الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وفي] السنة الرابعة
: قصرت الصلاة بنزول قوله تعالى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ.}
وفيها: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمّ سلمة رضي الله عنها.
وفيها: ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قيل: حملت به أمه بعد مولد أخيه الحسن بخمسين ليلة، وولد لخمس خلون من شعبان.
وفيها: أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود؛ ليكتب له إليهم، ويقرأ له كتبهم.
وفي جمادى الأولى: توفي عبد الله بن عثمان من رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بلغ ست سنين؛ نقره ديك في عينه، فكان سبب موته.
وفيها: توفيت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، وهي: أول هاشمية ولدت هاشميا، فولدت لأبي طالب طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا، وكان بين كل واحد منهم عشر سنين، وولدت له أيضا أم هاني وجمانة وريطة (1)، وكانت فاطمة المذكورة محسنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان في حجر عمه أبي طالب، فلما ماتت .. دفنها وأشعرها قميصه؛ لتلبس من ثياب الجنة، واضطجع في قبرها؛ ليخفف عنها من ضغطة القبر (2).
وفيها: سرق ابن أبيرق-أو بنو أبيرق-درعا لقتادة بن النعمان أو لعمه رفاعة بن زيد، وألقوا تهمتهما على زيد بن السمين اليهودي، فلما وجدت عنده .. قال: دفعها إلى طعمة بن أبيرق، ففشى ذلك وكبر على قومه بني ظفر، وقالوا: يا رسول الله؛ ذهب هؤلاء إلى أهل بيت منا أهل صلاح، فرموهم بالسرقة، وكرّروا عليه حتى غضب صلى الله عليه وسلم على قتادة بن النعمان وعمه، وهمّ أن يجادل عن ابن أبيرق-أو بني أبيرق-على ظاهر الأمر، فأنزل الله تعالى:{إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ، } الآيات ولما افتضح ابن أبيرق .. هرب إلى مكة، ثم إلى خيبر، فنقب بيتا ليسرقه، فسقط عليه فمات مرتدا (3).
(1) كما في «طبقات ابن سعد» (10/ 51).
(2)
سبق تخريجه في ترجمتها (1/ 83)، وأشعرها قميصه؛ أي: ألبسها إياه وجعله شعارا لها.
(3)
أخرجه الحاكم (4/ 385)، والترمذي (3036)، والطبراني في «الكبير» (19/ 10).
وفيها: كانت غزوة ذات الرقاع إلى نجد يريد غطفان، فانتهى صلى الله عليه وسلم إلى نخل، ولقي جمعا من غطفان، فتقاربوا ولم يكن قتالا.
قال مغلطاي: (وكانت غزوة ذات الرقاع لعشر خلون من المحرم)(1)، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في أربع مائة، وقيل: سبع مائة، واستخلف بالمدينة عثمان، وقيل:
أبا ذر.
وأصح ما قيل في تسميتها ذات الرقاع: ما روى البخاري عن أبي موسى الأشعري: أن أقدامهم نقبت، فلفّوا عليها الخرق (2)؛ ولهذا قال البخاري:(إنها بعد خيبر؛ لأن أبا موسى إنما جاء من الحبشة بعد خيبر)(3).
وفي هذه الغزوة: صلّى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف (4)، وذلك: أن المشركين لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر جميعا .. ندموا ألا كانوا أكبوا عليهم، فقالوا: دعوهم؛ فإن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم-يعنون: صلاة العصر- فإذا قاموا فيها .. فشدوا عليهم واقتلوهم، فنزل جبريل بصلاة الخوف كما في «تفسير البغوي» عن جابر رضي الله عنه (5).
وذكر ابن هشام بروايته عن ابن إسحاق: أن في هذه الغزوة اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من جابر جمله الذي كان أعيى به في الطريق وتخلف به، فلحق به النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل فحجنه بمحجنه، ثم قال:«اركب» ، فركبه جابر، قال: فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراه منه صلى الله عليه وسلم-وفي ثمنه اضطراب
(1)«سيرة مغلطاي» (247).
(2)
«صحيح البخاري» (4128).
