الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكِن الصَّيْرَفِي حكى الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة، وَأَن الْمَانِع خرجه على الشَّهَادَة: كَمَا فِي الصَّك، وَلم يقْرَأ على الشُّهُود عَلَيْهِ، بل قَالَ: اشهدا عَليّ بِمَا فِيهِ، فَإِن القَوْل بِمَنْعه مَشْهُور كَمَا ذَكرُوهُ فِي الْكتاب إِلَى القَاضِي.
وَمِمَّا اسْتدلَّ للمناولة بِدُونِ الْقِرَاءَة مَا قَالَه البُخَارِيّ: إِن بعض أهل الْحجاز احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
حَيْثُ كتب لأمير السّريَّة كتابا، قَالَ: لَا تَقْرَأهُ حَتَّى تبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْمَكَان قَرَأَهُ على النَّاس، وَأخْبرهمْ بِأَمْر النَّبِي
صلى الله عليه وسلم َ -.
لَكِن أَشَارَ الْبَيْهَقِيّ إِلَى أَنه لَا حجَّة فِيهِ، وَهُوَ ظَاهر لاحْتِمَال أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
قَرَأَهُ عَلَيْهِ فَيكون وَاقعَة عين يسْقط مِنْهَا الِاسْتِدْلَال للاحتمال
.
وأمير السّريَّة هُوَ عبد الله بن جحش المجدع فِي الله، وَذَلِكَ فِي رَجَب فِي السّنة الثَّانِيَة، والْحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرِيّ مَرْفُوعا.
وَصفَة هَذَا النَّوْع: أَن يُجِيزهُ بِشَيْء نَاوَلَهُ إِيَّاه بِأَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل مرويه، أَو فرعا مُقَابلا بِهِ وَيَقُول لَهُ: هَذَا سَمَاعي أَو مرويي بطرِيق كَذَا فاروه عني، أَو أجزته لَك أَن ترويه عني ثمَّ يملكهُ إِيَّاه بطرِيق أَو يعيره لَهُ، يَنْقُلهُ، ويقابله بِهِ.
وَفِي مَعْنَاهُ: أَن يَجِيء الطَّالِب بذلك للشَّيْخ ابْتِدَاء ويعرضه عَلَيْهِ فيتأمله الشَّيْخ الْعَارِف اليقظ وَيَقُول: نعم، هَذَا مسموعي، أَو روايتي
بطرِيق كَذَا، فاروه عني، أَو أجزته لَك، أَو يُعْطِيهِ شَيْئا من تصانيفه فَيَقُول: اروه عني.
وَالرِّوَايَة بِهَذَا النَّوْع جَائِزَة - كَمَا تقدم -، لكنه لَيْسَ كالسماع، بل منحط عَنهُ، وَهُوَ الصَّحِيح.
حَكَاهُ الْحَافِظ عَن فُقَهَاء الْإِسْلَام الْمُفْتِينَ فِي الْحَلَال وَالْحرَام: الشَّافِعِي وصاحبيه الْمُزنِيّ والبويطي، وَأحمد، وَإِسْحَاق،
وَابْن الْمُبَارك، وَيحيى بن يحيى، قَالَ: وَعَلِيهِ عهدنا أَئِمَّتنَا، وَإِلَيْهِ نَذْهَب.
وَأما مُقَابِله: فَقَوْل الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَة، وَيحيى بن سعيد، وَمَالك، وَمُجاهد، وَأبي الزبير، وَابْن
عُيَيْنَة، وَقَتَادَة، وَأبي الْعَالِيَة، وَابْن وهب، وَآخَرين - نَقله الْبرمَاوِيّ عَنْهُم - فَيكون عِنْد هَؤُلَاءِ كالسماع.
