الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
467 - [الحجاج بن يوسف الثقفي]
(1)
الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي، يكنى: أبا محمد.
وأمه: الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، كانت تحت الحارث بن كلدة طبيب العرب وطلقها؛ لأنه رآها تخلل أسنانها في السحر، فقال: إن كان التخلل لمبادرة الغداء .. فأنت شرهة، أو لمبيت الطعام بين أسنانك .. فأنت قذرة، فقالت: كل ذلك لم يكن، وإنما تخللت من شظايا السواك، فندم على طلاقها.
وقيل: إن المطلق لها بسبب التخلل المغيرة بن شعبة، وإنها المتمنية التي سمعها عمر بن الخطاب وهو يطوف ليلة في المدينة تنشد:[من البسيط]
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
…
أو من سبيل إلى نصر بن حجاج
فنفى عمر بسبب ذلك نصر بن حجاج من المدينة إلى البصرة، فتزوجها بعده يوسف بن أبي عقيل الثقفي، فولدت له الحجاج مشوها لا دبر له، فنقب عن دبره، وأبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها، فيقال: إن الشيطان تصور لهم في صورة حكيم العرب الحارث بن كلدة، وأمرهم أن يذبحوا له ثلاثة أيام كل يوم جديا أسود، وألعقوه دمه، ثم اذبحوا له أسود سالخا -أي: ثعبانا أسود قد سلخ جلده-وألعقوه دمه، واطلوا به وجهه؛ فإنه يقبل الثدي، ففعلوا له ذلك فقبل الثدي.
وكان لا يصبر عن سفك الدماء، وكان يخبر عن نفسه أن أكثر لذاته في سفك الدماء، وارتكاب أمور لا يقدم عليها غيره.
وذكروا أن الحجاج وأباه كانا معلمين الصبيان بالطائف، ثم لحق الحجاج بروح بن زنباع الجذامي وزير عبد الملك، فكان في عديد شرطته، فشكا عبد الملك إلى روح انحلال عسكره، وعدم ارتحالهم بارتحاله ونزولهم بنزوله، فقال: إن في شرطتي رجلا لو قلده أمير المؤمنين أمر عسكره .. لأرحل الناس برحيله، وأنزلهم بنزوله، فقال عبد الملك: إنا
(1)«المعارف» (ص 395)، و «المنتظم» (4/ 475)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 153)، و «وفيات الأعيان» (2/ 29)، و «سير أعلام النبلاء» (4/ 343)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 314)، و «مرآة الجنان» (1/ 192)، و «البداية والنهاية» (9/ 142)، و «تهذيب التهذيب» (1/ 363)، و «النجوم الزاهرة» (1/ 230)، و «شذرات الذهب» (1/ 377).
قد قلدناه ذلك، فكان لا يقدر أحد أن يتخلف عن الرحيل والنزول إلا أعوان الوزير المذكور، فوقف الحجاج عليهم يوما وقد رحل الناس وهم على طعام، فقال: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ ! فقالوا له: انزل يا بن اللخناء فكل معنا، فقال: هيهات ذهب ذلك، فأمر بهم فجلدوا بالسياط، وطوّف بهم في العسكر، وأحرق فساطيط الوزير بالنار، فشكاه روح إلى عبد الملك، فاستدعاه عبد الملك، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ما فعلت أنا شيئا، إنما فعله أمير المؤمنين؛ لأن يدي يدك، وسوطي سوطك، وما على أمير المؤمنين أن يعوض روحا عن ذلك، ولا يكسرني فيما قدمني له؛ فكان ذلك أول ما عرف من كفاءة الحجاج، ثم ولاه عبد الملك بتالة بالقرب من اليمامة فسار إليها، فلما قرب منها .. سأل عنها، فقيل له: وراء هذه الأكمة، فقال: تبا لولاية تواريها أكمة، ورجع على عقبه القهقرى.
