالْأولِ، وَتارَة بِهَذَا، فعلى هَذَا القَوْل يُفِيد طلب الْمَاهِيّة من غير إِشْعَار بوحدة، وَلَا بِكَثْرَة إِلَّا أَنه لَا يُمكن [إِدْخَال] الْمَاهِيّة فِي الْوُجُود بِأَقَلّ من مرّة فَصَارَت الْمرة من ضروريات الْإِتْيَان بالمأمور بِهِ لَا أَن الْأَمر يدل عَلَيْهَا بِذَاتِهِ، بل بطرِيق الْإِلْزَام.
7
- {وَقيل: يَقْتَضِي فعل مرّة} بِلَفْظِهِ وَوَضعه، حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ عَن أَكثر أَصْحَابهم، وَأبي حنيفَة، وَأكْثر الْفُقَهَاء، وَعَن اخْتِيَار أبي الطّيب، وَأبي حَامِد.
قَالَ أَبُو حَامِد: وَهُوَ مُقْتَضى قَول الشَّافِعِي.
وَحَكَاهُ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " عَن أَكثر الْفُقَهَاء، والمتكلمين وَأَنه أقوى. انْتهى.
فعلى هَذَا القَوْل وَالَّذِي قبله {يحْتَمل الزَّائِد التّكْرَار، وَهُوَ الْأَشْهر للشَّافِعِيَّة، وَاخْتَارَهُ} الْآمِدِيّ وَغَيره.
وَقيل: لَا يَقْتَضِي وَلَا يحْتَمل التّكْرَار، {اخْتَارَهُ كثير من الْحَنَفِيَّة} قَالَ السَّرخسِيّ: الْأَصَح عَن عُلَمَائهمْ لَا يحْتَملهُ.
قَوْلنَا: {ووقف أَبُو الْمَعَالِي} ، أَي: وقف فِي الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخيرينِ وَهُوَ احْتِمَال التّكْرَار وَعَدَمه.
وَقَوْلنَا: {الْوَقْف مُطلقًا للباقلاني وَجمع} ، أَي: الْوَقْف فِي أصل الْمَسْأَلَة هَل يَقْتَضِي التّكْرَار، أَو الْمرة، أَو لَا يَقْتَضِي هَذَا، وَلَا هَذَا أَو لكَونه مُشْتَركا بَين الْمرة والتكرار؟
فَيُوقف إعماله فِي أَحدهمَا على قرينَة أَو لكَونه لأَحَدهمَا وَلَا نعرفه فَيتَوَقَّف لعدم علمنَا بالواقع.
ومنشأ الْخلاف اسْتِعْمَاله فيهمَا، كأمر الْحَج وَالْعمْرَة، وَأمر الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم، هَل هُوَ حَقِيقَة فيهمَا - لِأَن الأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة -، أَو فِي أَحدهمَا؟ حذرا من الِاشْتِرَاك وَلَا نعرفه، أَو هُوَ التّكْرَار؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَب، أَو الْمرة؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقن، أَو فِي الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا حذرا من الِاشْتِرَاك وَالْمجَاز؟
احْتج القَوْل الأول بِأَن النَّهْي يَقْتَضِي تكْرَار التّرْك، وَالْأَمر يَقْتَضِيهِ فَيَقْتَضِي تكْرَار ترك الْفِعْل؛ وَلِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه فَيَقْتَضِي تكْرَار ترك الضِّدّ.
وَأجِيب عَن الأول بِأَن الْأَمر يَقْتَضِي فعل الْمَاهِيّة، وَهُوَ حَاصِل بِفعل فَرد من أفرادها فِي زمن مَا، وَالنَّهْي يَقْتَضِي تَركهَا، وَلَا يحصل إِلَّا بترك جَمِيع أفرادها فِي كل زمَان فَافْتَرقَا.
وَعَن الثَّانِي بِمَنْع أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه، وَإِن سلم فَلَا يلْزم من ترك الضِّدّ الْمنْهِي عَنهُ التَّلَبُّس بالضد الْمَأْمُور بِهِ لجَوَاز أَن يكون للمنهي عَنهُ أضداد فيتلبس بِغَيْر الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا.
