الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وعلى النبي وآله أفضل الصلوات والتسليم
[خطبة الكتاب]
الحمد لله الباقي بعد فناء خلقه، المانّ عليهم بإدرار رزقه، الموجب عليهم القيام بأداء حقه، كل شي هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه يرجع الأمر كله، لا مطمع في البقاء لسواه سبحانه، وبيده إبرام الأمر وحلّه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عذب بالتوحيد لسانه، واطمأن إلى الإخلاص فيه جنانه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث خاتما للرسل، موضحا للسبل، فجاء بملة هي خير الملل، وجاهد في الله قام الحق واعتدل.
صلّى الله وسلم عليه، وزاده فضلا وشرفا لديه، وعلى آله الذين طهّرهم من الرجس تطهيرا، وعلى صحابته الذين دمّر بهم الكفر وأهله تدميرا، وعلى التابعين لهم بإحسان، ما تعاقبت الدهور والأزمان.
أما بعد:
فإنه لما كان التاريخ طريقا إلى العلم بحال من درج من القرون الماضية، ووسيلة إلى حفظ أخبارهم وحوادثهم الجارية، وكان في ذلك عبرة لمن اعتبر، وعظة واضحة لمن ادّكر؛ لما يقف عليه فيه من تقلب الدهور، وتغير الأحوال والأمور .. أردت أن أجمع فيه مجموعا لائقا، وأنموذجا فائقا، فجرّدت في ذلك عزمي، وصرفت إلى تحصيله همّي، فجاء بحمد الله تأليفا وافيا، وترصيفا كافيا، سلكت فيه طريق التوسط بين الإطناب الممل والإيجاز المخل، ورتبته على السنين، مبتدئا بأول سنة من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، جاعلا كل مائة منها خمس طبقات، ذاكرا في كل عشرين من طبقاتها تراجم أهلها، محررا كل ترجمة غالبا بتلخيصها من أصلها، مبتكرا لإنشائها نادرا أو معولا على نقلها، مقدما غالبا من وقفت على تاريخ وفاته، معقبا له بذكر من جهلت وقت مماته، معيدا تلك
العشرين، مجردا فيها ذكر أحداثها، المفضي أكثرها بطوائفها إلى أحداثها، وربما أهمل ترجمة بعض الأعيان في طبقة التراجم؛ إما لمناسبة، أو لسهو هاجم، أذكره في طبقة الحوادث في سنة وفاته إن كانت منقولة، أو في آخرها إن كانت مجهولة.
وجلّ اعتمادي فيما انتدبت له، وأتقنت في فنه عمله:«تاريخ الشيخ الكبير الأمجد، عفيف الدين اليافعي عبد الله بن أسعد» (1)، إلاّ أني أودعت فيه جملة مستكثرة مما كان أهمل ذكرها فيما حرره، جمعتها من كتب شتى، هي فيما زدته معتمدي، ك «تاريخي» أبي الحسن الخزرجي (2) والبهاء الجندي (3)، وك «تاريخ العلاّمة ابن حسان الحضرمي» (4) إمام الطريقة، وكتاب «الجوهر الشفاف في مناقب الأشراف» (5) أهل الحقيقة، وكتاب الشيخ الجليل الشريف علي بن أبي بكر الموسوم ب «البرقة المشيقة» (6)، وقد اعتذر اليافعي رحمه الله عن إهماله ذلك بأنه لم يقف من طبقات أهل اليمن على سوى «تاريخ ابن سمرة» (7)، فلهذا لم يتعرض لذكر أكثرهم فيمن ذكر وأسميته:
«قلادة النّحر في وفيات أعيان الدّهر» وعلى الله الكريم أعتمد، وإليه أفوض أمري وأستند، وأسأله النفع به لي ولسائر إخواني من المسلمين، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم؛ فهو أرحم الراحمين.
وهذا أوان الشروع فيما نلتمس فيه من ربنا الإعانة، والتوفيق لما توخينا فيه من الإبانة، إنّه جواد كريم، غفور رحيم.
(1) واسمه: «مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان» ، أرخ فيه المدة الواقعة بين (1 - 750 هـ)، توفي سنة (768 هـ).
(2)
واسمه: «طراز أعلام الزمن في طبقات أعيان اليمن» ويسمى أيضا: «العقد الفاخر الحسن في طبقات أعيان اليمن» توفي الإمام الخزرجي سنة (812 هـ).
(3)
واسمه: «السلوك في طبقات العلماء والملوك» ، أرخ فيه من ولادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة (665 هـ)، توفي سنة (732 هـ).
(4)
للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن علي حسان، توفي سنة (818 هـ) وهذا التاريخ في عداد الكتب المفقودة الآن، والله أعلم.
(5)
لمؤلفه العلامة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الخطيب الأنصاري، ترجم فيه للسادة الأشراف من آل باعلوي وغيرهم من الأولياء والصالحين، توفي سنة (855 هـ).
(6)
واسمه الكامل «البرقة المشيقة في ذكر لباس الخرقة الأنيقة» ترجم فيه المؤلف لأشياخه من آل باعلوي الذين لبسوا خرقة الصوفية وانتظموا بسلكهم رضي الله عنهم أجمعين، توفي سنة (895).
(7)
لمؤلفه العلامة عمر بن علي بن سمرة، وهو أول كتاب ألف في طبقات فقهاء اليمن من الشافعية على وجه الخصوص-كما قال الخزرجي-ترجم فيه للصحابة الذين سكنوا اليمن أو هاجروا منه وحتى فقهاء القرن السادس، توفي سنة (586 هـ).