ثم ولاه عبد الملك قتال ابن الزبير فحاصره، ورمى البيت بالمنجنيق حتى ظفر بابن الزبير فقتله وصلبه، وهدم من البيت ما كان أدخله ابن الزبير من الحجر، وتركه على حالته المعروفة الآن بعد مشاورته عبد الملك في ذلك، ثم أضيف إليه أمر المدينة، فمكث واليا على الحجاز ثلاث سنين، ثم صرفه عنه وولاه العراق، فقاتل شبيبا وقطري بن الفجاءة الخارجيين حتى ظفر بهما بعد حروب طويلة.
ثم خرج عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في جماعة من الفقهاء والعباد والصالحين، قاموا لله تعالى لما رأوا من جور الحجاج وإماتته الصلاة، وسفكه الدماء، فجهز عليهم الحجاج جيوشا فهزموها، ثم كان آخر الأمر الدولة له، فظفر بهم وقتل جمعا عظيما من الفقهاء والعباد والصالحين، وكان آخر من قتله سعيد بن جبير، ولم يمتع بحياته بعده أيام قلائل.
مات ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان من سنة خمس وتسعين، وكان ينشد في مرضه بقول عبيد بن سفيان العكلي:[من البسيط]
يا ربّ حلف الأعداء واجتهدوا
…
أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم
…
ما ظنّهم بعظيم العفو غفار
وكان مرضه بالأكلة وقعت في باطنه، وسلط الله عليه الزمهرير؛ فكانت الكوانين تجعل
حوله مملوءة نارا، وتدنا منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها، فشكى ما يجده إلى الحسن البصري، فقال له: قد نهيتك ألا تتعرض للصالحين.
ويقال: إن الحسن سجد شكرا لله تعالى لما بلغه موت الحجاج، وقال: اللهم؛ كما أمته عنا فأمت عنا سنته، يقال: إنه رأى قبل موته أن عينيه قلعتا، وكان عنده هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة، فطلق الهندين؛ ظنا منه أن رؤياه تتأول كلاّ منهما، فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه محمد بن يوسف من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد، فقال: هذا تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال:
من يقول شعرا ليسليني؟ فقال الفرزدق: [من الكامل]
إن الرزية لا رزية مثلها
…
فقدان مثل محمد ومحمد
ملكان قد خلت المنابر منهما
…
أخذ الحمام عليهما بالمرصد (1)
ويقال: إنه استدعى في مرض موته منجما، فسأله: هل ترى في علمك ملكا يموت؟ فقال: نعم، ولست هو، قال: ولم؟ قال: لأن الذي يموت اسمه كليب، فقال: والله؛ بذلك سمتني أمي، فأوصى عند ذلك.
ويقال: إن الحجاج خطب يوما، فقال في أثناء كلامه: أيها الناس؛ إن الصبر عن محارم الله أهون من الصبر على عذاب الله، فقال له رجل: ويحك يا حجاج، ما أصفق وجهك وأقل حياءك، فأمر به فحبس، فلما نزل عن المنبر .. دعا به وقال له: لقد اجترأت عليّ، فقال: أتجترئ على الله فلا ننكره، ونجترئ عليك فتنكره؟ ! فخلى سبيله.
ومات الحجاج وهو ابن أربع وخمسين سنة، ولي العراق منها عشرين سنة، وترك في بيت المال مائة ألف ألف درهم وبضعة عشر ألف درهم، وكان خراج العراق حين وليها مائة ألف ألف درهم، فلم يزل ينقص بجوره حتى مات وخراجه خمسة وعشرون ألف ألف، وقيل: مائة وعشرون ألف ألف، وقيل: مات وقد قتل مائة وعشرين ألفا صبرا سوى من مات في عسكره، ومات في حبسه ثمانون ألفا: خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، وكان الحجاج ولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي الحرب والصلاة على المصرين البصرة والكوفة، ويزيد بن مسلم خراجهما، فأقرهما الوليد بعده، والله أعلم.
(1) البيتان في «ديوانه» (1/ 179).