(3)
ذكر البخاري ذلك في (كتاب المغازي) باب: غزوة ذات الرقاع، وذكر المصنف لها في السنة الرابعة تبع في ذلك ابن إسحاق كما ذكر ذلك ابن هشام في «السيرة» (3/ 203)، والطبري في «التاريخ» (2/ 555)، وابن الأثير في «الكامل في التاريخ» (2/ 61)، وذكرها في الخامسة كل من الواقدي في «المغازي» (1/ 395)، وابن الجوزي في «المنتظم» (2/ 305)، لكن رجح البخاري-كما مر-أنها بعد خيبر، وانتصر لذلك الحافظ في «الفتح» (417/ 7 - 421)، وأتى بالأدلة والبراهين فلم يبق قولا لقائل، فانظره لزاما، وقد وضعها الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» في «سيرته» (5/ 268) بعد غزوة خيبر، ثم نبه على أن الصحيح المعتمد: هو أنها بعد خيبر، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
(4)
وفي ذلك دليل على أن هذه الغزوة ليست في السنة الرابعة؛ لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق بيقين، وحديث صلاة الخوف عند البخاري (4129)، ومسلم (842).
(5)
«تفسير البغوي» (1/ 472).
كثير-فلما قدموا المدينة .. وزن له ثمن الجمل وزاده قيراطا، وردّ عليه الجمل، ولم يسترد الثمن، وفي إحدى روايات «مسلم» عن جابر: أن ذلك كان في إقبالهم من مكة إلى المدينة (1).
وفي هذه الغزوة: قصة غورث بن الحارث؛ ففي «صحيح البخاري» : عن جابر:
أنهم لما قفلوا .. نزلوا منزلا، وتفرقوا في الشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلّق سيفه، قال جابر: فنمنا نومة، ثم إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه؛ فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا، فقال: من يمنعك مني؟ قلت: الله» (2).
وفي رواية: (أن السيف سقط من يد الأعرابي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «من يمنعك مني؟ »، قال: كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه وقال: جئتكم من عند خير الناس)(3)، وأسلم (4).
وفي هذه السنة: كانت غزوة بني المصطلق من جذيمة، وهم بنو جذيمة بن سعد بطن من خزاعة، وتسمى: غزوة المريسيع-بالعين المهملة والمعجمة-اسم ماء لخزاعة، بينه وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد.
قال موسى بن عقبة: كانت سنة أربع، ويؤيده ذكر سعد بن معاذ في قصة الإفك الواقعة فيها، وسعد رضي الله عنه أصيب يوم الخندق سنة أربع على الأصح، فعلم من هذا أن المريسيع قبلها (5)؛ وذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن بني المصطلق اجتمعوا
(1)«سيرة ابن هشام» (3/ 206) بمعناه.
(2)
«صحيح البخاري» (4137).
(3)
هذه الرواية عند أحمد (3/ 364).
(4)
تكلم الحافظ عن إسلامه في «الإصابة» (3/ 185) فقال: («فوضع السيف من يده وأسلم» ، قاله البخاري من حديث جابر، هكذا استدركه الذهبي في «التجريد» على من تقدمه
…
وليس في «البخاري» تعرض لإسلامه
…
، وقد رويناه في «المسند الكبير» لمسدّد، وفيه ما يصرح بعدم إسلام غورث) اهـ، وقد استدرك عليه الصالحي الشامي في «السيرة» (5/ 281) فقال:(قلت: سبق الذهبيّ في نقل إسلام غورث عن البخاري الأمير أبو نصر ابن ماكولا في «الإكمال» (7/ 31)، وجزم به الذهبي في «مشتبه النسبة» ، وأقره الحافظ في «التبصرة» (3/ 1052) ولم يتعقبه، والذهبي لم يعزو ذلك ل «الصحيح» حتى يرد عليه بما قاله الحافظ) اهـ، والله أعلم.
(5)
قوله: (قال موسى بن عقبة: كانت سنة أربع) أخرجه البخاري معلقا في (كتاب المغازي) باب: غزوة بني المصطلق، وذكر قول ابن إسحاق:(أنها كانت سنة ست) بصيغة التعليق أيضا، ورجّح المصنف أنها في الرابعة اعتمادا على أثر-
لحربه، فخرج إليهم، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمريسيع من ناحية قديد، فهزم الله بني المصطلق، وقتل منهم من قتل، ونفّل رسوله أبناءهم ونساءهم وأموالهم، وكان من سباياهم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وكان أبوها قائد الجيش يومئذ، وصارت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس، فكاتبها، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، وكانت ملاّحة من رآها أحبها، فقال لها صلى الله عليه وسلم:«هل لك في خير من ذلك؛ أقضي كتابتك وأتزوجك؟ » ، قالت: نعم، قال:«قد فعلت» ، فتزوجها، فلما علم الناس تزويجه لها .. أرسلوا ما بأيديهم من سبي بني المصطلق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: فما أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها؛ فلقد أعتق بسببها أهل مائة بيت (1).
