الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيرد: بِأَن الْمجَاز لَيْسَ خَاصّا بِحَال الضَّرُورَة، بل هُوَ عِنْد قوم غَالب على اللُّغَات كَمَا تقدم.
وَاسْتدلَّ على أَن الْعَام قد يكون مجَازًا بقوله صلى الله عليه وسلم َ -: "
الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن الله أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَام "، فَإِن الِاسْتِثْنَاء معيار الْعُمُوم فَدلَّ على تَعْمِيم كَون الطّواف صَلَاة، وَكَون الطّواف صَلَاة مجَاز.
قَوْله: {وَالْخَاص بِخِلَافِهِ} ، أَي: بِخِلَاف الْعَام، {أَي: مَا دلّ وَلَيْسَ بعام فَلَا يرد المهمل} .
قَالَ القطب
الشِّيرَازِيّ فِي " شرح الْمُخْتَصر ": وَأما قَوْله: وَالْخَاص بِخِلَافِهِ، فَالْمُرَاد مِنْهُ أَن الْخَاص هُوَ مَا دلّ لَا على مسميات على الْوَجْه الْمَذْكُور، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن الْخَاص مَا لَيْسَ بعام على مَا يُوهم.
وَأورد عَلَيْهِ أَنه لَا يطرد لدُخُول اللَّفْظ المهمل فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بعام لعدم دلَالَته، وَأَن فِيهِ تَعْرِيف الْخَاص بسلب الْعَام، وَهُوَ ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة فَلَا يلْزم من سلب الْعَام تعين الْخَاص، وَإِلَّا فَلَيْسَ تَعْرِيف
أَحدهمَا بسلب حَقِيقَة الآخر عَنهُ أولى من الْعَكْس.
وَأَيْضًا فَإِن اللَّفْظ قد يكون خَاصّا كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان، وَلَا يخرج عَن كَونه عَاما بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ.
وَالْأول وَالثَّانِي إِنَّمَا يرد على مَا توهم أَنه مُرَاده لَا على مَا هُوَ مُرَاده.
وَأما الثَّالِث فَلَا يرد على مَا توهم أَيْضا؛ لِأَن الْإِنْسَان لَيْسَ خَاصّا بِالْمَعْنَى الْمُقَابل للعام، بل بِاعْتِبَار آخر؛ لِأَن الْخَاص كَمَا يُطلق على مَا يُقَابل الْعَام كزيد مثلا كَذَلِك يُطلق على خصوصيته بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَعم مِنْهُ كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان.
وَيحد بِأَنَّهُ: اللَّفْظ الَّذِي يُقَال على مَدْلُوله وعَلى غير مَدْلُوله، لفظ آخر من جِهَة وَاحِدَة. انْتهى.
قَوْله: {ثمَّ لَا أَعم من المتصور} لتنَاوله الْمَوْجُود والمعلوم والمسلوب وضدها. وَقَالَ ابْن حمدَان فِي " مقنعه ": وَلَا أَعم من مَعْلُوم ومسمى ومذكور.
{وَقيل: لَيْسَ بموجود} ، هَذَا القَوْل ضربنا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا حُكيَ بعد قَوْلهم لَا أَعم من الْمَعْلُوم فورد الْمَجْهُول أَو الشَّيْء فورد الْمَعْدُوم.
وَذكره فِي " الرَّوْضَة " تبعا للغزالي، وسترى مَا فِيهِ.
قَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره ": الَّذِي لَا أَعم مِنْهُ الْمَعْلُوم أَو الشَّيْء،
وَيُسمى الْعَام الْمُطلق؛ لِأَنَّهُ إِذا أطلق لَا تخرج عَنهُ صُورَة.
وَقيل: لَيْسَ بموجود لخُرُوج الْمَجْهُول عَن الأول والمعدوم عَن الثَّانِي فِي قَول، وَأطْرد مِنْهُمَا الْمُسَمّى، أَو الْمَذْكُور؛ لِأَنَّهُ لَا تخرج عَنْهُمَا صُورَة، قَالَه الْعَسْقَلَانِي.
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": وَقَوله: وَقيل لَيْسَ بموجود يَعْنِي أَن الْعَام الْمُطلق، قيل: هُوَ مَوْجُود، وَقيل: لَا.