وَاسْتدلَّ للْأولِ بتكرار الصَّوْم وَالصَّلَاة.
رد: التّكْرَار فيهمَا بِدَلِيل، وعورض بِالْحَجِّ، وَأَيْضًا كالنهي؛ لِأَنَّهُمَا طلب.
[رد] قِيَاس فِي اللُّغَة وَبِأَن النَّهْي يَقْتَضِي النَّفْي، وَلِهَذَا لَو قَالَ: لَا يفعل كَذَا مرّة عَم، وَبِأَن التّكْرَار فِي النَّهْي لَا يمْنَع من فعل غَيره بِخِلَافِهِ فِي الْأَمر.
وَأَيْضًا الْأَمر نهي عَن ضِدّه، وَالنَّهْي يعم فَيلْزم تكْرَار الْمَأْمُور بِهِ.
رد بِالْمَنْعِ، وَبِأَن النَّهْي الْمُسْتَفَاد من الْأَمر لَا يعم؛ لِأَن عُمُومه فرع عُمُوم الْآمِر.
وَأَيْضًا قَوْله لعَبْدِهِ: أكْرم فلَانا وَأحسن عشرته، أَو احفظ كَذَا للدوام، رد لقَرِينَة إكرامه وَحفظه.
وَلِأَنَّهُ يجب تكْرَار اعْتِقَاد الْوُجُوب، وعزم الِامْتِثَال، كَذَا الْفِعْل.
رد: لَو غفل بعد الِاعْتِقَاد والعزم جَازَ، وَبِأَنَّهُ وَجب بِإِخْبَار الشَّارِع أَنه يجب اعْتِقَاد أوامره فَمن عرف الْأَمر وَلم يعْتَقد وُجُوبه صَار مُكَذبا،
وبوجوبهما دون الْفِعْل فِي (افْعَل) مرّة وَاحِدَة.
وَأَيْضًا: " إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم ".
رد: مَفْهُومه: الْعَجز عَن بعضه لَا يسْقطهُ.
وَأَيْضًا: لَو لم يتَكَرَّر لم يرد نسخ.
رد هُوَ قرينَة.
وَوجه الْمرة أَيْضا، لَو قَالَ: افْعَل كَذَا، فَفعله مرّة امتثل.
رد: لفعل الْمَأْمُور بِهِ؛ لِأَنَّهَا من ضَرُورَته، لَا أَن الْأَمر ظَاهر فِيهَا وَلَا فِي التّكْرَار.
وَمنع ابْن عقيل أَنه امتثل، وَأَنه دَعْوَى، فَقيل لَهُ: يحسن قَوْله: فعلت، فَقَالَ: للْعُرْف ووقوعه على شُرُوعه فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَو أمره بتكراره لم يقبح مِنْهُ فِي الفعلة الْوَاحِدَة.
وَقَالَ: لَا يمْتَنع أَن يقف اسْم ممتثل على الخاتمة بِنَاء على مَسْأَلَة الموافاة.
قَالُوا: لَو كَانَ للتكرار كَانَ (صل) مرَارًا تكريرا وَمرَّة نقضا كَمَا تقدم.
رد: يُقَال مثله لَو كَانَ للمرة، وَحسن لرفع الِاحْتِمَال.
وَاحْتج الْفَرِيقَانِ بِحسن الِاسْتِفْهَام، وَمنع القَاضِي وَغَيره حسن الِاسْتِفْهَام، ثمَّ سلموه، قَالُوا: لَو قَالَ: طَلِّقِي نَفسك أَو طَلقهَا يَا فلَان، وَلَا نِيَّة فَوَاحِدَة.
وَأجَاب القَاضِي بِأَن هَذَا فِي الشَّرْع وَالْخلاف فِي اللُّغَة.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ.
ورده أَبُو الْخطاب: بِأَن الشَّرْع لَا يُغير اللُّغَة بِدَلِيل طَلقهَا مَا أملكهُ.
وَأجَاب ابْن عقيل بِأَنَّهَا نِيَابَة فِي مَشْرُوع فتقيدت بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يطلقهَا فِي حيض وطهر وطِئت فِيهِ.
