الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قَوْله: {فصل} )
{الْجَواب غير المستقل تَابع للسؤال فِي عُمُومه اتِّفَاقًا} ، كجوابه لمن سَأَلَهُ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ:" أينقص الرطب إِذا يبس؟ " قيل: نعم. قَالَ: " فَلَا إِذا "، لَكِن ابْن قَاضِي الْجَبَل قَالَ: تَابع فِي عُمُومه عِنْد الْأَكْثَر.
قَوْله: {وَكَذَا فِي خصوصه} ، يَعْنِي: أَن الْجَواب غير المستقل تَابع للسؤال فِي خصوصه أَيْضا، كنحو قَوْله تَعَالَى:{فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} [الْأَعْرَاف: 44]، وكحديث أنس: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، الرجل منا يلقى أَخَاهُ أَو صديقه أينحني لَهُ؟ قَالَ:" لَا "، قَالَ: أفيلزمه
ويقبله؟ قَالَ: " لَا " قَالَ: فَيَأْخُذ بِيَدِهِ ويصافحه؟ قَالَ: " نعم ". قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن.
قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": كَقَوْلِه لغيره: تغد عِنْدِي، فَيَقُول: لَا.
وَقَالَ القَاضِي وَغَيره: كَقَوْلِه لأبي بردة: " تجزئك وَلَا تجزيء أحدا بعْدك "، أَي: فِي الْأُضْحِية.
قَالَ الْآمِدِيّ: فَهَذَا وَأَمْثَاله وَإِن ترك فِيهِ الاستفصال مَعَ تعَارض الْأَحْوَال لَا يدل على التَّعْمِيم فِي حق غَيره كَمَا قَالَه الشَّافِعِي؛ إِذْ اللَّفْظ لَا عُمُوم لَهُ، وَلَعَلَّ الحكم على ذَلِك الشَّخْص لِمَعْنى مُخْتَصّ بِهِ كتخصيص أبي بردة بقوله:" وَلَا تجزيء أحدا بعْدك "، ثمَّ بِتَقْدِير تَعْمِيم الْمَعْنى فبالعلة لَا بِالنَّصِّ.
وَقَالَهُ قبله أَبُو الْمَعَالِي لاحْتِمَال مَعْرفَته، فَأجَاب على مَا عرف وعَلى هَذَا تجْرِي أَكثر الْفَتَاوَى من الْمُفْتِينَ.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ، وَالَّذِي عِنْد أَصْحَابنَا التَّعْمِيم، قَالُوا: لَو اخْتصَّ بِهِ لما احْتِيجَ إِلَى تَخْصِيص، {وَهَذَا ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي} أَيْضا {فِي قَوْله: ترك الاستفصال فِي حِكَايَة الْحَال مَعَ قيام الِاحْتِمَال ينزل منزلَة الْعُمُوم فِي الْمقَال، وَيحسن بهَا الِاسْتِدْلَال} .
قَالَ الْمجد فِي " المسودة ": وَهَذَا ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد؛ لِأَنَّهُ احْتج فِي مَوَاضِع كَثِيرَة بِمثل ذَلِك، وَكَذَلِكَ أَصْحَابنَا.
قَالَ الْمجد: فِيمَا سبق إِنَّمَا يمْنَع قُوَّة الْعُمُوم لَا ظُهُوره؛ لِأَن الأَصْل عدم الْمعرفَة لما لم يذكر.
وَمثله الشَّافِعِي بقوله لغيلان وَقد أسلم على عشر نسْوَة: " أمسك أَرْبعا " وَلم يسْأَله هَل ورد العقد عَلَيْهِنَّ مَعًا أَو مُرَتبا فَدلَّ على عدم الْفرق.
وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي عبارَة أُخْرَى، {وَهِي: حِكَايَة الْحَال؛ إِذا تطرق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال كساها ثوب الْإِجْمَال وَسقط بهَا الِاسْتِدْلَال} ، فاختلفت أجوبة الْعلمَاء عَن ذَلِك، فَمنهمْ من قَالَ: هَذَا
مُشكل، وَمِنْهُم من قَالَ: لَهُ قَولَانِ.
{وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي: يحمل الأول على قَول يُحَال عَلَيْهِ الْعُمُوم، و} يحمل {الثَّانِي على فعل؛ لِأَنَّهُ لَا عُمُوم لَهُ، وَاخْتَارَهُ} شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ، وَابْن دَقِيق الْعِيد فِي " شرح الْإِلْمَام "، والسبكي فِي بَاب مَا يحرم من النِّكَاح فِي " شرح الْمِنْهَاج ".
