الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان علي رضي الله عنه بعث الحسن والحسين رضي الله عنهما يمنعان من الدخول عليه، فرمى الناس بالسهام حتى خضب وجه الحسن بالدم، وتسور جماعة من رعاع القبائل، واقتحموا عليه داره يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة والمصحف بين يديه يقرأ، فقتلوه فانتضح الدم على قوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1).
وفيها: توفي عامر بن أبي ربيعة المخزومي.
***
السنة السادسة والثلاثون
في أولها: بويع علي رضي الله عنه بالخلافة (2)، فأول من بايعه طلحة بن عبيد الله، فنظر إليه أعرابي فقال: إنا لله، أول يد بايعت أمير المؤمنين يد شلاء وأمر لا يتم، وبايعه عامة الناس بالمدينة، وبويع له فيما عداها من البلدان، وتوقف جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وبايع حارثة بن قدامة السعدي لعلي بالبصرة، فهرب منها واليها من قبل عثمان عبد الله بن عامر إلى مكة، وخرج طلحة والزبير رضي الله عنهما من المدينة إلى مكة، وكانت عائشة رضي الله عنها قد اعتمرت، فبلغها قتل عثمان وهي بالطريق راجعة إلى المدينة، فرجعت إلى مكة، فأشار عليهم ابن عامر بقصد البصرة، وجهزهم بألف ألف درهم، وبعث إلى عائشة بالجمل الذي يسمى عسكرا اشتراه بمائتي دينار، يقال: إنه كان ليعلى بن أمية، وكان مروان قد بايع عليا بالمدينة وخرج منها إلى مكة، فخرج معهم إلى البصرة طالبين الثأر بدم عثمان لا غير، وقيل: خرجوا تغيبا عن الفتنة، فجاء مروان إلى طلحة والزبير فقال: على أيكما أسلم بالإمارة، وأنادي بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير:
على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي، فأرسلت عائشة إلى مروان: أتريد أن ترمي الفتنة بيننا؟ ! مروا ابن أختي فليصل بالناس؛ تعني: عبد الله بن الزبير، فلما بلغ عليّا خبر خروجهم .. ظن أنهم خرجوا لفتنة ومخالفة، فخرج من المدينة ليردهم في سبع مائة من الصحابة، فيهم أربع مائة من المهاجرين والأنصار، منهم سبعون بدريا، فالتقوا بموضع قرب البصرة يسمى الحوأب، فكانت فيه وقعة الجمل يوم الخميس لخمس خلون من جمادى
(1)«تاريخ الطبري» (4/ 340)، و «المنتظم» (3/ 301)، و «الكامل في التاريخ» (2/ 526)، و «تاريخ الإسلام» (3/ 429)، و «مرآة الجنان» (1/ 90)، و «البداية والنهاية» (7/ 189)، و «شذرات الذهب» (1/ 201).
(2)
في أكثر المصادر: بويع له بالخلافة سنة (35 هـ)، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى القولين في ترجمته (1/ 324).
الأولى، قتل فيها ثلاثة وثلاثون، فيهم: طلحة بن عبيد الله، وابنه محمد المعروف بالسجاد، وزيد بن صوحان، وكعب بن سوار، وكان كل من مد يده إلى خطام الجمل من أحد الفريقين ضربه الفريق الآخر بالسيف حتى يطن يده، فيقال: إنه قطع على خطام الجمل سبعون يدا من بني ضبة وهم ينشدون: [من الرجز]
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل
…
ننازل الموت إذا الموت نزل
والموت أشهى عندنا من العسل
وعائشة رضي الله عنها راكبة على الجمل، فأشار علي بعقر ذلك الجمل فعقر، وخمد الشر وظهر علي وانتصر، وجاء إلى عائشة، فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ملكت فأسجح (1)؛ فما أردت إلا الإصلاح، فبلغ من الأمر ما ترى، فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ثم سير معها عشرين امرأة من ذوات الدين والشرف يمضين معها إلى البصرة، وأنزلها في دار وأكرمها، ثم سيرها إلى المدينة الشريفة وشيعها وودعها.
وكان قبل الوقعة قد سمعت عائشة نباح الكلاب، فسألت عن اسم الموضع الذي هم فيه، فقالوا: الحوأب، فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم لها:«كيف بك يا حميراء إذا نبحت عليك كلاب الحوأب؟ » فقالت: ولات حين رد (2).
وكان علي قد بدر الزبير وقال له: أما تذكر قوله صلى الله عليه وسلم لك وأنا حاضر:
«أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم؟ » فقال: لم أذكر ذلك إلا الآن، ثم رجع إلى أهله واستلثم وركب فرسه، فقال علي رضي الله عنه لأصحابه: أفرجوا له ولا تتعرضوا له؛ فإنما هو مار، فشق صفوف علي رضي الله عنه، ومر عنهم تاركا للقتال إلى أن بلغ وادي السباع، فنام به فقتله ابن جرموز بغتة.
وكان علي رضي الله عنه يقول: والله؛ إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من أهل هذه الآية: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْااناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.}
قال الشيخ اليافعي: (وما ينكر سعادة الجميع منهم وغفران الله لهم ما جرى بينهم إلا
(1) الإسجاح: حسن العفو.
(2)
أخرجه ابن حبان (6732)، والحاكم في «المستدرك» (3/ 120)، وأحمد (6/ 52)، لكن إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لنسائه عامة دون أن يخص عائشة رضي الله عنها.