وَقَالَ: الْيَمين وَالْوكَالَة للْعُرْف، وَالْأَمر للْحَقِيقَة بِدَلِيل مَسْأَلَة الرؤوس الْمَشْهُورَة، يَعْنِي: فِي الْأَيْمَان.
وَوجه مَا فِي " الرَّوْضَة ": أَن مَدْلُول الْأَمر طلب الْفِعْل، والمرة والتكرار خارجان عَنهُ، وَإِلَّا لزم التّكْرَار أَو النَّقْض لَو قرن بِأَحَدِهِمَا، وَلم يبرأ بالمرة؛ وَلِأَنَّهُمَا صفتان للْفِعْل كالقليل وَالْكثير، وَلَا دلَالَة للموصوف على الصّفة، وَوجه الْوَقْف كَالَّتِي قبلهَا، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَلَو علق أَمر بِشَرْط أَو صفة فَإِن كَانَ عِلّة ثَابِتَة تكَرر بتكررها اتِّفَاقًا} ، قَالَه ابْن الباقلاني فِي " التَّقْرِيب "، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَقَالَهُ الْآمِدِيّ، وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح وَغَيرهمَا.
قَالَ فِي " الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة ": وَكَلَام أَصْحَابنَا يَقْتَضِيهِ.
قَالَ ابْن مُفْلِح: لاتباع الْعلَّة لَا لِلْأَمْرِ.
فَمَعْنَى هَذَا التّكْرَار أَنه كلما وجدت الْعلَّة وجد الحكم؛ لِأَنَّهُ إِذا وجدت الْعلَّة يتَكَرَّر الْفِعْل، مثل قَوْله تَعَالَى:{وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} [الْمَائِدَة: 6]، {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا} [الْمَائِدَة: 38] ، {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} [النُّور: 2] ، وَنَحْوهَا، فالجنابة عِلّة للطهر، وَالسَّرِقَة عِلّة للْقطع، وَالزِّنَا عِلّة للجلد.
تَنْبِيه: فِي هَذِه الْمَسْأَلَة طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: أَن الْعلَّة الثَّابِتَة [يتَكَرَّر الْأَمر] بتكررها اتِّفَاقًا كَمَا تقدم، وَهِي طَرِيق ابْن الباقلاني فِي " التَّقْرِيب "، وَابْن السَّمْعَانِيّ، والآمدي، وَابْن الْحَاجِب، والصفي الْهِنْدِيّ، وَابْن مُفْلِح، وَغَيرهم.
وَالطَّرِيق الثَّانِي: أَن الْخلاف جَار فِيهَا كَمَا لَو علق بِشَرْط أَو صفة وَلم تكن عِلّة ثَابِتَة وَهُوَ قَول الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه.
وَقد مثلُوا بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَعَ كَونهمَا عِلّة ثَابِتَة لذَلِك.
قَوْله: {وَإِلَّا فكالمسألة قبلهَا} فِيهَا الْخلاف الْمُتَقَدّم.
يَعْنِي إِذا علق الْأَمر على غير عِلّة، أَي: على أَمر لم تثبت علته، مثل أَن يَقُول: إِذا دخل الشَّهْر فاعتق عبدا عَبِيدِي، فَهَل يَقْتَضِي التّكْرَار؟ هِيَ كالمسألة قبلهَا على مَا تقدم من الْخلاف.
قَالَ ابْن مُفْلِح: فَهِيَ كالمسألة الَّتِي قبلهَا عِنْد الْجَمِيع.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر.
{وَقَالَ القَاضِي، وَالْمجد، وحفيده، وَغَيرهم: يُفِيد التّكْرَار هُنَا} وَإِن لم يفد فِي الَّتِي قبلهَا كالنهي.
قَالَ ابْن الْقطَّان: قَالَ أَصْحَابنَا وَهُوَ أشبه بِمذهب الشَّافِعِي.
ونقلوا عَن الصَّيْرَفِي أَن الْأَظْهر على الْمَذْهَب التّكْرَار.
لنا على الأول مَا سبق، وَلَا أثر للشّرط بِدَلِيل قَوْله لعَبْدِهِ: إِن دخلت السُّوق فاشتر كَذَا، يمتثل بِمرَّة، وَإِن قُمْت فَأَنت طَالِق.
