الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمان فأسلما، وخلّيا بين عمرو وبين الصدقة، فلم يزل عمرو عندهم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعث صلى الله عليه وسلم ابن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري أحد مقاولة اليمن، فتردد الحارث ثم أسلم.
وبعث صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين، فأسلم.
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى أهل اليمن داعيين إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن وملوكهم وسوقتهم طوعا من غير قتال.
***
السنة السابعة من الهجرة الشريفة
: فيها: افتتح صلى الله عليه وسلم خيبر، وهو اسم جامع لجملة من الحصون والقرى، وبينها وبين المدينة ثلاث مراحل، ولما رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقد وعده الله فتح خيبر؛ إثابة عما لحقهم من الانكسار يومئذ ..
قال الله تعالى: {وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} إلى قوله: {وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ.}
فقدم صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة، فأقام بها إلى ثاني المحرم؛ ثم خرج إلى خيبر ففتحها بكرة على غرة وقد خرج القوم إلى أعمالهم بمساحيهم ومكاتلهم (1)، فلما رأوه .. أدبروا راجعين، وقالوا: محمد والخميس-أي: الجيش-فقال صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر؛ خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم .. فساء صباح المنذرين» (2).
فلما نزل صلى الله عليه وسلم بخيبر .. همّ قبائل تلك الناحية من أسد وغطفان ليظاهروا اليهود، فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا، ثم هموا أن يخالفوا إلى المدينة فخذلهم الله، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، وذلك قوله تعالى:
{وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ} فأول حصن افتتحه صلى الله عليه وسلم من حصون خيبر حصن ناعم، وعنده ألقيت على محمود بن مسلمة رحى فقتلته، ثم ألفوا من حصن أبي الحقيق
(1) المساحي-جمع مسحاة-: المجرفة من الحديد، والمكاتل-جمع مكتل-: الزنبيل الذي يحمل فيه التمر وغيره، ويسع خمسة عشر صاعا.
(2)
أخرجه البخاري (2945)، ومسلم (1365).
ومن سباياه صفية بنت حيي، فمر بلال بها وبامرأة أخرى على القتلى، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية .. صاحت وصكّت وجهها وحثت التراب على رأسها، فقال صلى الله عليه وسلم:«أغربوا عني هذه الشيطانة» ، واصطفى صفية لنفسه، وقال لبلال:«انتزعت الرحمة منك يا بلال؛ تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟ ! » (1).
ثم افتتح صلى الله عليه وسلم حصن الصعب، ومنه شبع الجيش طعاما بعد مخمصة شديدة، ثم انتهى صلى الله عليه وسلم إلى حصنهم الوطيح والسّلالم وهما آخر حصونها افتتاحا، وأوسعها أموالا، وأكثرها قتالا، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة (2).
وروي: أنه صلى الله عليه وسلم كانت به شقيقة، ولم يخرج إلى الناس، فأخذ الراية أبو بكر رضي الله عنه، فقاتل قتالا شديدا ولم يفتح عليه، ثم عمر كذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:«لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» ، فلما أصبح الناس .. غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال صلى الله عليه وسلم:«أين علي بن أبي طالب؟ » ، فقالوا:
يا رسول الله؛ هو يشتكي عينيه، قال:«فأرسلوا إليه» وكان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! فخرج إلى خيبر، فأصبح بها صبيحة شوال رضي الله عنه كما قاله الراوي؛ فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فبصق صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له وأعطاه الراية، فلما وافى من حصنهم .. أشرف عليه يهودي، فقال له: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: علوتم وما أنزل على موسى؛ فخرج مرحب يرتجز بهذا الرجز:
قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فبارزه عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، فرجع سيف عامر عليه فقتله، فقال صلى الله عليه وسلم:«إن له لأجرين» ، ثم خرج مرحب أيضا يرتجز، فبرز له علي وهو يقول:
(1) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 231)، والطبري في «تاريخه» (3/ 13).
(2)
أخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 223)، والطبري في «تاريخه» (3/ 10).
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
…
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصّاع كيل السّندره
فقتل مرحبا (1)، وقيل: إن قاتله محمد بن مسلمة الأنصاري (2).
فلما أيقن أهل الوطيح والسلالم .. استسلموا، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ففعل، فلما سمع بهم أهل فدك (3) .. أرسلوا يطلبون مثل ذلك أيضا، فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب (4).