قَوْله: {وَهِي أَعلَى من الْإِجَازَة} - أَي الْمُجَرَّدَة - {فِي الْأَصَح} ، وَهُوَ الرَّاجِح الَّذِي عَلَيْهِ المحدثون، وَإِن كَانَ الأصوليون خالفوهم فِي ذَلِك كَمَا صرح بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْن الْقشيرِي، وَالْغَزالِيّ.
وَقَالُوا: المناولة لَيْسَ شرطا وَلَيْسَ فِيهَا مزِيد تَأْكِيد، وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة تكلّف أحدثه بعض الْمُحدثين.
قَوْله: {وبمجردها} هَذَا النَّوْع الثَّانِي من المناولة، وَهُوَ مُجَرّد المناولة العاري عَن الْإِجَازَة وَالْإِذْن، {لَا يجوز عندنَا، وَعند الْأَكْثَر.
قَالَ الشَّيْخ} تَقِيّ الدّين: {إِنَّمَا نَص الإِمَام أَحْمد فِي مناولة مَا عرفه الْمُحدث} .
وأصل المناولة لُغَة: الْإِعْطَاء بِالْيَدِ. ثمَّ اسْتعْملت عِنْد الْمُحدثين وَغَيرهم فِي إِعْطَاء كتاب أَو ورقة مَكْتُوبَة، وَنَحْو ذَلِك.
وَيَقُول المناول: هَذَا سَمَاعي من قبل فلَان أَو مرويي عَنهُ بطرِيق كَذَا.
وَسَوَاء قَالَ مَعَ ذَلِك: خُذْهُ، أَو نَاوَلَهُ ساكتا، فَإِذا لم يَنْضَم إِلَيْهَا إِذن وَلَا إجَازَة تسمى المناولة الْمُجَرَّدَة، وَالَّذِي رَجحه الْأَكْثَر أَن الرِّوَايَة لَا تصح بهَا.
وَحكى الْخَطِيب عَن قوم أَنهم صححوها، وَبِه قَالَ ابْن الصّباغ.
قَالَ الْهِنْدِيّ: وَكَلَام الرَّازِيّ صَرِيح فِيهِ، وَكَلَام غَيره يدل على الْمَنْع.
وَقَالَ ابْن الصّلاح: إِنَّهَا إجَازَة مجملة لَا تجوز الرِّوَايَة بهَا.
وعابها غير وَاحِد من الْفُقَهَاء والأصوليين على الْمُحدثين.
قَالَ النَّوَوِيّ: الصَّحِيح الْمَنْع عَن الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء.
قَوْله: {و} لم ير {الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة} ، وهم: الإِمَام أَبُو حنيفَة، وَالْإِمَام الشَّافِعِي، وَالْإِمَام أَحْمد، وَأكْثر الْعلمَاء، {إِطْلَاق " حَدثنَا " و " أخبرنَا " فِيهَا} ، أَي: فِي المناولة مَعَ الْإِجَازَة أَو الْإِذْن.
{وَجوزهُ الزُّهْرِيّ، وَمَالك} ، وَجمع؛ لِأَنَّهَا كالسماع عِنْدهم، كَمَا تقدم عَنْهُم.
قَوْله: {وَيَكْفِي اللَّفْظ بِلَا مناولة} . يَعْنِي لَو كَانَ الْكتاب بيد الْمجَاز لَهُ أَو على الأَرْض، وَنَحْوه جَازَ، وَلَا يشْتَرط فِيهَا فعل المناولة؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِير لَهُ.
قَوْله: {وَمِنْهَا الْمُكَاتبَة مَعَ الْإِجَازَة فِي الْأَصَح} .
من الْأَقْسَام: الْمُكَاتبَة، بِأَن يكْتب الشَّيْخ إِلَى غَيره سَمِعت من فلَان كَذَا، للمكتوب إِلَيْهِ إِذا علم خطه، أَو ظَنّه بِإِخْبَار عدل أَنه خطه، أَو شَاهده يكْتب، أَن يعْمل بِهِ وَيَرْوِيه عَنهُ.