وَلَيْسَ لنا عَام مُطلق، وَهَذَا ذكره الْغَزالِيّ بِاعْتِبَار، وَتَابعه أَبُو مُحَمَّد فَجعله قولا ثَانِيًا، ولنحك كَلَام الْغَزالِيّ ليتبين مَا ذَكرْنَاهُ.
قَالَ الْغَزالِيّ: وَاعْلَم أَن اللَّفْظ إِمَّا خَاص فِي ذَاته مُطلقًا كزيد، وَإِمَّا عَام مُطلق كالمذكور والمعلوم، وَإِمَّا عَام بِالْإِضَافَة، كَلَفْظِ الْمُؤمنِينَ، فَإِنَّهُ عَام بِالْإِضَافَة إِلَى آحَاد الْمُؤمنِينَ، خَاص بِالْإِضَافَة إِلَى جُمْلَتهمْ إِذْ يتناولهم دون الْمُشْركين فَكَأَنَّهُ يُسمى عَاما من حَيْثُ شُمُوله للآحاد، خَاصّا من حَيْثُ اقْتِصَاره على مَا شَمله وقصوره عَمَّا لم يَشْمَلهُ.
وَمن هَذَا الْوَجْه يُمكن أَن يُقَال: لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظ عَام مُطلق؛ لِأَن لفظ الْمَعْلُوم لَا يتَنَاوَل الْمَجْهُول، وَالْمَذْكُور لَا يتَنَاوَل الْمَسْكُوت عَنهُ.
قلت: فحاصل قَوْله: إِن كل لفظ، فَهُوَ بِالنّظرِ إِلَى شُمُوله أَفْرَاد مَا تَحْتَهُ عَام، وبالنظر إِلَى اقْتِصَاره على مَدْلُوله خَاص / وَبِهَذَا التَّفْسِير لَا يبْقى لنا عَام
مُطلق، لَكِن هَذَا غير تفسيرنا الْعَام الْمُطلق بِمَا لَا أَعم مِنْهُ؛ لِأَن من الْأَلْفَاظ مَا يكون عَاما مَعَ أَنه مَقْصُور الدّلَالَة على مَا تَحْتَهُ فَيكون حِينَئِذٍ عَاما مُطلقًا، لَا عَاما مُطلقًا باعتبارين كَمَا ذكر من التفسيرين لَكِن مثل ذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن يحْكى قولا مُطلقًا كَمَا فعل أَبُو مُحَمَّد؛ لِئَلَّا يُوهم أَن فِي وجود الْعَام الْمُطلق بتفسير وَاحِد قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يذكر ذَلِك بتفسيرين كَمَا ذكر الْغَزالِيّ. انْتهى كَلَام الطوفي.
قَوْله: {وَلَا أخص من علم الشَّخْص} كزيد مثلا، وَنَحْوه، وَهَذَا الرجل؛ إِذْ لَا أخص من اسْم شخص يعرف بِهِ.
قَوْله: {وعام خَاص نسبي} كالموجود، والجوهر، والجسم، والنامي، وَالْحَيَوَان، وَالْإِنْسَان، فَإِن كل وَاحِد من هَذِه الْأَلْفَاظ خَاص بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقه، عَام بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُ كالموجود أحد مدلولي الْمَذْكُور، وَالثَّانِي الْمَجْهُول.
والجوهر أحد مدلولي الْمَوْجُود وَالْآخر الْعرض، والجسم، وَهُوَ الْمركب أحد مدلولي الْجَوْهَر وَالْآخر الْفَرد الَّذِي لَا تركيب فِيهِ.
والنامي أحد مدلولي الْجِسْم وَالْآخر الجماد، وَالْحَيَوَان أحد مدلولي النامي وَالْآخر النَّبَات، وَالْإِنْسَان أحد مدلولي الْحَيَوَان وَالْآخر مَا دب غير النَّاطِق، وَالْمُؤمن أحد مدلولي الْإِنْسَان، وَالْآخر الْكَافِر.
وَلِهَذَا قُلْنَا يُسمى عَاما خَاصّا نسبيا، أَي: بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دونه عَام، وبالنسبة إِلَى مَا فَوْقه خَاص، وَالله أعلم.