الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العشرون الرابعة من المائة الأولى
349 - [الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم]
(1)
الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن البتول، وسبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة.
ولد رضي الله عنه لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، يقال: لم يكن بين ولادة الحسن والحمل بالحسين إلا طهر واحد.
قال صلى الله عليه وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط» (2).
وروي عن علي رضي الله عنه قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
كان رضي الله عنه فاضلا كثير الصلاة والصوم والصدقة والحج، يقال: حج خمسا وعشرين حجة ماشيا.
ولما مات معاوية رضي الله عنه .. كتب يزيد إلى واليه بالمدينة الوليد بن عتبة يعلمه بموت أبيه، وأمره أن يأخذ له البيعة على الناس، فأرسل الوليد إلى الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ليلا، وقد علموا بموت معاوية، فنعى إليهما معاوية فاسترجعا، وقال:
بايعاه، فقالا: مثلنا لا يبايع سرا، ولكن نبايع على رءوس الأشهاد إذا أصبحنا، فقال مروان للوليد: إنهما إذا خرجا من عندك .. لم ترهما، فلم يعبأ بقوله، فرجعا إلى بيوتهما، ثم خرجا في ليلتهما إلى مكة، وذلك لليلتين بقيتا من رجب.
(1)«طبقات ابن سعد» (6/ 421)، و «معرفة الصحابة» (2/ 661)، و «الاستيعاب» (ص 184)، و «المنتظم» (4/ 151)، و «أسد الغابة» (2/ 18)، و «تهذيب الكمال» (6/ 396)، و «سير أعلام النبلاء» (3/ 280)، و «تاريخ الإسلام» (5/ 93)، و «مرآة الجنان» (1/ 131)، و «البداية والنهاية» (8/ 568)، و «الإصابة» (1/ 331)، و «شذرات الذهب» (1/ 273).
(2)
أخرجه ابن حبان (6971)، والترمذي (3775)، وابن ماجه (144).
وأقام الحسين بمكة إلى يوم التروية، وكتب أهل الكوفة إليه بحلف يستحثونه في الوصول إليهم؛ ليبايعوه وينصروه، فقدّم قبله ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة يبايع له ويستوثق له الأمر، وخرج في إثره يوم التروية، فدخل مسلم الكوفة سرا، واختفى في بيت هاني بن عروة المرادي، وأتاه وجوه أهل الكوفة فبايعوه للحسين سرا، ثم إنهم أخبروا عبيد الله بن زياد بمكانه، فأرسل إليه وجيء به إلى بين يديه، فلما همّ بقتله ..
أشار إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، وأسرّ إليه أن الحسين ورائي، فاكتب إليه بأمري ليرجع من حيث جاء، ولا يغترّ بأهل الكوفة، وقتل مسلم بن عقيل، فقال عمر بن سعد لابن زياد: أتدري بما أسر إليّ مسلم؟ قال: اكتم على ابن عمك سره، قال: الأمر عظيم، قال: وما هو؟ قال: فأخبرني بأن الحسين وراءه، فقال له ابن زياد: وأما إذا دللت عليه .. فو الله؛ لا يخرج إليه إلا أنت، ثم سيره في جيش لقتال الحسين، فأدركوا الحسين بكربلاء، ولم يزل ابن زياد يمدهم بالعسكر حتى بلغوا اثنين وعشرين ألفا، فضيقوا على الحسين أشد التضييق، ومنعوه الماء، فخيرهم الحسين بين ثلاثة أمور في واحد منها:
إما أن يتركوه يرجع من حيث جاء، أو يتركوه يسير إلى يزيد بالشام فيبايعه، أو يتركوه يتوجه هو وأصحابه إلى بعض الثغور للجهاد، فكتبوا إلى ابن زياد يعلموه بذلك، فقال: لا إلا أن ينزل على حكمي، فقال: لا أنزل على حكم ابن سمية، وكان رضي الله عنه يأنف عن مبايعة معاوية فضلا عن يزيد والنزول على حكم ابن الدعي.
ويقال: إن ابن زياد أمّر على الجيش الحر بن يزيد التميمي، فلما رأى امتناعهم فيما عرضه عليهم الحسين .. انحاز إلى فئة الحسين، وقاتل معهم حتى قتل، فأمّر عبيد الله بن زياد على الجيش عمر بن سعد، فلما رأى التواني من عمر في الإقدام على القتال .. كتب إليه: لتفرغنّ من أمره أو لأبدأنّ بك قبله، ولم يزل أصحابه يبارزون فيقتلون ويقتلون إلى أن قتل من أصحابه مبارزة اثنان وسبعون رجلا، ثم خلص إليه، فقتل جميع بنيه إلا علي بن الحسين المعروف بزين العابدين؛ فإنه كان مريضا، فترك من القتل لذلك، وقتل رضي الله عنه وبه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة، وقتل أكثر إخوة الحسين وأقاربه.
ويقال: إنه قتل من أولاد فاطمة رضي الله عنها ستة عشر أو سبعة عشر رجلا، وقيل:
إنه قتل معه من إخوته وولده وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا غير من قتل معهم من غيرهم، وفيهم يقول القائل:[من الخفيف]
عين جودي بعبرة وعويل
…
واندبي إن ندبت آل الرسول
سبعة كلّهم لصلب عليّ
…
قد أصيبوا وتسعة لعقيل
رضي الله عنهم.