وقسم صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين: نصف لنوائبه وما ينزل به من الأمور المهمة، ونصف بين المسلمين، وكان عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم برجالهم وخيلهم، الرجال: أربع عشرة مائة، والخيل: مائتي فارس؛ [فكان] لكل فرس سهمان، ولفارسه سهم، وللراجل: سهم، وكانت أصول السهام ثمانية عشر سهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فرق رؤساء أصحابه سبعة عشر رأسا، وأضاف إلى كل واحد منهم مائة، والثامن عشر سهم اللفيف، وهو سهم جمع قبائل شتى.
ولم يغب أحد من أهل الحديبية عن خيبر إلا جابر بن عبد الله، فأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم كمن حضر، وأسهم صلى الله عليه وسلم لمهاجرة الحبشة ولم يحضروا.
وفي هذه الغزوة: نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الإنسيّة، وأذن في لحوم الخيل (5).
وفيها: أهدت زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلاّم بن مشكم شاة مصليّة، دسّت فيها سما، وأكثرت منه في الذراع؛ لمّا بلغها أن الذراع تعجبه صلى الله عليه وسلم، فقربت إليه وعنده بشر بن البراء بن معرور، فأكلا منها وأساغ بشر لقمته ومات من ذلك، وأما النبي
(1) أخرجه مسلم (1807)، والبخاري (4210) مختصرا، وانظره برقم (4196).
(2)
قال الحافظ العامري في «بهجة المحافل» (2/ 350): (في «سيرة ابن هشام» [334/ 3] رواية عن ابن إسحاق: أن قاتل مرحب محمد بن مسلمة الأنصاري، ولا يصح ذلك؛ فما ثبت في الصحاح أولى، والله أعلم).
(3)
فدك-بفتح أوله وثانيه-: بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل.
(4)
أخرجه أبو داود (3009)، والبيهقي (6/ 317).
(5)
أخرجه البخاري (4219)، ومسلم (1941).
صلّى الله عليه وسلم .. فلم يسغ اللقمة، بل لفظها وقال:«إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم» ، واعترفت اليهودية، وقالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا .. استرحنا منه، وإن كان نبيا .. سيخبر، فتجاوز صلى الله عليه وسلم عنها، فلما مات بشر .. قتلها قصاصا (1).
واستشهد بخيبر أربعة عشر رجلا، وقيل: نحو العشرين (2).
ويوم فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب في أصحاب السفينة من الحبشة، وأبو موسى الأشعري ورفقته من الأشعريين، فقبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عيني جعفر والتزمه وقال:«ما أدري بأيهما أسر أكثر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ » (3).
فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من فتح خيبر .. انصرف إلى وادي القرى، فحاصره حتى فتح الله عليه، وأصيب به مولاه مدعم بسهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم:«كلاّ والذي نفسي بيده؛ إن الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا» (4).
ولما انتهى صلى الله عليه وسلم في مرجعه من وجهه ذلك إلى سد الصهباء .. حلت صفية بنت حيي، فجهزتها له أم سليم، ثم ضربت له قبة فدخل بها، وأولم صبيحة ذلك اليوم حيسا (5).
وكانت صفية قد رأت في منامها وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا، فلطم وجهها لطمة خضّر عينها، فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه، فأخبرته بذلك (6)، وكان عند كنانة بن الربيع كنز بني النضير، فسأله النبي صلّى الله
(1) سبق تخريجه في ترجمة سيدنا بشر بن البراء رضي الله عنه (1/ 92).
(2)
انظر أسماءهم عند ابن هشام في «السيرة» (3/ 343).
(3)
أخرجه الحاكم (3/ 211)، والطبراني في «الكبير» (22/ 100)، وابن سعد (4/ 32).
(4)
أخرجه البخاري (4234)، ومسلم (115)، وهذا لفظ مسلم، ووقع في (ت) بدل قوله:(كلا)(بلى)، كما في «البخاري» ، قال ابن حجر في «الفتح» (7/ 489):(قوله: «بل والذي نفسي بيده» في رواية الكشميهني: «بلى» وهو تصحيف).
(5)
أخرجه البخاري (2893)، ومسلم (1365)، والصهباء: موضع بينه وبين خيبر بريد، والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط، يعجن شديدا ثم يندر منه نواه.
(6)
أخرجه ابن حبان (5199)، والبيهقي (9/ 137)، والطبراني في «الكبير» (24/ 67).
