الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {وَإِلَّا لم يجز} ، يَعْنِي إِذا تعلق الْبَاقِي بِمَا تَركه لم يجز {إِجْمَاعًا} ؛ لبُطْلَان الْمَقْصُود مِنْهُ نَحْو الْغَايَة وَالِاسْتِثْنَاء وَنَحْوهمَا.
كنهيه صلى الله عليه وسلم َ -
عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تزهي، فَيتْرك: حَتَّى تزهي.
وَكَقَوْلِه
صلى الله عليه وسلم َ -: " لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَلَا الْفضة بِالْفِضَّةِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء " فَيتْرك إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء.
وَكَذَلِكَ الصّفة، نَحْو:" فِي الْغنم السَّائِمَة الزَّكَاة ".
أَو كَانَ فِيهِ تَغْيِير معنوي، كَمَا فِي النّسخ، نَحْو: " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن
زِيَارَة الْقُبُور فزوروها "، أَو بَيَان للمجمل فِيهِ، أَو تَخْصِيص للعام، أَو تَقْيِيد للمطلق، وَنَحْو ذَلِك، فَلَا يجوز تَركه إِجْمَاعًا.
قَالَ ابْن مُفْلِح: عندنَا، وَعند عَامَّة الْفُقَهَاء.
هَذِه الْمَسْأَلَة تعرف بِمَا إِذا قَالَ رَاوِي الحَدِيث فِيهِ شَيْئا، هَل يقبل أَو يعْمل بِالْحَدِيثِ؟
وَلها أَحْوَال، مِنْهَا: أَن يكون الْخَبَر عَاما فيحمله الرَّاوِي على بعض أَفْرَاده - وَيَأْتِي ذَلِك فِي تَخْصِيص الْعَام - أَو يَدعِي تقييدا فِي مُطلق، فكالعام يخصصه، أَو يَدعِي نسخه - وَيَأْتِي فِي النّسخ - أَو يُخَالِفهُ بترك نَص الحَدِيث، كَرِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي الولوغ سبعا، وَقَوله:" يغسل ثَلَاثًا ".
وَبَعْضهمْ يمثل بذلك لتخصيص الْعَام، وَلَا يَصح؛ لِأَن الْعدَد نَص فِيهِ، وَهَذِه تَأتي فِي كَلَام الْمَتْن قَرِيبا.
وَمِنْهَا: مَسْأَلَة الْكتاب، وَهُوَ أَن يروي الصَّحَابِيّ خَبرا مُحْتملا لمعنيين، ويحمله على أَحدهمَا، فَإِن تنافيا كالقرء، يحملهُ الرَّاوِي على الْأَطْهَار - مثلا - وَجب الرُّجُوع إِلَى حمله عملا بِالظَّاهِرِ، كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا، وَجُمْهُور الشَّافِعِيَّة، كالأستاذين أبي إِسْحَاق، وَأبي مَنْصُور، وَابْن فورك، والكيا، وسليم، وَنَقله أَبُو الطّيب عَن مَذْهَب
الشَّافِعِي؛ وَلِهَذَا رَجَعَ إِلَى تَفْسِير ابْن عمر فِي التَّفَرُّق فِي خِيَار الْمجْلس بالأبدان، وَإِلَى تَفْسِيره حَبل الحبلة بِبيعِهِ إِلَى نتاج النِّتَاج، وَإِلَى قَول عمر رضي الله عنه فِي هَاء وهاء أَنه التَّقَابُض فِي مجْلِس العقد.
{وَخَالف أبي بكر الرَّازِيّ} من الْحَنَفِيَّة، حكى السَّرخسِيّ عَن أبي بكر الرَّازِيّ أَنه لَا يعْمل بِحمْل الصَّحَابِيّ كتفسير ابْن عمر تَفْرِيق الْمُتَبَايعين بالأبدان.
{وَقيل: لَا يجب} الْحمل، {فيجتهد فَإِن لم يظْهر شَيْء وَجب} .
قَالَ الْآمِدِيّ: لَا يبعد أَن لَا يجب الْعَمَل بِحمْلِهِ، فَيعْمل بِالِاجْتِهَادِ، فَإِن لم يظْهر شَيْء وَجب الْعَمَل بِحمْلِهِ، وللمالكية خلاف.
{قَالَ بعض أَصْحَابنَا: الْمَسْأَلَة فرع على أَن قَوْله لَيْسَ بِحجَّة} .
تَنْبِيه:
قَوْله: {وَعنهُ والتابعي} ، قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": وَفِي وجوب الرُّجُوع إِلَى التَّابِعِيّ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد ذكرهمَا أَبُو الْخطاب وَغَيره، وَتَأَول القَاضِي رِوَايَة الْوُجُوب.
وَاخْتَارَ ابْن عقيل لَا يجب.