وفي هذه الغزوة: أصيب هشام بن صبابة من المهاجرين بأيدي المسلمين خطأ، فقدم أخوه مقيس من مكة وأظهر الإسلام، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ورجع إلى مكة مرتدا، وقال في ذلك:[من الطويل]
وكانت هموم النّفس من قبل قتله
…
تلمّ فتحميني وطاء المجامع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي
…
وكنت إلى الأوثان أوّل راجع
= البخاري عن موسى بن عقبة، وهو مردود، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 430):(كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع، والذي في «مغازي موسى بن عقبة» من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في «الدلائل» (4/ 44) وغيرهم: سنة خمس) اهـ، وقد ذكرها في السنة الخامسة كل من الواقدي في «المغازي» (1/ 404)، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 59)، وابن الجوزي في «المنتظم» (2/ 308) والذهبي في «التاريخ» (2/ 258) وقال:(كانت في شعبان سنة خمس على الصحيح، بل على المجزوم به)، وقد تبع ابن إسحاق في قوله:(إنها في السادسة) كلّ من الطبري في «التاريخ» (2/ 604)، وابن الأثير في «الكامل» (2/ 76)، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 430):(فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها .. لكان ما وقع في «الصحيح» من ذكر سعد بن معاذ غلطا؛ لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضا فتكون بعدها، ويؤيده أيضا: أن حديث الإفك كان سنة خمس؛ إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المريسيع بعد ذلك، فيرجح أنها سنة خمس) اهـ، وبناء على هذا: فقد ترجح لنا أنها كانت سنة خمس-كما جزم بذلك الذهبي- والخندق بعدها، فقول المصنف:(إن الخندق سنة أربع) مردود أيضا، والله أعلم، وهو ما اعتمده البخاري في (كتاب المغازي) باب: غزوة الخندق، وأخرجه فيه معلقا قول موسى بن عقبة: إنها سنة أربع، وانظر كلام الحافظ في «الفتح» (7/ 393)، و «دلائل البيهقي» (3/ 394) وما بعدها.
(1)
أخرجه الحاكم (4/ 26)، وأبو داود (3927)، والبيهقي (9/ 74)، وأحمد (6/ 277)، وغيرهم.
ثم قتل عام فتح مكة وهو متعلّق بأستار الكعبة، ونزل فيه قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية.
وفيها: اقتتل أنصاري ومهاجري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال:
الأنصاري: يا للأنصار، فغضب عبد الله بن أبيّ ابن سلول وقال: قد تداعوا لنا، ثم قال لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا، وقال عدو الله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، في كلام كثير، فحمل زيد بن الأرقم الأنصاري مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف: ما قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا لكاذب، فصدقه من حضر من الأنصار، وكذّبوا زيدا ولاموه حتى استحيى وندم، ووقع الخوض في ذلك؛ فنزلت (سورة المنافقين) بأسرها، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا زيد؛ إن الله قد صدقك وأوفى بأذنك» (1) أي: استماعك، فلما قرب عبد الله بن أبيّ من المدينة .. منعه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ من دخولها، وقال:
والله؛ لا تدخلها إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعلم اليوم من الأعز ومن الأذل؟ فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن خلّ عنه، فدخلها (2).
وفي هذه الغزوة: كانت رخصة التيمم؛ ففي «الصحيحين» : عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش .. انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء؟ ! فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: أحبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس معهم ماء؟ ! فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا (3).
قال الحافظ العامري: (والأقرب: أن المراد آية النساء لا آية المائدة) اهـ (4)
(1) أخرجه البخاري (4906)، ومسلم (2584).
(2)
انظر «طبقات ابن سعد» (2/ 61).
(3)
«صحيح البخاري» (4906)، و «صحيح مسلم» (2584).
(4)
«بهجة المحافل» (1/ 246).
