الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللحنفية أَن يَقُولُوا فِي حَدِيث عبد بن زَمعَة: إِن قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
الْوَلَد للْفراش " وَإِن كَانَ واردا فِي أمه فَهُوَ وَارِد لبَيَان حكم ذَلِك الْوَلَد، وَبَيَان حكمه إِمَّا بالثبوت أَو بالانتفاء فَإِذا ثَبت أَن الْفراش هُوَ الزَّوْجَة؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يتَّخذ لَهَا الْفراش غَالِبا، وَقَالَ الْوَلَد للْفراش كَانَ فِيهِ حصر أَن الْوَلَد للْحرَّة، وَمُقْتَضى ذَلِك أَن لَا يكون
للْأمة فَكَانَ فِيهِ بَيَان الْحكمَيْنِ جَمِيعًا نفي النّسَب عَن السَّبَب وإثباته لغيره، وَلَا يَلِيق دَعْوَى الْقطع هُنَا، وَذَلِكَ من جِهَة اللَّفْظ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة نزاع فِي أَن اسْم الْفراش هَل هُوَ مَوْضُوع للْحرَّة وَالْأمة الْمَوْطُوءَة، أَو للْحرَّة فَقَط، فالحنفية يدعونَ الثَّانِي فَلَا عُمُوم عِنْدهم فِي الْآيَة فَتخرج الْمَسْأَلَة من بَاب أَن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ أَو بِخُصُوص السَّبَب.
هُنَا مَسْأَلَتَانِ:
إِحْدَاهمَا: يَصح أَن يُرِيد الْمُتَكَلّم بالمشترك معنييه أَو مَعَانِيه فاستعماله
فِي أحد معنييه، أَو مَعَانِيه جَائِز قطعا، وَهُوَ حَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ فِيمَا وضع لَهُ.
وَأما إِطْلَاقه على الْكل مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة فَفِيهِ مَذَاهِب:
أَحدهَا - وَهُوَ الصَّحِيح - يَصح كَقَوْلِنَا الْعين مخلوقة، ونريد جَمِيع مَعَانِيهَا، وَعَلِيهِ أَكثر أَصْحَابنَا، كَالْقَاضِي، وَأبي الْخطاب، وَابْن عقيل، والحلواني، وَغَيرهم.
قَالَ فِي " الِانْتِصَار ": وَلما قيل لَهُ فِيمَن لَا يجد نَفَقَة امْرَأَته، يفرق
بَينهمَا - أَي: لَا يحبسها؟ فَقَالَ: الظَّاهِر مِنْهَا الْإِطْلَاق، على أَنه عَام فِي العقد وَالْمَكَان مَعًا.
وَنسب للشَّافِعِيّ، وَقطع بِهِ من أَصْحَابه ابْن أبي هُرَيْرَة، وَمثله بقوله:{إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} [الْأَحْزَاب: 56]صلى الله عليه وسلم َ -؛ فَإِن الصَّلَاة من الله الرَّحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة دُعَاء، وَكَذَا لفظ {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} [آل عمرَان: 18] وشهادته تَعَالَى علمه، وَغَيره إِقْرَار بذلك، وَبِقَوْلِهِ:{وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء} [النِّسَاء: 22] النِّكَاح: العقد وَالْوَطْء مرادان مِنْهُ إِذا قُلْنَا مُشْتَرك، وَقطع بِهِ الباقلاني، وَنَقله أَبُو الْمَعَالِي عَن مَذْهَب الْمُحَقِّقين، وجماهير الْفُقَهَاء، وَحكي عَن أَكثر الْمُعْتَزلَة، وَأكْثر الْحَنَفِيَّة، وَعَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَنسبه القَاضِي عبد الْوَهَّاب لمذهبهم، قَالَ: وَهُوَ قَول جُمْهُور أهل الْعلم.
قَوْله: {مجَازًا} ، اخْتلف من صحّح إِطْلَاق الْمُشْتَرك على معنييه مَعًا، فَقيل: يكون إِطْلَاقه على معنييه، أَو مَعَانِيه مجَازًا، لَا حَقِيقَة، نَقله صَاحب " التَّلْخِيص " من الشَّافِعِيَّة عَن الشَّافِعِي، وَإِلَيْهِ مَال إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب، وَتَبعهُ فِي " جمع الْجَوَامِع ".
وَقيل: {حَقِيقَة} ، قَالَ الْأَصْفَهَانِي: وَهُوَ اللَّائِق بِمذهب الشَّافِعِي؛ لِأَنَّهُ يُوجب حمله على الْجَمِيع، وَنَقله أَيْضا عَن الشَّافِعِي، وَالْقَاضِي أبي بكر الباقلاني، وَنَقله أَيْضا الْآمِدِيّ عَنْهُمَا.
الْمَذْهَب الثَّانِي: {يَصح} إِطْلَاقه على معنييه أَو مَعَانِيه {بِقَرِينَة مُتَّصِلَة} ، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أبي الْمَعَالِي فِي " الْبُرْهَان "، وَأبي بكر الباقلاني.
الْمَذْهَب الثَّالِث: صِحَة اسْتِعْمَاله فِي معنييه {فِي النَّفْي} دون
الْإِثْبَات؛ لِأَن النكرَة فِي النَّفْي تعم.
ورد بِأَن النَّفْي لَا يرفع إِلَّا مَا يَقْتَضِيهِ الْإِثْبَات.
وَهَذَا القَوْل احْتِمَال لأبي الْحُسَيْن فِي " الْمُعْتَمد "، وَتَبعهُ عَلَيْهِ الرَّازِيّ، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْحَنَفِيَّة.
الْمَذْهَب الرَّابِع: صِحَة اسْتِعْمَاله {فِي غير مُفْرد} ، فَإِن كَانَ جمعا كاعتدي بِالْأَقْرَاءِ، أَو مثنى: كقرءين صَحَّ؛ لِأَن الْجمع فِي حكم تعدد الْأَلْفَاظ، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة، وَهُوَ مُفَرع على جَوَاز تَثْنِيَة الْمُشْتَرك وَجمعه بِاعْتِبَار معنييه، أَو مَعَانِيه على مَا يَأْتِي فِي آخر الْمَسْأَلَة.
الْمَذْهَب الْخَامِس: صِحَة اسْتِعْمَاله {إِن تعلق أحد الْمَعْنيين بِالْآخرِ}
نَحْو قَوْله: {أَو لامستم النِّسَاء} [النِّسَاء: 43] فَإِن كلا من اللَّمْس بِالْيَدِ وَالْوَطْء لَازم للْآخر، وَالنِّكَاح للْوَطْء وَالْعقد كَذَلِك، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ غَرِيب.
الْمَذْهَب السَّادِس {- قَالَه بعض أَصْحَابنَا، وَالْغَزالِيّ - يَصح} اسْتِعْمَاله {إِرَادَة، لَا لُغَة} فَيصح أَن يُرَاد بِاللَّفْظِ الْوَاحِد معنياه بِوَضْع جَدِيد؛ لَكِن لَيْسَ من اللُّغَة؛ فَإِن اللُّغَة منعت مِنْهُ.
الْمَذْهَب السَّابِع: {لَا يَصح مُطلقًا} ، اخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو يعلى، وَأَبُو الْخطاب، وَابْن الْقيم، وَحَكَاهُ عَن الْأَكْثَر، وَقَالَهُ أَبُو هَاشم، والكرخي، وَأَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ، وَابْن الصّباغ، والرازي، وَغَيرهم.