{وَقَالَ الْقَرَافِيّ: الأول مَعَ بعد الِاحْتِمَال} ، وَالثَّانِي مَعَ قرب الِاحْتِمَال ثمَّ الِاحْتِمَال إِن كَانَ فِي دَلِيل الحكم سقط الِاسْتِدْلَال، كَقَوْلِه فِي الْمحرم:" لَا تقربوه طيبا فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا ".
وَقَالَ أَيْضا: الأول إِذا كَانَ الِاحْتِمَال فِي مَحل الحكم كقصة غيلَان، وَالثَّانِي إِذا كَانَ الِاحْتِمَال فِي دَلِيل الحكم.
قَالَ ابْن مُفْلِح: كَذَا قَالَ، وَعند أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه الحكم عَام فِي كل محرم، قَالَ أَصْحَابنَا فِي ذَلِك: حكمه فِي وَاحِد حكمه فِي مثله إِلَّا أَن يرد تَخْصِيصه.
وَهَذَا حكمه فِي شُهَدَاء أحد حكم فِي سَائِر الشُّهَدَاء.
قَالَ القَاضِي وَغَيره: اللَّفْظ خَاص، وَالتَّعْلِيل عَام فِي كل محرم، وَعند الْحَنَفِيَّة، وَعند الْمَالِكِيَّة يخْتَص بذلك الْمحرم.
قَوْله: {وَإِن اسْتَقل الْجَواب} بِحَيْثُ لَو ورد ابْتِدَاء لأفاد الْعُمُوم {وساوى السُّؤَال، تَابعه فِي عُمُومه وخصوصه} عِنْد كَون السُّؤَال عَاما أَو خَاصّا، كَمَا لَو لم يسْتَقلّ، فالخصوص: كسؤال الْأَعرَابِي عَن وَطئه فِي نَهَار رَمَضَان فَقَالَ: " اعْتِقْ رَقَبَة "، والعموم: كسؤال عَن الْوضُوء بِمَاء
الْبَحْر، فَقَالَ:" هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته ".
{قَالَ الْغَزالِيّ: هَذَا مُرَاد الشَّافِعِي بالعبارة الأولى} .
قَوْله: {وَإِن كَانَ أخص من السُّؤَال اخْتصَّ بِالْجَوَابِ} ، كسؤاله عَن قتل النِّسَاء الكوافر، فَيَقُول: اقْتُلُوا المرتدات فَيخْتَص بِالْجَوَابِ.
قَوْله: {وَإِن كَانَ أَعم} ، يَعْنِي إِذا كَانَ الْجَواب أَعم من السُّؤَال فَهُوَ مندرج فِي الْآتِي بعده، وَهُوَ الْعَام على سَبَب خَاص؛ لِأَن السَّبَب قد يكون سؤالا وَقد يكون غَيره.
مِثَاله: سُؤَاله عَن مَاء بِئْر بضَاعَة، فَقَالَ:" المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْء ".
{أَو ورد عَام على سَبَب خَاص بِغَيْر سُؤال} ، كَمَا رُوِيَ أَنه مر بِشَاة ميتَة لميمونة فَقَالَ:" أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر "{اعْتبر عُمُومه وَلم يقصر على سَببه عِنْد أَحْمد، وَالشَّافِعِيّ، وَأكْثر أصحابهما، وَالْحَنَفِيَّة، وَأكْثر الْمَالِكِيَّة، والأشعرية} ، فالسبب لَا يخْتَص بِهِ والعموم بَاقٍ على عُمُومه؛ لِأَن عدُول الْمُجيب عَمَّا سُئِلَ عَنهُ، أَو عَمَّا اقْتَضَاهُ حَال السَّبَب الَّذِي ورد الْعَام عَلَيْهِ عَن ذكره بِخُصُوصِهِ إِلَى الْعُمُوم دَلِيل على إِرَادَته؛ لِأَن الْحجَّة فِي اللَّفْظ - وَهُوَ مُقْتَضى الْعُمُوم - وَالسَّبَب لَا يصلح مُعَارضا
لجَوَاز أَن يكون الْمَقْصُود عِنْد وُرُود السَّبَب بَيَان الْقَاعِدَة الْعَامَّة لهَذِهِ الصُّورَة، وَغَيرهَا.
قَالَ أَبُو حَامِد، وَأَبُو الطّيب، وَالْمَاوَرْدِيّ، وَابْن برهَان: هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي.
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: عَامَّة الْأَصْحَاب تسنده إِلَى الشَّافِعِي، وَاخْتَارَهُ الصَّيْرَفِي، وَابْن الْقطَّان، وَصَححهُ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق، وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق، وَابْن الْقشيرِي، وألكيا، وَالْغَزالِيّ، وَجزم بِهِ الْقفال الشَّاشِي، وَنَقله ابْن كج عَن عَامَّة أَصْحَابهم، وَأَنه
مَذْهَب الشَّافِعِي.