والاقتصار فِي المسالة على الصَّحَابِيّ هِيَ طَريقَة الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب، ورجحها الْقَرَافِيّ، لَكِن إِمَام الْحَرَمَيْنِ، والرازي، وَغَيرهمَا فرضوها فِي الرَّاوِي، سَوَاء كَانَ صحابيا أَو غَيره.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: ورجحها كثير، لَكِن بِشَرْط أَن يكون الرَّاوِي من الْأَئِمَّة.
قَوْله: {وَغير الْمنَافِي كمشترك فِي الْحمل} .
اعْلَم أَنه إِذا لم يكن بَين الْمَعْنيين تناف فَإِن قُلْنَا: اللَّفْظ الْمُشْتَرك ظَاهر فِي
جَمِيع محامله، كالعام فتعود الْمَسْأَلَة إِلَى التَّخْصِيص بقول الصَّحَابِيّ، وَإِن قُلْنَا: لَا يحمل على جَمِيعهَا، فَفِي " البديع ": يحمل فِيهِ على مَا حمله رَاوِيه وعينه؛ لِأَن الظَّاهِر أَنه لم يحملهُ عَلَيْهِ إِلَّا بِقَرِينَة، قَالَ: وَلَا يبعد أَن يُقَال: لَا يكون تَأْوِيله حجَّة على غَيره، فَإِن لَاحَ لمجتهد تَأْوِيل غَيره بِدَلِيل حمله عَلَيْهِ، وَإِلَّا فتعيين الرَّاوِي صَالح للترجيح إِذا علم ذَلِك فمحله إِذا لم يجتمعوا على أَن المُرَاد أَحدهمَا، وجوزوا كلا مِنْهُمَا، كَمَا فِي حَدِيث ابْن عمر فِي التَّفَرُّق فِي خِيَار الْمجْلس، هَل هُوَ التَّفَرُّق بالأبدان، أَو بالأقوال، فقد أَجمعُوا أَن المُرَاد أَحدهمَا فَكَانَ مَا صَار إِلَيْهِ الرَّاوِي أولى.
قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة: أحملهُ عَلَيْهِمَا مَعًا فأجعل لَهما الْخِيَار فِي الْحَالين بالْخبر.
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هَذَا صَحِيح، لَوْلَا أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن المُرَاد أَحدهمَا.
وَاعْلَم أَن الْخلاف كَمَا قَالَ الْهِنْدِيّ فِيمَا إِذا ذكر ذَلِك لَا بطرِيق التَّفْسِير للفظه، وَإِلَّا فتفسيره أولى بِلَا خلاف.
قَوْله: {وَإِن حمله على غير ظَاهره عمل بِالظَّاهِرِ على الْأَصَح} .
إِنَّمَا قبلنَا قَول الصَّحَابِيّ فِيمَا مضى إِذا اسْتَوَى المعنيان، أَو حمله على الرَّاجِح، أما إِذا حمله الصَّحَابِيّ بتفسيره أَو عمله على غير ظَاهره بل حمله على الْمَرْجُوح كَمَا إِذا حمل مَا ظَاهره الْوُجُوب على النّدب أَو بِالْعَكْسِ، أَو مَا هُوَ حَقِيقَة على الْمجَاز، وَنَحْو ذَلِك فَيعْمل بِالظَّاهِرِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَاخْتَارَهُ القَاضِي وَغَيره {- وَلَو قُلْنَا: قَوْله حجَّة -} ، وَقَالَهُ أَيْضا أَكثر الْفُقَهَاء مِنْهُم: الشَّافِعِي وَأكْثر الْحَنَفِيَّة؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي: كَيفَ أترك الْخَبَر لأقوال أَقوام لَو عاصرتهم لحججتهم.
{وَعَن أَحْمد: يعْمل بقوله} وَيتْرك الظَّاهِر، وَقَالَهُ بعض الْحَنَفِيَّة، وَحَكَاهُ الْبرمَاوِيّ عَن أَكثر الْحَنَفِيَّة؛ لِأَنَّهُ لَا يفعل ذَلِك إِلَّا عَن تَوْقِيف.
وللمالكية خلاف، وَاخْتَارَ ابْن عقيل، والآمدي، وَأَبُو الْحُسَيْن.
وَعبد الْجَبَّار يعْمل بِالظَّاهِرِ إِلَّا أَن يعلم مأخذه، وَيكون صَالحا، وَهَذَا أظهر.
قَالَ ابْن مُفْلِح: لَعَلَّه مُرَاد من أطلق، وَمَا هُوَ بِبَعِيد.
وَلَكِن غاير الْبرمَاوِيّ بَين قَول أبي الْحُسَيْن وَقَول الْآمِدِيّ، وَلم يغاير بَينهمَا ابْن مُفْلِح.
وَإِن كَانَ الظَّاهِر عُمُوما، فَيَأْتِي فِي التَّخْصِيص.
