الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعلمَاء، والمخالف فِي ذَلِك الْمُعْتَزلَة كَمَا قَالُوا فِي الْأَمر.
قَالَت الْمُعْتَزلَة: الْخَبَر يَأْتِي دُعَاء كَقَوْلِه: غفر الله لنا، وَيَأْتِي تهديدا، كَقَوْلِه تَعَالَى:{سنفرغ لكم أيه الثَّقَلَان} [الرَّحْمَن: 31] ، وَيَأْتِي أمرا، كَقَوْلِه تَعَالَى:{والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ} [الْبَقَرَة: 233] ، فَإِذا اخْتلف موارد الِاسْتِعْمَال لم يتَعَيَّن الْخَبَر إِلَّا بِإِرَادَة.
وَجَوَابه: أَن الصِّيغَة حَقِيقَة فِي الْخَبَر فتصرف لمدلولها وضعا لَا بالإرادة، وإتيانه لهَذِهِ الْمعَانِي مجَاز؛ لِأَن الْمجَاز صرفهَا عَن حَقِيقَتهَا إِلَى ذَلِك الْمَعْنى {قَوْله: كاللغة إِجْمَاعًا} ، قَالَ ابْن مُفْلِح: وَلَا تشْتَرط الْإِرَادَة لُغَة إِجْمَاعًا.
قَوْله: {الثَّانِيَة: ترد صِيغَة (افْعَل) } لمعان كَثِيرَة.
أَحدهَا: الْوُجُوب، كَقَوْلِه تَعَالَى:
{أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} [الْإِسْرَاء: 78]، {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} [الْبَقَرَة: 43] إِذا كَانَ المُرَاد بهَا الصَّلَوَات الْخمس، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ -: "
صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " بِخِلَاف نَحْو: {وصل عَلَيْهِم} [التَّوْبَة:
103] .
وَمن الْوُجُوب أَيْضا: {لينفق ذُو سَعَة من سعته} [الطَّلَاق: 7]، {وليتق الله ربه} [الْبَقَرَة: 283] .
قَوْله: الثَّانِي: النّدب، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} [النُّور: 33] فَإِنَّهُ للنَّدْب على الْأَصَح عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء، وَرُوِيَ عَن دَاوُد وَجمع أَنه للْوُجُوب.
قلت: حمل الْآيَة على الْوُجُوب هُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه، وَأَنه يجب إتْيَان العَبْد شَيْئا من الْكِتَابَة.
وَحَكَاهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّارِح عَن الشَّافِعِي وَإِسْحَاق.
وَحكي الِاسْتِحْبَاب عَن أبي حنيفَة وَمَالك، لَكِن الشَّيْخ موفق الدّين فِي " الرَّوْضَة "، وَغَيره من أَصْحَاب الْأُصُول من أَصْحَابنَا اسْتشْهدُوا للاستحباب بِآيَة الْمكَاتب، وَهَذَا لَا يضر فَإِن الاستشهاد يجوز وَلَو على قَول من أَقْوَال الْعلمَاء لَا سِيمَا فِي الْمحل؛ فَإِن أَكثر أهل الْعلم قد قَالُوا:
إِن الْأَمر فِي الْآيَة للاستحباب، وَقَالُوا: إِن قرينَة صرفه عَن الْوُجُوب إِمَّا لكَونه علق على رَأْي السادات، أَو لكَونه أمرا بعد حظر، وَالله أعلم.
وَالْأولَى فِي الاستشهاد للاستحباب قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: " استاكوا ".
الثَّالِث: الْإِبَاحَة، كَقَوْلِه:{وَإِذا حللتم فاصطادوا} [الْمَائِدَة: 2]، {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} [الْجُمُعَة: 10] .
وَاعْلَم أَن الْإِبَاحَة إِنَّمَا تستفاد من خَارج؛ فلهذه الْقَرِينَة يحمل الْأَمر عَلَيْهَا مجَازًا بعلاقة المشابهة المعنوية؛ لِأَن كلا مِنْهُمَا مَأْذُون فِيهِ.
الرَّابِع: الْإِرْشَاد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَوله تَعَالَى:{وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} [الْبَقَرَة: 282]، وَنَحْوه:{إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه} [الْبَقَرَة: 282] ، وَالضَّابِط فِيهِ أَن يرجع لمصْلحَة فِي الدُّنْيَا بِخِلَاف النّدب فَإِنَّهُ لمصَالح الْآخِرَة.
وَأَيْضًا الْإِرْشَاد لَا ثَوَاب فِيهِ وَالنَّدْب فِيهِ الثَّوَاب.