وانتهك خيام الحرم المصون، وسبي حريمهم كما تسبى الأسارى، وحز رأس الحسين شمر بن الجوشن، وحمله إلى ابن زياد ودخل عليه وهو يقول:[من الرجز]
أوقر ركابي فضة وذهبا
…
أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا
…
وخيرهم إذ يذكرون نسبا
فغضب ابن زياد وقال: إذا علمت أنه كذلك .. فلم قتلته؟ والله؛ لا تلقى مني خيرا، ولألحقنك به، ثم ضرب عنقه، ودخل بعلي بن الحسين والحرم أسارى إلى ابن زياد بالكوفة، فأمر ابن زياد أن تقور الرءوس حتى تنصب في الرمح، فتحامى الناس ذلك، فقام طارق بن المبارك-بل هو المشئوم-فقوره ونصبه بباب الجامع، وخطب خطبة لا يحل ذكرها، ثم دعا ابن زياد بعلي بن الحسين، فحمله وحمل أخواته وعماته على محامل بغير وطاء، وسيّرهم إلى الشام إلى يزيد، وسير معهم بالرأس المكرم، فدخلوا به دمشق من باب توما، وأقيموا على درج باب الحاج حيث تقام الأسارى والسبي، ثم وضع الرأس الشريف بين يدي يزيد، فأمر أن يجعل في طست من ذهب، وجعل ينكت فيه بقضيب في يده، فقال في حسنه شيئا، فقال أنس رضي الله عنه: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: إن يزيد عند ما وضع الرأس بين يديه قال: [من الطويل]
صبرنا وكان الصبر منا عزيمة
…
وأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
تفلّق هاما من رجال أعزة
…
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما
ويقال: إن يزيد لما رأى الرأس والأسارى .. أظهر الكراهة لما فعله ابن زياد، وقال:
لو كان بين الحسين وبين ابن سمية رحم .. ما فعل هذا، ولو كنت مكانه .. لأجبت الحسين إلى ما بذل أو معنى ذلك، ثم استشار حاضري مجلسه فيما يفعل بهم، فتكلم كل منهم على قدر دينه.
فقال له بعض أصحابه: افعل بهم ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم في هذه الحالة، فقال: صدقت، فأكرمهم وأعزهم، ثم أرسل بالرأس الشريف ومن بقي من أهل بيته إلى المدينة، وجهزهم بكل ما يحتاجون إليه، فدفن الرأس الشريف بالبقيع عند قبر أمه فاطمة.
وما ذكر أن الرأس المكرم نقل إلى عسقلان والقاهرة فلا يصح.
وقتل رضي الله عنه يوم الجمعة أو السبت أو الأحد، وهو يوم عاشوراء اتفاقا من سنة إحدى وستين.
قلت: ذكر الشيخ الحافظ العامري رحمه الله تعالى في «رياضه» في هذا المحل:
(توفي الحسين رضي الله عنه عن ست أو سبع وخمسين سنة، سبع مع جده صلى الله عليه وسلم، وثلاثون مع أبيه، وعشر مع أخيه، وعشر بعده، واستضيم المسلمون في قتل الحسين وشيعته استضامة عظيمة، حتى كأنهم لم تصبهم مصيبة قبلها، وسمي ذلك العام عام الحزن.
وذكر ابن حزم: أن خروم الإسلام العظام أربعة: أولها: قتل عثمان، ثانيها: قتل الحسين، ثالثها: يوم حرّة واقم بالمدينة، وهاتان الوقعتان كلاهما في زمن يزيد؛ الأولى فاتحتها، والأخرى خاتمتها، والخرم الرابع: قتل ابن الزبير في المسجد الحرام) اهـ (1)
وسيأتي خبر الثلاث الوقعات في الحوادث، وأما سيدنا عثمان .. فقد مر ذكر استشهاده رضي الله عنه (2)، والله سبحانه أعلم.
وذكر القرطبي في «التذكرة» : (عن الإمام أحمد ابن حنبل بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر ومعه قارورة فيها دم يلتقطه، فقلت: يا رسول الله؛ ما هذا؟ قال: «دم الحسين وأصحابه، لم نزل نتتبعه منذ اليوم» (3)، قال عمار بن أبي عمار الراوي عن ابن عباس: فحفظنا ذلك اليوم عن ابن عباس، فوجدناه قتل في ذلك اليوم) (4).
وروى الإمام أحمد في «مسنده» إلى أنس رضي الله عنه: أن ملك المطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، وقال لأم سلمة: قفلي علينا الباب؛ لا يدخل علينا أحد، فجاء الحسين ليدخل فمنعته، فوثب فدخل، فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه، فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه؟
(1)«الرياض المستطابة» (ص 287)، وانظر «جوامع السيرة» لابن حزم (ص 357 - 360).
(2)
انظر (1/ 335).
(3)
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 397)، وأحمد (1/ 224) و (1/ 283)، والطبراني في «الكبير» (3/ 110)، ولفظه: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار
…
).
(4)
«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (3/ 1120).