قَوْلهم: (التَّرْتِيب يُفِيد الْعلية) رد: بِالْمَنْعِ بِمَا سبق.
وَاسْتدلَّ فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره بِأَن تَعْلِيق الْخَبَر لَا يَقْتَضِي تكْرَار الْمخبر عَنهُ كَذَا هُنَا، وَهُوَ قِيَاس فِي اللُّغَة.
قَالُوا: أَكثر أوَامِر الشَّرْع: {إِذا قُمْتُم
…
فَاغْسِلُوا} ، {يَا أَيهَا
…
وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} ، {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا} ، {الزَّانِيَة} الْآيَتَانِ.
رد فِي غير الْعلَّة بِدَلِيل خارجي؛ وَلذَلِك لم يتَكَرَّر الْحَج مَعَ تَعْلِيقه بالاستطاعة.
قَالُوا: تكَرر بِالْعِلَّةِ فبالشرط أولى لانْتِفَاء الْمَشْرُوط بانتفائه.
[رد] : الْعلَّة مقتضية لمعلولها، وَالشّرط لَا يَقْتَضِي مشروطه، وَيَأْتِي كَلَام ابْن عقيل.
تَنْبِيه: إِذا علم ذَلِك فعلى هَذَا القَوْل وَهُوَ القَوْل بالتكرار هُنَا وَإِن لم يفد فِي الَّتِي قبلهَا، اخْتلفُوا فِي إِفَادَة التّكْرَار بِمَاذَا؟
فَقيل: أَفَادَ التّكْرَار من جِهَة اللَّفْظ، أَي: هَذَا اللَّفْظ وضع للتكرار، وَهُوَ قَول الْأَكْثَر.
وَقيل: أَفَادَ التّكْرَار من جِهَة الْقيَاس لَا اللَّفْظ، قَالَ الرَّازِيّ وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ: لَا يدل على التّكْرَار من جِهَة اللَّفْظ، بل من جِهَة الْقيَاس.
قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": هَذَا هُوَ الْمُخْتَار.
وَقَالَ ابْن عقيل: الْأَمر الْمُعَلق بمستحيل لَيْسَ أمرا، نَحْو: صل إِن كَانَ زيد متحركا سَاكِنا، فَهُوَ كَقَوْلِه: كن الْآن متحركا سَاكِنا.
قَوْله: {تَنْبِيه: من قَالَ بالتكرار قَالَ بالفور} ، يَعْنِي: من قَالَ: الْأَمر للتكرار قَالَ: هُوَ للفور أَيْضا.
وَاخْتلف غَيرهم، أَي: اخْتلف من قَالَ: إِن الْأَمر لَا يَقْتَضِي التّكْرَار فَهَل يَقْتَضِي الْفَوْر أم لَا؟
فَقَالَ {أَحْمد، وَأَصْحَابه، وَالْحَنَفِيَّة، والمالكية، وَبَعض الشَّافِعِيَّة} ، مِنْهُم: الصَّيْرَفِي، وَأَبُو حَامِد الْمروزِي، والدقاق، وَأَبُو الطّيب، وَجزم بِهِ الْمُتَوَلِي، وَنقل عَن الْمُزنِيّ، وَأهل الْعرَاق، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّة: يَقْتَضِي الْفَوْر.
قَالَ القَاضِي
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
حُسَيْن من الشَّافِعِيَّة: إِنَّه الصَّحِيح من مَذْهَبهم، وَإِنَّمَا جَوَّزنَا تَأْخِير الْحَج بِدَلِيل خارجي.
وَعَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يَقْتَضِي الْفَوْر، وَقَالَهُ: أَكثر الشَّافِعِيَّة، نَقله الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور، وسليم الرَّازِيّ، وَنَصره الباقلاني، وَالْغَزالِيّ، والآمدي، والرازي.
وَأخذت هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد من قَوْله عَن قَضَاء رَمَضَان: يفرق، قَالَ الله تَعَالَى:{فَعدَّة من أَيَّام أخر} [الْبَقَرَة: 184] ، وَقَالَهُ أَيْضا الجبائية، وَأَبُو الْحُسَيْن المعتزلي، وَذكر السَّرخسِيّ أَنه الَّذِي يَصح عِنْده من مَذْهَب عُلَمَائهمْ.
