الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدي وأصحابه، وذلك بعد بني قريظة بثلاثة أشهر، فخرج صلى الله عليه وسلم فيها مورّيا بطريق الشام، فلما بلغ البتراء .. صفّق ذات اليسار (1)، فلما بلغ منازلهم .. وجدهم قد حذروا وتمنّعوا في رءوس الجبال، فرجع إلى المدينة (2).
***
السنة السادسة
: فيها: استسقى النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها: صلّى [رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وقال: «إن] الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك .. فادعوا الله وكبروا وتصدقوا» (3).
وفيها: ظاهر أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة، وكان الظّهار في الجاهلية وصدر الإسلام طلاقا، فلما ظاهر أوس من زوجته .. شكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما} (4) الآيات.
وفيها: كان صلح الحديبية، وذلك: أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة للعمرة في ألف وأربع مائة ليس قصده قتال أحد، وإنما غرضه العمرة، فلما وصل الحديبية .. منعته قريش من دخول مكة، ثم حصل الصلح بينهم على وضع الحرب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ومن أحب أن يدخل في صلح النبي صلى الله عليه وسلم .. دخل، ومن أحب أن يدخل في صلح قريش .. دخل (5)، فدخلت خزاعة في صلح النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت كنانة في صلح قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصلح قد بعث عثمان إلى مكة، فعرض عليه أهل مكة الطواف والاعتمار، فقال: لا أطوف به حتى يطوف به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشيع أن عثمان قتل بمكة، فقال صلى الله عليه وسلم:«أما والله؛ لئن قتلوه .. لأناجزنهم» ، فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت شجرة بعضهم على الموت، وبعضهم على ألاّ يفر، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه
(1) مورّيا: من التورية؛ وهي: الستر، صفّق: رجع.
(2)
أخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 364).
(3)
أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901).
(4)
أخرجه ابن حبان (4279)، والحاكم (2/ 481)، وأحمد (6/ 410)، وغيرهم.
(5)
حديث الحديبية أخرجه البخاري (2734)، ومسلم (1785).
على الأخرى فقال: «هذه لعثمان» ، وهي بيعة الرضوان التي قال الله عز وجل:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ} (1) الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» (2).
وذكر أكثر المفسرين في قوله تعالى: {إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} أنه صلح الحديبية؛ لم يكن فتح أعظم منه. قال العلماء: وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين في تلك الهدنة، وسمعوا منهم أحوال النبي صلى الله عليه وسلم الباهرة، ومعجزاته الظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وشاهدها كثير منهم، فمالت أنفسهم إلى الإيمان، وأسلم في تلك الأيام خلق كثير؛ ولذلك أجبرهم صلى الله عليه وسلم على الصلح مع كراهة أكثرهم له.
وفيها: أسلم خالد بن الوليد المخزومي، وعمرو بن العاصي السهمي، وعثمان بن طلحة العبدري، وعقيل بن أبي طالب الهاشمي (3).
وفيها: غزوة الغابة (4)، وتسمى أيضا: غزوة ذي قرد؛ باسم الموضع الذي جرى فيه
(1) حديث مبايعة الصحابة على الموت أخرجه البخاري (4169)، ومسلم (1860)، وأما حديث مبايعتهم على عدم الفرار .. فهو عند مسلم (1856)، قال الحافظ في «الفتح» (6/ 118):(لا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت: ألاّ يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت).
(2)
أخرجه ابن حبان (4802)، وأبو داود (4621)، والترمذي (3860)، والنسائي في «الكبرى» (11444)، وغيرهم.
(3)
أما إسلام خالد وعمرو وعثمان رضي الله عنهم .. فقد تبع المصنف في هذا القول العامري في «البهجة» (1/ 326)، وهو قول ابن أبي خيثمة-كما نقل مغلطاي في «سيرته» (296)، وأورد هذا القول ابن عبد البر في «الاستيعاب» (ص 198) وابن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 109) وقال عنه:(ليس بشيء)، وذكر النووي في «تهذيبه» (1/ 173): أن إسلام خالد كان بعد الحديبية، ولم يذكر سنة، وقال الحافظ في «الإصابة» (1/ 413):(أسلم في سنة سبع بعد خيبر، وقيل: قبلها)، ونقل مغلطاي عن الحاكم نفس القول، والراجح-والله أعلم-أن ذلك كان في السنة الثامنة كما قال الواقدي في «المغازي» (2/ 745)، وابن سعد في «الطبقات» (5/ 27)، والطبري في «التاريخ» (3/ 29)، وابن الجوزي في «المنتظم» (2/ 385)، وابن الأثير في «الكامل» (2/ 108)، والذهبي في «التاريخ» (2/ 469)، ومغلطاي في «سيرته» (296)، والفاسي في «العقد الثمين» (4/ 289)، وكلهم أثبت إسلامهم في هذه السنة، وبعضهم حدد أنه كان في أول صفر. وأما عقيل .. فقد ذكر النووي في «تهذيبه» (1/ 337): أنه أسلم قبل الحديبية، وكذا ابن الأثير في «أسد الغابة» (3/ 423)، وغيرهم.