عليه وسلم عن ذلك فجحده، فأخبره صلى الله عليه وسلم أنه رأى كنانة يظهر كل يوم بخربة، فحفرت الخربة، فوجد فيها بعض الكنز، وأبى أن يخبر بالباقي، فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى الزبير ليعذبه حتى يبين ذلك، فعذبه الزبير وأصر على عدم علمه بذلك، فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ليقتله بأخيه محمود (1).
وفي قفولهم هذا: سار صلى الله عليه وسلم ليلة حتى إذا أدركه الكرى .. عرّس (2)، وقال لبلال:«اكلأ لنا الفجر» ، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصلّى بلال ما كتب الله من الليل، فلما تقارب الفجر .. استند بلال إلى راحلته مواجهة الفجر، فغلبته عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ بلال ولا غيره حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أي بلال» ؛ فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ-بأبي أنت وأمي يا رسول الله- بنفسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، سيروا» فساروا حتى الوادي، ثم توضأ صلى الله عليه وسلم وصلّى ركعتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة، ثم قال: «من نسي الصلاة .. فليصلّها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى قال:
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (3).
وفي هذه الغزوة: أسلم أبو هريرة، واسمه: عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولا كما قاله النووي (4)، كني بهرّة كان يربّيها، وأسلمت أمه.
وكان صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى خيبر بعث أبان بن سعيد بن العاصي، وهو الذي أجار عثمان يوم الحديبية حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ثم أسلم أبان بعد ذلك، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في سريّة قبل نجد، قال أبو هريرة:
فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها، وإنّ حزم خيلهم لليف (5).
(1) أخرجه ابن حبان (5199)، والبيهقي (9/ 137) بنحوه، وانظر «سيرة ابن هشام» (3/ 336)، و «تاريخ الطبري» (3/ 14).
(2)
الكرى: النعاس، وعرّس القوم: نزلوا في آخر الليل للاستراحة.
(3)
أخرجه مسلم (680)، وأبو داود (436)، والترمذي (3163)، وابن ماجه (697) وغيرهم.
(4)
انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 270).
(5)
أخرجه البخاري (4238)، وأبو داود (2717) وغيرهما. وانظر كلام الحافظ في «الفتح» (7/ 491).
فلما قربوا المدينة .. رفعوا مطيّهم، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم مطيّته وصفية خلفه قد أردفها، فعثرت مطيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرع وصرعت، فألقى أبو طلحة ثوبه على المرأة وأصلح من شأنها، قال أنس: فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعها (1).
وفي هذه السنة: أغار زيد بن حارثة على جذام (2)، وسببه: أن دحية بن خليفة الكلبي لما رجع من عند قيصر لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إليه .. جاء معه بتجارة من الشام، فلما كان ببلد جذام .. أغار عليه الهنيد الجذامي ثم الصّليعي (3) وأخذ جميع ما معه، فلما قدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم .. استسقاه دم الهنيد (4)، فجهز النبي صلى الله عليه وسلم إليه زيد بن حارثة، فقتل الهنيد وابنه ورجلا من قومه، فجمع السبايا والأموال من بلاد جذام، فاعترضه رجال من جذام كانوا قد أسلموا، فأخبروه بإسلامهم وصدقهم، وأمر الجيش ألا يطأ واديهم، وأراد أن يردّ عليهم سبيهم، فصرفه من ذلك تهمة سمعها منهم، فانطلق رفاعة بن زيد الجذامي في رجال من قومه إلى المدينة وشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل عليهم من زيد بعد إسلامهم وأمانه صلى الله عليه وسلم، فأرسل صلى الله عليه وسلم معهم علي بن أبي طالب، وأعطاه سيفه علامة لذلك، فلما خرجوا من المدينة .. استقبلهم رسول زيد على ناقة من إبلهم، فأخذوها، ثم لقوا زيدا بفيفاء الفحلتين (5)، فأخذوا كل شيء معه من أموالهم (6).
وفي هذه السنة-وقيل: في الثامنة (7) -كانت غزوة ذات السّلاسل، وهو اسم ماء انتهت
(1) أخرجه مسلم (1365)، وأحمد (123/ 3 و 195)، والبيهقي (9/ 56) وغيرهم، والساتر لها عندهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
ذكر أكثر أهل السير: أنها كانت في جمادى الآخرة من السنة السادسة، كما ذكره ابن سعد (2/ 84)، والواقدي في «المغازي» (1/ 5)، ولكن ذكروا أن بعث الرسل كان في أول السنة السابعة أو آخر السادسة كما في «الطبقات» (1/ 222)، وسبب السرية إنما هو ما حصل مع دحية مرجعه من عند هرقل، فيكون الصحيح: أنها في السابعة، والله أعلم.