وكان ذلك في ذهابهم إلى الغزوة.
وفي قفولهم من هذه الغزوة: اتفق حديث الإفك، قالت عائشة رضي الله عنها: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته ودنونا من المدينة .. أذّن ليلة بالرحيل، فقمت حين أذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني .. أقبلت إلى الرحل فلمست صدري؛ فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع (1)، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، ورحلوا هودجي على بعيري وهم يظنون أني فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهنّ اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام (2)، فلم يستنكر القوم حين رفعوا خفة الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فتيممت منزلي الذي كنت [به]، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي، وكان صفوان بن معطّل السّلمي ثم الذّكواني قد عرّس من وراء الجيش، فادّلج عند منزلي (3)، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي وجلبابي، فو الله ما كلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرّسين في نحر الظهيرة (4)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول (5).
قال السّهيلي في «الروض» : (وكان صفوان رضي الله عنه يكون على ساقة العسكر يلتقط ما سقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به، ولذلك تخلّف في هذا الحديث.
قال: وروي: أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس، ويؤيده حديث أبي داود: أن امرأة صفوان اشتكت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت أشياء
(1) الجزع: خرز فيه سواد وبياض، وأظفار: قال الحافظ في «الفتح» (5/ 273): (كذا للأكثر، وفي رواية الكشميهني: ظفار، وهو أصوب)، وقال في موضع آخر (8/ 459):(الرواية: أظفار-بألف-وأهل اللغة لا يعرفونه بألف) اهـ وظفار: مدينة باليمن ينسب إليها فيقال: جزع ظفاري، والله أعلم.
(2)
العلقة: البلغة من الطعام، أو القليل منه.
(3)
عرّس: نزل آخر الليل في السفر للاستراحة، وقد مرّ شرحها، وادّلج-بتشديد الدال مع الوصل-سار آخر الليل، وبقطعها مع سكون الدال: سار أول الليل، والمراد هنا: السير آخر الليل.
(4)
نحر الظهيرة؛ أي: وقت القاتلة وشدة الحر.
(5)
أخرجه البخاري (2661) و (4750)، ومسلم (2770).
منها، أنه لا يصلي الصبح، فقال صفوان: يا رسول الله؛ إني امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا استيقظت .. فصلّ» (1).
ونزلت براءة عائشة رضي الله عنها بعد قدومهم إلى المدينة بسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين) اهـ (2)
وفي هذه السنة: -وقيل: في الخامسة-: غزوة الخندق (3)، وذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النّضير .. سار رئيسهم حيي بن أخطب في رجال من قومه ودعوا قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم: أنهم أهدى منه سبيلا، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً.}
فلما أجابتهم قريش .. تقدموا إلى قيس عيلان، فدعوهم إلى مثل ذلك، فأجابوهم، فسارت تلك القبائل، فلما علم صلى الله عليه وسلم بهم .. شرع في حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا (4)، فجهدوا أنفسهم في حفره متنافسين في الثواب، لا ينصرف أحد منهم لحاجة إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهد معهم صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فحمل من تراب الخندق حتى وارى الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشّعر، وكان يرتجز بشعر ابن رواحة:
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع صوته: «أبينا أبينا» (5).
(1)«سنن أبي داود» (2451).
(2)
«الروض الأنف» (7/ 32).
(3)
مر الخلاف في ذلك وترجيح أنها في الخامسة عند الكلام على غزوة المريسيع (1/ 216).
(4)
أخرجه الحاكم (3/ 598)، والطبراني في «الكبير» (6/ 212)، وابن سعد (4/ 63).
