الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوليد، وأجابه إلى ذلك قتيبة بن مسلم والي خراسان، فلم يتم ذلك، فبويع لسليمان عند وفاة الوليد، وكان عهد إلى ابنه أيوب، فتوفي قبله سنة ثمان وتسعين، وتوفي سليمان عاشر صفر من سنة تسع وتسعين بعد أن عهد إلى عمر بن عبد العزيز ومن بعده ليزيد بن عبد الملك، فمدة ولايته سنتان وثلاثة أشهر وخمسة وعشرون يوما، وعمره أربعون سنة وأشهر، واغتر بشبابه، فكان يقول: أنا الملك الشاب، فخاب ظنه.
وكان فصيحا.
جهز الجيوش لغزو القسطنطينية، [وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز، وجعله وزيره](1) ومشيره، ثم عهد إليه بالخلافة.
يحكى: أنه قدم إليه حكيم من الهند وقال: جئتك بثلاث: تأكل ولا تشبع، وتنكح ولا تفتر، ويسود شعرك ولا يبيض، فقال سليمان: كلهن يرغب العاقل عنهن، أما كثرة الأكل: فأقل ما فيه كثرة دخول المرء إلى الخلاء، وشم الروائح الكريهة، وأما كثرة النكاح: فأقل ما في ذلك أنه يقبح لمثلي خليفة يبقى أسير امرأة، وأما تسويد الشعر: فيقبح أن يسود المرء نورا أكرم الله به عبده المسلم، أشار إلى الحديث: «من شاب شيبة في الإسلام .. كانت له نورا يوم القيامة
…
» الحديث (2).
483 - [أبو الأسود الدؤلي]
(3)
أبو الأسود الدّؤلي بضم الدال ثم همزة مفتوحة، ويقال فيه: الدّيلي بكسر الدال والياء، وهو منسوب إلى جد القبيلة الدؤل، سمي باسم دويبة بين ابن عرس والثعلب، واسم أبي الأسود: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل على الأصح من خلاف في اسمه واسم أبيه.
سمع عمر بن الخطاب، والزبير، وأبا ذر، وعمران بن الحصين، وأبا موسى الأشعري، وابن عباس، وعليا وصحبه وشهد معه صفين.
(1) بياض في الأصول، والاستدراك من «مرآة الجنان» (1/ 207)، و «شذرات الذهب» (1/ 399).
(2)
أخرجه ابن حبان (2983)، والترمذي (1634)، والنسائي (6/ 27).
(3)
«طبقات ابن سعد» (9/ 98)، و «طبقات فحول الشعراء» (1/ 12)، و «تاريخ دمشق» (25/ 176)، و «معجم الأدباء» (4/ 353)، و «وفيات الأعيان» (2/ 535)، و «سير أعلام النبلاء» (4/ 81)، و «تاريخ الإسلام» (5/ 276)، و «البداية والنهاية» (8/ 715)، و «مرآة الجنان» (1/ 203)، و «شذرات الذهب» (1/ 396).
وكان من أكمل الرجال رأيا وأرجحهم عقلا، وهو أول من وضع النحو، قيل: السبب أن إحدى بناته قالت له: يا أبت؛ ما أحسن السماء! برفع (أحسن) وجر (السماء)، فقال: يا بنية؛ نجومها، قالت: إني لم أرد: أي شيء فيها أحسن، إنما تعجبت من حسنها، فقال: إذن قولي: ما أحسن السماء! ووضع حينئذ نبذة في النحو، فقيل له: من أين لك هذا العلم؟ فقال: تلقيت حدوده من علي بن أبي طالب.
وقيل: إنه سمع قارئا يقرأ: (أن الله بريء من المشركين ورسوله) فجر (رسوله) فقال: ما ظننت أن أمر الناس يؤول إلى هذا! فأتى إلى زياد واستأذنه في شكل المصحف بعد أن كان طلب منه زياد فامتنع، فيقال: إن زيادا دس عليه من سمّعه ذلك اللحن ليفعل، وهو أول من شكل المصحف ونقطه.