(4)
وضع المصنف الغزوة هنا بعد صلح الحديبية موافق لما في «البخاري» (كتاب المغازي) باب: غزوة ذات القرد، و «مسلم» (1807) ومخالف لما يذكره أصحاب السير من أنها كانت قبل الحديبية، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 164): (قال القرطبي شارح «مسلم» : ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم-
القتال، وذلك: أن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة (1)، وهي على بريد من المدينة من الشام، وكان فيها أبو ذر وابنه، فأخذها بنو فزارة من غطفان في أربعين فارسا عليهم عيينة بن حصن وابنه (2) عبد الرحمن الفزاريان، فجاء الصريخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، وأمّر على الطلب سعد بن زيد الأنصاري، ثم لحقهم النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الناس، فجاءوا وقد استنقذوا اللّقاح، وقتلوا من قتلوا، ولم يجئ الطلب حتى فعل سلمة بن الأكوع الأفاعيل، وكان ممن أبلى يومئذ: أبو قتادة، وعكاشة بن محصن، والمقداد بن عمرو، والأخزم (3) الأسدي.
واستشهد في هذه الغزوة: الأخزم الأسدي، ووقاص بن مجزّز المدلجي، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أخاه علقمة طالبا بثأره، فلما كان ببعض الطريق .. أذن لعبد الله بن حذافة في طائفة من الجيش، فأمرهم عبد الله بن حذافة فأوقدوا نارا، ثم أمرهم بدخولها، فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرهم، فقال:«لو دخلوها .. ما خرجوا منها إلى يوم القيامة» (4).
وبعد ستة أشهر من ذي قرد قدم نفر من عكل-أو من عرينة-ثمانية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، واستوخموا المدينة، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا مع إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا وصحوا، فارتدوا وقتلوا
= بعض الرواة)، ثم ذكر كلاما للقرطبي جمع فيه بأنه يحتمل أنه أغزى سرية إلى خيبر قبل فتحها فيهم سلمة، ثم قال:(وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه قوله: «حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يرتجز بالقول»، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من السائق؟ »، وفيه مبارزة عليّ لمرحب .. فعلى هذا: ما في «الصحيح» من التاريخ لغزوة قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع: أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللّقاح وقعت مرتين: الأولى: التي ذكرها ابن إسحاق، وهي قبل الحديبية، والثانية: بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة، كما في سياق حديث سلمة عند مسلم، والله أعلم).
(1)
اللّقاح: الإبل الحوامل، قال ابن سعد (2/ 77):(وكانت عشرين لقحة ترعى بالغابة).
(2)
في الأصل: (بني)، والتصويب من المصادر، وقد وقع عند مسلم (1807): أن عليهم عبد الرحمن، وعند الطبراني في «الكبير» (7/ 28): أن عليهم عيينة، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 461):(ولا منافاة؛ فإن كلاّ من عيينة وعبد الرحمن بن عيينة كان في القوم)، وكذا قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (5/ 167). ويمكن القول-بناء على ما ذكره الحافظ في الجمع بين الأقوال في وقت الغزوة-: إن الإغارة لما تكررت .. كانت الرئاسة بالتالي على التتابع؛ عيينة فعبد الرحمن، والله أعلم.
(3)
كذا ضبطه المصنف رحمه الله تعالى في ترجمته، وقد مر أن الراجح فيه: بالخاء المعجمة والراء، انظر (1/ 88).
(4)
أخرجه البخاري (4340)، ومسلم (1840).
رعاتها واستاقوها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم الطلب في آثارهم، فما ترجل النهار حتى جيء بهم، وقطع أيديهم وأرجلهم ولم يحسموا، وكحلت أعينهم، وطرحوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، وكان أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا (1).