(5)
أخرجه البخاري (4104)، ومسلم (1803)، وقوله:«إن الألى قد بغوا علينا» كذا وردت في أغلب روايات الحديث، قال الحافظ في «الفتح» (7/ 401): (وقوله: «إن الألى قد بغوا علينا» ليس بموزون، وتحريره:«إن الذين قد بغوا علينا» ، فذكر الراوي «الألى» بمعنى «الذين»
…
، ووقع في الطريق الثانية لحديث البراء:«إن الألى قد رغّبوا علينا» كذا للسرخسي والكشميهني وأبي الوقت والأصيلي، وكذا في نسخة ابن عساكر) اهـ وهذا يرفع الإشكال، وهناك رواية أخرى مثبتة عند البخاري (6220)، ومسلم (1802) ترفع الإشكال أيضا؛ -
ولما رأى صلى الله عليه وسلم ما بهم من النّصب والجوع .. قال: [من الرجز]
اللهمّ إنّ العيش عيش الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة
فأجابوا: [من الرجز]
نحن الذين بايعوا محمّدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا (1)
وجرى في أثناء الحفر معجزات باهرة؛ كخبر الكدية التي أعيت سلمان، فلما ضربها صلى الله عليه وسلم .. صارت كأنها كثيب أهيل (2)، وإشباعهم من أقراص أتى بها أنس تحت إبطه من بيت أبي طلحة (3)، وإشباعهم في بيت جابر من صاع شعير وبهيمة داجن وهم نحو الألف (4).
ولما فرغوا من الخندق .. أقبلت جموع الأحزاب، كما قال الله تعالى:{إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ} الآية، [ومن فوقكم]؛ أي: من قبل المشرق؛ وهم: أسد وغطفان في ألف عليهم عوف بن مالك النصري، وعيينة بن حصن الفزاري في قبائل أخر، ونزلوا إلى جانب أحد، ومن أسفل [منكم]؛ وهم: قريش وكنانة والأحابيش، ومن انضاف إليهم من تهامة، عليهم أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف، فنزلوا برومة من وادي العقيق (5).
وخرج صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف، وجعل ظهره إلى سلع (6)، والخندق بينه وبين العدو، ورفع النساء والذراري في الآطام، واشتد الحصار على المسلمين، ونجم النفاق، واضطرب ضعفاء الدين، كما قال تعالى:{وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} الآيات.
وتقدم حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد سيّد بني قريظة، وسأله أن ينقض العهد الذي
= ففي هذه الرواية: «والمشركون قد بغوا علينا» وهذا موزون، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري (2834)، ومسلم (1805).
(2)
أخرجه البخاري (4101)، وأحمد (3/ 300)، وأبو يعلى (2004).والكدية: الصخرة الصماء، والكثيب: الرمل، وأهيل؛ أي: يهال ويسيل ولا يتماسك.
(3)
أخرجه البخاري (3578)، ومسلم (2040).
(4)
أخرجه البخاري (4102)، ومسلم (2039)، والبهيمة الداجن: السمينة، وهي التي تترك في البيت ولا تفلت للرعي، فمن شأنها أن تسمن، وفي رواية:(عناق) وهي: الأنثى من المعز.
(5)
رومة: أرض بالمدينة، وفيها البئر التي ابتاعها سيدنا عثمان وجعلها سبيلا للمسلمين.
(6)
سلع: جبل بالمدينة.
بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى عليه، فلم يزل يخادعه بقول الزور ويمنّيه أمانيّ .. حتى أجاب إلى النقض على أن أعطاه العهد: لئن رجعت تلك الجموع خائبة .. أن يرجع معه إلى حصنه يصيبه ما أصابه، فزاد الأمر اشتدادا حتى بعث صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف المرّي قائدي غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يفرّقا الجمع.
فلما تم ذلك ولم يبق إلا الكتاب .. استشار صلى الله عليه وسلم السّعدين سيّدي الأنصار، فقالا: يا رسول الله؛ أمر أمرك الله به لا بد منه أم أمر تحبه فنصنعه أم لنا؟ فقال: «بل لكم؛ رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر شوكتهم» .
فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهؤلاء على الشّرك لا يطمعون منا بتمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وأعزنا بك نعطيهم؟ ! والله؛ لا نعطيهم إلا السيف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنت وذاك» (1)، [وترك ما كان همّ به من ذلك، ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم] وليس بينهم وبين العدو إلا الرمي بالنبل والحصى، إلا أن عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ودّ في فوارس من قريش لما وقفوا على الخندق ..
قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم أقحموا خيولهم مهزما من الخندق (2)، وجالوا في السبخة، فخرج عليهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين، فأخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا، وأقبلت خيل قريش نحوهم، فقتل علي عمرو بن عبد ودّ، وألقى عكرمة رمحه، وولّوا منهزمين، ففي ذلك قال حسان:[من المتقارب]
فرّ وألقى لنا رمحه
…
لعلك عكرم لم تفعل
وولّيت تعدو كعدو الظّليم
…
ما إن تحور عن المعدل
ولم تلق ظهرك مستأنسا
…
كأنّ قفاك قفا فرعل (3)
وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق، فنزل إليه علي فقتله، وأصيب يومئذ سعد بن معاذ؛ رماه حبّان ابن العرقة بسهم في أكحله، فقال سعد: اللهم؛ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا .. فأبقني له، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم .. فاجعله لي
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (6/ 28)، وابن سعد (2/ 69)، وابن هشام (3/ 223).
(2)
المهزم: المكان الضيق.
(3)
عكرم: مرخم عكرمة، والظليم: ذكر النعام، وتحور: ترجع، وفرعل: ولد الضبع، وقيل: ولد الذئب منه.
شهادة، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة (1).
ثم كان من مقدمات اللطف: أن جاء نعيم بن مسعود الغطفاني ثم الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وقال: يا رسول الله؛ إن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت» (2).
فجاء نعيم إلى اليهود وأخبرهم أن قبائل العرب ينصرفون ويتركونكم ومحمدا، ولا طاقة لكم به، فيرجع الشؤم والوبال عليكم، فاتخذوا منهم رهائن؛ لئلا ينصرفوا حتى يناجزوا محمدا، [فصدّقوه في ذلك وتصادقوه (3)، ثم جاء إلى قريش وأخبرهم: أن اليهود قد ندموا وباطنوا محمدا]، ووعدوه أن يتخذوا منكم رهائن، فيدفعونهم إليه فيقتلهم، وأخبر غطفان بمثل ذلك.
فلما أصبحوا .. أخذت العرب للحرب، وأرسلوا لليهود لينهضوا معهم، فاعتذروا بأنه يوم السبت، وأنهم لا ينطلقون معهم حتى يعطوهم رهائن تدعوهم إلى المناجزة، فصدّقوا نعيم بن مسعود فيما كان حدثهم به، فأوقع في قلوبهم الوهن والتجادل، وافترقت عزائمهم، وأرسل عليهم ريح الصّبا في برد شديد، فزلزلتهم وقلقلتهم وأسقطت كل قائمة لهم، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتى كان سيد كل حي يقول: يا بني فلان، فإذا اجتمعوا عنده .. قال: النجاء النجاء أتيتم.
فلما رأى أبو سفيان ما فعلت الريح وجنود الله بهم؛ لا تقرّ لهم قدرا ولا بناء .. قام فقال: يا معشر قريش؛ ليأخذ كل رجل بيد جليسه فلينظر من هو؟ قال حذيفة-وكان قد أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه بخبر القوم-: فأخذت بيد جليسي فقلت: من أنت؟ فقال: سبحان الله! أما تعرفني؟ ! أنا فلان بن فلان رجل من هوازن.
فقال أبو سفيان: يا معشر قريش؛ إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث،
(1) أخرجه البخاري (4122)، ومسلم (1769)، دون دعائه على بني قريظة، أما هذا: فأخرجه ابن حبان (7028)، وأحمد (6/ 141)، وابن سعد (3/ 390).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (9737)، وابن سعد (5/ 166)، والبيهقي في «الدلائل» (3/ 445).
(3)
تصادقوه: رأوا أنه صديق ناصح.
فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، فسمعت غطفان بذلك، فانشمروا راجعين إلى بلادهم، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خبر انصرافهم .. قال:«الآن نغزوهم ولا يغزونا» (1).
وفيها: كانت غزوة بني قريظة، وذكرها النووي في الخامسة مع ترجيح أن الخندق في الرابعة مع الاتفاق على أنه صلى الله عليه وسلم توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه عن غزوة الخندق (2).
وذلك: أنه صلى الله عليه وسلم لما أصبح من ليلة منصرف الأحزاب، وكان وقت الظهر، ووضع السلاح واغتسل .. أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فأين؟ » ، فأشار إلى بني قريظة (3)، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلّينّ أحد العصر إلا في بني قريظة (4)، وقدّم النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته، ثم سار خلفه.
قال أنس: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار
(1) أخرجه البخاري (4109)، وأحمد (4/ 262)، والطيالسي (1289)، والطبراني في «الكبير» (7/ 98).