(3)
الصليعي: نسبة إلى صليع؛ بطن من جذام، وانظر «سبل الهدى والرشاد» (6/ 140).
(4)
استسقاه دمه: طلب منه الإذن في قتله.
(5)
أرض فيفاء: واسعة، والفحلتين: قناتان بين المدينة وذي المروة. انظر «عيون الأثر» (2/ 141).
(6)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (20/ 340)، وانظر «سيرة ابن هشام» (4/ 612)، و «طبقات ابن سعد» (2/ 85).
(7)
قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (6/ 270): (ذكر الجمهور-ومنهم ابن سعد [121/ 2]-: أنها كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وقيل: كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في «صحيح التاريخ»)، قال الحافظ في «الفتح» (8/ 74):(ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها بعد غزوة مؤتة، إلا ابن إسحاق فقال: قبلها).-
إليه غزوتهم في أرض بني عذرة (1)، ولأن المشركين ارتبط بعضهم بعضا؛ لئلا يفروا (2)، وكان أمير السرية عمرو بن العاصي، بعثه صلى الله عليه وسلم يستنفر العرب إلى الإسلام، فلما كان بأرض بني عذرة .. خاف وأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فأمدّه بأبي عبيدة ابن الجراح في المهاجرين الأول فيهم أبو بكر وعمر، فكان عمرو بن العاصي يصلي بهم حتى انصرفوا (3).
وفي ذي القعدة من هذه السنة: اعتمر صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، فلما سمع به المشركون مقبلا .. خرجوا من مكة، فدخلها صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول:[من الرجز]
خلّوا بني الكفّار عن سبيله
…
خلّوا فكلّ الخير في رسوله (4)
يا ربّ إنّي مؤمن بقيله
…
أعرف حقّ الله في قبوله
فأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا، فأرسل إليه المشركون عليا رضي الله عنه يقول له: إنه قد مضى الأجل فاخرج عنا، فخرج صلى الله عليه وسلم (5)، فتبعتهم أمامة ابنة حمزة، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال علي: أتأخذها وهي ابنة عمي؟ وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال:«الخالة بمنزلة الأم» ، وقال لعلي:«أنت مني وأنا منك» ، وقال لجعفر:
«أشبهت خلقي وخلقي» ، وقال لزيد:«أنت أخونا ومولانا» (6).
= قال الصالحي: (وأما ما نقل عن ابن إسحاق .. فالذي في رواية زياد البكائي تهذيب ابن هشام عن ابن إسحاق تأخّر غزوة ذات السلاسل عن مؤتة بعدة غزوات وسرايا، ولم يذكر أنها كانت قبل مؤتة، فيحتمل أنه نصّ على ما ذكره ابن عساكر في رواية غير زياد).
(1)
على عشرة أيام من المدينة، وراء وادي القرى، انظر «طبقات ابن سعد» (2/ 121).
(2)
وقيل: سمي المكان بذلك؛ لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، والمشهور بضبط اسمها أنها بفتح السين الأولى، وضبطها ابن الأثير في «النهاية» (2/ 389) بالضم، وقال: هو بمعنى السلسال؛ أي: السهل، وانظر «الفتح» (7/ 26).
(3)
وفي هذا دليل على جواز تأمير المفضول على الفاضل لميزة في المفضول تتعلق بتلك الإمارة، فتأمير عمرو على جيش فيهم أبو بكر وعمر لا يقتضي أفضليته عليهما، لكن يقتضي أن له فضلا في الجملة، وانظر «الفتح» (8/ 74)، و «سبل الهدى والرشاد» (6/ 270).
(4)
أخرجه الترمذي (2847)، والنسائي (202/ 5 و 212)، والبيهقي (10/ 228).
(5)
أخرجه البخاري (3184)، وأحمد (2/ 124) و (4/ 298) وغيرهما.
(6)
أخرجه البخاري (4251)، والبيهقي (8/ 5)، وأحمد (98/ 1 و 108 و 115) وغيرهم، وقد اختلف في ابنة حمزة رضي الله عنها: فقيل: عمارة، وقيل فاطمة، وقيل: أمامة، وقيل: أمة الله، وقيل: سلمى، والأول هو المشهور، -