وكان له دار فباعها، فقيل له: بعت دارك؟ ! فقال: بل بعت جاري، فأرسلها مثلا لمن باع الدار هربا من الجار.
قلت: ونظم هذا المعنى بعض الشعراء الفصحاء، ولله دره حيث يقول:[من الطويل]
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي
…
على أنّ لي جارا هناك ينغّص
فقلت لهم لا تعذلوني فإنما
…
بجيرانها تغلو الديار وترخص
والله أعلم.
دخل يوما على عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي-وقيل: على المنذر بن الجارود-وعلى أبي الأسود جبة رثة كان يكره لبسها، فقال له: يا أبا الأسود؛ أما تمل لبس هذه الجبة؟ ! فقال: ربّ مملوك لا تستطيع فراقه، فلما خرج من عنده .. سير إليه مائة ثوب، فكان أبو الأسود ينشد ذلك:[من الطويل]
كساني ولم أستكسه فحمدته
…
أخ لك يعطيك الجزيل وناصر
وإنّ أحقّ الناس إن كنت شاكرا
…
بشكرك من أعطاك والعرض وافر
قلت: يروى: (مملول) باللام، و (مملوك) بالكاف (1)، وذكر ذلك ابن خلكان في «تاريخه» ، والله أعلم (2)، ويروى:(ناصر) بالنون من النصرة، و (ياصر) بالمثناة آخر الحروف من التعطف والحنو.
(1) أي: في قول أبي الأسود: (رب مملوك لا تستطيع فراقه).
(2)
«وفيات الأعيان» (2/ 538).
وله أشعار كثيرة، منها:[من الوافر]
وما طلب المعيشة بالتمني
…
ولكن ألق دلوك في الدّلاء
تجيء بملئها طورا وطورا
…
تجيء بحمأة وقليل ماء
ومنه: [من الكامل]
صبغت أمية في الدماء أكفّنا
…
وطوت أمية دوننا دنياها
أي: بنو أمية أوردونا معارك القتال، وبخلوا علينا بالمال.
أصابه الفالج في آخر عمره، فكان يخرج إلى السوق يجر رجليه، وكان موسرا ذا عبيد وإماء، فقيل له: قد أغناك الله عن السعي في حاجتك، فلو جلست في بيتك، قال: لا، ولكني أخرج وأدخل، فيقول الخادم: قد جاء، والصبي: قد جاء، ولو قعدت في البيت فبالت الشاة علي .. ما منعها أحد عني.
قال اليافعي: (يحتمل قوله: «قد جاء» الإشارة إلى أنه يجيء بشيء يفرحون به من السوق، فيكون في ذلك تجديد فرح لهم بعد فرح، ويحتمل وهو الأقرب إلى كلامه: أنهم يخافون منه، فمجيئه يجدد لهم خوفا بعد خوف، ويكون ذلك وسيلة إلى التأدب والحذر منه)(1).
ولي البصرة لعلي رضي الله عنه، ولم يزل عليها واليا إلى أن قتل علي.
وسمع قائلا يقول: من يعشّي الجائع؟ فطلبه فعشّاه، فذهب السائل ليخرج، فقال:
أين تريد؟ قال: أهلي، قال: هيهات! ما عشيتك إلا على ألا تؤذي المسلمين الليلة، ثم وضع في رجله القيد حتى أصبح.
وتوفي أبو الأسود بالبصرة سنة تسع وتسعين على خلاف قد تقدم (2).
قلت: قال ابن حجر: (هو ثقة فاضل مخضرم)(3)، والله سبحانه أعلم.
(1)«مرآة الجنان» (1/ 206).
(2)
ذكره المصنف رحمه الله تعالى في حوادث سنة (69 هـ)، ولم يترجم له في وفيات تلك السنة، وهي سنة وفاته في جميع المصادر عدا «مرآة الجنان» و «شذرات الذهب» بخلف فيهما، وواضح أن المصنف تبع اليافعي في ذلك، قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 86):(وأخطأ من قال: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز).
(3)
«تقريب التهذيب» (ص 619).