(2)
ذكر ذلك النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 20)، لكن مر إثبات أن غزوة المريسيع كانت قبل غزوة الخندق؛ لأن فيها-أي: في المريسيع-ذكر سعد بن معاذ، وقد استشهد بعد الخندق، وحديثه في «الصحيح» ، فيتعين أنها قبل الخندق، وقد ذكرها النووي نفسه في السنة السادسة! ! أما استشهاد النووي بحديث ابن عمر في «الصحيح» (خ 2664):(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني) .. فأجاب الحافظ عن ذلك في «الفتح» (5/ 278) حيث قال: (وأكثر أهل السير أن الخندق كانت في سنة خمس من الهجرة وإن اختلفوا في تعيين شهرها، واتفقوا على أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث، والبخاري جنح إلى قول موسى بن عقبة في «المغازي»: إن الخندق كانت في شوال سنة أربع، لكن اتفق أهل المغازي على أن المشركين لما توجّهوا من أحد .. نادوا المسلمين: موعدكم العام المقبل بدر، وأنه صلى الله عليه وسلم خرج إليها من السنة المقبلة في شوال فلم يجد بها أحدا، فتعيّن ما قال ابن إسحاق: إن الخندق كانت في سنة خمس، وقد أجاب البيهقي وغيره بأن قول ابن عمر: «عرضت يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة» أي: دخلت فيها، وأن قوله: «عرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة» أي: تجاوزتها، فألغى الكسر في الأولى وجبره في الثانية، وهو شائع مسموع في كلامهم، وبه يرتفع الإشكال المذكور، وهو أولى من الترجيح، والله أعلم) اهـ وذكرها في الخامسة كل من الواقدي في «المغازي» (2/ 440)، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 70)، وابن الجوزي في «المنتظم» (2/ 317)، وابن الأثير في «الكامل» (2/ 65)، والذهبي في «التاريخ» (2/ 296) وجزم أنها في الخامسة بعد مناقشة الأقوال، وهذا هو الراجح، والله أعلم.
(3)
أخرجه البخاري (4117)، ومسلم (1769).
(4)
أخرجه البخاري (946)، ومسلم (1770).
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة (1)، فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم، فلما اشتدت وطأته عليهم .. أرسلوا إليه: أن أرسل إلينا أبا لبابة، فأرسله إليهم، فتلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم لولائه منهم، فقالوا: أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه-[يعني]: أنّ حكمه القتل-ثم ندم أبو لبابة لكونه قد خان الله ورسوله، فلم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل راح إلى المسجد، وربط نفسه بسارية، وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خر مغشيا عليه، فتاب الله عليه، فنزل فيه:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ، } وآية توبته: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا، } الآية، ولم يطأ بلد بني قريظة بعدها، وكان له بها أموال وأشجار (2).
وسأل بنو قريظة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل منهم ما قبل من إخوانهم بني النّضير، فأبى عليهم، فلما أيسوا من ذلك .. نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، فشفع فيهم حلفاؤهم الأوس كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني قينقاع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأوس:«ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ » قالوا: بلى، قال: فذلك إلى سعد بن معاذ، وكان سعد قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم في خيمة في جانب مسجده؛ ليعوده من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار، وأقبلوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون: يا أبا عمرو؛ أحسن إلى مواليك، فقال لهم: قد آن لسعد ألاّ تأخذه في الله لومة لائم، فحينئذ أيس قومه من بني قريظة ونعوهم إلى أهليهم قبل أن يحكم، ولما أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. قال لمن عنده:«قوموا إلى سيدكم» ، فحكم سعد رضي الله عنه بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«لقد حكمت بحكم الله تعالى» ، وربما قال:«بحكم الملك» (3).
فحبسهم النبي صلى الله عليه وسلم في بيت واحد، وخد لهم أخاديد في موضع سوق المدينة، فخرج بهم أرسالا، تضرب أعناقهم، ثم يلقون في الأخاديد (4)، وترك منهم من
(1) أخرجه البخاري (4118).
(2)
انظر «دلائل البيهقي» (4/ 13)، و «طبقات ابن سعد» (2/ 71)، و «تاريخ الطبري» (2/ 583).
(3)
سبق تخريجه في ترجمة سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه (1/ 85).
(4)
أخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 22)، والطبري في «التاريخ» (2/ 588) والأخاديد-جمع أخدود-وهو: الشق المستطيل في الأرض.