فعلى هَذَا القَوْل، يَعْنِي القَوْل إِنَّه لَا يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّة، هَل يعْتَبر الْعَزْم على فعله لجَوَاز تَأْخِيره، أم لَا يعْتَبر؟ حكمه حكم الْوَاجِب الموسع على مَا تقدم فِي أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس، نَقله ابْن مُفْلِح وَغَيره.
وَالصَّحِيح وجوب الْعَزْم.
{وَقيل: بِالْوَقْفِ لُغَة} ، قَالَه أَكثر الاشعرية، فَإِن بَادر امتثل.
وَقيل: بِالْوَقْفِ وَإِن بَادر، وَهُوَ ضَعِيف جدا، بل الْإِجْمَاع قبله خِلَافه، حَكَاهُ ابْن الصّباغ.
وَجه الأول بِأَنا نقطع بالفور إِذا قَالَ: اسْقِنِي.
رد ذَلِك: إِنَّمَا دلّ على الْفَوْرِيَّة لقَرِينَة حَاجَة طَالب المَاء إِلَيْهِ سَرِيعا عَادَة.
وَأَيْضًا: كل مخبر أَو منشئ فَالظَّاهِر قَصده الزَّمن الْحَاضِر، كقام زيد، وَأَنت طَالِق، أَو حرَّة.
رد ذَلِك: بِأَنَّهُ قِيَاس فِي اللُّغَة.
ورده فِي " التَّمْهِيد ": يتَبَيَّن بذلك أَن اللَّفْظ وضع للتعجيل.
وَأَيْضًا الْأَمر نهي عَن ضِدّه وَالْأَمر طلب كالنهي، وَأَيْضًا:{مَا مَنعك أَلا تسْجد} [الْأَعْرَاف: 12] ذمه؛ إِذْ لم يُبَادر.
رد: لقَوْله: {فَإِذا سويته} [ص: 72] .
وَأَيْضًا: مُسْتَلْزم لِلْأَمْرِ لاستلزام الْوُجُوب إِيَّاه؛ لِأَن وجوب الْفِعْل مُسْتَلْزم لوُجُوب اعْتِقَاده على الْفَوْر؛ وَلِأَنَّهُ أحوط لِخُرُوجِهِ عَن الْعهْدَة إِجْمَاعًا، ولأثمه بِمَوْت.
رد: لَو صرح بِالتَّأْخِيرِ وَجب تَعْجِيل الِاعْتِقَاد لَا تَعْجِيل الْفِعْل فَلَا مُلَازمَة.
وَقيل للْقَاضِي: يجب الِاعْتِقَاد فِي: " صل بعد شهر لَا الْفِعْل.
فَأجَاب بِتَأْخِير الِاعْتِقَاد بِالشّرطِ، وَالِاحْتِيَاط اتِّبَاع مُوجب الظَّن، وَإِلَّا فَوَجَبَ التَّعْجِيل لمن ظن التَّرَاخِي حرَام.
ثمَّ لَا يلْزم من كَونه أحوط وُجُوبه.
وَأَيْضًا: لَو جَازَ التَّأْخِير فإمَّا إِلَى غَايَة مُعينَة مَعْلُومَة مَذْكُورَة - وَالْخلاف فِي الْأَمر الْمُطلق - أَو لَا، وَإِمَّا إِلَى ظن الْمَوْت، فَلَا يَنْضَبِط وَيَأْتِي بَغْتَة، أَو مُطلقًا: فمحال لإِخْرَاج الْوَاجِب عَن حَقِيقَته، وَإِمَّا بِبَدَل غير وَاجِب فَلَا يجوز إِجْمَاعًا، أَو وَاجِب فممتنع؛ لعدم دَلِيله، ولوجب إنباه النَّائِم أول
الْوَقْت؛ حذرا من فَوَات الْبَدَل كضيق الْوَقْت، ولكان الْبَدَل محصلا مَقْصُود الْمُبدل، فَيسْقط الْمُبدل بِهِ، ولكان الْمُبدل إِمَّا أَن يجوز تَأْخِيره فَالْكَلَام فِيهِ كالمأمور بِهِ، وَهُوَ تسلسل مُمْتَنع، أَو لَا يجوز فيزيد الْبَدَل على أَصله.