وقال أبو قلابة: قتلوا وسرقوا، وحاربوا الله ورسوله، وسعوا في الأرض فسادا.
وروي: أنهم كحلوا الرعاة، وفيهم نزل قوله تعالى:{إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية.
وفي هذه السنة: ماتت أم رومان زوجة أبي بكر الصديق أم ولديه عائشة وعبد الرحمن رضي الله عنهما، ووهم من قال: إنها ماتت سنة أربع؛ لذكرها في حديث الإفك.
وما في «صحيح البخاري» من قول مسروق التابعي: سمعت أم رومان .. قالوا:
صوابه: سئلت أم رومان بالبناء (2).
وفي ذي الحجة منها: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله بكتبه إلى ملوك الأقاليم، فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، فلما قرأه .. همّ بالإسلام ولم يساعده قومه وشحّ بملكه، وقصته مشهورة في «الصحيحين» (3).
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى، فلما قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم .. مزّقه، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزّقوا كلّ ممزق (4)، فهلك منهم في سنة واحدة أربعة عشر ملكا حتى ملّكوا أمرهم امرأة، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .. قال:«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (5)، ثم اندرس أمرهم إلى آخر الأبد، فلم يبق لهم ملك ولا مملكة كما بقي للروم.
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، وكان قد أسلم، وإنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في تزويج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب، وأن يرسل إليه جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين، فلما ورد الكتاب على النجاشي ..
(1) خبر العرنيين أخرجه البخاري (4192)، ومسلم (1671).
(2)
وقد ذكرنا في ترجمتها: أن الصواب ما في «الصحيح» ، وأنها عمّرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دهرا طويلا، انظر (1/ 90).
(3)
«صحيح البخاري» (7)، و «صحيح مسلم» (1773).
(4)
أخرجه البخاري (64)، والبيهقي (9/ 177)، وأحمد (1/ 243)، وابن سعد في «الطبقات» (1/ 223).
(5)
أخرجه البخاري (4425)، والترمذي (2262)، والنسائي في «الكبرى» (5905)، والبيهقي (3/ 90).
وضعه على عينيه، ونزل عن سرير ملكه إجلالا له، وبادر بإرسال مولاته أبرهة إلى أم حبيبة بأربع مائة دينار، واستأذنها في التزويج من النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر مولاته ألاّ تأخذ من أم حبيبة شيئا، فرفعت إليها أم حبيبة خمسين دينارا، فأبت أن تأخذها، وقالت: أنا صاحبة ذهب الملك وثيابه، وقد آمنت بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وحاجتي منك أن تقرءيه مني السلام، وقد أمر نساءه أن يبعثن بما عندهن من عود وعنبر، وولت أم حبيبة أمرها في التزويج خالد بن سعيد بن العاصي، ثم جهز النجاشي جميع من عنده من المسلمين في سفينتين بجميع ما يحتاجون إليه، قالت أم حبيبة: فخرجنا إلى المدينة فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فخرج من خرج إليه، وأقمت بالمدينة حتى قدم صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه، فكان يسألني عن النجاشي.
وبعث صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، فقارب وهادن وبعث أنواعا من الهدايا.
وبعث صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك البلقاء نيابة عن قيصر، فلما قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم .. رمى به وقال: أنا سائر إليه، وعزم على ذلك، فمنعه الله.
ثم بعث صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب المذكور إلى جبلة بن الأيهم الغسّاني، فقال: سأنظر، ولما فتح الشام .. أسلم ولطم إنسانا، فرفعه إلى أبي عبيدة، فحكم عليه بالقصاص، فأنف من ذلك ورجع إلى نصرانيته، ومات عليها مرتدا، نسأل الله العافية، وكان طول جبلة اثني عشر ذراعا، تمسح رجلاه الأرض وهو راكب.
قلت: وفي «الروض الأنف» للسهيلي: (أن طوله اثنا عشر شبرا، وكان يمسح برجليه الأرض وهو راكب، والله أعلم)(1).
وبعث صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي، فأكرم الرسول:
وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله! وأنا خطيب قومي وشاعرهم، فاجعل لي بعض الأمر، فأبى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسلم، ومات زمن الفتح.
وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي إلى ابني الجلندى، وهما الأزديان ملكا
(1)«الروض الأنف» (7/ 516).