وَأَن بِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة، وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، والمالكية، وَنَقله الْبَاجِيّ أَيْضا عَن أَكثر الْمَالِكِيَّة، وَصَححهُ أَيْضا الباقلاني.
{وَلنَا قَول} فِي مَذْهَبنَا.
{وَقَالَهُ جمع} كثير إِنَّه {يقصر على سَببه} .
قَالَ القَاضِي فِي " الْكِفَايَة ": قَالَ بعض أَصْحَابنَا يقصر على سَببه، وَذكره بعض أَصْحَابنَا رِوَايَة من لفظين، وذكرهما ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "، وَنَقله جمَاعَة عَن أبي ثَوْر، والمزني، والدقاق،
والخفاف فِي " الْخِصَال "، وَنسبه الْأُسْتَاذ إِلَى الْأَشْعَرِيّ، وَنسبه عبد الْوَهَّاب لأبي الْفرج من أَصْحَاب مَالك، وَابْن نصر، وَنسبه كثير من الْمُتَأَخِّرين للشَّافِعِيّ، وَنسبه أَبُو الْمَعَالِي لأبي حنيفَة، وَقَالَ: إِنَّه الَّذِي صَحَّ عندنَا من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَنَقله جمَاعَة عَن مَالك.
اسْتدلَّ للْمَذْهَب الأول - وَالصَّحِيح -: أَن الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ استدلوا على التَّعْمِيم مَعَ السَّبَب الْخَاص وَلم يُنكر، كآية اللّعان، وَنزلت
فِي هِلَال بن أُميَّة وَهُوَ فِي " الصَّحِيح "، وَآيَة الظِّهَار، وَنزلت فِي أَوْس بن الصَّامِت. رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا، وَمَعْنَاهُ فِي البُخَارِيّ، وقصة عَائِشَة فِي الْإِفْك فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَغير ذَلِك، فَكَذَا هُنَا؛ وَلِأَن اللَّفْظ عَام بِوَضْعِهِ، وَالِاعْتِبَار بِهِ، بِدَلِيل لَو كَانَ أخص، وَالْأَصْل عدم مَانع.
وقاس أَصْحَابنَا وَغَيرهم على الزَّمَان وَالْمَكَان مَعَ أَن الْمصلحَة قد تخْتَلف فيهمَا.
رد: لَا يصلحان عِلّة للْحكم بِخِلَاف لفظ السَّائِل.
رد: بِالْمَنْعِ.
قَالُوا: لَو عَم جَازَ تَخْصِيص السَّبَب بِالِاجْتِهَادِ كَغَيْرِهِ.
رد: السَّبَب مُرَاد قطعا بِقَرِينَة خارجية لوُرُود الْخطاب بَيَانا لَهُ، وَغَيره ظَاهر، وَلِهَذَا لَو سَأَلته امْرَأَة من نِسَائِهِ طَلاقهَا، فَقَالَ: نسَائِي طَوَالِق، طلقت، ذكره ابْن عقيل إِجْمَاعًا، وَأَنه لَا يجوز تَخْصِيصه، وَالْأَشْهر عندنَا وَلَو استثناها بِقَلْبِه، لَكِن يدين.
قَالَ ابْن مُفْلِح: وَيتَوَجَّهُ فِيهِ خلاف، وَلَو اسْتثْنى غَيرهَا لم تطلق على أَنه منع فِي " الْإِرْشَاد " و " الْمُبْهِج " و " الْفُصُول " الْمُعْتَمِر الْمحصر من التَّحَلُّل مَعَ أَن سَبَب الْآيَة فِي حصر الْحُدَيْبِيَة وَكَانُوا معتمرين.
وَحكي هَذَا عَن مَالك، وَأَنه لَا هدي أَيْضا.
وَعَن أَحْمد أَنه حمل مَا فِي " الصَّحِيح " من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ " على أَمر الْآخِرَة مَعَ أَن سَببه أَمر الدُّنْيَا، لَكِن يحْتَمل أَنه لم يَصح عِنْده سَببه، وَالأَصَح عَن أَحْمد أَنه لَا يَصح اللّعان على حمل، وَقَالَهُ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ سَبَب آيَة اللّعان وَاللّعان عَلَيْهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، لَكِن ضعفه أَحْمد، وَلِهَذَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنه لَاعن بعد الْوَضع.
ثمَّ يحْتَمل أَنه علم وجوده بِوَحْي فَلَا يكون اللّعان مُعَلّقا بِشَرْط، وَلَيْسَ سَبَب الْآيَة قذف حَامِل ولعانها.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن عَائِشَة أَن عتبَة بن أبي وَقاص عهد إِلَى أَخِيه