رد: يلْزم لَو صرح بِجَوَاز التَّأْخِير.
وَجَوَابه: يجْرِي الدَّلِيل فِيهِ.
ورده فِي " الرَّوْضَة " بِأَنَّهُ يتناقض بِجَوَاز تَركه مُطلقًا. وَفِي " التَّمْهِيد ": لَا يتم الْوُجُوب مَعَ جَوَاز التَّأْخِير.
اعْترض على القَاضِي: بِالْأَمر بِالْوَصِيَّةِ عِنْد الْمَوْت للأقربين.
فَأجَاب: بِأَن الْمَوْت عَلَيْهِ أَمارَة، وبإمكان فعلهَا عِنْد الْمَوْت بِخِلَاف غَيرهَا.
وَأَيْضًا: {فاستبقوا الْخيرَات} [الْبَقَرَة: 148] وَالْأَمر للْوُجُوب.
رد: المسارعة إِلَى سَبَب الْخَيْر فَهِيَ دلَالَة اقْتِضَاء لَا تعم فَيخْتَص بِمَا يلْزم تَعْجِيله إِجْمَاعًا كالتوبة، ثمَّ المُرَاد الْأَفْضَلِيَّة وَإِلَّا فَلَا مسارعة لضيق وقته.
وجوابهما بِالْمَنْعِ، والخيرات الْأَعْمَال الصَّالِحَة عِنْد الْمُفَسّرين، وَالْأَصْل لَا يقدر، وضيق الْوَقْت لَا يمْنَع المسارعة بِدَلِيل مَا يلْزم تَعْجِيله كالتوبة.
وَسلم بَعضهم الْفَوْر من (سارعوا) لَا من الْأَمر.
الْقَائِل لَا فَور: مَا سبق أَنه لَا يدل على تكْرَار وَلَا مرّة.
ورد بِالْمَنْعِ، بل يَقْتَضِيهِ بِلَفْظِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يخْتَص بمَكَان.
رد: بِالنَّهْي، ثمَّ بِالْمَنْعِ لفَوَات زمن، حَتَّى لَو قَالَ: اضْرِب رجلا اخْتصَّ بِمَا قرب مِنْهُ، ثمَّ: لَا مزية فِي الْأَشْخَاص فتساويا، ذكر ذَلِك فِي " التَّمْهِيد " وَغَيره.
وَمَعْنَاهُ فِي " وَاضح ابْن عقيل ".
وَأجَاب فِي " الرَّوْضَة ": بتساوي الْأَمْكِنَة بِخِلَاف الزَّمَان؛ وَلِأَنَّهُ يحسن الِاسْتِفْهَام.
وَمنعه القَاضِي إِن كَانَ الْآمِر لَا يضع شَيْئا غير مَكَانَهُ، وكالوعد، كقضية الْحُدَيْبِيَة.
[رد] : بِأَن عمر تعجل فِيهَا الْوَعْد، ثمَّ بِالْفرقِ وَالْيَمِين كالوعد، ثمَّ مُقَيّدَة بِالْعرْفِ بِدَلِيل مَسْأَلَة الرؤوس، وَالْيَمِين على لبس أَو ركُوب يخْتَص بملبوس ومركوب عرفا.
تَنْبِيه: قَوْله: {وَيسْتَثْنى مِنْهُ} ، أَي: من مَحل الْخلال نَحْو: دع، واترك؛ فَإِنَّهُ فِي حكم النَّهْي، وَسَيَأْتِي أَن النَّهْي يَقْتَضِي التّكْرَار والفور، وَإِلَّا لم يَقع مِنْهُ امْتِثَال، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْأَمر الكفي، وَهَذَا يفهم من ردهم على من قَالَ: إِن الْأَمر للفور كالنهي، وَالْفرق بَينهمَا عدم إِمْكَان الِامْتِثَال فِي النَّهْي إِلَّا بذلك فَافْتَرقَا، وَظَاهر كَلَام كثير من الْعلمَاء عدم اسْتثِْنَاء ذَلِك من الْأَمر.