قَوْله: {وَإِن كَانَ نصا لَا يحْتَمل وَخَالفهُ، فَالْأَصَحّ عندنَا لَا يرد بِهِ الْخَبَر وَلَا ينْسَخ، وقالته الشَّافِعِيَّة} لاحْتِمَال نسيانه، ثمَّ لَو عرف ناسخه لذكره وَرَوَاهُ وَلَو مرّة؛ لِئَلَّا يكون كَاتِما للْعلم، كَرِوَايَة أبي هُرَيْرَة فِي غسل الولوغ سبعا، وَقَوله: يغسل ثَلَاثًا كَمَا تقدم.
{عَن أَحْمد} رِوَايَة {وقالته الْحَنَفِيَّة: لَا يعْمل بالْخبر} .
وَقَالَ الْآمِدِيّ: يتَعَيَّن ظُهُور نَاسخ عِنْده، وَقد لَا يكون نَاسِخا عِنْد غَيره فَلَا يتْرك النَّص بِاحْتِمَال.
وَخَالفهُ ابْن الْحَاجِب وَقَالَ: فِي الْعَمَل بِالنَّصِّ نظر.
وَحكي عَن ابْن أبان أَنه إِن كَانَ من الْأَئِمَّة فَيدل على نسخ الْخَبَر.
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَابْن الْقشيرِي: إِن تحققنا نسيانه للْخَبَر أَو فَرضنَا مُخَالفَته لخَبر لم يروه، وجوزنا أَنه لم يبلغهُ فَالْعَمَل بالْخبر، أَو روى خَبرا يَقْتَضِي رفع الْحَرج فِيمَا سبق فِيهِ حظر، ثمَّ رَأَيْنَاهُ يتحرج فَالْعَمَل بالْخبر أَيْضا، وَيحمل تحرجه على الْوَرع.
قَوْله: {وَإِن عمل أَكثر الْأمة بِخِلَاف الْخَبَر عمل بالْخبر، وَحكي إِجْمَاعًا} حَكَاهُ ابْن مُفْلِح وَغَيره.
{وَاسْتثنى ابْن الْحَاجِب إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة} ، فَقَالَ: فَالْعَمَل بالْخبر إِلَّا إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة، وَذَلِكَ على قَاعِدَة الْمَالِكِيَّة على - مَا سبق - فِي الْإِجْمَاع، وَسبق أَنه لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الجماهير، بل مُقْتَضى كَلَامه هُنَا تَقْيِيد إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة بكونهم أَكثر الْأمة وَلَا قَائِل بِهِ، بل إِمَّا لحجيتهم وَإِن كَانُوا أقل الْأمة، أَو لَا حجَّة فِي قَوْلهم مُطلقًا إِلَّا أَن تَأَول عِبَارَته بِأَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع.
وَاسْتدلَّ لَهُ بقول عمر: لَوْلَا هَذَا لقضينا فِيهِ برأينا، ورجوعه إِلَى تَوْرِيث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا، وَعمل جمَاعَة من الصَّحَابَة.
قَالَ الإِمَام أَحْمد: أَكْثَرهم ينْهَى عَن الْوضُوء بِفضل وضوء الْمَرْأَة، والقرعة فِي عتق جمَاعَة فِي مرض مَوته، وَغير ذَلِك وشاع وَلم يُنكر.
{وَقدم الْمَالِكِيَّة الْقيَاس، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة إِن خَالف الْأُصُول، أَو معنى الْأُصُول لَا قِيَاس الْأُصُول
وأجازوا الْوضُوء بالنبيذ سفرا وأبطلوه بالقهقهة دَاخل الصَّلَاة} .
قَالَت الْمَالِكِيَّة لما قدمت الْقيَاس؛ لاحْتِمَال كذب الرَّاوِي وفسقه وكفره وخطئه والإجمال فِي الدّلَالَة، والتجوز والإضمار والنسخ مِمَّا لَا يحْتَملهُ الْقيَاس.
رد ذَلِك بِأَنَّهُ بعيد وبتطرقه إِلَى أصل ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد، وبتقديم ظَاهر الْكتاب وَالسّنة المتواترة مَعَ التطرق فِي الدّلَالَة.
قَالُوا: ظَنّه فِي الْخَبَر من جِهَة غَيره، وَفِي الْقيَاس من جِهَة نَفسه، وَهُوَ بهَا أوثق.
رد بِأَن الْخَطَأ إِلَيْهِ أقرب من الْخَبَر، وَالْخَبَر مُسْتَند إِلَى الْمَعْصُوم، وَيصير ضَرُورِيًّا بِضَم أَخْبَار إِلَيْهِ، وَلَا يفْتَقر إِلَى قِيَاس.
وَلَا إِجْمَاع فِي لبن الْمُصراة، وَهُوَ أصل بِنَفسِهِ، أَو مُسْتَثْنى للْمصْلحَة، وَقطع النزاع لاختلاطه.